الشهادة الجامعية في الهندسة - جامعة الملك سعود بالرياض..
اعمل في القطاع الخاص وحاصل على العديد من الدورات التخصصية ( الفنية والإدارية ) ..

أحمد ربي على نعمة الإسلام ، وافتخر بأني اكتب وأتكلم بلغة الضاد ، وأحب التعمق فيها ومعرفة أسرارها والبحث عن معاني مفرداتها ومترادفاتها ، فهي بحر عميق ، ولا عجب فهي لغة كتاب ربنا ومصدر عزنا ومجدنا.

إن الذي ملأ اللغات محاسناً **** جعل الجمال وسره في الضاد

اكتب ما يمليه علي ضميري من الواجبات الدينية والوطنية..


الجمعة، 8 مارس 2013

فوائد وفرائد ( متجدد ) :

الحلقة (٧٦) :

📌 (أم) - (أو


✍🏻 هل يقال :

التحق بالجامعة (أم) في المعهد ؟

التحق بالجامعة (أو) في المعهد ؟


🔻الكثير منا قد يتبادر إلى ذهنه بأنه لا فرق بين المثالين أعلاه وأن الحرف ( أم ) والحرف ( أو ) لهما نفس الاستخدام ولهما نفس المعنى .


( أم ) و ( أو ) حرفا عطف ، ولكل حرفٍ استعمال محدَّد ، فمن ذلك :


🔻أَمْ  :


١- تفيد طلب التعيين :

▪️قال تبارك وتعالى : ﴿أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:٥٩


▪️أزياد أبوك أم صديقك ؟


▪️أيهمُّك رضا الله أم رضا الناس ؟


٢- التسوية :

وعلامتها أن تقع بعد سواء ، كما في الآيات :

-﴿وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [يس:١٠]


-﴿ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ [الأعراف:١٩٣]


-﴿ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ [إبراهيم:٢١]


-﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ [الرعد:١٦]



🔻أَوْ

ولها عدَّة معانٍ ، وأشهرها:

١- التخيير :

▪️كما في قول الله عز وجل :﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ [المائدة:٨٩]


▪️التحق بالجامعة أو بالمعهد .


▪️تزوج إحدى ابنتيَّ: زينبَ أو فاطمةَ .



٢- الشكّ :

▪️كما في قوله تعالى : ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [سبأ:٢٤]


▪️وقوله تعالى: ﴿قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ فَاسأَلِ العادّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣]


▪️قرأت أمس عشرين صفحةً أو خمسةً وعشرين.


٣- الإبهام

أسافر يوم الخميس أو يوم الجمعة .


٤- التقسيم

الكلمة: اسم أو فعل أو حرف .


٥- الإباحة

كما في قول الله تعالى : ﴿ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ ...﴾ الآية [النور:٦١]


٦- الإضراب

كما في قول الشاعر :

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانيةً 

لولا رجاؤك قد قتّلت أولادي


📚[ملتقى أهل اللغة ]


=======
الحلقة (٧٥) :

ورد في القرآن الكريم آيات تسمى :

✍🏻 آية الكرسي

✍🏻 وآية الدين

✍🏻 وآية السيف

✍🏻 وآية المجادلة

✍🏻 وآية المباهلة

✍🏻 وآية العز


فما هي ؟


✍🏻 فآية الكرسي :

قوله تعالى : ﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]


✍🏻 وآية الدين :

وتسمى آية المداينة ، وهي قوله تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا تَدايَنتُم بِدَينٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكتُبوهُ﴾ الآية من سورة [البقرة: ٢٨٢]


✍🏻 وآية السيف :

قوله تعالى : ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُموهُم وَخُذوهُم وَاحصُروهُم وَاقعُدوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ فَإِن تابوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: ٥]

جاء في تفسير الطبري :

انسلخ : " أي فإذا انقضى ومضى وخرج " . انتهى

ويطلق العلماء على هذه الآية " آية السيف " ، قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره

" وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ هِيَ آيَةُ السَّيْفِ " انتهى 


وسميت آية السيف لأن الله أمر فيها بالقتال .


 ✍🏻 وآية المجادلة :

قوله تعالى : ﴿قَد سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّتي تُجادِلُكَ في زَوجِها وَتَشتَكي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَميعٌ بَصيرٌ﴾ [المجادلة: ١]

وقد نزلت هذه الآية بشأن قصة : خولة بنت ثعلبة  - رضي الله عنها - مع زوجها .


✍🏻 وآية المباهلة :

قوله تعالى : ﴿فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالَوا نَدعُ أَبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسَنا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللَّهِ عَلَى الكاذِبينَ﴾ [آل عمران: ٦١]


والمباهلة هي الملاعنة ، والمقصود منها أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء ، فيقولوا : لعنة الله على الظالم منا

ينظر : " النهاية في غريب الأثر " .


✍🏻 وآية العز :

قوله تعالى : ﴿وَقُلِ الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي لَم يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَهُ شَريكٌ فِي المُلكِ وَلَم يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرهُ تَكبيرًا﴾ [الإسراء: ١١١]


وأكثر أهل العلم يرتضي هذه التسمية ، روى الإمام أحمد بسند ضعيف عن معاذ الجهني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " آية العز  {الْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} " .


ومن الفوائد :

قيل - والعلم عند الله - : إن هذه الآية ختم الله بها التوراة ، والتوراة يقولون : إنها مستفتحة بقول الله تعالى : ﴿الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنّورَ ثُمَّ الَّذينَ كَفَروا بِرَبِّهِم يَعدِلونَ﴾ [الأنعام: ١]

فبعض العلماء يقول: إن أول آية في التوراة أول الأنعام، وآخر آية في التوراة آية العز التي هي آخر آية في الإسراء ، كما روى مطرف عن عبد الله بن كعب قال : افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام ، وختمت بخاتمة هذه السورة


وقال القرطبي في (تفسيره) :

" وهذه الآية هي خاتمة التوراة " . انتهى


========
الحلقة (٧٤) :

[الافتنان]


وهو الإتيان في الكلام الواحد بفنين مختلفين أو أكثر من فنون القول ، كالمدح والهجاء ، والفخر والتحدي ، والتهنئة والتعزية ، والمدح والعتاب ، أو النسيب (الغزل) والحماسة .


🔸 ومن الأمثلة في كتاب الله - عز وجل :


🔅 قول الله تعالى : ﴿وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتمًا مَقضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذينَ اتَّقَوا وَنَذَرُ الظّالِمينَ فيها جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧١-٧٢]

جاء في (إعراب القرآن وبيانه) : " جمعت بين الوعد والوعيد، بين التبشير والتحذير وما يلزم من هذين الفنين من المدح للمختصين بالبشارة والذم لأهل النذارة " . انتهى



🔅 وفي قوله تعالى : ﴿كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾ [الرحمن: ٢٦-٢٧]

قال السيوطي في " الاتقان " :

" فإنه تعالى عزى جميع المخلوقات من الإنس والجن والملائكة وسائر أصناف ما هو قابل للحياة ، وتمدح بالبقاء بعد فناء الموجودات في عشر لفظات ، مع وصفه ذاته - بعد انفراده بالبقاء - بالجلال والإكرام سبحانه وتعالى " . انتهى



🔸 أما في الشعر :

فكما جاء في " معجم البلاغة العربية " :


أما ما افتنّ به الشاعر من النسيب والحماسة فكقول عنترة :

إن تُغدِفي دوني القناع فإنني

طبٌّ بأخذ الفارس المستلئم


فأول البيت نسيب وآخره حماسة .



ويروى لعبد الله بن طاهر:

أحبك يا ظلوم وأنت مني

مكان الروح من جسد الجبان

ولو أني أقول مكان روحي

لخفت عليك بادرة الطعان


ومما جمع بين تهنئة وتعزية قول بعض الشعراء ليزيد بن معاوية، يعزيه بأبيه ويهنئه بالخلافة :

اصبر يزيد، فقد فارقت ذا مِقةٍ

واشكر حباء الذي بالملك أصفاكا


لا رزء أصبح في الأقوام نعلمه

كما رزئت ولا عقبى كعقباكا


=======

الحلقة (٧٣) :

 [نفي الشيء بصيغة تشعر بإثباته]



أو نفي الشيء بإيجابه ، وهو أن يكون ظاهر الكلام يفيد إثبات الشيء إلا أن باطنه يفيد نفيه مطلقا ، والغرض تأكيد النفي .


قال ابن رشيق في تعريفه : أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه، بأن ينفى ما هو من سببه، كنفي وصفه، وهو المنفي في الباطن .

وقال غيره: أن ينفى الشيء مقيدا والمراد نفيه مطلقا.

وبالأمثلة تستبين الأمور :


✍🏻 المثال الأول:

قول الله عز وجل : ﴿فَما تَنفَعُهُم شَفاعَةُ الشّافِعينَ﴾ [المدثر: ٤٨]
أي : ليس لهم شافعون يومئذ ولو كان لهم شافعون لما نفعتهم شفاعتهم .

✍🏻 المثال الثاني:

 قول الله عز وجل : ﴿وَأَنذِرهُم يَومَ الآزِفَةِ إِذِ القُلوبُ لَدَى الحَناجِرِ كاظِمينَ ما لِلظّالِمينَ مِن حَميمٍ وَلا شَفيعٍ يُطاعُ﴾ [غافر: ١٨]
أي : لو فرض وجود شفيع لهم لم يكن مطاعا ، فذكر احتمال وجود شفيع غير مطاع يؤكد عدم وجود شفيع لهم .


✍🏻 المثال الثالث

قول الله عز وجل : ﴿وَمَن يَدعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لا بُرهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الكافِرونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧]
إن اتخاذ إله مع الله عز وجل لا يمكن أن يدل عليه برهان ، فلا يوجد إله غير الله يوصف بأن إلهيته ذات برهان .
فقيد لا برهان به يؤكد ضمنا عدم وجود شريك لله عز وجل في إلهيته .



✍🏻 المثال الرابع:

 قول الله عز وجل : ﴿إِنَّ الَّذينَ يَكفُرونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقتُلونَ النَّبِيّينَ بِغَيرِ حَقٍّ وَيَقتُلونَ الَّذينَ يَأمُرونَ بِالقِسطِ مِنَ النّاسِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ﴾ [آل عمران: ٢١]
لقد كان اليهود يقتلون النبيين بغير حق ، ولا يمكن أن يكون قتل النبيين بحق ، لكن إثبات هذا القيد يؤكد مبلغ جرمهم .


📚 [البلاغة العربية -عبد الرحمن الميداني الدمشقي]


========

الحلقة (٧٢) :

📎 [التبديل العكس المعنوي]


_من_فنون_البلاغة


👈🏻 العكس :

ويسمى التبديل وهو أن يكون الكلام المشتمل على جزئين أو أكثر ، في فقرتين ، فيقدم ما أخّره في الفترة الأولى ، ويؤخّر ما قدّمه .


أو هو أن يؤتى بأجزاء تالي الكلام على عكس ما جاء في أجزاء مقدمه .

ويحسن هذا الفن البديعي حين يكون كل من مقدم الكلام وتاليه الذي هو عكسه مؤديين من المعاني ما يقصد لدى البلغاء .


👈🏻 وللعكس صور ، منها ما يلي :


١- العكس بين طرفي جملة واحدة ،

مثل : (كلام الأمير أمير الكلام) .


٢- العكس بين متعلقي فعلين في جملتين ،

مثل : قوله تعالى : ﴿يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ﴾ [الروم: ١٩]


٣- العكس بين لفظين في طرفي جملتين ،

مثل

قول الله تعالى : ﴿لا هُنَّ حِلٌّ لَهُم وَلا هُم يَحِلّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠] .


ومثل : قول الأب لمعلم ولده الذي أنجحه في الامتحان بغير حق ، فصار الولد يسقط بعد ذلك في الامتحانات ، (أنجحته بغير حق فسقط ، ولو أسقطته بحق لنجح ) .


👈🏻 ومن الأمثلة على تبديل العكس المعنوي :


🔸قول الله عز وجل : ﴿يولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهارِ وَيولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيلِ﴾ [فاطر: ١٣]

كل من مقدم الكلام وتاليه الذي هو عكسه ذو معنى مقصود ، والمعنيان متكاملان في موضوعهما.


🔸وقول الله عز وجل :
﴿ما عَلَيكَ مِن حِسابِهِم مِن شَيءٍ وَما مِن حِسابِكَ عَلَيهِم مِن شَيءٍ﴾ [الأنعام: ٥٢]

🔸وقوله تعالى :
﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُم وَأَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧]
المقدم : {هُنَّ لِباسٌ لَكُم}.
وعكسه التالي : {وَأَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ}.


🔸وقوله تعالى :
﴿اليَومَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعامُكُم حِلٌّ لَهُم﴾ [المائدة: ٥]


🔸 وكقول الشاعر :

في هواكم يا سادتي متُّ وجداً

متُّ وَجداً يا سادتي في هواكمُ


=========
الحلقة (٧١) :

فائدة لغوية :


📎 [من معاني كلمة (دون) في اللغة العربية]


كلمة (دون) لها معانٍ عدة ؛ منها :

١- بمعنى " قبل "

٢- بمعنى " أمام "

٣- بمعنى " وراء "

٤- بمعنى " تحت "

٥- بمعنى " فوق "

٦- بمعنى " الساقط من الناس وغيرهم

٧- بمعنى " الشريف

٨- بمعنى " الأمر

٩- بمعنى " الإغراء "

١٠- بمعنى " الوعيد "

١١- بمعنى " غير "

١٢- بمعنى " خلف

١٣- بمعنى " بين "

١٤- بمعنى " على "

١٥- بمعنى " علّ "

١٦- بمعنى " عند "

١٧- بمعنى " بعد "

١٨- بمعنى " أقل وأنقص " .




فأما (دون) بمعنى " قبل " ، فكقولك : دون النهر قتال ؛ ودون قتل الأسد أهوال ؛ أي : قبل أن تصل إلى ذلك .


و" الوعيد " ’ كقولك : دونك صراعي ؛ ودونك فتمرس بي .


وفي " الأمر " : دونك الدرهم ، أي : خذه ،


وفي " الإغراء " ؛ دونك زيدا في حفظه


وفي " الأمر " ؛ فيقولون : دونك الرجل ، دونك الجدار .


وفي " التحذير " ؛ فيقولون : دونك النار والبئر والحفر .....إلخ 


وبمعنى " تحت " ، كقولك : دون قدمك خد عدوك ، أي : تحت قدمك .


وبمعنى " فوق " كقولك : إن فلانا لشريف ، فيجيب آخر فيقول : ودون ذلك ،  أي : فوق ذلك .


🔻وقال الفراء : "دون " تكون بمعنى " على " وتكون بمعنى "علّ " وتكون بمعنى " بعد " وتكون بمعنى " عند " وتكون إغراء وتكون بمعنى أقل من ذا وأنقص من ذا .

ذكر هذا كله ابن منظور في ( لسان العرب ) في مادة " دون " .


🔻وقد نظم الشيخ محمد ابن الشيخ العلامة علي بن آدم الإتيوبي الولّوي هذه المعاني في قوله :


لدونَ تسعةٌ من المعاني

قبلُ وفوقُ تحتُ خُذ بياني


أمام والساقطُ والإغراء

والأمر والوعيد زِد وراءُ


وعلَّ عندَ وبمعنى بعدُ

فاحفظ فحفظُ العلم نعم السَّعدُ


=========
الحلقة (٧٠) :

[ كلمات قرآنية لها نفس الأحرف مع اختلاف الترتيب ]


وهما كلمتان مذكورتان في كتاب الله لا ثالث لهما .


أولاً :

الأحرف (ل - م - ح)


قال الله تعالى في الآيات :


١- ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخيهِ مَيتًا فَكَرِهتُموهُ﴾ [الحجرات: ١٢]


٢- ﴿وَهذا مِلحٌ أُجاجٌ﴾ [الفرقان: ٥٣]


٣- ﴿وَلِمَن جاءَ بِهِ حِملُ بَعيرٍ﴾ [يوسف: ٧٢]


٤- ﴿وَلا تَحلِقوا رُءوسَكُم حَتّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦]


٥- ﴿وَما أَمرُنا إِلّا واحِدَةٌ كَلَمحٍ بِالبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠]


٦- ﴿وَإِذا بَلَغَ الأَطفالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَليَستَأذِنوا﴾ [النور: ٥٩]



👈🏻 نلاحظ من الآيات السابقة ؛ الألفاظ الآتية :

( لحم - ملح - حمل - محل - لمح - حلم ) أنها ستة سياقات مذكورة في القرآن الكريم ، وتتكون من نفس الحروف ( ل - م - ح ) مع اختلاف الترتيب .




ثانياً :

الأحرف (ب - ر - ح)


قال الله تعالى في الآيات :


١- ﴿فَأذَنوا بِحَربٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩]


٢- ﴿لا أَبرَحُ حَتّى أَبلُغَ مَجمَعَ البَحرَينِ﴾ [الكهف: ٦٠]


٣- ﴿وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت﴾ [التوبة: ٢٥]


٤- ﴿فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم﴾ [البقرة: ١٦]


٥- ﴿وَالبَحرِ المَسجورِ﴾ [الطور: ٦]


٦- ﴿ادخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُم وَأَزواجُكُم تُحبَرونَ﴾ [الزخرف: ٧٠]

حبر الرجل بالشيء إذا سُر به .

ويُحبرون : ينعمون ويكرمون .



👈🏻 نلاحظ من الآيات السابقة ؛ الألفاظ الآتية :

( حرب - برح - رحب - ربح - بحر - حبر ) أنها ستة سياقات مذكورة في القرآن الكريم ، وتتكون من نفس الأحرف ( ب - ح - ر ) مع اختلاف الترتيب .



=======
(٦٩)

📌 [ كلمة " تترى " : فعل أم اسم ؟ ]

دَرَجَ الكثيرون على جعل (تترى) فعلاً مضارعًا، يقولون : تترى المصائبُ على الإنسان ، ظانِّينَ أنها بمعنى : تتواترُ وتتتابعُ !
فما وجهُ الصَّواب في هذه الكلمة ؛ أفعلٌ هي أم اسمٌ ؟

🚩تترى :
اسمٌ، مصدرٌ ، وأصلها: (وَتْرى) ، ثم أُبدلَت الواو تاءً ، وهي من المواتَرَة . وإبدالُ التاء من الواو كثير شائع في العربية ، مثل :
(تُراث) أصلها : وُراث ، من الفعل وَرِثَ .
 
(تُقاة) أصلها : وُقاة ، من الفعل وَقى .

(تُجاه) أصلها : وُجاه ، من الوَجه .


🚩نقول :
المصائبُ على الإنسان تترى ، أي : متتابعةٌ مُتواتِرَة .
وجاء القوم تترى ، أي : مُتتابعينَ مُتواتِرين .

ومن الأدلَّة القاطعة على اسميَّة (تترى) أن فيها لغةً بالتنوين: (تترًا) ، ولا يخفى أن التنوينَ من خصائص الأسماء ، وأن الأفعالَ لا تُنوَّن .
فمَن نوَّن هذا الاسمَ اعتدَّ الألفَ التي في آخره للإلحاق ، ووزنُه: (فَعلاً) ، مثل: ضَربًا ونَصرًا. ومن لم ينوِّنه يعتدُّ الألفَ في آخره للتأنيث ، ووزنُه : (فَعْلى) ، مثل : دَعْوى من دَعا، وذِكْرى من ذَكَر .

🚩ويستشهد علماءُ العربيَّة على ذلك بقوله تعالى : ﴿ثُمَّ أَرسَلنا رُسُلَنا تَتْرَا﴾ [المؤمنون: ٤٤] ، فقد قرأ ابنُ كَثير وأبو عَمرو: (تترًا) بالتنوين ، وقرأ بقيَّةُ السَّبعة: (تترى) بغير تنوين .
وإعرابُ (تترى) في الآية يحتملُ وَجهَين :
١- أنه حالٌ من (رسلنا) ، أي : أرسَلنا رسُلَنا مُتَواتِرين ؛ واحدًا بعد واحد .

٢- أنه صفةٌ لمصدر محذوف ، أي: أرسَلنا رسُلَنا إرسالاً مُتتابعًا، أو إرسالاً بعد إرسال.

🚩وتقدم أن (تترى): من المواتَرَة والتَّواتُر، وقد ذهب جمهرة من أهل العربية إلى التفريق بين التَّواتُر والتتابع ؛ بأن جعلوا التتابع : في الأشياء يأتي بعضها في إثْر بعض بلا فاصل ، والتَّواتُرَ : في الأشياء يكون بينها فاصل .
قال ابن الأثير في "النِّهاية" في شرحه حديث أبي هريرة : لا بأس بقضاء رمضان تَتْرى ، أي: متفرقًا غير متتابِع .


🚩قال ابنُ قَلاقِس يمدحُ الحافظَ أبا طاهرٍ السِّلَفيَّ:
يا مَنْ أَيادِيهِ تَتْرَى ليسَ يَجحَدُها
إلا أُناسٌ لفَضْلِ اللهِ  قَد  جَحَدوا

أي : يا مَن أياديه مُتواتِرَةٌ بالعطاء والجُود.

🚩وقال أميرُ الشعراء أحمد شَوقي في مدحه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - :

والآيُ تَتْرَى والخَوارِقُ جَمَّةٌ
جِبريلُ   رَوَّاحٌ   بِها   غَدَّاءُ

والمراد: والآيُ كثيرةٌ مُتواتِرَةٌ .


📚 المصدر : مجلَّة الرسالة  - العدد (٥٥) ، ١٤٢٧هـ .
__________

(٦٨)

[ فروق لطيفة ] 

( فَظٌّ )

( فَضَّ ) :
ومنه (فَضَّ اللَّهُ فَاك) ، (لا يَفْضُضِ اللّهُ فاكَ)

🔹فَظٌّ :
جمع أَفْظَاظٌ  ، ورجل فظ : خشن وغليظ الجانب وسيء الخلق  ، قال تعالى : ﴿وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] 
قال ابن كثير في تفسيره : " أي شيء جعلك لهم لينا لولا رحمة الله بك وبهم " . انتهى


🔹فَضَّ :

👈🏻 (فض الله فاك) :
يفضه فضاً، وهو دعاء على الإنسان ، ومعناه : فرق أسنانه وكسرها ، والفم هاهنا: الأسنان ، من باب إطلاق المحل وإرادة الحال .
ومن هذا المعنى اُقتبس الدعاء لمن يجيد الكلام : لاَ فُضَّ فُوكَ : (أَيْ لاَ نُثِرَتْ أَسْنَانُكَ وَلاَ فُرِّقَتْ) .
لأن الفض في اللغة هو الكسر والتفريق . وفوك – من الأسماء الستة - أي فمُك .
وجاء في حديث : " من رأيتموه ينشدُ شعرًا في المسجدِ فقولوا فضَّ اللهُ فاك ثلاثًا " وفي سنده ضعف كما قال عنه الألباني - رحمه الله .

👈🏻 (لا يَفْضُضِ اللّهُ فاكَ) :
قال أبو بكر النحوي : معناه لا يكسِّر الله أسنانك ويفرقها ، وفيه وجهان :
(لا يَفْضُضِ الله فاك) - بفتح الياء وضم الضاد الأولى وكسر الثانية - ، 
(ولا يُفْضِ الله فاك) بضم الياء وحذف الياء الثانية ، للجزم : أي لا يجعله فَضاء لا أسنان فيه ، قال الله عز وجل : ﴿لَانفَضّوا مِن حَولِكَ﴾ : أي لتفرقوا .
 

🔻الخلاصة :

الفَظٌّ : الخشن الغليظ .

الفَضّ : الكسر والتفريق

___________
(٦٧)

[ من الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم ]


ما الحكمة في التعبير عن المستقبل بصيغة الماضي ، وعن الماضي بصيغة المستقبل في القرآن ؟



أولا ً / التعبير عن المستقبل بصيغة الماضي 


• ثانياً : التعبير عن الماضي بصيغة المستقبل .


• ثالثاً /الفرق بين الإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل ، وبين الإخبار بالفعل المستقبل عن الماضي .


_____


أولا ً / التعبير عن المستقبل بصيغة الماضي :


نجد في القرآن الكريم أفعالا ماضية استُعملت للدلالة على المستقبل ، حيث إنها وإن جاءت بصيغة الماضي فإنها لم تحدُث بعد .

ومن هنا فتعبير القرآن الكريم بالماضي عن المستقبل دال على تحقُّق وقوعه ، ومن ذلك :


🔅قوله تعالى : ﴿إِذا زُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها﴾ [الزلزلة: ١] ، حيث تزلزل الأرض وتلفظ أمواتها أحياء ، وهذا طبعا لا يكون إلا يوم القيامة وهو غيب مستقبل.


🔅وقوله تعالى: ﴿أَتى أَمرُ اللَّهِ فَلا تَستَعجِلوهُ﴾ [النحل: ١] ، أي يأتي .

فجيء بالماضي {أَتى} المراد به المستقبل المحققُ الوقوع ؛ بقرينة قوله: {فَلا تَستَعجِلوهُ} ؛ لأن النهي عن استعجال حلول ذلك اليوم يقتضي أنه لما يحل بعد


🔅وقوله تعالى :

﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى﴾ [القيامة: ٣١] ، أي لم يصدّق ولم يصلِّ


🔅وقوله تعالى : ﴿كَلّا إِذا دُكَّتِ الأَرضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: ٢١-٢٢]


🔅وقوله تعالى : ﴿إِذَا السَّماءُ انفَطَرَت وَإِذَا الكَواكِبُ انتَثَرَت﴾ [الانفطار: ١-٢]


🔅وقوله : ﴿فَإِذا جاءَتِ الصّاخَّةُ﴾ [عبس: ٣٣] 


وغيرها من الآيات التي جاء فعلُها ماضياً دالاًّ على المستقبل لتحدثنا عن يوم القيامة .

قال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - في تفسيره : " فهذه الأفعال الماضية المذكورة في الآيات بمعنى المستقبل ؛ تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع بالفعل ، ونظائرها كثيرة في القرآن ، وهذا الذي ذكرنا - من أن الأفعال الماضية بمعنى المستقبل هو الصواب إن شاء الله " . انتهى كلامه


👈🏻 فائدة هذا الأسلوب هو لإفادة اليقين بوقوعه ، حتى كأنه قد وقع ومضى .

قال ابن الأثير - : " أن الفعل الماضي إذا أُخبر به عن الفعل المستقبل الذي لم يوجد بعد ، كان ذلك أبلغ وأوكد في تحقيق الفعل وإيجاده ؛ لأن الفعل الماضي يعطي من المعنى أنه قد كان وُجِد ، وإنما يفعل ذلك إذا كان الفعل المستقبل من الأشياء العظيمة التي يُستعظم وجودها " .



ثانياً / التعبير عن الماضي بصيغة المستقبل :



وفائدة هذا الأسلوب أن المستقبل إذا أُخبر به عن الماضي ، تبينت من خلاله هيئة الفعل ؛ وذلك باستحضار صورته ؛ فيكون السامع كأنه شاهدٌ يشهد الحدث الآن


👈🏻 ومن أمثلة ذلك :


🔅قوله تعالى :﴿قُل فَلِمَ تَقتُلونَ أَنبِياءَ اللَّهِ مِن قَبلُ﴾ [البقرة: ٩١] ، أي لِمَ قَتَلتُم ؟

حيث ابتدأ الخبر بلفظ المستقبل في قوله : ﴿ تَقْتُلُونَ ثم أخبر أنه قد مضى بقوله : ﴿ مِنْ قَبْلُ ، فالفعل لا يدل على زمن الحدوث ، وإنما يدل على زمن الإخبار ، فللفعل الماضي زمانان ؛ زمن حدوث ووقوع ، وزمن إخبار عنه ، وهو ما أشار إليه الزجاجي بقوله : " والفعل الماضي ما تقضى وأتى عليه زمانان ، لا أقل من ذلك ، زمان وجد فيه ، وزمان خبر فيه عنه " .(أ.هـ)


🔅وقوله تعالى:﴿وَاتَّبَعوا ما تَتلُو الشَّياطينُ﴾ [البقرة: ١٠٢] ، أي ما تلت


🔅وكذلك وفق هذا الأسلوب جاء قوله سبحانه : ﴿حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيرَ مُشرِكينَ بِهِ وَمَن يُشرِك بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخطَفُهُ الطَّيرُ أَو تَهوي بِهِ الرّيحُ في مَكانٍ سَحيقٍ﴾ [الحج: ٣١] ،

فقال أولاً : {خَرَّ مِنَ السَّماءِ} بلفظ الماضي ، ثم عطف عليه المستقبل {فَتَخطَفُهُ} ، و {تَهوي} ، وإنما عدل في ذلك إلى المستقبل ؛ استحضاراً لصورة خطف الطير إياه ، وهَويِّ الريح به


🔅وقوله تعالى : ﴿إِذ تَبَرَّأَ الَّذينَ اتُّبِعوا مِنَ الَّذينَ اتَّبَعوا وَرَأَوُا العَذابَ وَتَقَطَّعَت بِهِمُ الأَسبابُ﴾ [البقرة: ١٦٦]

جاء بصيغة الماضي {وَرَأَوُا} ؛ للتنبيه على تحقيق وقوعه ، والقرينة قوله سبحانه في الآية بعدُ:﴿كَذلِكَ يُريهِمُ اللَّهُ أَعمالَهُم﴾ [البقرة: ١٦٧] ، الذي هو مستقبل ؛ إذ ليست الرؤية المذكورة بحاصلة في الحال ، فكأنه قيل: (لما يرون العذاب). 


🔅وقوله تعالى : ﴿وَاللَّهُ الَّذي أَرسَلَ الرِّياحَ فَتُثيرُ سَحابًا فَسُقناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحيَينا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها كَذلِكَ النُّشورُ﴾ [فاطر: ٩]

جاء بالفعل {فَتُثيرُ} مستقبلاً ، وما قبله {أَرسَلَ} ، وما بعده {فَسُقناهُ} ، و {فَأَحيَينا} ماضياً ؛ حكاية للحال التي يقع فيها إثارة الريح السحاب ، واستحضاراً لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة .

قال الزمخشري : " فإن قلت : لِمَ جاء {فتثير} على المضارعة ، دون ما قبله وما بعده ؟

قلت : ليحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب ، وتُستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية ". انتهى كلامه .


🔻قال ابن الأثير موضحاً فائدة هذا الأسلوب : " اعلم أن الفعل المستقبل ، إذا أُتي به في حالة الإخبار عن وجود الفعل ، كان ذلك أبلغ من الإخبار بالفعل الماضي ؛ وذاك لأن الفعل المستقبل يوضح الحال التي يقع فيها ، ويستحضر تلك الصورة ، حتى كأن السامع يشاهدها ، وليس كذلك الفعل الماضي... وهكذا يفعل بكل فعل فيه نوع تمييز وخصوصية ، كحال تُستغرب ، أو تهم المخاطب ، أو غير ذلك ". 


ثالثاً / الفرق بين الإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل ، وبين الإخبار بالفعل المستقبل عن الماضي،


👈🏻 افتتح ابن قتيبة في كتابه " تأويل مشكل القرآن " ، باب مخالفة ظاهر اللفظ معناه ، بقوله : " إنما يعرف فضل القرآن من كثر نظره واتسع علمه،  وفهم مذاهب العرب ، وافتتانها في الأساليب ، وما خص الله به لغتها دون جميع اللغات ، فإنه ليس في جميع الأمم أمة أوتيت من العارضة والبيان واتساع المجاز ما أُوتيته العرب " .


وحاصل ما ذكره ابن قتيبة في هذا الباب هو أن التعبير بالماضي عن المستقبل ، وبالمستقبل عن الماضي ، إنما هو مذهب من مذاهب العرب في كلامها ، وتفنن في أساليب خطابها ، وإيقاع أحدهما موقع الآخر لا يخلو من نكتة بلاغية ، أو لفتة بيانية ، كدلالة المضارع على التجدد ، والماضي على التحقيق .

وقد بيَّن علماء العربية هذا الأسلوب من البلاغة ، وأكدوا على أهميته في الكلام ، يقول أبو حاتم في هذا الصدد: " اتسعت العرب فجعلوا (فَعَلَ) في مواضع لما لم ينقطع بعد، وجعلوا (يفعل) وأخواتها لما قد كان " .


وقد نزل القرآن بلسان العرب وعلى مذاهبها في الكلام ، وجرى على هذا الأسلوب في إبلاغ رسالته للناس أجمعين .


وقد بيَّن المفسرون حقيقة هذا الأسلوب :


👈🏻 فوصفه (أبو حيان ) بأنه نوع " من التفنن في الكلام ، والتصرف في البلاغة " .


👈🏻 وذكر الآلوسي أن " الأفعال المستقبلة التي علم الله تعالى وقوعها كالماضية في التحقق ؛ ولذا عبر عن المستقبل بالماضي في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز " . 


👈🏻 وقد ذكر ابن الأثير أن " كثيراً ما يراعى أمثال هذا في القرآن " . 

وكان مسلك القرآن مع هذا الأسلوب قد اتخذ منحيين، فتارة يُعبِّر بالماضي مريداً به المستقبل، وتارة يُعبِّر بالمستقبل مريداً به الماضي، ولكل منحى غرض وغاية .


👈🏻 والفرق بين الإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل ، وبين الإخبار بالفعل المستقبل عن الماضي ، أن الغرض من الأول الدلالة على إيجاد الفعل الذي لم يوجد ، وتقريبه كأنه كائن، وتأكيداً على أنه سيكون .

والغرض من الثاني تبيين هيئة الفعل واستحضار صورته ؛ ليكون السامع كأنه يشاهدها

👈🏻 والمتحصل مما تقدم ، أن الأفعال في القرآن تكتسب دلالتها الزمنية من السياق الواردة فيه، لا من بِنيتها الصرفية فحسب، وغالباً ما يكون وراء تحولها ماضياً ومستقبلاً معنى بلاغيًّا


👈🏻 ومما يجدر التنبيه إليه هنا، هو أنه ليس كل فعل مستقبل ، يُعطف على ماض ، جارٍ هذا المجرى، فقد يكون المستقبل المعطوف على الماضي ليس من باب إخبار بمستقبل عن ماض ، وإنما هو مستقبل دل على معنى مستقبل غير ماض ، ويراد به أن ذلك الفعل مستمر الوجود لم يمض

ويُمثَّل لهذا بقوله سبحانه : ﴿إِنَّ الَّذينَ كَفَروا وَيَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٢٥] ، فقد عطف المستقبل {وَيَصُدّونَ} على الماضي {كَفَروا} ؛ لأن كفرهم كان قد وُجِد ، ولم يستجدوا بعده كفراً ثانياً ، في حين أن صدهم عن سبيل الله متجدد على الأيام ، لم يمض ، وإنما هو مستمر يستأنف في كل حين

ونحو هذا قوله عز وجل : ﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣] ، فقد عدل عن لفظ الماضي {أَنزَلَ} إلى المستقبل {فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً}، ولم يقل: (فأصبحت) عطفاً على {أَنزَلَ} ؛ لإفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان ، فإنزال الماء مضى وجوده ، واخضرار الأرض باق لم يمض .


________

(٦٦)

 [ الفاعل النحوي ]


- الفاعل النحوي : هو الذي أُسْنِد إليه الفعل مع أنه لم يقُم به في الحقيقة والواقع ، مثل قولك : 
( مات فلانٌ ) أو  (مات الرجلُ)
(هوى النجمُ)
(انكسر الزجاجُ)
(سقط الجدارُ)
(تحرك الشجر)
(تمزقت الورقة)
(اخضرّت الأرضُ)

الفاعل هنا (فلان /الرجل/ النجم /الزجاج/ الجدار /الشجر/الورقة / الأرض) :
ويسمى " فاعل نحوي " .

- على سبيل المثال : (تحرك الشجر) ،
لفظة (الشجر) تعرب فاعلاً نحوياً ، لكن هذا الإعراب لا يتفق مع المعنى اللغوي الواقعي لكلمة ( فاعل ) وهو من أوجد الفعل حقيقة ، وباشر بنفسه إبرازه في الوجود ، لأن (الشجر) لم يفعل شيئاً إذ لا دخل له في إيجاد هذا التحرك وجعله حقيقة واقعة ، وكلّ علاقته بالفعل أنه استجاب له .
والفاعل الحقيقي لا وجود له في الجملة ولا دليل يدل عليه ، لكنك إذا قلت : ( حرك الهواء الشجرة ) تغيّر الأمر ، وظهر الفاعل الحقيقي المنشئ للتحرك الذي وقع أثره على المفعول به . 
وما قيل في ( تحرك الشجر ) يقال في : ( تمزقت الورقة ) ؛ فالورقة في الحقيقة لم تفعل شيئاً فلم تمزق نفسها ، والفاعل الحقيقي لا وجود له في الجملة ولا دليل يدل عليه ، لكن إذا قلت : ( مزق الطفل الورقة) ظهر الفاعل الحقيقي ، واتضح من أوجد الفعل بمعناه اللغوي الدقيق .

- ومن خلال ما سبق يتضح أن الفاعل النَّحوي أحياناً لا يكون هو الفاعل الحقيقي ، وإنما هو المتأثر بالفعل ، وليس في الجملة ما يدل على الفاعل الحقيقي أو ما ينوب عنه ، وليس فيها تغيير لصورة الفعل أو ما يرشد إلى أن ذلك على سبيل النيابة عن الفاعل .
________

(٦٥)

( الرَّجــا )

( الرَّجاء )


• الرَّجا : الناحية ، وتجمع على (أرجاء) ، ومنه قوله تعالى : {وَالْمَلَك عَلَى أَرْجَائِهَا} ، أي الملائكة على أرجاء السماء ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - : " على ما لم ينشق منها أي حافاتها " .

وقال قتادة : على نواحيها .

وفي الصِّحاحِ : ناحية البئر وحافتاها ، وكل ناحية : رَجا .

وقال الراغبُ : رَجا البئْر والسَّماء وغيرهما : جانِبُها . (أ.هـ)



• الرَّجاء : الأمل ، والفعل منه (رجا يرجو) ،

قال ابن منظور - رحمه الله - في لسان العرب :

" الرجاء من الأمل نقيض اليأس " ، وقد تكرر في الحديث ذكر الرجاء بمعنى التوقع والأمل ، ومن ذلك : " إِلاَّ رَجاء أَن أَكُونَ من أَهْلِها " .


ومن معاني الرَّجاءُ : الخَوْف ، ومنه قوله تعالى : {ما لَكُم لا تَرْجُونَ لله وَقاراً} .

قال الفراء: " الرجاء في معنى الخوف لا يكون إلا مع الجحد ، تقول : ما رجوتك ، أي ما خفتك ... والرَّجا مقصور ناحية كل شيء وخص بعضهم به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها وحافتيها وكل شيء وكل ناحية رجاً وتثنيته رَجَوَان كعصاً وعَصَوانِ " . (أ.هـ)


الخلاصة :

  • لفظ (الرجاء) من الأمل ولا يكون إلا ممدوداً ، وبالقصر : (الرَّجا) بمعنى الناحية .


  • قال القرطبي - رحمه الله - في تفسيره عند قوله تعالى :{أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} : " العوام من الناس يُخطئون قولهم : يا عظيم الرَّجا ، فيقصرون ولا يمدون " . انتهى .

________
(٦٤)

📌 [ جاءوا زرافات ووحدانا ]


🔻قول شاعر الحماسة :
قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
طـاروا إليه زرافات ٍ  ووحـــدانا

أي جماعات وأفرادا .

• قال ابن خلكان في «وفيات الأعيان » في ترجمة العُتْبيِّ: (ورُوي عنه أنَّه كان يقول: الزّرافة – بفتح الزَّاي، وضمِّها - ، وهي متولدة بين ثلاث حيوانات: الناقة الوحشية، والبقرة الوحشية، والذكر من الضباع ، والزرافة في الأصل: الجماعة، فلما تولدت من جماعة قيل لها: الزرافة. والعجم تسميها: «أشتر كاو بلنك»؛ لأن «الأشتر»: الجمل، و«الكاو»: البقرة، و«البلنك»: الضبع) . انتهى

• قالوا : الأطوم : الزرافة ، ذلك أن جلدها موصوف بالقوة .
وحكى أهل اللغة فعلا عجيبا ؛ يقال : أَزْرَف ، إذا اشترى زرافةً .
وكانوا يقولون : أتمر إذا صار يملك تمرا كثيرا ، وفلان أتمرَ قومَه ؛ إذا أطعمهم تمراً .
فإذا حل أكل لحم الزرافة نقول للمُطْعِم لحمها : أزرف .

• وقدْ سُئلَ الإمامُ أحمد عن الزَّرافة أتؤكل ؟
قال : ( نعم ، وهي دابَّة تشبه البعير ، إلا أن عنقها أطول من عنقه ، وجسمها ألطف من جسمه ، وأعلى منه ، ويداها أطول من رجليها ) . ( ا.هـ)
( من كتاب المغنى ١٣/٣٢٤)
 
_________
(٦٣)

[ فائدة_لغوية ]

• كل كلمة اجتمع فيها السين والقاف ، جاز لك قلْبُ سينِها صاداً، مثل :
" قارس " و " قارص"
" ساق " و " صاق "
" سويق " و " صويق " .

• وكل كلمة يكون بعد السين الحروف التالية: ( غ - خ - ق - ط ) ؛ جاز قلبها صادًا .
قال ابن جني  : ( وإذا كان بعد السين غين ، أو خاء ، أو قاف ، أو طاء ، جاز قلبها صادًا ؛ وذلك قوله ـ تعالى:
{كَأَنَّما يُسَاقُون} : "يصاقون"
{مَسَّ سَقَر}  : "صقر"، 
{وسَخَّر} : "صخر"،
{وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه} : و"أصبغ"،
و"سراط"، و"صراط". 
وقالوا في "سقت" "صقت"، وفي "سويق" "صويق " ). انتهى كلامه 

• وقد عزى سيبويه هذا الإبدال إلى لغة (بني العنبر) الذين كانوا يؤثرون الصاد على السين ، وهي موجودة في العربية الحديثة في العراق .

• قال سيبويه في كتابه ( ص ٤٢٧ - ج ٢) :
" هذا باب ما تقلب السين صاداً، في بعض اللغات، تقلبها القاف إذا كانت بعدها في كلمة واحدة، وذلك نحو صقت، وصبقت، والصملق، إلى قوله: والخاء والغين بمنزلة القاف، وهما من حروف الحلق بمنزلة القاف من حروف الفم، وقربهما من الفم كقرب القاف من الحلق، نحو صانع في سانع، وصلخ في سلخ، انتهى. 

• وقال السيوطي في " المزهر "  - (ص ٢٧٧- ج ١ ) :
" قال أبو محمد البطليوسي في كتاب (الفرق بين الأحرف الخمسة) : شرط هذا الباب أن تكون السين متقدمة على هذه الأحرف لا متأخرة بعدها، وأن تكون هذه الأحرف مقاربة لها لا متباعدة عنها، وأن لا تكون السين هي الأصل، فإن كانت هي الأصل لم يجز قلبها شيئاً، لأن الأضعف يقلب إلى الأقوى، ولا يقلب الأقوى إلى الأضعف " (ا.هـ)

_________
(٦٢)

[ ولا يعِزُّ من عاديتَ ]

عن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - قال : " علَّمني جَدِّي رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - كلماتٍ أقولُهنَ في الوِترِ : اللَّهمَّ اهدني فيمن هديتَ ، وعافني فيمن عافيتَ ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ ، وبارِك لي فيما أعطيتَ ، وقِني شرَّ ما قضيتَ ، إنَّكَ تقضي ولا يُقضى عليكَ وإنَّهُ لا يذِلُّ من واليتَ ، ولا يعِزُّ من عاديتَ ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ " .  (حديث حسن صحيح) 

• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - :
" يعني أن من كان عدوًّا لله فإنه لا يعز ، بل حاله الذل والخسران والفشل ، فكل الكافرين في ذل وهم أذلة " . انتهى كلامه

• يعز :
الفعل "عَزَّ" له ثلاثة استعمالات:
١- ضد الذُّلّ ، وهذا مضارعه بالكسر ( يعِزُّ )
٢- الصعوبة ، وهذا مضارعه بالفتح ( يعَزُّ )
٣- المغالبة ، وهذا مضارعه بالضم  ( يعُزُّ )
• ذكر هذا السيوطي ، وقال عن حديث القنوت (ولا يعِزُّ من عاديت) :
" ( يعِزُّ ) : هو بكسر العين ، وغلط بعض أعلام العصر فقال إنه بضمها من باب نصر ينصر ، وهو غلط صريح " .
_______

(٦١)

[فروق لُغوية: فُطُور- فَطُور - إفطار]


• للفعل (فطَـرَ يفطُـرُ فَطْـرًا) معانٍ ؛ أشهرها معنيان :
١- بمعنى خلق وأوجدَ على غير مثال سبق ، والفاطِر: من الأسماء المضافة لله سبحانه {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} ، مثل {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فلا نقول أن من أسمائه البديع هكذا على إطلاقه ، بل نقيده كما ورد .
وبه سُمّيت سورة من سور القرآن ( سورة فاطر ) ، قال تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } ،
وقال تعالى: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } .
ويقال فطر ناب البعير فهو بعير فاطر : أي خرج نابه
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " لم أكن أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان ، فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها " . (اهـ.)


٢- فُطُور - بضم الفاء والطاء - :
فطَرَ الشيءَ يَفْطُرُه فَطْراً: أي شَقَّه فانْفَطَر ، والفَطْر: الشَّقّ ، وجمعه: فُطُور (بضم أوله وثانيه) ، كما في قوله تعالى في سورة المُلك : {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ} ، أي: هل ترى في السماوات شقوقًا وصُدوعًا وعيوباً ونقصاً ؟! 

ومنه قوله تعالى : { إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ } أي انشقت .
وأَصل الفَطْر الشق. 
وفطَّرَه: شقه ، 
وتَفَطَّرَ الشيءُ: تشقق.

• فَطُور - بفتح الفاء وضم الطاء - :
هو كل ما يفطر عليه الصائم من تمر ونحوه ، وما يفطر عليه المُفْطر في الصباح.
وأما إفطار فمصدر (أفطرَ يُفطِر) أي تناول الفَطُور.

• الخلاصة :
علينا إذن أن نتنبه إلى تلك الفروق فلا نخلط بين (فطَر يَفْطُر وأفطر يُفْطِر)، (وفاطر ومُفطِر)، و (فَطُور وفُطُور) .

======
(٦٠)
ما الفرق بين القرآن والمصحف ؟ 

• القرآن : هو كلام الله المنزل على نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - بواسطة جبريل - عليه السلام - المتعبد بتلاوته .
 
• المصحف : هو الكتاب الذي يحفظ كلام الله مكتوباً دون زيادة أو نقصان .

• فالقرآن الكريم لا يمكن لكائن من كان أن يدنسه أو يحرفه فهو محفوظ بحفظ الله له . 
أما المصحف فقد تتعرض نسخة منه للاعتداء من قبل من ختم الله على قلوبهم وأعمى أفئدتهم .


• القرآن والمصحف قد يطلق أحدهما على الآخر من باب التوسع في التعبير ، لكن إذا اجتمعا افترقا ، كأن يقول قائل : كُتِبَ القرآن في المصحف ، فالقرآن غير المصحف  .

• القرآن لا يُجمع ؛ لأنه واحد لا تعدد فيه ، بينما المصحف يجمع على مصاحف .

• لا تكاد تجد عبارة ( بيع القرآن ) ؛ لأن القرآن لا يتصور بيعه ، وإنما تجد ( بيع المصحف ) .

=====
(٥٩)
السبت ١٦ رجب ١٤٣٧ 

 [ اللفيف المفروق ]

قبل توضيح معنى هذا العنوان ، دعوني أورد لكم هذه القصة ، وهي :

حكى السيوطي في كتاب (بغية الوعاة) أن الإمام العلامة سهل بن محمد بن عثمان السجستاني ثم البصري ( توفي سنة ٢٥٥ هـ ) - مقرئ نحوي لغوي ، أخذ عن أبي زيد الأنصاري والأصمعي ويعقوب الحضرمي ، وتصدّر للإقراء والحديث والعربية - دخل بغداد فسُئل عن قوله تعالى في سورة التحريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} ( الآية/٦)

في قوله { قُوا} ، ما يقال منه للواحد ؟

فقال: قِ ، 

فقال: فالاثنين ؟ 

فقال: قيا.

قال فالجمع ؟ 

قال: قوا، 

قال: فاجمع لي الثلاثة، 

قال: قِ ، قيا ، قوا.


ويلاحظ أن فعل الأمر ( قوا ) للجمع ، وللمفرد ( ق ِ ) ويتكون من حرف واحد ، وهذا من جمال لغتنا العربية بأن يأتي فعل أمر يتكون من حرف واحد ، وهي عشرة أفعال كلها تنتمي إلى ما يسمى بـ ( اللفيف المفروق ) .
وقبل تعريف ماهو اللفيف المفروق ، فإني اضع بين يديكم مقدمة يسيرة كي يرتبط الموضوع مع بعضه البعض .
ينقسم الفعل من حيث نوع الحروف التي يتكون منها إلى قسمين :

أ ـ فعل صحيح .
ب ـ فعل معتل .

وينقسم الفعل المعتل إلى أربعة أنواع ، منها ( اللفيف ) .
واللفيف : هو ما كان فيه حرفا علة ، وينقسم إلى نوعين :

أ _ لفيف مقرون :
وهو ما اجتمع فيه حرفا علة دون أن يفرق بينهما حرف آخر صحيح . مثل :
أوى ، شوى ، روى ، عوى ، لوى .

ب _ لفيف مفروق :
وهو ما كان فيه حرفا علة غير متجاورين بمعنى أن يفرق بينهما حرف صحيح - أي الذي اعتلت فاؤه ولامه (فعل) - مثل : وقى ، وعى ، وفى .....
 وعددها عشرة أفعال ، هي :

قِ  :  من الفعل وَقَى ، أمر بالوقاية .
لِ  :   من الفعل وَلى ، أمر بالولاية .
شِ : من الفعل وَشى ، نقش الثوب .
دِ  :  من الفعل وَدى ، أمر بدفع الدية .
رَ :  من الفعل ورى ، أمر بالرؤية .
رِ : من ورَت النَّارُ : اتَّقدت .
عِ : من الفعل وَعى ، أي: حفظ وجمع.
إِ : من الفعل وَأى ، والوأي: الوعد.
نِ : من الفعل وَنى ، وهو التعب والفتور .
فِ : من الفعل وَفى ، من الوفاء بالعهد .
جِ : من الفعل وَجى ، ويقال تركته وما في قلبي منه أوجى ، أي يئست منه .



وهذه الافعال عشرة كما ذكرها (الخضري) في حاشيته على شرح ( ابن عقيل ) وأتت منظومة في أبيات تذكر معناها و تبين كيفية إسنادها :
للواحد المذكر = قِ
ثم المثنى مطلقا = قياه
ثم الجمع المذكر = قوه
ثم الواحدة = قي
ثم جمعها = قين

يقول الشيخ الخضري في منظومته :

إنّي أقولُ لمنْ تُرجى مودَّتُهُ
( قِ ) المستجير قياهُ قُوهُ قِي قِينَ

وإنْ صرفتَ لوَالٍ شُغْلَ آخرَ قُلْ
( لِ ) شُغْلَ هذا لِياهُ لُوهُ لِي لِينَ

وإنْ وشَى ثوبَ غيري قلتُ في ضجرٍ
( شِ ) الثوبَ وَيْكَ شِياهُ شُوهُ شِي شِينَ

وقُلْ لقاتِل إنسانٍ على خطأٍ 
( دِ ) مَنْ قتَلْتَ دِياهُ دُوهُ دِي دِينَ

وإنْ همُ لمْ يَرَوْا رأيي أَقُولُ لهمْ
( رَ ) الرأيَ وَيْكَ رَياه رَوْه رَيْ رَيْنَ

وإنْ همُ لمْ يَعُوا قوْلِي أَقُولُ لهمْ
( ع ِ) القولَ مِنِّي عِياهُ عُوهُ عِي عِينَ

وإن  أمَرْتَ بِوَأْيٍ للمُحِبِّ  فقلْ        
( إِ ) مَنْ تُحِبُّ إياهُ أوهُ إِي إينَ

وإنْ أردْتَ الوَنَى وَهْوَ الفُتُورُ فقلْ
( نِ ) يا خَلِيلِي نِياهُ نُوهُ نِي  نِينَ

وإنْ أبَى أن يَفِي بالعهدِ قلتُ لَهُ
( فِ ) يا فلانُ فِياهُ  فُوهُ فِي فِينَ

وقُلْ لساكِنِ  قلْبِي إنْ سِوَاكَ بِهِ
( جِ ) القلبَ مِنِّي جِياهُ جُوهُ جِي جِينَ


 وقيل إنها أكثر من عشرة أفعال ، ومن ذلك :


======
(٥٨) :
الجمعة ١٧ جمادى الآخر ١٤٣٧ هـ


[من نوادر اللغة] 

قال ابن العديم في تاريخه : 
قرأت في "جزء " وقع إليّ من أمالي أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه ، كتبت من إملائه وعليه خطه: 

سأل سيف الدولة جماعة العلماء بحضرته ذات ليلة ، فقال: هل تعرفون اسماً ممدوداً وجمعه مقصوراً ؟
فقالوا: لا ،
فقال لابن خالويه : ما تقول أنت ؟
قلت: أنا أعرف اسمين ، قال: ما هما ؟
قلت: لا أقول لك إلا بألف درهم ، لئلا تؤخذ بلا شكر ؛ وهما :
• (صحراء وصحارى) ، 
• (عذراء وعذارى) ،

فلما كان بعد شهر أصبت حرفين آخرين ، ذكرهما (الجرمي ) في كتاب (التنبيه) ، وهما :
• (صلفاء وصلافى) : وهي الأرض الغليظة
• (خبراء وخبارى) : وهي أرض فيها ندوّة (مبتلة) .

فلما كان بعد عشرين سنة وجدت حرفا خامساً ، ذكره (ابن دريد) في (الجمهرة) ، وهو:
• (سَبْتاء وسباتَى ) : وهي الأرض الخشنة .

المصدر : [ بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة - السيوطي]

=======
(٥٧) :
السبت ١١ جمادى الأولى ١٤٣٧ هـ

[شعر التوأم]

وهو أن تأتي مفردات الأبيات متطابقة الرسم مختلفة النقط ، حتّى إذا أُبدلت نقط بعضها ظهرت لها معانٍ جديدة ، وهذا ما يتميز به شعر الشاعر / صفي الدين الحلي *

• ومن ذلك قوله :

سِنَد سَيِّدٌ حَلِيــمٌ حكِــيمٌ
فَاضِلٌ فَاصِلٌ مَجِيدٌ مُجِيْدُ

حَـازِمٌ جَازِمٌ بصِيرٌ نَصِيرٌ
زَانَهُ رَأْيَهُ الشدِيدُ السَّدِيدُ

أمهُ اُمَّةً رَجـــاءَ رَخَـــاء
أدْرَكتَ إذْ زَكَت نُقُودٌ تَقُودُ

مَكْرُماتٌ مكرمات بَنَتْ بَيْتَ
عَلاَء عَلاَ بِجُـود يَجُودُ

• ونحو قوله :

كوصف حرب ووصف شرب
ولطف عتب لقلب قلب

وذكر الف ، وشكر عرف
وبكر وصف ، وندب ندب
  ___________

* هو أبو المحاسن عبد العزيز بن سرايا بن نصر الطائي ، ولد في مدينة الحلة بالعراق سنة (٦٧٧ هـ ) توفي في بغداد (٧٥٢ هـ ).

========
(٥٦) :
الجمعة ٤ جمادى الأولى ١٤٣٧ هـ

(الفرق بين الحرم والْمُقَدَّس )

قال الله تعالى : {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا } (القصص/٥٧)

وقال :
{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } (المائدة/٢٦)

وقال : {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ▪️إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} (النازعات/١٥-١٦)

فماالفرق بين الحرم والْمُقَدَّس؟

• {الْمُقَدَّسِ} : صفة للوادي ، والمراد : المطهر المبارك . 
• {طُوًى} : اسم للوادي ، وهو وادي طور سيناء في أرض مصر .
• {الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ } : جميع الآراء تتفق حول أن فلسطين جزء رئيس من الأرض المقدسة إن لم يكن قلبها وإن لم تكن فلسطين وحدها هي الأرض المقدسة كما يرى مجاهد وابن عباس. 

• ولابد من التفريق بين اثنين: الحرم والمقدس ، فكل حرم مقدس ، وليس كل مقدس حرماً ، والذي دل الكتاب والسنة على أنه مقدس أربعة:
١- مكة
٢- المدينة
٣- بيت المقدس
٤- طور سيناء

ولا يوجد منها حرم إلا اثنان هما مكة والمدينة ، فإن مكة حرّمها إبراهيم - عليه السلام - ، والمدينة حرّمها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كما في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن إبراهيم حرم مكة ، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها ، لا يقطع عضاها، ولا يصاد صيدها" . رواه مسلم

أما بيت المقدس فلا يقال له حرم ، وإنما يقال له أرض مقدسة ، وكذلك طور سيناء لا يقال له حرم ، أي هذا الوادي لا يقال له حرم ، وإنما يقال له وادٍ مقدس كما سمى الله .

والفرق:
أن الحرم له مسائل فقهية ، فمثلاً لا يجوز الصيد فيه ، ولا يعضد شوكه ، كلٌّ بحسبه ، مع الاختلاف بين حرم مكة والمدينة فلكل واحد منهما أحكام فقهية ، لكن كلمة (مقدس) أطلقت في الشرع على هذه الأربعة .
=======
(٥٥) :
الثلاثاء ١ جمادى الأولى ١٤٣٧ هـ

[تَفْصِيلِ الطَّيَرَانِ وأشْكَالِهِ وهَيْئَاتِهِ]


• إذَا حَرَّكَ الطائِرُ جَنَاحَيْهِ ورِجْلاهُ بالأرْضِ ، قِيلَ : دَفَّ

• فَإذا طَارَ قَرِيباً عَلَى وَجْهِ الأرْضِ ، قِيلَ : أَسَفَّ

• فإذا كَل نَ مَقْصًوصاً وَطَارَ كَأَنَّهُ يَرُدُّ جَنَاحَيْهِ إلى مَا خَلْفَهُ ، قِيلَ :
جَدَفَ ( ومِنْهُ سُمِّيَ مِجْدَافُ السَّفِينَةِ )

• فإذا حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ في طَيَرَانِهِ قَرِيباً مِنَ الأرْض وحَامَ حَوْلَ الشَّيْءِ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، قِيلَ : رَفْرَفَ

• فإذا طَارَ في كَبِدِ السَّمَاءِ ، قِيلَ : حَلَّقَ

• فإذا حَلَّقَ وَاسْتَدَارَ ، قِيلَ : دَوَّمَ

• فإذا بَسَطَ جَنَاحَيْهِ في الهَوَاءَ وَسَكَّنَهُما فَلَمْ يُحرِّكْهُما كما تَفْعَلُ الحِدَأ والرَّخَمُ ، قِيلَ : صَفَّ .
وفي القُرْانِ : { والطَّيْرُ صَافَّاتٍ }

• فإذا تَرَامَى بِنَفْسِهِ في الطَّيَرَانِ ، قِيلَ : زَفَّ ( زَفِيفاً) .

• فإذا انْحَدَرَ مِنْ بِلاَدِ البَرْدِ إلى بِلاَدِ الحَرِّ ، قِيلَ : قَطَعَ قُطُوعاً وقِطاعاً
ويقال كَانَ ذَلكَ عِنْدَ قِطَاعِ الطَّيْرِ .

[كتاب : فقه اللغة - الثعالبي ]

=======
(٥٤) :
الأربعاء ١٧ ربيع الآخر ١٤٣٧ هـ

[من الفوائد اللغوية]

كلمتان متشابهتان في القرآن الكريم لم يفصل بينهما فاصل :

• كلمة (فيه) :
قال الله تعالى في سورة التوبة: { لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ 
فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} (١٠٨)

• كلمة (الله)
في سورة الأنعام: {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } (١٢٤)
فجاء لفظ الجلالة مكرراً لا يفصل بينهما فاصل إلا المعنى ، فتقف عند قول الله جل وعلا: { رُسُلُ اللَّهِ } ، ثم تقول: { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }.

• كلمة (أحسنتم) :
في سورة الإسراء : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } (٧) .

• كلمة (هيهات)
في سورة المؤمنون : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } ( ٣٦)

• كلمة (دكا) و (صفّا)
في سورة الفجر {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} (٢١)
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } (٢٢) .

وغيرها ...
ويسمى " التكرار في القرآن " وهو متنوع ومنه الموصول ومن المفصول ، ويأتي تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد ، والتهويل ، والتعظيم ، وغيرها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله - :
( وليس في القرآن تكرار محض ، بل لابد من فوائد في كل خطاب ) .
__________

 [التكرار في القرآن]

قال الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز :
{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ }
{ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ }
{كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}
{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }
{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ▪️ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً }
{ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ▪️  ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ  }

ماذا تلاحظون في هذه الآيات ؟
نلاحظ في بعض الآيات كلمات مكررة في بداية الآية ، وكذلك كلمات مكررة في نهاية الآية ، ونلاحظ أيضاً آيات كاملات مكررة ...
وهذا من الإعجاز والبلاغة والفصاحة في كتاب الله ، ولا عجب فهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .

محتويات الموضوع :
أولاً : تعريف التكرار لغة واصطلاحاً .
ثانياً : هل التكرار من الفصاحة؟
ثالثاً : أنواع التكرار .
رابعاً : فوائد التكرار
خامساً : فوائد تكرار بعض القصص والآيات 



🔘 أولاً : تعريف التكرار لغة واصطلاحاً .

قال ابن منظور :
الكَرُّ : الرجوع ، يقال : كَرَّه وكَرَّ بنفسه ، يتعدّى ولا يتعدّى ، والكَرُّ مصدر كَرَّ عليه يَكُرُّ كرًّا ... 
والكَرُّ : الرجوع على الشيء ، ومنه التَّكْرارُ ...

قال ( الجوهري ) : كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيراً وتَكْراراً .
كتاب : " لسان العرب " 

التكرار في الاصطلاح :
 تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد ، والتهويل ، والتعظيم ، وغيرها .

🔘 ثانياً : هل التكرار من الفصاحة ؟
اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن ، وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة ، وهذا من جهلهم ، فالتكرار الوارد في القرآن ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له – كما سيأتي تفصيله – والذي يرد في كلام من لا يحسن اللغة أو لا يحسن التعبير .

قال السيوطي – رحمه الله - :
" التكرير وهو أبلغ من التأكيد ، وهو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط " .
من كتاب : " الإتقان في علوم القرآن "

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في مجموع الفتاوى  :
" وليس في القرآن تكرار محض ، بل لابد من فوائد في كل خطاب " .

🔘 ثالثاً : أنواع التكرار .
قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن إلى نوعين : 
أحدهما : تكرار اللفظ والمعنى . 
وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى ، وقد جاء على وجهين : موصول ، ومفصول .
أما الموصول : فقد جاء على وجوه متعددة : 
تكرار كلمات في سياق الآية :

🔅 كلمة (الله) :
في سورة الأنعام ، في قوله تعالى : {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } (١٢٤)
فجاء لفظ الجلالة مكرراً لا يفصل بينهما فاصل إلا المعنى ، فتقف عند قول الله جل وعلا: { رُسُلُ اللَّهِ } ، ثم تقول: { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }.

🔅 كلمة (فيه) :
في سورة التوبة: { لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} (١٠٨)

🔅 كلمة (أحسنتم) :
في سورة الإسراء : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } (٧) .

🔅 كلمة (هيهات) :
في سورة المؤمنون : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } ( ٣٦)

وإما في آخر الآية وأول التي بعدها :
مثل قوله تعالى {وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا . قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } الإنسان/15 ، 16 ، 

وإما في أواخرها :
🔅 كلمة (دكّا) و (صفّا) :
في سورة الفجر {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} (٢١)
{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } (٢٢) .

كلمتان متشابهتان في القرآن الكريم لم يفصل بينهما فاصل .

وإما تكرار الآية بعد الآية مباشرة :
مثل قوله تعالى ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح/5 ، 6 .

قال تعالى في سورة المدثر:
{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ▪️ثُمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ}

وأما المفصول : فيأتي على صورتين : ◾️ تكرار في السورة نفسها :
◾️ تكرار في القرآن كله :

◾️ تكرار في السورة نفسها :
تكرر قوله تعالى ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) في سورة " الشعراء " 8 مرات ، 

وتكرر قوله تعالى ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) في سورة " المرسلات " 10 مرات ، 

وتكرر قوله تعالى ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) في سورة " الرحمن " 31 مرة .

تقرير المعنى وتوكيده ، فإن الكلام إذا تكرر تقرر .
وقد ظهر هذا الأمر في المواطن التالية:

أ- في الآيات المسوقة للوعيد والتهديد:
قال تعالى:  { كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ▪️  ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ  }

وقوله تعالى:  {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ▪️  ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } .

ب- في الآيات المسوقة في مقام التعظيم والتهويل أو التعجب :
 قال تعالى :  { الْقَارِعَةُ ▪️ مَا الْقَارِعَةُ  }

وقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ ▪️ مَا الْحَاقَّةُ }
وقوله تعالى:  { إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ▪️ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }

وقوله تعالى: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ▪️ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ }.


ج- في الآيات المسوقة في التنبيه على ما ينفي التهمة حتى يتلقى الكلام بالقبول :
قال تعالى : {  وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ▪️ يَا قَوْمِ إِنَّّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ }

د- في الآيات المسوقة في مقام الاتعاظ :
قال تعالى:  { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ  }
 
وقال تعالى:  { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ  }.

هـ - في الآيات المسوقة في مقام إنعام الله على عباده وبيان قدرته :
مثل كلمة ( أفرأيتم )
في قوله تعالى :  { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ } وقوله : { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ }
وقوله :  { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ }
وقوله : {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ }  .


▪️ التكرار في القرآن كله : 

تكرر قوله تعالى ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) 6 مرات في كتاب الله 

وتكرر قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) مرتين 


والثاني :
التكرار في المعنى دون اللفظ :
وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذِكر الجنة ونعيمها ، والنار وجحيمها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في التعليق على تكرار قصة موسى مع قومه - :
" وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن ، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر ، كما يسمَّى اللهُ ورسولُه وكتابُه بأسماء متعددة ، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر ، وليس في هذا تكرار ، بل فيه تنويع الآيات مثل أسماء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قيل : محمد ، وأحمد ، والحاشر ، والعاقب ، والمقفى ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة ، ونبي الملحمة ، في كل اسم دلالة على معنى ليس في الاسم الآخر ، وإن كانت الذات واحدة فالصفات متنوعة .
وكذلك القرآن إذا قيل فيه : قرآن ، وفرقان ، وبيان ، وهدى ، وبصائر ، وشفاء ، ونور ، ورحمة ، وروح : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الآخر .
وكذلك أسماء الرب تعالى إذا قيل : الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ..." . اهـ


كما وردت صورة أخرى للتكرار وهو تكرار الكلمات بهيئتها الاشتقاقية :
 كقوله تعالى في سورة النازعات :
{وَالنّاشِطَاتِ نَشْطاً وَالسّابِحَاتِ سَبْحاً فَالسّابِقَاتِ سَبْقاً}

وكذلك في قوله تعالى في سورة الانشقاق :
{ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}


وقد يحدث التكرر في آيتين متواليتين, كما في قوله سبحانه : {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ▪️ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً}

وذلك لتثبيت الإيمان بغنى الله عن عبادة العابد في قلوب الناس ليقبلوا على العبادة مؤمنين بأنها لخيرهم وحدهم ، بل قد يكون التكرير في الآية الواحدة وذلك لتثبيت المكرر في النفس كما قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }الحشر18)
- وقوله تعالى {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ }آل عمران42


🔘 رابعاً : فوائد التكرار :

قال السيوطي – رحمه الله - :
وله – أي : التكرار - فوائد : 
منها : 
١- التقرير :
 وقد قيل " الكلام إذا تكرَّر تقرَّر " ، 
وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله ( وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ) . 

٢- التأكيد . 

٣- زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ، ومنه ( وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ . يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ) ، فإنه كرر فيه النداء لذلك . 

٤- إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديداً لعهده ، ومنه (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) ، (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) ، 
وقوله : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) إلى قوله ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، 

٥- التعظيم والتهويل :
نحو ( الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ ) ،
 ( الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ ) ، 
(وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) .

كتاب " الإتقان في علوم القرآن "

🔘 خامساً : فوائد تكرار بعض القصص والآيات 

١- قال أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله - :
فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله : ( فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ ) ؟ .
الجواب : أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها ، قال ابن قتيبة : من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز ؛ لأن افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ ، يقول القائل منهم : واللهِ لا أفعله ، ثم واللهِ لا أفعله ، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله ، كما يقول : واللهِ أفعلُه ، بإضمار " لا " إذا أراد الاختصار ، ويقول القائل المستعجِل : اعْجَل اعْجَل ، وللرامي : ارمِ ارمِ ، ... .
قال ابن قتيبة : فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه ، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه ، ونبَّههم على قُدرته ، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين ، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها ، كقولك للرجل : أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلاً وكنتَ طريداً ؟ أفتُنْكِرُ هذا ؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ [ هو من لم يحج قط ] ؟ أفَتُنْكِرُ هذا ؟ . " زاد المسير " ( 5 / 461 ) .

٢- قال القرطبي – رحمه الله - :
وأما وجه التكرار – أي : { قل يا أيها الكافرون } - فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ، كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله .
قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، ( ويل يومئذ للمكذبين ) ، ( كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ) ، 
و ( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) : كل هذا على التأكيد .
" تفسير القرطبي " ( 20 / 226 ) .

=======

(٥٣) :
الأحد ٧ ربيع الآخر ١٤٣٧ هـ

[فائدة لغوية]

فائدة ذكرها العلامة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - وهي :
أن يكون الحرف الواحد في الكلمة يقلب معناها رأساً على عقب ، وهذا مما يدل على عمق اللغة العربية .

•  تَرِبَ - أتْرَبَ :
- تَرِبَ الرجل: إذا افتقر
- ترِبَتْ يداك : افتقرت ، والتصقت بالتراب حتى لا تجد إلا تراباً .

أتْرَبَ الرجل: إذا اغتنى (صار غنياً)
أترب : اغتنى حتى صار ماله كالتراب من الكثرة

إذا أردت أن تدعو لشخص بالغنى ، تقول : ( أترب الله يديك )
إذا أردت أن تدعو له بالفقر ، تقول : ( تربت يداك )

• شَفَى - أشْفَى 
- شفى :
إذا قلت للمريض (شفاك الله) -بإسقاط الهمزة- أي عافاك ، وهو دعاء بالشفاء من المرض .
- أشْفَى : (أشفاك الله) -بالهمزة- دعاء عليه بالهلاك والموت 

الفائدة بصوت الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- 👇

https://youtu.be/87u2FRX6Cho

____________
(٥٢) :
الأربعاء ٢٧ صفر ١٤٣٧ هـ

[آية واحدة في القرآن الكريم ومرت عليها الأحوال النحوية الثلاثة ]

كلمة " الضر " إحدى كلمتين في القرآن جاءت في آية واحدة ومرت عليها الأحوال النحوية الثلاثة ( الرفع - النصب - الجر ) ،
قال الله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } -[يونس/١٢]، 

{ وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ } فهي هنا فاعل.
{ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ } ، وقعت مفعولاً منصوباً.
{ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ }، وهي مجرورة هنا .

كلمة " الحج " :
في سورة البقرة، قال الله تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }- [البقرة/١٩٧]، فمر عليها الرفع والنصب والجر .
_________
(٥١) :
الأحد ٢٤ صفر ١٤٣٧ هـ

[فائدة لغوية إملائية]

( لا يجتمع عصوان في كلمة واحدة )

هذه القاعدة لها فائدة في الإملاء ..
فحرف (ط)   وحرف (ظ) لا يجتمعان في كلمة واحدة أبداً .

مثال :
اضطر
المضطر 
ضابط
ضغط
ضبط


وهذا يعني أنه بمجرد ما يكون في الكلمة (ط) تعرف أن معها (ضـ) وليس (ظ) .

وبصورة أسهل:
( لا يجتمع عصوان في كلمة ).
_________

(٥٠) :
السبت ٢٧ رجب ١٤٣٦ هـ 

بيت شعر يشتمل على أربعين ألف وثلاثمائة وعشرين بيتا..


قال بعض الفضلاء بيتًا من الشعر يشتمل على أربعين ألف بيت من الشعر وثلاثمائة وعشرين بيتًا وهو لزين الدين المغربي:

لقلبي حبيب مليح ظريف

بديع جميل رشيق لطيف

وبيان ذلك أن هذا البيت ثمانية أجزاء، يمكن أن ينطق بكل جزء من أجزائه مع الجزء الآخر فتنتقل كل كلمة ثمانية انتقالات. فالجزءان الأولان لقلبي حبيب يتصور منهما صورتان بالتقديم والتأخير.

ثم خذ الجزء الثالث فيحدث منه مع الأولين ست صور، لأن له ثلاثة أحوال تقديمه عليهما وتأخيره وتوسطه ولهما حالان، فاضرب أحواله في الحالين يكون ستة.

ثم خذ الجزء الرابع وله أربعة أحوال فاضربها في الصور المتقدمة وهي الستة التي لما قبله تكن أربعة وعشرين.

ثم خذ الخامس تجد له خمسة أحوال فاضربها في الصور المتقدمة وهي أربعة وعشرون تكن مائة وعشرين.

ثم خذ السادس تجد له ستة أحوال فاضربها في مائة وعشرين تكن سبعمائة وعشرين.

ثم خذ السابع تجد له سبعة أحوال فاضربها في سبعمائة وعشرين تكن خمسة آلاف وأربعين.

ثم خذ الثامن تجد أحواله ثمانية فاضربها في خمسة آلاف وأربعين تكن أربعين ألفًا وثلاثمائة وعشرين بيتًا؛ فامتحنها تجدها كذلك.

ومثله لي قلته في القدس:

محب صبور غريب فقير

وحيد ضعيف كتوم حمول


* من كتاب : بدائع الفوائد/المجلد الثالث - ابن القيم ( رحمه الله تعالى )


الشرح :
وذلك من هذا البيت ثمانية كلمات، يمكن من ينطق بكل جزء من أجزائه مع الجزء الآخر، فتنتقل كل كلمة ثمانية انتقالات؛ أي منزكل كلمة يمكن نقلها في تقديمًا وتأخيرًا ولا يؤثر ذلك على المعنى أو على الوزن الشعري. 
فالبيت من بحر (المتقارب) 

فعولن فعولن فعولن فعولن
فعولن فعولن فعولن فعولن

وكل كلمة فيه على وزن (فعولن) فأي تغيير في مكانها لا يؤثر على بنية البيت. 
فلو أخذنا كلمة (لقلبي) وقمنا بنقلها تأخيرًا لنشأ ( ٧ ) أبيات بالإضافة إلى البيت الأول، وهي:



لقلبي حبيب مليح ظريف
بديع جميل رشيق لطيف

حبيب لقلبي مليح ظريف
بديع جميل رشيق لطيف

حبيب مليح لقلبي ظريف
بديع جميل رشيق لطيف

حبيب مليح ظريف لقلبي
بديع جميل رشيق لطيف

حبيب مليح ظريف بديع
لقلبي جميل رشيق لطيف

حبيب مليح ظريف بديع
جميل لقلبي رشيق لطيف

حبيب مليح ظريف بديع
جميل رشيق لقلبي لطيف

حبيب مليح ظريف بديع
جميل رشيق لطيف لقلبي

وهكذا بقية الكلمات ..
حتى يصل عدد الأبيات إلى ( ٤٠,٣٢٠ ) بيتاً ، كيف ؟!

حسب نظرية الاحتمالات ، فإن عدد الاحتمالات هي حاصل مضروب عدد الكلمات، وعدد الكلمات هنا (٨) فيكون حاصل مضروبها هو: 

8×7×6×5×4×3×2×1 = 40320 بيتًا فقط .

========

(٤٩)

الثلاثاء ١٨ جمادى الآخرة ١٤٣٦ هـ

قال الله تعالى في سورة إبراهيم: 

{ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } - (سورة ابراهيم / 34)


وقال تعالى في سورة النحل:
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } - (النحل / 18) .

ماذا تلاحظون في كلمة (نعمة) في الآيتين الكريمتين ؟

تشابه كبير في الآيات مع اختلاف كلمة نعمة بالتاء المربوطة ، ونعمت بالتاء المفتوحة 
وهذا يقودنا إلى ما يسمى :

الخطُ العثماني أو الرسم العُثماني 
ويقال أحياناً (المصحف العثماني).

أسئلة تتبادر إلى الذهن :

- هل الرسم العثماني توقيفي؟

- الفرق بين هذه الكلمات " نعمت " و "نعمة "

"سنت " و "سنة"؟

- هل يجوز كتابة آيات القرآن بحروف مقطعة ؟

وهل الرسم العثماني ملزم ؟

وهل تعتبر كتابة الآيات بهذه الطريقة تحريفا للقرآن " إن اللـ هـ لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بـ أنفسهـــ م "؟


الخطُ العثماني أو الرسم العُثماني للمصحف يُسمّى هكذا بسبب أنهُ كُتب أول مرةٍ بالمدينه في عهدِ عثمان بن عفان - رضى الله عنه - وكان هو أول من أمر بنسخ القرآن وتدوينه. 

ذهب بعض العلماء إلى أن الرسم العثماني للقرآن توقيفي، يجب الأخذ به، ونسبوا هذا التوقيف إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، وذهب بعض العلماء إلى أن الرسم العثماني ليس توقيفيًا عن النبي - عليه الصلاة والسلام - إنما هو اصطلاح تَلقَّتْهُ الأُمة بالقبول، وتوارثته بعد أن ارتضاه عثمان والصحابة رضى الله عنهم. 

والأُمة ما زالت إلى اليوم تُحافظ على هذا الرسم في كتابة المصحف ونشره، لأن هذا الالتزام سنة متبعة، لا ينبغي تجاوزها لأسباب منها:

  1. الحفاظ على الرسم العثماني ضمان قوي لصيانة القرآن الكريم من التغيير والتبديل.
  2. رسمه أصحاب النبي رضى الله عنهم، وخير الخلق من بعده وانعقد عليه إجماع الأُمة في عهد الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين.
  3. أنه الرسم الذي يحمل جميع وجوه القراءات.

والذي يعتاد القراءة في المصحف سرعان ما يألف ويفهم الفوارق الإملائية بالإشارات المرسومة على الكلمات، ويدرك أّن الصعوبة التي تواجهه في قراءة المصحف أول الأمر تتحول بالمراس بعد فترة قصيرة إلى سهولة تامة.


ويوجد العديد من الكلمات في القرآن الكريم ، مثل :
"نعمت " و "نعمة "
"سنت " و "سنة"
"شجرت" و "شجرة"
"رحمت" و "رحمة"
"امرأت" و "امرأة"
"لعنت" و "لعنة"
"بقيت" و "بقية"
"جنت" و "جنة"
"كلمت" و "كلمة"
"قرت" و "قرة"
وغيرها
ولا يقتصر على حرف التاء المفتوحة أو المربوطة ، فهناك حروف أخرى مثل الألف والواو ، مثل "قال " و "قل" وكذلك "الصلاة " و "السموات" و " الزكاة " ....الخ

ونُقل عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - أنه قال: تحرم مخالفة خطّ مصحف عثمان في واو، أو ألف، أو ياء، أو غير ذلك. 

ونقل عن كتب فقه الشافعية والحنفية: أنه ينبغي ألا يكتب المصحف بغير الرسم العثماني، لأن رسمه سنة متبعة.
ومن هنا جاء قرار المجمع الفقهي في مكة المكرمة والذي كان يرأسه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله - مؤيداً لما وصل إليه قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من منع كتابة المصاحف بغير الرسم العثماني ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه،ليكون حجة خالدة على عدم تسرب أي تغيير ، أو تحريف في النص القرآني ، واتباعاً لما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين .. 

وقد قال أهل العلم بأنه لا بأس بمخالفة الرسم العثماني والكتابة بالإملاء المتعارف إذا كانت كتابة آيات القرآن في مجالات التعليم والتدريس ، كأن يكتب على السبورة مثلا أو على لوح للصغار ، ولا يقصد بها كتابة مصحف أو جزء منه ، بل المقصود مذاكرة الطلاب لهذه الآيات واستحضارها .

وإذا تساءل احدنا لماذا اعتمدت هذه الطريقة من الكتابة وما الضابط أو القاعدة التي اعتمدت فليس لدى علماؤنا - علماء القراءات جزاهم الله خيراً- إلا إجابة واحدة وهي : " هكذا كتبت بين يدي رسول الله ." 

وفي موقع "الإسلام سؤال وجواب" ورد السؤال التالي :
http://islamqa.info/ar/97741
هل يجوز كتابة آيات القرآن بحروف مقطعة ؟ وهل الرسم العثماني ملزم ؟
هل تعتبر كتابة الآيات بهذه الطريقة تحريفا للقرآن " إن اللـ هـ لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بـ أنفسهـــ م " فقد شاعت هذه الطريقة في المنتديات الحديثة ؟
الجواب :
كتابة الآيات القرآنية على وفق القواعد الإملائية الحديثة ، وعلى غير الرسم العثماني له وجهان :
الأول : أن يكون ذلك بكتابة القرآن كله في مصحف .
والثاني : أن تكتب بعض الآيات في الكتب ، والمنتديات ، والمقالات .
وإذا أمكن التساهل في الأمر الثاني ، وسمحنا بكتابة الآية والآيتين في كتب العلم ، حسب قواعد الإملاء الحديثة ، فإن الأمر الأول وهو كتابة المصحف كله لا يسمح بها ، ولا يُتهاون فيها ، وذلك لقطع الطريق على العابثين الذين يمكن أن يجمعوا القرآن على هيئات مختلفة من الكتابة – غير الرسم العثماني – فيطول الزمان على الناس فيرون خلافاً بين نسخ المصاحف في العالم .
ومن هنا جاء قرار المجمع الفقهي في مكة المكرمة مؤيداً لما وصل إليه قرار كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من منع كتابة المصاحف بغير الرسم العثماني .
وعليه نقول :
لا وجه لإجازة كتابة الآيات بالطريقة الواردة في السؤال لسببين :
الأول : أنه لا يوجد قول بإباحة كتابة القرآن بأي كيفية ، والوارد في كلام أهل العلم : الرسم العثماني ، والرسم الإملائي ، وليست هذه الطريقة من أي منهما .
والثاني : أن في هذه الطريقة مشابهة لكتابات السحرة ، حيث يكتبون الآيات بتقطيع حروفها ، وتبديل أماكنها .
لذا فلا نرى جواز كتابة الآيات القرآنية بطريقة تقطيع الحروف ، ونرى الاكتفاء بالرسم العثماني لكتابة مصحف كامل ، أو على الطريقة الحديثة بحسب قواعد الإملاء إذا أردت كتابة آيات في كتاب أو مقال . وإن كان الأفضل – في هذه الحال أيضاً – أن تنسخ من المصحف برسمه العثماني .

=========
(٤٨)
الإثنين ١٨ جمادى الأولى ١٤٣٦ هـ

من جماليات كلمات القرآن الكريم أنك تجد الكلمة تكون اسماً في موضعٍ ، وفعلا فى موضع آخر .
ومن أمثلة ذلك :

●حَقَّ :
اسم : { الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ }

فعل : { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ }

● ظَنَّ :
اسم : { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ }

فعل : { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا }

● مَرَّ :
اسم : { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}

فعل : { أَوْ كَاْلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ }


● مَسَّ :
اسم : { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ }

فعل : { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ }


● نَظَرَ :
اسم : { يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ }.

فعل : { وَإِذَا مَآ أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ }


● يَحْيَى :
اسم : { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ }.

فعل : { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ }

● أَسْرَىٰ :
اسم : {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ}


فعل : {سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا} 


● أَظْلَمَ :
اسم: {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ }

فعل: {وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}


● أَعْلَمُ :
اسم : {قُلْ ءَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ}

فعل : {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

======
(٤٧)
الثلاثاء ٢١ ربيع الآخر ١٤٣٦ هـ

" المواربة " :
مصدر وَارَبَ ، ويقال تَكَلَّمَ دُونَ مُوَارَبَةٍ  : دُونَ مُخَادَعَةٍ ، أَيْ بِصَرَاحَةٍ وَوُضُوحٍ 

المُواربة : مشتقة من الأرب وهي الحاجة ، وحقيقة المواربة أن يقول المتكلم قولاً يتضمن ما ينكر عليه فيه بسببه ، ويتوجه عليه المؤاخذة ، فإذا حصل الإنكار عليه استحضر بحذقه وذكائه وفطنته وجهًا من الوجوه التي يمكن التخلص بها من تلك المؤاخذة ، إما بتحريف كلمة أو تصحيفها بصرفها أو قلبها ، أو بزيادة أو نقص ، أو غير ذلك ، ليسلم من المؤاخذة - كقول القائل في هذا البيت :

لقد ضاع شعري على بابكم 
كما ضاع عقدٌ على " خالصه "

وهذا البيت كاد أن يُقطع رأس قائله لأن فيه ذم لأمير من الأمراء الذي اهتم بالعقد الثمين الذي اشتراه للجارية التي تعمل في قصره واسمها " خالصة " ولم يهتم للشاعر الذي قدِم للسلام على الأمير !!

عندها خرج الشاعر من القصر وكتب على الباب بخط كبير :

لقد ضاع شعري على بابكم 
كما ضاع عقدٌ على " خالصه "

وأعلم أحد الحراس الأمير بما كتبه الشاعر ، فغضب الأمير غضباً شديداً وأمر بقطع رأس القائل ، ولكن سرعان ماأخبر الناس ذلك الشاعر بما كان ينويه الأمير ، فهرول مسرعاً ومسح " قوس حرف العين " في كلمتي " أضاع " فصار بيت الشعر :

لقد ضاء شعري على بابكم 
كما ضاء عقدٌ على خالصه

وبعد أن قرأ الأمير هذا البيت أمر للشاعر بمكافأة ، ومعاقبة الحراس الذي كذبوا على الأمير !!
 
ومن الشواهد التي وقع فيها من المواربة بالتحريف ، قول عُتْبانُ الْحَروريُّ :
فَإِنْ يَكُ مِنْكُمْ كانَ مَرْوانُ وَابْنُه 
وَعَمْرٌو وَمِنْكُمْ هاشِمٌ وَحَبيب

فَمِنّا حُصَيْنٌ وَالْبَطينُ وَقَعْنَبٌ 
وَمِنّا أَميرُ الْمُؤْمِنينَ شَــبيب

أُخِذَ ، فَأُتِيَ بِه هِشامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَقالَ لَه :
أَنْتَ الْقائِلُ : " وَمِنّا أَميرُ الْمُؤْمِنينَ شَبيب " ؟
فَقالَ مُوارِبًا : إِنَّما قُلْتُ : وَمِنّا - أَميرَ الْمُؤْمِنينَ - شَبيب .
فَتَخَلَّصَ بِهذِه الْمُوارَبَةِ اللَّطيفَةِ الَّتي لا تَزيدُ عَلى حَرَكَةٍ واحِدَةٍ  ، وهي بفتح الراء بعد ضمها ، وهذا ألطف مواربة وقعت في هذا الباب .


ودونها قول رجل يدعى " نصيب " عندما قال :
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت
فوا كمدي من ذا يهيم بها بعدي؟

وقيل له: اهتممت بمن يفعل بها بعدك؟
فقال: لم أقل كذا، وإنما قلت:
فوا كمدي ممن يهيم بها بعدي

فتخلص بإبدال كلمة ( من ذا ) ووضع بدلاً عنها كلمة ( ممن ) والتي غيرت المعنى تماماً .

وكذلك من الشواهد البيت الذي قاله الشيخ ( صفي الدين الحلي ) في بديعته:
لأنت عندي أخص الناس منزلة
إذ كنت أقدرهم عندي على السلم

المواربة في " أخص " يريد بها " أخس " بالسين المهملة ،
 و" أقدرهم " يريد بها " أقذرهم "  بالذال المعجمة ، والمواربة في أقدرهم بالتصحيف.


ومن اللطائف والطرائف في هذا الباب ما يحدث بين حرفي "السين " و "الصاد" :

روى البرقاني عن أبي حاتم بن أبي الفضل الهروي ، قال : بلغني أن صالحاً سمع بعض الشيوخ يقول : إن السين والصاد يتعاقبان ، فسأل بعض تلامذته عن كنيته ،  فقال له : أبو صالح. قال : فقلت للشيخ : يا أبا سالح ، أسلحك الله ( يعني أصلحك الله ) ، هل يجوز أن تقرأ : ( نحن نقس عليك أحسن القسس ) ؟
فقال لي بعض تلامذته : تواجه الشيخ بهذا ؟
فقلت : فلا يكذب ، إنما تتعاقب السين والصاد في مواضع.


وعن بكر الصيرفي ، سمعت أبا علي صالح بن محمد [ الملقب جزرة ] قال : 
دخلت مصر فإذا حلقة ضخمة ، فقلت : من هذا ؟ 
قالوا : صاحب نحو . 
فقربت منه ، فسمعته يقول : ما كان بصاد جاز بالسين . 
فدخلت بين الناس ، وقلت : صلام عليكم يا أبا سالح ( يعني سلام عليكم ياأبا صالح ) ،
سليتم بعد ؟ (يعني هل صليتم ؟)
فقال لي : يارقيع !أي كلام هذا ؟ 
قلت : هذا من قولك الآن عندما قلت ( ما كان بصاد جاز بالسين ) !!. 
قال : أظنك من عياري بغداد ؟! 
قلت : هو ماترى .
فتراجع عن كلامه 
 

لذلك صاروا يكتبون الألفاظ التقييدية للحروف العربية خشية ذلك :

فقالوا : الباء الموحَّدَة، وبعضُهم يقولُ: الباءُ ثاني الحروف، والتاءُ المُثَنَّاة من فوقُ لِئَلَّا يحصُلَ الشَّبَهُ بالياء؛ فإنها مُثَنَّاةٌ ولكنها من تحتُ، وبعضُهم قال: ثالث الحروف، والثاء المثلثة، والجيم، والحاء المهملة، والخاء المعجمة، والدال المهملة، والذال المعجمة، والراء، والزاي، وبعضهم يقول: الراء المهملة والزَّاء المعجَمَة ، والسين المهملة، والشين المعجمة، والصاد المهملة، والضاد المعجمة، والطاء المهملة، والظاء المعجمة، والعين المهملة، والغين المعجمة، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والهاء، والواو، والياء المثناة مِن تحتُ، وبعضُهم يقولُ: آخِر الحروف.

 

وإذا أرادُوا ضبطَ كلمةٍ قيَّدُوها بهذه الأحرُفِ على هذه الصورة، فإن أرادوا لها زيادةَ بيانٍ قالوا: على وَزْنِ كذا، فيذكُرُونَ كلمةً تُوازِنُها وهي أَشْهَرُ منها، كما إذا قَيَّدُوا ((فَلُوًّا)) وهو المُهْرُ؛ قالوا فيه: بفتح الفاء، وضم اللام، وتشديد الواو، على وَزْنِ عَدُوٍّ ؛ فحينئذ يكونُ الحالُ قد اتضح، والإشكالُ قد زال .


=========
(٤٦)
الأربعاء ١٦ ربيع الأول ١٤٣٦هـ

التفويف :
ومنه أغرب أشعار المتنبي بيت يمدح فيه سيف الدولة الحمداني ، يقول :

عِشِ  اِبقَ  اِسمُ  سُدْ  جُدْ  قُد  مُرِ  اِنهَ  رِ  اِسرِ  فِ   تُسَلْ 
غِظِ  اِرمِ  صِبِ اِحمِ  اِغزُ  اِسبِ  رُع  زَع  دِ  لِ  اِثنِ  نُل  

وَهذا دُعاءٌ لَوْ سكَتَّ كُفِيتَهُ  
لأنّي سألْتُ الله فيكَ وَقَدْ فَعَلْ

وهذا البيت لم يسبقه أحد إلى مثله ولا لحقه أحد فيه وهو من بحر الطويل ومركب من أربع وعشرين كلمة ، وهي مع ذلك فصيحة، وقد قال قبله عدد من الشعراء فلم يزيدوا على عشر كلمات ، كقول أبي العميثل الأعرابي - (عبد الله بن خليد ) وهو مؤدِب ومن الشعراء الفضلاء ، كان أبوه خليد مولى لبني العباس ، وقيل العميثل معناه : الخيل ) -  : 
أصدق، وَعِفّ، وّبرِ، واصبِر، واحتَملْ 
وَاحلم، وَدَارِ، وكَافِ، وانصرْ، وَاسمع 

والأصل قول امرئ القيس وهو أقْدَمُ :
أفادَ وجادَ وسادَ وزادَ
وذادَ وقادَ وعادَ وأفْضَلْ !
فقال سيف الدولة: أيمكن أكثر من هذا ؟!
فقال: نعم ولكن بغيض جداً.

نرجع إلى البيت :
عِشِ  اِبقَ  اِسمُ  سُدْ  جُدْ  قُد  مُرِ  اِنهَ  رِ  اِسرِ  فِ   تُسَلْ 
غِظِ  اِرمِ  صِبِ اِحمِ  اِغزُ  اِسبِ  رُع  زَع  دِ  لِ  اِثنِ  نُل  

قال العكبري في شرحه للبيت :
الغريب: أمره في هذا البيت بأربعة وعشرين أمراً، زاد على البيت الأوّل عشرة:
عش: من العيش، 
أبق: من البقاء، 
اسم: من السموّ، وهو الارتفاع
سُد: من السيادة، 
جد: من الجود، 
قُد: من قَوْد الخيل في الجيش ،
مر: من الأمر، 
أنه: من النهى، 
رِ: من الورى، وهو داء في الجوف، يقال: وَرَاه اللّه ، 
أسر: بكسر الراء من السُّرَى وهو مشي الليل ؛ أي: اسرِ إلى أعدائك  ، وبضم الراء من السَّرْو، وهو المروءة في سخاء. 
فِ: من الوفاء ، وقيل فُهْ : أي تكلَّم
تُسَلْ: من السؤال؛ أي: فُهْ آمرًا بالعطايا نسألك حاجاتِنا.
غِظْ  : من الغيظ ، 
أرم: من الرمي ، 
صب: من صاب السهم الهدف يصيبه صيبا ، أي: غِظ أعداءك وارمِهم بسهام كيدك وأصبهم
أحم: من الحماية، 
اغز: من الغزو، 
أسب: من السَّبي، 
رع: من الروع، وهو الإفزاع، 
زع: من وزعته ، إذا كففته، والوازع: الوالي؛ لأنَّه يكف عن المنكر
دِ: من الدية ، أي: تحمَّل الدية عمن تجب عليه
لِ: من الولاية، 
اثن: من ثنيته، أو من ثناهُ ؛ بمعنى: ردَّه؛ أي: اثنِ أعداءَك عن مُرادِهم.
ونِل: من النيل، وهو العطاء،

المعنى:
يقول: عش في نعمة سالمة، حتى تفني أعداءك، وأبق في عزّ مؤبد، حتى تحيىَ أولياءك، وأسم: أي أعل على كلّ الملوك بالقهر والغلبة، وسُد أهل زمانك بالكرم والفضل والشجاعة، وقُد الجيش إلى أعدائك، وجُد بعطائك على أوليائك، ومُر مسموعاً أمرك، وأنه غير مخالف نهيك، ورِ أعداءك بظهورك عليهم، أي أصِب رئاتِهم بإيجاعك لهم، وفِ لأوليائك بإحسانك إليهم، وبنعمك عليهم، وأسرِ إلى أعدائك بجيوشك لتستأصلهم، ونل ما تبغيه بسعدك، وإقدامك وتأييدك، لأنك مؤيَّد بالنصر، وغِظ بظهورك من يحسدك، وأرم ببأسك من يخالفك، وصب من تعتمده برميك، وأحم ذمارك، بهيبتك وببأسك، وأسب بجيوشك حريم أعدائك، ورُع بمخافتك أمنهم، وزع: أي كفّ بوقائعك مسلطهم، ودِ: أحمل الديات متفضّلاً على تبعك وحشمك، ولِ الأمصار مشكوراً في ولايتك، وأثن الأعداء عنها بحمايتك، ونُل عُفاتَك بجودك، وأمطر عليهم سحائب فضلك، وعلى الرواية الأخرى نوّلهم ما يطلبون من عطائك الجزيل.

وفي إحدى قصائد المتنبيّ ، في آخرها، وفي موضع الطّلب منها قال مخاطباً سَيْف الدَّولة الحَمْداني :
أَقِلْ أَنِلْ أقْطِعْ احْمِلْ عَلِّ سَلِّ أَعِدْ
زِدْ هَشَّ بَشَّ تَفَضَّلْ أَدْنِ سرّ وصلِ

وقد رَتَّب البلاغيون على هذا النّمط من النظم فَرْعاً من فروع "البديع" سَمُّوهُ التفويف.

التفويف :
وهذا النوع البديعي المسمّى بالتفويف أُخِذَ من "الثوب المُفَوّف" وهو الثوب الذي فيه خطوط بِيْضٌ، والمراد: تلوينُه ونَقْشُه.
التَّفْويف في التعريف البلاغي: إتيان المتكلّم بِمَعَانٍ مُتَعدّدة من المدح والغزل وغير ذلك من الفنون والأغراض، كل فنّ في جملةٍ من الكلام منفصلةٍ عن أُختها مع تَساوي الجُملة في الوزن.

ويكونُ التّفويف بالعبارة الطّويلة، والعبارة المتوسطة، والعبارة القصيرة، وفي رأي ابن حجّة الحموي: أحسنُ ألوان التّفويف وأبلغها وأَصْعَبُها مَسْلكاً: القِصار.
التفويف المركب من الجمل الطويلة قول عنترة :
إن يلحقوا أكرر، وإن يستلحموا
أشدد وإن نزلوا بضنك أنزل

وقول النابغة الذّبياني:
وأعْظَمُ أحلاماً، وأكبرُ سيّداً
وأفْضَلُ مشفوعاً، وأَكْرَمُ شافعٍ

ومثال العبارة المتوسّطة قول أبي الوليد بن زيدون:
تِهْ أحْتَمِلْ، واحتكم أصْبِرْ، وعزّ أهن
 وذلّ أخضع، وقُلْ أسمعْ، ومُرْ أُطِعِ
 فـ (تِهْ) من تاه بمعنى تكبّر، و(عزّ) من العزّ، و(أهن) من الهوان (في الحبّ)، و (مُرْ) من الأَمْر...

ومثال العبارة القصيرة قول أبي الطيّب:
أَقِلْ أَنِلْ أَقْطِعْ احْمِلْ سَلِّ أَعِدْ
زِدْ هَشَّ بَشّ تَفَضّلْ أَدْنِ سُرَّ وصِل
 وهو من قصيدة اعتذر فيها الشاعر لسيف الدولة عن قصيدة عتاب سابقة.
فقوله: أَقِلْ: من إقالة العَثْرة، 
وأَنِلْ: من الإنالة (العطاء) 
وأقْطِعْ: من هبة الأَرْض والعقار. 
واحْمِلْ: أي إعطاء فرس تحمله، 
وعَلّ من إعلاء مكانته (ترقيته) 
وسَلّ من إذهاب الغمّ، 
وأَعِدْ: يقول أرجعني إلى مكانتي الرفيعة لديك، 
وهَشّ من قولهم هشّ لفلان وبَشّ: لقيه بقبول حسن، 
وأَدْنِ: من الإدناء: التقريب. 
وسُرّ من السّرور، 
وصِل: فعل أمر (رجاء) للوَصْل وهو هنا الإثابة عن رضا.

ويقال إن سيف الدولة وقّع تحت كل عبارة أوردها المتنبي في هذا البيت بما يناسبها، فكتب تحت "أقِلْ" قد أقلناك، وتحت "أَنِلْ" يُحْمَلُ إليه من الدراهم كذا وكذا، وتحت "أقْطِعْ" قد أقطعناك الضّيعة الفلانية (ضيعة معيّنة بباب حلب) وتحت "عَلّ" قد فَعَلْنا، وتحت: "أَعِدْ": قد أعدناك إلى حُسن رأينا (أي عفونا عنك) وتحت "زِدْ" يُزادُ كذا وكذا... الخ...

========
(٤٥)

الجمعة  ١٤  محرم  ١٤٣٦ هـ

الأجوبة الحصيفة :

    إنَّ التلطُّفُ في التَّعبير، بمعنى انتقاءُ الألفاظِ بما يجمِّل المعاني والألفاظ، وبما يحفظُ مشاعرَ المخاطب، له أصل عربي وإسلامي عريق، فهو داخل فيما يسمَّى بالتّعريض والتَّورية والكِناية، أو ما يسمى عند علماء اللغة والبلاغة "بالتفَاؤل".
وفي ذلك يقول الجواليقي: "إنَّ العربَ مازالت "تسمي الناهضِين في ابتداء الأسفارِ قافلةً تفاؤلاً بأن يُيسر اللهُ لها القُفُول، وهو شائعٌ في كلام فصحائِهم.".
 ومنه أيضاً إطلاقُ لفظِ السَّليم على الملدُوغ ، والبَصير على الأعمى تفاؤلاً لهما، ولفظِ المفازةِ على الصَّحراء المُهلِكة تفاؤلاً بالنَّجاة من أهوالِها.
 
وأفرد لهذا الموضوع ابنُ القيم الجوزية فصلاً في كتابه (الطرق الحُكميّة في السياسة الشرعية ) وسماه: فصلٌ من الأجوبة الحصيفة ، قال فيه:
"ومن محاسِن الفراسَة أنَّ الرشيد رأى في داره حزمة خيزران ، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ قال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين. ولم يقل: الخيزران لموافقته اسم أم الرشيد".
وقال أيضاً: "ونظير هذا أن بعض الخلفاء سأل ولده وفي يده مِسواك، ما جمع هذا؟
فقال: مَحاسِنك يا أمير المؤمنين!" ولم يقل: "مساويك".
ثم أعقب ابن القيم بقوله: "وهذا من الفراسة في تحسين اللفظ، وهو باب عظيم اعتنى به الأكابر والعلماء، وله شواهد كثيرة في السُّنة، وهو من خاصية العقل والفطنة".
ثم ذكر مواقف أخرى لغوية بارعة، عن العباس في قوله عن النبي - صلى الله علية وسلم - لما سئل أهو أكبر أم رسول الله - صلى الله علية وسلم - فقال هو أكبر مني وأنا ولدت قبله.
وقول عمر لما رأى ناراً موقدة في ليل: "يا أهل الضوء" وكره أن يقول يا أهل النار. ثم أصَّل لهذا الباب بأنه مستمدٌ من قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الإسراء: 53]. انتهى كلامه .

المصدر : شبكة الألوكة
=========
(٤٤)

السبت  ١٧  ذو الحجة ١٤٣٥هـ

لا تلقي اللام مع الراء إلا في أربع كلمات :

قال الحافظ في ( الفتح ) في شرح حديث ابن عباس: ( تحشرون حفاة عراة غرلاً ) - (رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3447) والرقاق (6527)) 

قال أبو هلال العسكري:
لا تلتقي اللام مع الراء في كلمة، إلا في أربع:
أرل: اسم جبل،
ورل: اسم حيوان معروف، 
حرل: ضرب من الحجارة،
الغرلة: جلدة الصبي التي تقطع في الخِتان ، وجمعها "غرل" .

واستدرك عليه كلمتان:
هرل:
الهَرَلُ: الرَّبِيبُ ، أَي وَلَدُ الزوجة .
و "برل" : الديك الذي يستدير بعنقه .
وقوله: ( لا تلتقي ) أي لا يصير بعضها إلى جنب بعض، وليس المعنى أنهما لا يجتمعان ؛ فإن هذا كثير كما في رجُل ، ورجِلٍ، وغيرهما.
==========
(٤٣)

الأثنين ٥  ذو الحجة ١٤٣٥هـ

من مقاصد سورة الحج :

سورة الحج هي من أعاجيب سور القرآن الكريم ففيها آيات نزلت في المدينة وأخرى نزلت في مكة ، وآيات نزلت ليلاً وأخرى نهاراً، وآيات نزلت في الحضر وأخرى في السفر وجمعت بين أشياء كثيرة. وهي السورة الوحيدة في القرآن كله التي سميّت باسم ركن من أركان الإسلام وهو " الحج " وليس لها اسم غير هذا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية  في الفتاوى 15/266 :
فيها مكي ومدني ، وليلي ونهاري ، وسفري وحضري ، وشتائي وصيفي ، وتضمنت :
1 ـ منازل المسير إلى الله ، بحيث لا يكون منزلة ولا قاطع يقطع عنها.
2 ـ ويوجد فيها ذكر القلوب الأربعة : الأعمى ، والمريض ، والقاسي ، والمخبت الحى ـ المطمئن إلى الله ـ .
3 ـ وفيها من التوحيد والحكم والمواعظ ـ على اختصارها ـ ما هو بين لمن تدبره .
4 ـ وفيها ذكر الواجبات والمستحبات كلها : توحيدا ، وصلاة ، وزكاة ، وحجا ، وصياما ، قد تضمن ذلك كله قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الآية 77 ، فيدخل في قوله : (وافعلوا الخير) كل واجب ومستحب ، فخصص في هذه الآية وعمم .
ثم قال : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } الآية 78  ، فهذه الآية وما بعدها لم تترك خيراً إلا جمعته ولا شراً إلا نفته.
انتهى كلامه – رحمه الله

ومن خصائص هذه السورة :
- أنه لم يجتمع في القرآن كلِّه المكي والمدني والليلي والنهاري والسفري والحضري والحربي والسلمي والناسخ والمنسوخ والمحكمُ والمتشابه والشتائي والصيفي إلا في سورة الحج . قال جمهور أهل العلم: هذه السورة بعضها مكي، وبعضها مدني ، أي لا يُعْرَف المكي بعينه، والمدني بعينه ، بمعنى أن كثيراً منها مكي، وأن مثله أو يقاربه مدني ، وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (نزل أول السورة في السفر، فنادى رسول الله بها، فاجتمع إليه الناس).

- لم تجتمع سجدتان في سورة من القرآن إلا فيها .

- لم تفتتح سورة في النصف الأخير من القرآن بـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" إلا سورة الحج .

- في القرآن بضع وستون مثلا لم يقل الله عز وجل (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) إلا في مَثَل سورة الحج { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ } الآية 73

- فيها ذكر القلوب الأربعة : الأعمى والمريض والقاسي والمخبت الحي المطمئن إلى الله ، ولم تجتمع هذه الأربعة إلا في سورة الحج . 
القلب الأعمى { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } الآية 46
القلب المريض والقلب القاسي { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } الآية 53
القلب المخبت { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الآية 54

- لم يرد في أية سورة من القرآن الكريم وصف الله تعالى بأنه القوي العزيز مرتين إلا في سورة الحج بأعلى درجات التوكيد في قوله تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } الآية 40  ، وفي قوله تعالى { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } الآية 74 ،  باستعمال إنَّ للتوكيد، واللام قبل الخبر في "لَقَوِيٌّ" على حين ورد هذا الوصف مؤكدًا مرة واحدة في سورة  "هود" في قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } [هود : 66] ، والتوكيد هنا بـ "إنَّ" و "ال" التعريف التي تدل على انفراده سبحانه وتعالى بالقوة والعزة الكاملتين، وورد مرة واحد أيضا في سور الأحزاب (25)، والشورى (19)، والحديد (25)، والمجادلة (21). وبهذا يكتمل وصف الله تعالى أنه القوي العزيز سبع مرات في القرآن الكريم كله ، وانفردت سورة الحج منها بمرتين، وهذا يؤكد أن سياق الآيات في التدافع بين الحق والباطل مضمون فيه الغلبة للمؤمنين إذا أحسنوا التوكل -لا التواكل- على الله القوي العزيز.

- أنها أول سورة ورد فيها الإذن بالقتال في القرآن الكريم كله، وذلك في قوله سبحانه وتعالى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } الآية  39  ، وقد أورد الإمام القرطبي: "وهي أول آية نزلت في القتال. قال ابن عباس وابن جبير : نزلت عند هجرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة. وروى النسائي والترمذي عن ابن عباس قال: "لما أُخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ليهلكن ؛ فأنزل الله تعالى: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"، فقال أبو بكر : لقد علمت أنه سيكون قتال". قال الترمذي: هذا حديث حسن".

- لم يرد في أية سورة مرتين التعبير عن "تذوق عذاب الحريق" إلا في سورة الحج في الآيتين: 
كما في قوله عز وجل { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } الآية 9 ، وفي قوله تعالى { وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } الآية 22  ، على حين ورد مرة واحدة في آل عمران (181)، والأنفال (50)، والبروج (10) ، ففي القرآن الكريم كله ورد عذاب الحريق 5 مرات ، وانفردت سورة الحج وحدها بمرتين.

- لم يرد في القرآن الكريم كله وصف لعذاب الكافرين ، كما جاء في هذه الآيات: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ . يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ. وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } (الآيات: 19-22) ، هذا المشهد لم يتكرر في القرآن الكريم سواء بالنسبة إلى الثياب التي تُفصَّل وتُقطَّع من نار والمقامع من حديد ، كما لم يرد ذكر العذاب المعنوي بـ " الغم " في جهنم إلا في هذه الصورة الرهيبة في جزاء المجادلين في الله تعالى.

- لم يرد ذكر للمجوس في القرآن كله في معرض ذكر المِلل والنِحل سوى في سورة الحج  ، قال الله عز وجل { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } الآية 17 .

- أنها السورة الوحيدة التي ذكرت فيها معابد الأمم ( صوامع ، وبيع ، وصلوات ، ومساجد )  ، كما في قوله تعالى : { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا }

- أن فيها سبع آيات متتابعات ختمت كل منها بصفتين من صفات الله تعالى وهي الآيات  (٥٩ - ٦٥ ) وهو ما لم يتكرر في غيرها :
{وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}

{إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}

{وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}

{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}

{وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}

{إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}


والله اعلم

==========
(٤٢)

الأثنين ١٣ ذو القعدة ١٤٣٥هـ

[المشترك اللفظي]

من محتويات هذا الموضوع :
• تعريفه ، وموقف الباحثين منه ، وأسبابه ؟ 

• المشترك اللفظي في القرآن الكريم .

• الألفاظ : (الغروب- جلسا- نحبه - الخال - عينا ) ؛ ماذا تعني في عيون الأدباء والشعراء؟


• مقدمة :
المشترك اللفظي علامةٌ واضحة في اللغة العربية ، وهو بكثرته خصِّيصة لها، وعاملٌ من عوامل تنميتها ، وقد تنبَّه العلماء له ، وأشاروا إلى شواهده ، والمعاني التي تدور ألفاظُه حولها.

المشترك اللفظي عكس الترادف، ويشمل: المشترك والتضاد، والمداخل والمسلسل، وقد فطن العربُ للفروق الدقيقة، وجعلوا لكل حالٍ لفظَها:
فمثلاً كلمة "الغزلان " :
جمع (غَزَالُ ) وهو ولد (الظَّبْيَةِ) ، واختلف الناس في تسميته بحسب أسنانه ، الظبي أول ما يولد هو (طلا) ، ثم هو (غزال) والأنثى (غزالة) ، فإذا قوي وتحرك فهو (شادن) ، فإذا بلغ شهراً فهو (شَصَر) ، فإذا بلغ ستة أشهر أو سبعة فهو (جَدَايَةً) للذكر والأنثى ، وهو (خَشْفٌ) أيضاً.
و (الرَّشَأُ) : الفتي من الظباء ، فإذا أثنى فهو ظبي ، ولا يزال (ثَنِيًّا) حتى يموت، والأنثى (ظَبْيَةٌ ) وَ(ثَنِيَّةٌ). 

يقول ابن جني في (باب الرد على من ادَّعى على العرب عنايتَها بالألفاظ وإغفالَها المعاني):
"اعلم أنَّ هذا الباب من أشرف فصول العربية وأكرمها، وأعلاها وأنزهِها، وإذا تأملتَه عرفتَ منه وبه ما يؤنقك، ويذهب في الاستحسان له كل مذهب بك؛ وذلك أن العرب كما تُعنى بألفاظها، فتصلحها وتهذبها وتراعيها، وتلاحظ أحكامها بالشعر تارة، وبالخطب أخرى، وبالأسماع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها، فإن المعاني أقوى عندها، وأكرم عليها، وأفخم قدرًا في نفوسها " .

قبل البدء بالتعريف ، دعونا نأخذ كلمة ( وَجَدَ ) ؛ ماذا تعني ؟

 فيقال :
(وجد الشيء ) وجودًا وجدانًا إذا عثر عليه ،
و (وجد عليه ) موجدةً إذا غضب ،

و (وجد به ) وجدًا إذا تفانى في حبّه ...

وأيضاً كلمة ( الصَّرف ) ؛ ماذا تعني ؟

أن يتعدَّد المعنى نتيجة لاستِعْمال اللَّفظ في مواقف مختلفة، وهو قريب من السَّابق، ويسمَّى أيضًا (تغْييرات الاستعمال)، مثل كلمة : الصَّرف ، ويُمكن تمثيل هذه الكلِمة في الجمل الآتية:
• يهتمّ طلبتُنا بعلم النحو، ويزْهدون في دراسة (الصَّرف) .
• تهتمّ الهيئات البلديَّة بـ (الصَّرف) كثيرًا، في برنامج هذه السنة.
• الرَّي و (الصرف) موضوعان أساسيَّان في (الهيدروليك).
• لا تكاد تخلو أي مدينة من سوق (الصَّرف ) . أي صرف العملات مثلاً .

ويلاحظ من الأمثلة الأربعة السابقة تغيّر معانيها بتغيّر استعمالها.


• تعريفه :
- هو : كل كلمة لها عدة معانٍ حقيقة غير مجازية .
وهو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل اللغة .
-

• موقف الباحثين منه :
اختلف الباحثون في مسألة ورود المشترك اللفظي في اللغة العربية :
- أنكره فريق منهم مؤولا أمثلته تأويلا يخرجها من بابه .

- وذهب فريق آخر إلى كثرة وروده ، فأورد له شواهد كثيرة لا سبيل إلى الشك فيها ، ومن هذا الفريق الأصمعي وأبو عبيدة معمر بن المثنى .

- واعتبره آخرون ظاهرة لغوية موجودة في معظم لغات العالم ، ومن التعسف إنكارها في العربية .


• أسبابه :
١- اختلاف اللهجات العربية القديمة ، وعندما وضعت المعاجم ضمّ أصحابها المعاني المختلفة للفظ الواحد دون نسبته إلى القبيلة التي كانت تستعمله .

٢- التطور الصوتي الذي يطرأ على بعض أصوات اللفظ الأصلية من حذف أو زيادة أو إبدال ، فيصبح هذا اللفظ متحدًا مع لفظ آخر يختلف عنه في المدلول . فقد طرأ مثلا على لفظة ( النغمة ) تطور صوتي فأصبحت ( النأمة ) لقرب مخرج الغين من الهمزة .

٣- انتقال بعض الألفاظ من معناها الأصلي إلى معانٍ مجازية أخرى ، كلفظ ( العين ) فإنه يطلق على العين الباصرة ، وعلى العين الجارية ، وعلى أفضل الأشياء وأحسنها ، وعلى النقد من الذهب أو الفضة ...

٤- العوارض التصريفية التي تطرأ على لفظين متقاربين في لغة واحدة ، فينشأ عنها تعدد في معنى هذه الصيغة .


• المشترك اللفظي في القرآن الكريم :

إن من بلاغة القرآن الكريم تعدد المعاني واللفظ واحد ، وفي لغتنا العربية كلمات وألفاظ يدل كل لفظ منها على معان مختلفة ، يحددها السياق الذي وردت فيه ؛ وسأكتفي بذكر كلمتين فقط ، هما : ( أم ) و ( عين ) .

كلمة (أم) في القرآن وردت على معانٍ عدة ، منها:

* بمعنى الأُم التي ولدت:
ومنهُ قول الله تعالى: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} (طه/٤٠ )
ولا ريب أن أُم موسى هي التي ولدته.

* بمعنى أصلُ الشيء :
قال الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} (آل عمران/٧)
أي أصلُ الكتاب في اللوح المحفوظ .

* وجاءت بمعنى المآل:
قال الله تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (القارعة/٩)
أي منقلبهُ إلى الهاوية.

* وجاءت بمعنى الظئر :
الظئر هي المُرضع قال الله جل وعلا: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} (النساء/٢٣)
ليس أُمك التي ولدتك وإن الأُم الظئر هنا المُرضعة.

* وجاءت الأُم مقصُود بها مكة :
قال الله جل وعلا: {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى} (الشورى/٧)

* وأُم الكتاب هي الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة .

* وأُطلق ذلك على أُمهات المؤمنين اللاتي هُنّ أزواجُ نبيُنا صلى الله عليه وسلم.


وأيضاً لفظ( عين ) يطلق على :
(العين الباصرة - الشمس - عين الماء - الرقيب أو الجاسوس  ..) ويطلق على معانٍ أُخر . 

وفي القرآن الكريم جاءت :
" عَيْنٌ " : بفتح العين.
" عِينٌ " : بكسر العين.

 " عَيْنٌ " بفتح العين  .
ولها معانٍ متعددة ، منها : 

نبع الماء :
قال تعالى : { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} (الغاشية/١٢)
 
ما يقال لمن يُسَر به :
(قرة عين) ، قال تعالى : { وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } (القصص/٩)
وقال : {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } (الفرقان/٧٤)

المشاهدة والمعاينة بعين الرأس: 
قال تعالى : { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ }(التكاثر/٧) .

 وجاءت مُعرّفة بـ ال " العين " وهي العين الباصرة الجارحة :
قال تعالى : {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} (المائدة/٤٥)
وقوله : {يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ } (آل عمران/١٣) 


• المشترك اللفظي في عيون الأدباء والشعراء :

جاء في كتاب ( المزهر في علوم اللغة - للسيوطي ) ما قاله الخليل بن أحمد :

يا وَيحَ قَلبي مِن دَواعي الهَوى
إِذ رَحَلَ الجيرانُ عِندَ (الغُروب)١

أَتبَعتُهُم طَـرفي وَقَد أَمعَـنوا
وَدَمعُ عَينَيَّ كَفَيضِ (الغُروب)٢

بانـوا وَفيهم طفلَـةٌ حـرَّةٌ
تَفتَرُّ عَن مِثلِ أَقاحي (الغُروب)٣

الغروب :
١- غروب الشمس 
٢- جمع غرب ، وهو الدلو العظيمة المملوءة. 
٣- جمع غرب ، وهي الوهاد أي الأرض المنخفضة. 


ومثل ذلك ما أنشده سلامة الأنباري ، في شرح المقامات:

لقد رأيت هذريا (جَلْـسا)١
يقود من بطن قديد (جَلْسا)٢

ثم رقى مـن بعد ذاك (جَلْسا)٣
يشرب فيه لبـنا (وجَلْسا)٤

مع رفقته لا يشربون (جَلْسا)٥
ولا يؤمـون لهـم (جَلْسا)٦

 جلسا :
١- رجل طويل
٢- جبل عالٍ
٣- جبل
٤- عسل
٥- خمر
٦- نجد.

______

ومن الألفاظ المشتركة :
"نحب" : وقد نظم بعض الأدباء أهم معانيها في أبيات ، أقتصر منها على الأبيات الآتية: 
مغرم قد قضى من الشوق (نحبه)
وهو لم يقض ِ في المحبة (نحبه)

وامتطى (نحبه) فهيجه النحب
إلى إلفه فواصل (نحبه)

يا لصب عراه نحب فأضنى                   جسمه (نحبه) وشرد (نحبه)


• معاني " الخال " نظماً ونثراً 

جاء في كتاب " بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة " للحافظ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي :
(قال اللغويون : الخال يأتي على اثني عشر معنى ) أ.هـ

وقد نظم ذلك الفقيه الأستاذ النحوي الكبير أبو عبد الله محمد بن هشام اللخمي السبتي:
أقوم لخالي(١) وَهُوَ يَوْمًا بِذِي خالِ(٢)
تروح وتغدو فِي برودٍ من الخالِ(٣)

أما ظَفرتْ كفّاك فِي الْعَصْر الْخَالِي(٤)
بربّة خالٍ (٥) لَا يزَنُّ بهَا الْخَالِي (٦)

تَمُرُّ كمرّ الخالِ (٧) يّرتجُّ رِدْفُها 
إلى منزلٍ بالخالِ(٨) خِلْوٍ من الخالِ(٩) 

أَقَامَتْ لأهل الْخَال (١٠) خالاً (١١) فكلَّهمْ
يؤمّ إِلَيْهَا من صحيحٍ وَمن خالِ(١٢)

الشرح:

١- أخو الأم
٢- اسم لمكان
٣- ذو خيلاء معجب بنفسه
٤- الزمان الماضي
٥- الشامة أو النكتة السوداء في البدن
٦- العزب الذي لا امرأة له او المنفرد
٧- السحاب لا مطر فيه
٨- اسم لمكان
٩- الجبان
١٠- مكان
١١- لواء الجيش
١٣- مريض

جاء في كتاب ( معجم الأدباء - ياقوت الحموي)  ، من شعر أبو نصر الحسن بن أسد الفارقي :

بنتم فما كحل الكرى
لي بعد وشك البين (عينا)١

ولقد غدا كلفي بكم
أذناً علي لكم و(عينا)٢

فأسلت بعد فراقكم
من ناظري بالدمع (عينا)٣

فحكت مدامعها الغزار
من الغيوم الغر (عينا)٤

جادت على أثر شفى
(عيناً) لهم لم تلق (عينا)٥

من كل واضحة الترائب
سهلة الخدين (عينا)٦

غراء تحسب وجهها
للشمس حين تراه (عينا)٧

أمسيت في حبي لها
عبداً أضام وكنت (عينا)٨

لا قر ركب بالركائب
إذ يهن سرين (عينا)٩

غاظ الحسود لنا الوصال
فلا رعاه الله (عينا)١٠

فذممت حرفاً عاينت
عيناي في أولاه (عينا)١١

كانت تناصفنا بصافي
الود لا ورقاً و (عينا)١٢

لهفي وقد أبصرت في
ميزان ذاك الوصل (عينا)١٣

كم من أخ فينا وعى
ما لم نكن فيه (وعينا)١٤

ومصاحب صنفت في
غدراته للعين (عينا)١٥

العين :
١- العضو الحاسة المعروفة
٢- الرقيب       ٣- عين الماء
٤- السحاب    ٥- الانسان
٦- المرأة واسعة العينين
٧- شعاع الشمس   ٨- السيد
٩- الجماعة      ١٠- الرعي
١١- حرف العين   ١٢- الذهب
١٣- النقصان       ١٤- سمعنا
١٥- كتاب العين ، وهو أول معجم منسق للغة العربية ، قام بكتابته الخليل بن أحمد الفراهيدي .

==============
(٤١)

الأحد ٧  شوال  ١٤٣٥هـ

ما الفرق بين (الخيفة) و(الخفية) في القرآن الكريم؟
الخيفة : من الخوف
قال تعالى : { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } الأعراف - (205) 
(واذكر ربك في نفسك) أن تعلم ما تقول أي لا تذكر ربك وقلبك غافل، وتضرعاً من التضرع والخيفة وهو بمعنى التذلل والتمسكن والمسكنة والتوسل 
وقال تعالى : {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ • فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ } هود -(69- 70)
أي أحسّ في قلبه منهم خوفا.

وقال عز وجل : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى } طه – (67-68 ).

خاف الشَّخصُ : شعر بنوع من الاضطراب بسبب اقتراب مكروه أو توقعه ، تهيَّب ، ارتعب ، فزِع وقف خائفًا أمام تهديداته ، { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى }

(خيفة ) اسم هيئة من الخوف ، أريد به مطلق المصدر ، وأصله خوفة ، فقلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة


الخفية : من الخفاء
قال تعالى {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } الأعراف - (55). 
وقال تعالى : {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } الأنعام – (63)
وقال عز وجل عن زكريا - عليه السلام - : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا } [مريم:3] 
فالإخفاء قد يكون بصوت يسمعه القريب وهو المناجاة ، وهذا حال الداعي كلما كان يدعو في مكان مستتر كما دعا زكريا عليه الصلاة والسلام في مكان خلي بقلب نقي وصوت خفي كان أجدر في أن يجيبه الله . 

فالخفية : من الخفاء ، أما الخيفة من الخوف.

قال شيخ الإسلام إبن تيمية - رحمه الله - :
(وتأمل كيف قال في آية الذكر: { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } الآية، وفي آية الدعاء: { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } ، فذكر التضرع فيهما معًا وهو التذلل، والتمسكن، والانكسار وهو روح الذكر والدعاء.
وخص الدعاء بالخفية لحكم منها :
أنها أعظم إيمانًا،
وأبلغ في التضرع والخشوع والإخلاص والأدب والتعظيم .
وخص الذكر بالخيفة لحاجة الذاكر إلى الخوف؛ فإن الذكر يستلزم المحبة ويثمرها، ولابد لمن أكثر من ذكر الله أن يثمر له ذلك محبته، والمحبة ما لم تقترن بالخوف، فإنها لا تنفع صاحبها بل تضره ) . أ. هـ

==============
(٤٠)

الخميس ٣٠ رجب  ١٤٣٥هـ

ورد في كتاب الله:
{مدخل صدق}
{مخرج صدق}
{لسان صدق}
{قدم صدق}
{مقعد صدق}
{مبوء صدق}
فماالفرق بينها ؟

أمر الله سبحانه وتعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يسأله بأن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال في سورة الإسراء :
{ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا }[الآية : 80] .
جملة الآية تدل على التوفيق لكن إذا خصصناها بالهجرة أصبح معنى {مُدْخَلَ صِدْقٍ } هو إتيان المدينة،
{ ومُخْرَجَ صِدْقٍ } يعني الخروج من مكة .
وهذا ما رجحه الطبري وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من التابعين.


- وأخبر عن خليله إبراهيم - عليه السلام -  أنه سأله أنه يهب له لسان صدق في الآخرين، فقال: { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ } [الشعراء: 84].

- وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق فقال تعالى: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } [يونس: 2].

- وبشرهم بأن لهم مقعد صدق فقال: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } [القمر: 54-55].

فهذه خمسة أشياء:
مدخل الصدق
مخرج الصدق
لسان الصدق
قدم الصدق
مقعد الصدق . 

- فمدخل الصدق ومخرج الصدق: أن يكون دخوله وخروجه حقًّا ثابتًا بالله وفي مرضاته بالظفر بالبغية وحصول المطلوب، ضد مخرج الكذب ومدخله الذي لا غاية له يوصل إليها، ولا له ساق ثابتة يقوم عليها، كمخرج أعدائه يوم بدر، ومخرج الصدق كمخرجه هو وأصحابه في تلك الغزوة.
 وكذلك مدخله - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضات الله، فاتصل به التأييد، والظفر، والنصر، وإدراك ما طلبه في الدنيا والآخرة، بخلاف مدخل الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب، فإنه لم يكن بالله ولا لله، بل كان محادة لله ورسوله، فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار.
 وكذلك مدخل من دخل من اليهود المحاربين لرسول الله حصن بني قريظة، فإنه لما كان مدخل كذب أصابه معهم ما أصابهم.
 فكل مدخل معهم ومخرج كان بالله ولله، وصاحبه ضامن على الله فهو مدخل صدق ومخرج صدق.
 وكان بعض السلف إذا خرج من داره، رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجًا لا أكون فيه ضامنًا عليك. 
 
 - وأما لسان الصدق: فهو الثناء الحسن عليه صلى الله عليه وسلم من سائر الأمم بالصدق، ليس ثناء بالكذب، كما قال عن إبراهيم وذريته من الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } [مريم:50]
والمراد باللسان هاهنا: الثناء الحسن، فلما كان الصدق باللسان وهو محله أطلق الله سبحانه ألسنة العباد بالثناء على الصادق جزاء وفاقًا، وعبر به عنه.

- وأما قدم الصدق: ففُسر بالجنة وفُسر بمحمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم ،  وفُسر بالأعمال الصالحة وفُسر بسبق السعادة في الذكر الأول ، وفُسر بمنزل صدق ...
وحقيقة القدم ما قدموه وما يقدمون عليه يوم القيامة، وهم قدموا الأعمال والإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -  ويقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك.

- وأما مقعد الصدق: فهو الجنة عند الرب تبارك وتعالى.

وقد ورد أيضاً ( مبوء صدق )
قال الله تعالى : { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات } (يونس :93 )
والمبوأ : مكان البوء ، أي الرجوع والمراد المسكن  ، وإضافته إلى صدق من إضافة الموصوف إلى الصفة ، ويجوز أن يكون المبوأ مصدرا ميميا . والصدق هنا بمعنى الخالص في نوعه . 
والمراد بمبوأ الصدق ما فتح الله عليهم من بلاد فلسطين وما فيها من خصب وثراء .
والمقصود منها موعظة الكفار من العرب بأحوال من سبقهم من الأمم في مشابهة كفرهم بكفرهم وبما حل بهم من أنواع العذاب جزاء كفرهم ، فلما ضرب الله مثل السوء أتبعه بمثل الصلاح بحال الذين صدقوا الرسول واتبعوه ، وكيف كانت عاقبتهم الحسنى ليظهر الفرق بين مصيري فريقين جاءهم رسول فآمن به فريق وكفر به فريق ، ليكون ذلك ترغيبا للمشركين في الإيمان ، وبشارة للمؤمنين من أهل مكة . 
فالمراد ببني إسرائيل القوم المتحدث عنهم بقوله : { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } الآية..
وترتيب الإخبار يقتضي أن الله بوأهم مبوأ صدق عقب مجاوزتهم البحر وغرق فرعون وجنوده ، فإنهم دخلوا بعد ذلك صحراء التيه وأمنوا على أنفسهم وأقبلوا على تزكية نفوسهم وإصلاح شئونهم ، ورزقوا المن والسلوى ، وأعطوا النصر على الأمم التي تعرضت لهم تحاول منعهم من امتلاك الأرض الطيبة . 
فما زالوا يتدرجون في مدارج الخير والإنعام فذلك مبوأ الصدق .

والله اعلم

===============
(٣٩)

الثلاثاء  ١ جمادى الآخر  ١٤٣٥هـ

تكرار كلمة " الرحمن " ستة عشر مرة في سورة مريم .

سميت سورة مريم باسم امرأة صالحة كاملة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " كمل من النساء ثلاثاً مريم بنت عمران وخديجة رضي الله عنها وآسيا امرأة فرعون". 
سورة مريم من أهم خصائصها أنها أكثر سورة في القرآن ورد فيها ذكر اسم (الرحمن) وهذا يساعد في تدبر السورة ومعانيها من خلال تكرار كلمة فيها أو من خلال اسم السورة وأسباب نزولها . فورود لفظ الرحمن فيها 16 مرة يستدعي التوقف عنده وهو أعلى معدل تكرر فيه هذا الاسم في سورة واحدة في القرآن وهو من أكثر الأسماء تكرراً في القرآن الكريم ابتداء من سورة الفاتحة { الرحمن الرحيم } لكن في سورة مريم تكرر بأعلى معدل 16 مرة تليها سورة الزخرف 7 مرات ، وفي سورة البقرة على طولها فقد ورد ذكر " الرحمن " مرة واحدة ، كما في قوله تعالى{ وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } (163) .
فإذن اختيار الرحمن هنا مناسب لجو السورة وتكرر إسم الرحمن فيها.
ومن ذلك يتبين أن سورة مريم هي السورة التي حظيت بأكبر نصيب من بين السور الكريمة بتكرار اسم " الرحمن " من أصل سبع وخمسين مرة في كتاب الله تعالى .
لذلك نجد أن السمة الأولى الأبرز لسورة مريم في القرآن هي ( الرحمة )، إذ ابتدأت بقوله تعالى: { كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا } [مريم: 1، 2]، ومما اختتمت به السورة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]، فالأجواء الرحمانية ظللت على السورة منذ افتتاحيتها وصولا إلى خاتمتها :

{ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا } (18) 

{ فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا } (26) 

{ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا } (44) 

{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } (45) 

{ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } (58) 

{ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا } (61) 

{ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَٰنِ عِتِيًّا } (69) 

{ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ } 75) 

{ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا } (78) 

{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا } (85) 

{ لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا } (87)

{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا } (88) 

{ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا } (91) 

{ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا } (92) 

{ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا } (93) 

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا } (96) 

وعندما نستعرض الآيات في السورة التي ورد فيها العذاب كما في قوله تعالى { يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا } (44) 
 { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } (45)
مع أن الأمر متعلق بالعذاب ولم يقل مثلاً ( عذاب من الجبّار) 
وقد ذكر فيها الرحمن أيضاً ، ولعله تدركه الرحمة فيؤمن لأن إبراهيم - عليه السلام - كان حريصاً على إيمان أبيه آزر .
وفي هذه الآية ورد تهديد إبراهيم - عليه السلام -لأبيه واستخدم اسم الرحمن مع العذاب مع أن اسم الرحمن اسم ينفع المؤمن ، لأن الرحمن قد يُعذِّب من رحمته حتى يرعوي من يرعوي ، كما نحن نربي أولادنا حتى يرعوون .
ونلاحظ لفظ ( المسّ) من كلمة ( يمسك عذاب من الرحمن ) مناسب لذكر الرحمة ولم يقل مثل ما قال في سورة الأنعام { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ } (47) ، حيث أتى العذاب كاملاً بينما في سورة مريم (يَمَسَّكَ عَذَابٌ)، المسّ الخفيف بينما في سورة الأنعام قال أتاكم وعذاب الله وهناك عذاب منه تنكير وبغتة أو جهرة وهلاك في الأنعام.

وأيضاً لو تأملنا الآيات التي فيها عقوبة ، كما في قوله عز وجل : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴿٨٨﴾ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿٨٩﴾ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴿٩٠﴾ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴿٩١﴾ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴿٩٢﴾ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴿٩٣﴾ } ، كل هذه الآيات تدل على أن جو الرحمة يشعّ في السورة ، بالإضافة إلى الكلمات الأخرى في السورة نفسها ( رحمت / رحمة / رحمتنا )
كما في الآيات :
{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا } (2) 

{ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا } (21) 

{ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } (50)

والله اعلم
================
(٣٨)

الثلاثاء  ٣  جمادى الأولى ١٤٣٥هـ

[الإِرصاد أو التسهيم]


🔻 الإِرصاد في اللّغة

التهيئة والإِعداد ، يقال لغة : أرْصَدَ الشيء للشيء إذا أعده له ، ومنه: أرْصَدْتُ الجيش للقتال والفرسَ للطِّراد .


🔻 والإرصادُ في الاصطلاح :

أن يُجعل قبل آخر العبارة التي لها حرْفُ رَوِيّ معروف (وهو آخر حرف يُبْنَى عليه نسَقُ الكلام) ما يدل على هذا الآخر .

فقد يأتي به السامع قبل أن يَنْطِقَ به المتكلِمّ .


• وقالوا في الإرصاد: إنّه من محمود الصنعة ، فإنّ خير الكلام مَا دلّ بعضه على بعض .


• وأطْلَقَ عليه بَعْضُهُم عنوان " التّسْهِيم " وهو مأخوذ من وضع صورة السّهم للإِشارة به إلى المكان المقصود أو المعنى المقصود ، ومعلومٌ أنّ إعداد ما يلزم في أول الكلام لمعرفة ما سيأتي في آخره هو بمثابة وضع صورة السّهم الّتي يُشَارُ بها إلى المقصود .


ومن أمثلة ذلك :


🔅 قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿ذلِكَ جَزَيناهُم بِما كَفَروا وَهَل نُجازي إِلَّا الكَفورَ﴾ [سبأ: ١٧]

إنّ مقدّمة هذه الآية يَدُلُّ المتلَقِّي على الكلمة الأخيرة منها ، فمنْ سمع :

{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَازِي} قال دون تفكير طويل : {إِلاَّ الْكَفُورَ} إذا كان قد سمع آخر الآية قبلها .


🔅 ومنه قوله تعالى : ﴿وَما كانَ النّاسُ إِلّا أُمَّةً واحِدَةً فَاختَلَفوا وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُم فيما فيهِ يَختَلِفونَ﴾ [يونس: ١٩]

فإذا وقف السامع على قوله تعالى : { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ } عُرف أن بعدَه " يختلفون " لما تقدم من الدلالة عليه .


🔅 وعلى نحوٍ منه جاء قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ أَولِياءَ كَمَثَلِ العَنكَبوتِ اتَّخَذَت بَيتًا وَإِنَّ أَوهَنَ البُيوتِ لَبَيتُ العَنكَبوتِ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ [العنكبوت: ٤١]

 فإذا وقع السامع على قوله عز وجل {وإنَّ أوهنَ البيوت} يعلم أن بعده بيت العنكبوت


🔅 ومن ذلك أيضاً قوله عز وجل : ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُم وَلكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ﴾ [العنكبوت: ٤٠]


🔅 ومنه قوله تعالى : ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾ [الأعراف: ٣٤]

 

🔅 ومنه قوله تعالى : ﴿فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ﴾ [ق: ٣٩]



👈🏻 ومن المؤلفين من جعل التسهيم والترشيح شيئا واحدا والفرق بينهما أن الترشيح لا يدل على غير القافية والتسهيم تارة يدل على عجز البيت وتارة يدل على ما دون العجز وتعريفه أن يتقدم من الكلام ما يدل على ما يتأخر تارة بالمعنى وتارة باللفظ .


👈🏻 ومنه قول البحتري :

أحلت دمي من غير جرم وحرمت

بلا سبب يوم اللقاء كلامي 


فليس الذي قد حللت بمحلل

وليس الذي قد حرمت بحرام


📚 كتاب : ( البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها ) - عبدالرحمن الميداني .

📚 كتاب : (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) - ضياء الدين ، المعروف بابن الأثير  .


==================
(٣٥)

الثلاثاء  ١٨  ربيع الآخر  ١٤٣٥هـ


التجنيس على أنواع...ومن ذلك :

التجنيسُ المُغايِر :
وهو أنْ تكونَ الكلمتانِ اسماً وفعلاً : 
1. {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }  ، أسلمت : فعل ، سليمان : اسم

2. {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ }  ، أقم ، وقيم. 
3. { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } .
4. { قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ } . 
5. { وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ }  
6. { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } . 
7. { أَزِفَتْ الْآزِفَةُ } . 
8 .{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ } .

التجنيسُ المُمَاثلُ :
وهوَ أنْ تكونَ الكلمتانِ اسمين أو فعلين :

1. { َرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } . 
2. { وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } . 

تجنيسُ التصريفِ :
وهو أنْ تنفردَ كلُّ كلمةٍ منِ الكلمتين ِعن الأُخرى بحرفٍ :

1. { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ } ، أهدى وإحدى. 
2. { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } ، يحسبون ويحسنون . 
3. {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } ، تفرحون وتمرحون . 
4. { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } .


تجنيس الترجيع :
وهو أن ترجع الكلمة بذاتها،
1- { ولقد أرسلنا رسلنا } ، أرسلنا ورسلنا .
2- { إن ربهم بهم يومئذ لخبير } ،  ربهم وبهم ،
3- { ولكنا كنا مرسلين } ، ولكنا وكنا.

وكما قال بعض العرب :
وما منعتْ دارٌ، ولا عزَّ أهلها
من الناسِ إلا بالقنا والقنابل


تجنيس العكس :
وهو أن تكون الكلمة عكس الأخرى، كما قال الله سبحانه حكاية عن هارون - عليه السلام: { إن خشيت إن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي } ، بين وبني

وقال عبد الله بن رواحة الأنصاري - رضي الله عنه - يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أمدح بيت قالته العرب:
تحمله الناقةُ الأدماءُ معتجراً
بالبردِ كالبدرِ جلى نورهُ الظلما

فقوله " بالبرد " عكس قوله " كالبدر".

والله اعلم

==============
(٣٤)
الثلاثاء  ١١  ربيع الآخر  ١٤٣٥هـ

[ فن الاحتباك ]

🔻الاحتباك :

هو أن يُحذف من الأوائل ما جاء نظيره أو مقابله في الأواخر ، ويُحذف من الأواخر ما جاء نظيره أو مقابله في الأوائل .


ومأخذ هذه التسمية في الاصطلاح البلاغي فقد بَيَّنَ الإمام جلال الدين السيوطي الصلة بينه وبين المعنى اللغوي فقال

( من الحَبْك ، وهو الشدّ والإحكام ، وتحسين أثر الصنعة في الثوب ، فحبك الثوب هو سدّ ما بين خيوطه من الفُرج وشدّه وإحكامه إحكاماً يمنع عنه الخلل ، مع الحسن والرونق ). (أ.هـ)


وبيان أخذ هذه التسمية من حَبْكِ الثوب حيث أن مواضع الحذف من الكلام شُبّهت بالفُرَج بين الخيوط ، كما يفعل الحائك حينما يُجري حبكاً محكماً في الثوب الذي ينسجه .


🔻وعرِفَ الاحتباك عند العلماء بأكثر من اسم وعرفوه بأكثر من تعريف فقد عُرِفَ عند الزركشي: ( بالحذف المقابلي ) وعرفه بقوله: ( هو أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كلِّ واحدٍ منهما مقابله لدلالة الآخر عليه).

وعرفه البعض بـ ( ترتيب الفائدة) .


🔻من أمثلة " الاحتباك " :


١- قول الله عزّ وجلّ : ﴿قَد كانَ لَكُم آيَةٌ في فِئَتَينِ التَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبيلِ اللَّهِ وَأُخرى كافِرَةٌ يَرَونَهُم مِثلَيهِم رَأيَ العَينِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصرِهِ مَن يَشاءُ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأَبصارِ﴾ [آل عمران: ١٣]

حيث نلاحظ في الآية الكريمة حذفاً من الأوائل لدلالة ما في الأواخر ، وحذفاً من الأواخر لدلالة ما في الأوائل ، وهذا من بدائع القرآن وإيجازه الرائع .

إن إبراز المحاذيف يتطلّب منا أن نقول : " قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ ((مُؤْمِنَةٌ)) تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ((فِئَة)) أُخْرَى كَافِرَةٌ ((تقاتل في سبيل الطاغوت)) يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ " .


فتحقّق الاحتباك .



٢- قوله تعالى في قصة موسى - عليه السلام - :

﴿وَأَدخِل يَدَكَ في جَيبِكَ تَخرُج بَيضاءَ مِن غَيرِ سوءٍ في تِسعِ آياتٍ إِلى فِرعَونَ وَقَومِهِ إِنَّهُم كانوا قَومًا فاسِقينَ﴾ [النمل: ١٢]


والتقدير : " وَأَدخِل يَدَكَ في جَيبِكَ ((تدخل غير بيضاء)) ، ((وأخرجها)) تَخرُج بَيضاءَ " .

فدلّ لفظ (بيضاء) في الأواخر على عبارة ( غير بيضاء ) المحذوفة من الأوائل ، ودلّت عبارة (وأدخل) في الأوائل على عبارة (وأخرجها) المحذوفة من الأواخر ، فتمّ الاحتباك .



٣- ومنه قوله تعالى : ﴿أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل إِنِ افتَرَيتُهُ فَعَلَيَّ إِجرامي وَأَنا بَريءٌ مِمّا تُجرِمونَ﴾ [هود: ٣٥]


التقدير : " أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل إِنِ افتَرَيتُهُ فَعَلَيَّ إِجرامي ((وأنتم براء منه وعليكم إجرامكم)) وَأَنا بَريءٌ مِمّا تُجرِمونَ " .


فتحقق الاحتباك .



٤- وقوله تعالى : ﴿وَيُعَذِّبَ المُنافِقينَ إِن شاءَ أَو يَتوبَ عَلَيهِم إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفورًا رَحيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٤] 

والتقدير :

" وَيُعَذِّبَ المُنافِقينَ إِن شاءَ أَو يَتوبَ عَلَيهِم ((فلا يعذبهم)) " .



٥- وقوله عز وجل : ﴿فَإِذا تَطَهَّرنَ فَأتوهُنَّ مِن حَيثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢]

والتقدير :

" فَإِذا تَطَهَّرنَ (( أي حتى يطهرن من الدم ويتطهرن بالماء فإذا طهرن وتطهرن )) فَأتوهُنَّ مِن حَيثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ " .



٦- وقوله تعالى : ﴿خَلَطوا عَمَلًا صالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة: ١٠٢]

والتقدير :

خَلَطوا عَمَلًا صالِحًا ((بسيء)) وَآخَرَ سَيِّئًا ((بصالح)) .



٧- ومنه قوله تعالى: ﴿وَيا قَومِ ما لي أَدعوكُم إِلَى النَّجاةِ وَتَدعونَني إِلَى النّارِ﴾ [غافر: ٤١]

والتقدير

" وَيا قَومِ ما لي أَدعوكُم إِلَى ((الإيمان الذي يوجب)) النَّجاةِ وَتَدعونَني إِلَى ((الكفر الذي يوجب )) النّارِ " ، وهذه الآية من الإحتباك لأنَّه ذكر النجاة الملازمة للإيمان أولا دليلاً على حذف الهلاك الملازم للكفران ثانياً ، والنار ثانياً دليلاً على حذف الجنة أولاً .



٨- قوله تعالى : ﴿وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذي عَلَيهِنَّ بِالمَعروفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨]


ذكر " القرطبي " إشارة أخرى عندما قال معلقاً على هذه الآية

( أي لهن من الحقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن ) ، وهذا مما عُدَّ من الإحتباك أيضاً لأنَّه حذف من الأول (على الرجال) لدلالة (عليهن) في الثاني عليه وحذف من الثاني (للرجال) لدلالة (لهن) في الأول عليه.



٩- ومن الأمثلة قوله تبارك وتعالى : 

﴿وَكَم مِن قَريَةٍ أَهلَكناها فَجاءَها بَأسُنا بَياتًا أَو هُم قائِلونَ﴾ [الأعراف: ٤]


ذكر " أبو البركات النسفي " عند وقوفه على هذه الآية :

" أنَّه ( إذا قيل بياتاً : ليلاً ، أي ليلاً وهم نائمون أو نهاراً وهم قائلون ) ، وعلى هذا تكون الآية من الإحتباك أيضاً وذلك لأنَّه حذف من الأول (نائمون) لدلالة الثاني عليه (قائلون) ، وحذف من الثاني (نهاراً) لدلالة الأول عليه وهو (بياتاً أي ليلاً). (أ.هـ



١٠- وقوله تعالى : ﴿هُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِتَسكُنوا فيهِ وَالنَّهارَ مُبصِرًا إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَسمَعونَ﴾ [يونس: ٦٧]

 

حيث حذف من الأول (مظلماً) لدلالة ضده عليه في الثاني (مبصراً) ، وحذف من الثاني (لتنتشروا فيه وتبتغوا من فضله) لدلالة ضده عليه في الأول (لتسكنوا فيه) ، وعليه يكون تقدير الآية الكريمة هو :

﴿هُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ ((مظلماً)) لِتَسكُنوا فيهِ وَالنَّهارَ مُبصِرًا ((لتنتشروا فيه ولتبتغوا من فضله)) إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَسمَعونَ﴾ .



🔻ومن " فن الاحتباك " في الشعر ، قول الفرزدق يهجو جريراً :


كَم خالَةٍ لَكَ يا جَريرُ وَعَمَّةٍ

فَدعاءَ قَد حَلَبَت عَلَيَّ عِشاري


فقد حذف أولا من الصدر (فدعاء) لدلالة مثله عليه في العجز (فدعاء) ، وحذف من العجز (لك) لدلالة مثله عليه في الصدر ( لك ) والتقدير :


كَم خالَةٍ لَكَ يا جرير فدعاء وَعَمَّةٍ

فَدعاءَ لك قَد حَلَبَت عَلَيَّ عِشاري


ومنه أيضاً قول الأعشى :

وَكَأسٍ شَرِبتُ عَلى لَذَّةٍ

وَأُخرى تَداوَيتُ مِنها بِها


ووقع في هذا البيت حذف ضدي لأنَّه حذف أولا من الصدر (فأمرضتني) لدلالة ضده عليه في العجز ( تداويت ) ، وحذف ثانياً من العجز ( شربتها ) لدلالة مثله عليه في الصدر ، وعليه يكون التقدير:


وَكَأسٍ شَرِبتُ عَلى لَذَّة ((ٍفأمرضتني))

وَأُخرى ((شربتها)) فتَداوَيتُ مِنها بِها.


===============
(٣٣)
الأحد ٢ ربيع الآخر  ١٤٣٥هـ
 

التطريزُ: ويُدعى أيضًا بالتشجير .

وهو لون من الفنون الشعرية تفنن به شعراء العصور المتأخره ، وأولع به بعضهم ولعا شديدا ، وهو نوع من النظم أطلقوا عليه أحيانا اسم التشجير وأحيانا اسم التطريز ، ويعتمد على جعل أوائل الحروف في الأبيات تشكل اسما معينا ، فلو أراد شاعرا ان يطرز اسم ( أحمد ) فإنه ينظم أربعة ابيات ، ويجعل البيت الأول يبدأ بالألف المهموز ، والبيت الثاني بالحاء ، والثالث بالميم ، والرابع بالدال .

ولعلماء البلاغة أقوال في التطريز :
فهو عند أبي هلال العسكري أنْ يكونَ صدرُ النثرِ أو الشِّعر مُشتملا على ثلاثة أسماء مختلفة المعاني، ويكونُ العجزُ صفةً متكررة بلفظٍ واحد ، ويقع في أبيات متوالية من القصيدة كلمات متساوية في الوزن فيكون فيها كالطراز في الثوب.

وعند يحيى بن حمزة العلويُّ بأنَّه تفعيلٌ من طرَّزتُ الثوبَ، إذا أتيتَ فيه بنقوشٍ كثيرة ومختلفة .
ومن أمثلة ذلك ، قال أحدهم:
كأنَّ الكأسَ في يدِها وفيها
عَقيقٌ في عقيقٍ في عَقيقٍ .

وقول أبي نواس:
فثوبي مثل شِعري مثل نحري
بياضٌ في بياضٍ في بياضِ.


ويرى أبو هلال العسكري في كتابه " الصناعتين " أن هذا النوع قليل في الشعر، ويضرب على ذلك مثلاً حسناً هو قول أحمد بن أبي طاهر: 
إذا أبو قاسم جادت لنا يده
لم يحمد الأجودان البحر والمطر

وإن أضاءت لنا أنوار غرته
تضاءل الأنوران الشمس والقمر

فقوله: الأجودان و الأنوران تطريز.

ومما جاء في التطريز جعل أوائل الأبيات تشكل اسما معينا .. 
يقول عبدالقادر الطبري المكي مطرزا ( أو مشجرا ) بأحمد :

أستودع الله ظبيا في مدينتكم **سلامه كان لي في الحال توديعا
حلو المراشف إلا إن مبسمه ** قد رصعته لآلي الثغر ترصيعا
مهفهف القد إلا أن عاشقه **على الوداد له مازال مطبوعا
دنوت منه فحاباني بمنطقه **فأنتج الفكر تأصيلا وتفريعا

فلو لاحظنا بداية كل شطر من الأبيات : أ-ح- م- د

وقال أحدهم مطرزا باسم (خديجة):

خلت خال الخد في وجنته **نقطة العنبر في جمر الغضا

دامت الأفراح لي مذ أبصرت **مقلتي صبح محيا قد أضا

يتمنى القلب منه لفتة **وبهذا الحظ للعين رضا

جاهل رام سلو عنه إذا **حظر الوصل وأولاني النضا

هامت العين به لما رأت **حسن وجـه حين كنا بالأضا


ويقول المعتمد مطرزا اسم زوجته " اعتماد" :
أغائبة الشخص عن ناظري**وحاضرة في صمـيم الفـؤادِ

عليكِ مني سلام بقدر الشجونِ **و دمع الشؤون وقدر السهادِ

تملكتِ منِّي صعب المـرامِ **و صادفتِ ودّي سهل القيـادِ

مرادي لقياكِ في كلِّ حـينٍ**فيا ليـت أنّي أٌُعطـى مرادي

أقيمي على العهد ما بيننـا**ولا تستحيلـي لطول البعادِ

دسستُ اسمك الحلو في طيِّه**وألّفتُ فيهِ حروف "اعتماد" 


ويقول علي بن عبدالقادر الطبري المكي مطرزا بإسم ( غربيّه ) :

غيداء كالبدر بليل التمام **غادرني الحب لها كالغلام

رشيقة الأعطاف كالغصن كم **رمى بقلبي طرفها من سهام

بخدها روض وفي ثغرها **بالمرشف الألعس كم من مدام

يكاد بدر التم من فرعها **يخفى اذا لاحت له بالظلام

هي التي من بين كل المها **هام بها قلبي بوادي الغرام

================
(٣٢)
الأربعاء ١٤ ربيع الأول ١٤٣٥هـ
 
الترصيع والتصريع:

التَّرْصِيعُ : 
نوعٌ من أَنواع البديع ، وهو أَن تكون الأَلفاظُ مستوية الأَوزان متفقة الأَعجاز كقوله تعالى في سورة الغاشية : { إنَّ إلَيْنَا إيَابَهُمْ * ثُمَّ إنَّ عَلَينَا حِسَابَهُمْ } .
وكقوله تعالى في سورة الانفطار : ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيم * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ }.
 
سر جماله أنه يحدث نغما يطرب الأذن ،
قال الحريري : [فهو يطبع الأسجاع بظواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه ]. 
ولأن فيه اتفاق جملتين أو أكثر في عدد الكلمات مع اتفاق كل كلمة مع ما يقابلها في الوزن وفي الحرف الأخير ، كقول:
1- إن بعد المطر صحواً ، وإن بعد الكدر صفواً 
2 - ليكن إقدامك توكلاً ، وليكن إحجامك تأملاً

والترصيع يعني أن يكون البيت مسجوعاً مثل قول المتنبي:
في تاجهِ قمرٌ، في ثوبهِ بشرٌ
في درعهِ أسدٌ تدمى أظافرهُ

ومنه قول الخنساء:
هبّاطُ أوديةٍ، حمّالُ ألويةٍ
شهّاد أنديةٍ، سرحانُ فتيانِ

ومنه:
يا مستهاماً بالأعنّةِ والأسنةِ والنحورِ
لا بالخدودِ ولا القدودِ ولا النهودِ ولا الثغورِ

ولبعضهم:
كالبدر إن سفرتْ والغصنِ إن خطرتْ
والريم إن نظرتْ معسولة الشنبِ


التصريع : 
ويكون في الشعر : وهو اتفاق آخر جزء من صدر البيت وآخر جزء من عجزه إعرابا ووزنا وقافية . ويكون التصريع عادة في البيت الأول من القصيدة .

قال المتنبي : 
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم 

نجد أن القصيدة ميمية وأن الشطر الأول كذلك انتهى بحرف الميم .

وقال الأعشى :
ودع هريرة إن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل 

انتهى الشطر الأول بحرف اللام والقصيدة لامية

والفرق بين السجع والتصريع :
هو أن السجع اتفاق جملتين أو أكثر في الحرف الأخير ، مثل : الصوم حرمان مشروع ، وتأديب بالجوع ، وخشوع لله وخضوع.
بمعنى قد يكون الاتفاق في حرف واحد أو أكثر .
كما أن السجع في النثر ،  والتصريع في الشعر .

والله اعلم
==============
(٣١)
الأثنين  ١٣ صفر ١٤٣٥هـ

وردت كلمة (إبراهيم) في القرآن كله بالياء إلا في سورة البقرة جاءت بدون الياء (إبراهم) فما دلالة ذلك؟

 وردت كلمة " إبراهيم " في القرآن الكريم  ٦٩ مرة منها ١٥ مرة بحذف حرف الياء وجميعها في سورة البقرة.
قال الله عز وجل :
{ وإذ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَهمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَهمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } -سورة البقرة124

وقال تعالى :
{ ومَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَهمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } - سورة البقرة131

وقال عز وجل في سورة الأنبياء: { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ }
وقال تبارك وتعالى في سورة الأعلى :
{ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }.

كلمة " إبراهيم " في القرآن الكريم وردت منقوطة بالياء في كل  القرآن إلا في سورة البقرة وهذا من خط المصحف لأن كتبة المصحف كانوا كُثر ولا يقاس على خط المصحف.
وهناك قاعدة تقول : "خط المصحف لا يقاس عليه". 
وعلينا أن نعلم أنه حصل تطور في تاريخ الكتابة منذ زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فبدأت الكتابة العربية تستقر وتأخذ أشكالا أخرى ولذلك نرى أكثر من رسم للكلمة مثال كلمة (لكيلا) يمكن كتابتها موصولة ويمكن كتابتها (لكي لا) ، كذلك كلمة (إذن) تكتب بالنون أو بالتنوين (إذا) وكلمة (مئة) و(مائة) وغيرها وكلا الكتابات جائز عند العرب. 
والمصحف كتبه عدد كبير من الكتبة ؛ والرسم الذي كتبوا به هو كتابتهم في أزمانهم فمرة يرسم حرف العلة ومرة لا يرسم وأحيانا يكون الرسم لاختلاف القراءات فيوضع الرسم الذي يجمع القراءات المتواترة كما في سورة الفاتحة تكتب (ملك يوم الدين) بدون ألف لأنه ورد قراءة متواترة (ملك يوم الدين ) وقراءة متواترة أخرى (مالك يوم الدين) وشروط القراءة الصحيحة أن تكون موافقة لرسم المصحف .
 وكلمة (إبراهيم) في سورة البقرة ورد فيها قرائتين متواترين إحداهما (إبراهم) بدون ياء والثانية (إبراهيم) بالياء فكتبت بالشكل الذي يحتمل القراءتين.
وكون كلمة  "إبراهيم " في مواطن من القرآن بإثبات الياء فيها، وفي مواطن بحذفها، فإنها مرسومة في المصحف بالرسم الذي كتبه الصحابة وأجمعوا عليه، وهو ما يعرف اليوم بالرسم العثماني.
 وفي ذلك إشارة إلى بعض القراءات المتواترة، فإن  إبراهيم  المحذوفة الياء تنطق في قراءة  هشام  عن  ابن عامر الدمشقي  " إبراهام "فينطق بدل الياء ألف مد.

قال أبو عمرو الداني - رحمه الله - في كتابه "المقنع " :
(وبغير ياء وجدت أنا ذلك في مصاحف أهل العراق في البقرة خاصة وكذلك رسم في مصاحف أهل الشام )انتهى.

وقال بعضهم : أنَّ السبب في ذلك أنَّ معظم سورة البقرة حديثها لبني إسرائيل ، وبنو إسرائيل ينطقونها ( إبراهام ) .
وقيل : أنَّ كلمة ( إبراهيم ) فيها ست لغات ، فجاء في القرآن بلغتين ، والباقية شاذة لا يقرأ بها .

وقال محمد شملول في كتابه ( إعجاز رسم القرآن وإعجاز التلاوة ) صـ122 : ونخلص من ذلك أنَّ سيدنا إبراهيم – عليه السلام – له اسمان هما : ( إبراهام ) بدون ياء وسطية ، وذلك قبل أن يرزقه الله بالولد ، وعندما رزقه الله بالولد إسماعيل وإسحاق جعل الله اسمه ( إبراهيم ) بزيادة الياء ) .ا.هـ . 

وبعد عرض هذه الأقوال ، وفي بعضها تكلّف وتعسّف ظاهر ، إلا أنه يعكّر على هذه التعليلات ما جاء في المصاحف التي أرسلها عثمان ، فقد حذفت الياء من كلمة ( إبراهيم ) من المصحف الشامي والعراقي ، وثبتت الياء في سورة البقرة كبقية المواضع في المصحف المدني والمكي والإمام ، فكيف يكون التعليل لمصحف وآخر لا ، فالتعليل هنا لا ينضبط – والله أعلم - ، ثم إنه رسم في المصحف العراقي بدون ياء : وعليه قراءة أهل الكوفة والبصرة ، وهم يقرأون بالياء .

فالخلاصة:
أنَّ كل هذه التعليلات التى ذكرها العلماء لا تغني شيئاً، فالحقيقة هكذا وصلت إلينا عن الصحابة -رضوان الله عليهم - الذين كتبوا القرآن الكريم، ولم ينكشف سر ذلك لأحدٍ ، والله سبحانه علام الغيوب ، ومهما اختلف الرسم في هذه الكلمة فرواية حفص تقرأ في جميع المواضع ، هكذا ( إبراهيم ) .


 والله أعلم.
__________________
(٣٠)
الخميس  ١٧ محرم ١٤٣٥

قال الله عز وجل في سورة الأعراف :
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ¤ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ¤ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين } الآية 59-61
نوح - عليه السلام -قال له قومه: {إنا لنراك في ضلال مبين } 
فأجابهم: { يا قوم ليس بي ضلالة } ولم يقل بل أنتم أهل الضلال !

وقال عز وجل :
{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ¤ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ¤ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين } الآية 65-67

هود - عليه السلام -قال له قومه: {إنا لنراك في سفاهة}
فأجابهم: { يا قوم ليس بي سفاهة } ولم يقل بل أنتم السفهاء !

ما أجمل رقي الأخلاق في تعامل الأنبياء .

__________________________
(٢٩)
الأربعاء ٩ محرم ١٤٣٥

آخر قرن الصحابة : سنة (110-120) من الهجرة
وآخر من مات من جميع أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - هو الصحابي عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش ( أبو الطفيل الليثى ) - رضي الله عنه.
سكن الكوفة ، ثم سكن مكة ، و أقام بها حتى مات سنة مئة ، وقيل تزيد عن المئة.


آخر قرن التابعين : سنة (180) من الهجرة
وآخر من مات هو خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي الذي قال البخاري فيه : يقال : إنه مات في سنة إحدى وثمانين ومائة ، وهو ابن مائة سنة وسنة . وبذلك جزم ابن حبان . وقال فيه غيرهما : إنه آخر التابعين موتا ; حيث ذكره في أتباع التابعين .


وآخر قرن تابعي التابعين :
سنة 220 من الهجرة.

ومن أشهر أتباع التابعين الإمام مالك بن أنس ومحمد الباقر وجعفر الصادق بالمدينة المنورة، وسفيان بن عيينة بمكة المكرمة، والأوزاعي بالشام، والليث بن سعد بمصر، وأبو يوسف بالعراق.
رحمهم الله جميعا
________________________
(٢٨)
السبت ٢٨ ذو الحجة ١٤٣٤


ـ كل ما في القرآن من « الأسف » فمعناه الحزن إلا ﴿ فَلَمَّاْ آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 55] فمعناها أغضبونا.

ـ كل ما في القرآن من « البروج » فهي الكواكب إلا ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء:78] فمعناها القصور الطوال الحصينة.

ـ كل ما في القرآن من « بعل » فهو الزوج إلا ﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ﴾ [الصافات: 125] فهو الصنم. 

ـ كل ما في القرآن من « البُكم » فهو الخرس عن الكلام بالإيمان إلا ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ﴾ [الإسراء: 97]،
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ [النحل: 76]
فالمراد عدم القدرة على الكلام مطلقا.

ـ كل ما في القرآن من « حسرة » فهي االندامة إلا ﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [ آل عمران: 156] فمعناه الحزن.

ـ كل ما في القرآن من « جثيا » فمعناه جميعاً إلا ﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾ [الجاثية:28]، فمعناه تجثو على ركبها.

ـ كل ما في القرآن من « حسبان » فهو الحساب إلَّا ﴿ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [ الكهف:40] فمعناه العذاب المحسوب المقدر.

ـ كل ما في القرآن من « الدحض » فهو الباطل إلا ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات:141]، فمعناه المقروعين أى المغلوبين.

ـ كل ما في القرآن من « ريب » فهو الشك إلَّا ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [ الطور: 30] فالمراد حوادث الدهر.

ـ كل ما في القرآن من « الرجم » فهو القتل إلا ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ِ ﴾ [مريم: 46]، فالمراد لأشتمنك، و﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِِ ﴾ [الكهف: 22]، فمعناه ظنًا.

ـ كل ما في القرآن من « الزور » فهو الكذب مع الشرك إلا ﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَ زُورًا﴾ [المجادلة: 2]، فإنه كذب غير الشرك.

ـ كل ما في القرآن من « زكاة » فهو المال إلا ﴿ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّاَ وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ًِ ﴾ [مريم: 13]، أي طهرًا له.
﴿ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف : 81 ] ، أي صلاحا وتقى.

ـ كل ما في القرآن من « زيغ » فالميل إلا ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ َ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ِ ﴾ [الأحزاب: 10]، فمعناها شخصت .أي فتح عيْنيْه وجعل لا يطرف.

ـ كل ما في القرآن من « سخر » فالاستهزاء إلا ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّاًِ ﴾ [الزخرف: 32]، فهو من التسخير والاستخدام.

ـ كل ما في القرآن من « أَصْحَابَ النَّار » فأهلها إلا ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ﴾ [المدثر: 31]، فهم خزنة النار.

ـ كل « شهيد » في القرآن غير القتلى فهو من يشهد في أمور الناس إلّا ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ً ﴾ [البقرة: 23]، فالمراد شركاءكم.

ـ كل ما في القرآن من « صمم » فعن سماع القرآن خاصةً وسماع الإيمان إلا ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾ [الإسراء: 97]، فمعناه فقد السمع.

ـ كل « صلاة » في القرآن عبادةٌ ورحمةٌ إلّا ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌْ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ً ﴾ [الحج: 40]، فهي كنائس اليهود وهم يسمونها صلوات.

ـ كل ما في القرآن من « مصباح » فمعناه كوكب إلا ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾ [النــور: 35]، فمعناه السراج.

ـ كل ما في القرآن من « نكاح » فالتزوج إلا ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النسـاء: 6]، فمعناه الاحتلام.

ـ كل ما في القرآن من « اليأس » فمعناه القنوط إلا ﴿ أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [الرعد: 31]، فمعناه العلم.

ـ كل ما في القرآن من « الصبر » فهو محمود إلا ﴿ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ [الفـرقان: 42]،
﴿ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ ﴾[ص: 6] فمعناه العكوف على عبادة الأصنام.

ـ كل ما في القرآن من « الصوم » فهو الإمساك عن الطعام والشراب وإتيان النساء إلا ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مـريم: 26]، فهو الإمساك عن الكلام. 

ـ كل ما في القرآن من « الظلمات والنور » فمعناهما الكفر والإيمان إلا ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنـعام: 1]، فمعناهما ظلمة الليل ونور النهار.

ـ كل ما في القرآن من « الخرق » فمعناه الثقب إلا ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنـعام: 100]، فمعناه ادَّعوا وكذبوا.


من كتاب [الإتقان في علوم القرآن] للعلامة : جلال الدين السيوطي - رحمه الله.

__________________________
(٢٧)
الجمعة ٢٨ ذو القعدة ١٤٣٤

قال الله عز وجل ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ) وقال ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ) 
فما الفرق بين الأيام المعدودات والأيام المعلومات ؟

قال سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - :

الله جل وعلا بيَّن المعدودات وهي أيام التشريق ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ.. ) (203) سورة البقرة،
هذه ثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر والثالث عشر، هذه المعدودات،
والمعلومات أيام العشر مع أيام التشريق، وقال جماعة: إنها أيام العشر فقط،
وقال آخرون: إنها أيام العشر مع أيام التشريق، كلها معلومات، يكبر فيها، يكبر المسلمون فيها من أول العشر إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ..) (27) سورة الحـج،
فيذكروا الله في الأيام المعلومات من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر عند غروب الشمس، يكبروا الله ويذكروه سبحانه، فهي أيام عظيمة فاضلة، والثلاثة منها معدودات وهي الأخيرة: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهي أيام منى وأيام رمي الجمار.

فالأيام المعلومات هي أيام العشر: عشر ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق.

المصدر :
الموقع الرسمي لسماحة الشيخ إبن باز

______________________
(٢٦)
الخميس ٢٨ شوال ١٤٣٤

تقديم الذكر على الأنثى إلا في حالتين ؟!

ندرك أن الصناعة العربية يكثر فيها ما يسمى بالتغليب، والتغليب أن يؤتى إلى اثنين، فيعمد إلى تسميتهما بأحدهما، لاشتراك كثير بينهما، ثم إن التغليب له طرائقه، ويختلف من حال إلى حال لأسباب ، فَمِن ذلك مثلا :
القمران : للشمس والقمر ، لأن القمر مذكر والشمس مؤنث،
والعُمَران : لأبي بكر وعمر رضى الله عنهما .ونسب إلى عمر لأن لفظ أبي بكر مركب تركيب إضافي، واسم عمر مفرد.
الحسنان: يقال للسبطين الكريمين الحسن و الحسين ، لأن الحسن أكبر من الحسين ،
المكتان : يقال لمكة والمدينة ، لأن مكة عند جمهور العلماء أفضل من المدينة .
والأَسودان : التمر والماء . قال صلى الله عليه وسلم : " الأسودان   التمر والماء " .
والأبوان : للأب والأم ، وفي الأب والخالة ، ومنه قوله تعالى : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ ) .
والأُمَّان : للأم والجدة
والزَّهْدَمَان : فى زَهْدَم وكَرْدَم ابني قيس .
والعَمْران : لعمرو بن حارثة وزيد بن عمرو
والأَحْوَصان : الأحوص بن جعفر وعمرو بن الأحوص .
والمُصْعَبان : مُصْعَب بن الزبير وابنه .
والبُجَيْران : بُجير وفراس ابنا عبد الله بن سلمة .
والحُرَّان : الحر وأخوه رُؤْبة .
والعَجَّاجان : فى العَجَّاج وابنه .

وكما قال المتنبي :
وما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخر للهلال

ولو كل النساء كمن فقدنا
لفضلت النساء على الرجال.

من خلال ماسبق يتبين أن للعرب نظم لا يختل وسنن لا تتبدل في طريقة تقديمها الذكر على الأنثى، إلا في حالتين قدموا فيهما الأنثى على الذكر، وهذا من نفائس العلم ،
الحالة الأولى:
إذا ثنوا " الضبع" ، فيقدمون الأنثى على الذكر ، لأن الضبع اسم للأنثى، ولا يقال ضبعة، والذكر ضبعان، والجمع ضباعين مثل سرحان وسراحين. 
والذكر يقال له ضبعان، فإذا ثنو على اسم الذكر اجتمعت الألف والنون مرتين، فاسمه ضبعان وهو فرد، فكيف إذا ثني ؟!
فتحرجوا من هذا التكرار، ولجئوا إلى تثنيته على اسم الأنثى ، كي لا يقال " ضبعانان "
فاختل هنا نظم كلامهم في أنهم يقدمون الذكر على الأنثى.
وتصغير الضبع ( أضيبع ).
ومن أسماء الضبع جيل وجعار وحفصة، ومن كُناها أم خنور وأم طريق وأم عامر وأم القبور


الحالة الثانية:
في التاريخ، فإنهم يقدمون ويؤرخون بالليلة دون اليوم لأن الليلة تسبق اليوم ، وهي مؤنثة دون الأيام التي هي مذكرة، وإنما فعلوا ذلك مراعاة للأسبق، والأسبق من الشهر ليلته .

____________
(٢٥)
السبت ٢٤ شوال ١٤٣٤ هـ

الموت والوفاة ... وأيهما أصح أن يقال : توفى أو توفي ؟


كثيراً ما نقول فلان ( توفى ) بفتح التاء والفاء ، فهل هذا صحيح ؟

الموت :
هذا القدر الإلهي الرهيب الذي أطلق الله سبحانه وتعالى عليه اسم – المصيبة – بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الإصابة بذات النفس وهالة من الخوف الكبير التي تسيطر على الإنسان بمجرد وقوع الحدث كما قال عز وجل : ( إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت)
وهو قدر الله المقدور لا رجعة فيه وكل نفس لها موعد واجل مسمى لا تستقدم ساعة ولا تستأخر بعد ان متعها الله متاعا حسنا في الحياة الدنيا ( ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء اجلها ) وأزف الموعد ووصل الإنسان إلى نهاية الرحلة تمهيدا للعودة إلى الله سبحانه وتعالى ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ) وهو ذلك السلاح المرعب الذي قهر الله به النفس البشرية مهما بلغت درجة طغيانها وتعسفها وتسلطها وجبروتها وظلمها في الأرض بغير الحق ومهما طال عليها الأمد ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ) ولن يكون هنالك أي هروب او تحصن ضد الموت ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) ، كما انه لن تكون هنالك اي استثناءات لأي مخلوق من البشر حتى الأنبياء والرسل بدءاً من آدم عليه السلام وانتهاء بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى فيه ( إنك ميت وإنهم ميتون )

الوفاة :
الوفاة في القرآن تأتي بمعنى الموت وتأتي بمعنى النوم وتأتي بمعنى الرفع .
فالله سبحانه وتعالى يتوفى الأنفس حين موتها (عند النوم) فإذا لم تمت في ذلك النوم فإنه يرسلها إلى اليقظة والحياة مرة أخرى لأن موعدها مع الموت لم يأتِ بعد بينما يمسك النفس الأخرى التي قضى عليها الموت فلا تعود إلى اليقظة والحياة من جديد ، فنقول عن هذه النفس أنها ميته ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى اجل مسمى ) سورة الزمر 42.
ولعل حالة وفاة عيسى عليه السلام الدليل القاطع بعودته ونزوله إلى الأرض في آخر الزمان ( اذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ) سورة آل عمران 55. 
فهو متوفى وليس بميت وهذا ينطبق تماما مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تقوم الساعة حتى ينزل ابن مريم فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ) وكذلك مع ما جاء في القران الكريم ( وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها ) الزخرف 61.

وكلمة {تَوَفَّيْتَنِي} عن عيسى عليه السلام فسرها بعض أهل العلم بمعنى استوفيت رسالتي ، والرفع من لوازمها ، بمعنى تقول : وفى زيد ما عليه أي أدى ما عليه ،
وقد يخرج الإنسان من دوامه مثلا فيقال له : أين تذهب؟ قال : وفيت عملي .
فهو بعث عليه السلام ثم رفع فانتهت نبوته ورسالته برفعه ،ولم تنته حياته ، فما بعد عودته بعد نزوله للأرض ليس له علاقة بالنبوة والرسالة .
لكنه جزء من حياته ،أما الأول له علاقة بالنبوة والرسالة ، فيصبح معنى{ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } سورة المائدة: (117).
بعد ذلك ينفذ قضاء الله وقدره حين يأتي الوقت المعلوم فلا يبقى على الأرض آية مخلوق ( كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) سورة الرحمن 26 - 27 .

وفي ذلك اليوم العصيب حين يقول رب العزة (لمن الملك اليوم) ؟
الملك يومئذ لله الواحد القهار وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما.

ويبقى سر الموت والحياة واحدا من اعظم الأسرار الإلهية لا يعلمها إلا هو فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون .

الفرق بين توفى وتوفي :

( تَوفَّى ) :
بفتح التاء والفاء - بالبناء للفاعل - فهذا خطأ ، لأن الذي يتوفى هو الله كما جاء به القرآن في قوله عز وجل ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى اجل مسمى ) ..

( تُوُفَّيَ ) :
بضم التاء والواء وكسر الياء المشددة وفتح الياء في آخره - بالبناء للمفعول - وهو الصحيح أن يقال ، لأن الميت متوفَّى وليس متوفِّيا ..
إذاً من الأخطاء الشائعة عند الناس أن تقول (توفى فلان) بالألف المقصورة إذ أن الصحيح هو (مات) أو (توفي ) بالياء وليست الألف المقصورة .
وقال تعالى واصفا الميت بأنه يتوفى : ( وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) [الحج/5]

وجاءت الأحاديث والآثار صريحة في تسمية الميت متوفى أو أنه توفي ،  وحسبك ثالث حديث في صحيح البخاري وهو حديث بدء الوحي الطويل .. وفي آخره : "ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي"صحيح البخاري ح3 .

وحديث وفاة النبي صلوات الله عليه .. وأوله من حديث انس : أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه و سلم الذي توفي فيه .. وفي حديث ( وأرخى الستر فتوفي من يومه صحيح البخاري ح648 .
بل جاء بلفظ النبي نفسه كثيرا منها : " ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" صحيح البخاري ح1191 .

ولما توفي النجاشي بالحبشة قال النبي صلى الله عليه وسلم : "قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه"صحيح البخاري ح1257.


إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ؛ فلنصبر ولنحتسب .
إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولانقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقهم لمحزونون.

اللهم اغفر لكل عزيز على قلوبنا ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يارب العالمين ، اللهم افسح له في قبره ونور له فيه .
وأسأل الله أن يسكنه فسيح جناته وأن يجعل ما أصابه رفعة في الدرجات ، وذخرا من رب الأرض والسموات ، وأن يجعل ما يقبل من أمره خير من ما مضى فهو عند رب كريم مجيب الدعوات...

اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان واستغفر الله .
______________
(٢٤)
الجمعة ١٠ رمضان ١٤٣٤



لفتةٌ بيانية في كلمة ( الأيمن ) وكلمة ( الغربي ) في كتاب الله عز وجل ؛ فما السر في ذلك ؟!

أخبر ربنا - سبحانه وتعالى - عندما كلّم موسى - عليه السلام - فقال : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } [سورة مريم / (51-52 ) ].
وقال تعالى : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين } ( القصص / 30 )

نلاحظ كلمة ( الأيمن ) عند ذكر موسى - عليه السلام .
بينما عدل القرآن عن ذكر ( الأيمن ) الذي هو اليمين إلى ذكر جهة ( الغرب ) عندما خاطب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أحكم الحاكمين في سورة القصص : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } ( الآية [44] ) 
؛ فما السر في ذلك ؟

لقد مَنّ الله تعالى على نبينا - صلى الله عليه وسلم - برفعة مقامه وإعلاء درجته على الخليقة كلها، ويشهد لذلك جملة من النصوص سواءً كان ذلك بصريح العبارة أو عن طريق الإشارة، ولذا كان على أتباعه من أمته توخي الأدب معه صلى الله عليه وسلم بانتقاء أحسن الألفاظ في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم تبعاً لمنهج القرآن في بيان خطاب الله له بالأسلوب المغاير لذكر الأنبياء قبله.
ومعروف ان الجهات الاربعة هى الشمال والجنوب والشرق والغرب وهى كلها جهات لا يفضل بعضها على بعض ، ولكن إذا قلنا اليمين والشمال فيفضل اليمين عن الشمال
 ، ومما يدل على فضل اليمين أن الله جعله وهو مفرد فى مقابلة جمع الشمال ، قال تعالى : (عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) [النحل:48].
لما ذكر الله جل وعلا الإثبات ذكر صفة اليمين مقترنة به فقال تعالى: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا)  وهذا الكلام عن موسى - عليه السلام - ، ولما ذكر النفى فى الآية فى سورة القصص : (وما كنت بجانب الغربى) ، فعدل القرآن هنا عن ذكر اليمين إلى ذكر الغرب إظهاراً لكرامة وبيان شرف النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، فحين ذكر الله النفي قال: ( وَمَا كُنتَ ) ، فأزال الله جل وعلا ذكر كلمة اليمين حتى لا ينفى الفضل عنه صلوات الله وسلامه عليه، فعدل القرآن عن ذكر اليمين إلى ذكر الغرب، فقال جل وعلا: { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ } [القصص:44]؛ لأنه لو قيل في غير القرآن وما كنت بجانب الأيمن لكان فيه نفي اليمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا محال في حقه من جهة إكرام الله له، فعدل القرآن عن هذه اللفظة إلى لفظة لا يتعلق بها مدح ولا ذم، وهي جهة الغرب.

وهذا الخطاب القرآني لنبينا عليه الصلاة والسلام المبين رفيع مقامه له قرائن عديدة لا تحصى، منها أن الله خاطب أنبياءه بأسمائهم المجردة، كقوله تعالى: ( يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا ) [هود:48]، وقوله ( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي )[الأعراف:144]، 
وقوله ( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّك ) [هود:76]، وقوله ( يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) [البقرة:35]، وليس في القرآن كله مخاطبة الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم باللفظ المجرد، فليس في القرآن كله (يا محمد) وإنما (يا أيها النبي) و(يا أيها الرسول) صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يبين رفيع المقام وجليل المكانة له عليه الصلاة والسلام عند ربه. فيجب علينا أن نتأسى بأسلوب القرآن في حديثنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فنتوخى جميل الألفاظ وأصدق العبارات وأحسن الكلمات التي تنبئ عما في قلوبنا لنبينا صلوات الله وسلامه عليه .


والله اعلم
_________________
(٢٣)

الأحد ٥ رمضان ١٤٣٤هـ


جاء في كتاب الله ، قوله عز وجل :

{ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

{ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }.


(يصنعون) ، (يعملون) ، (يفعلون) : تعريفها والفرق بينها في التعبير القرآني .

اختلف اللغويون قديماً وحديثاً حول حقيقة وجود الترادف في اللغة بين مثبت ومنكر.
ولغتنا العربية دقيقة بمفرداتها وألفاظها ، وهناك خلاف بين اللغويين حول وجود الترادف في اللغة بين مثبت ومنكر ، والترادف لغة هو : التتابع . 
واصطلاحًا : هو ما اختلف لفظه واتفق معناه .
أو هو إطلاق عدة كلمات على مدلول واحد .
مثل : الأسد والسبع والليث وأسامة بمعنى واحد ، 
والحسام والمهند والسيف واليماني بمعنى واحد ،
والشهد والعسل والحميت والتحموت وقيء الزنابير وريق النحل بمعنى واحد .
ويُقال بأن للسيف أكثر من ألف اسم ، وللأسد خمسمائة ، وللداهية أربعمائة ...
وكذلك مثل ( المدية والسكين ) كلمتان تدلان على دلالة واحدة ، ويقولون أسماء السيف غير مترادفة وإنما هي صفات ، فالسيف هو الاسم والباقي صفات مثل الحسام، وكذلك الأسد هو الاسم والباقي كلها صفات ، فتكون في وجهه ومشيته، فمثلا غضنفر صفة وليس كل أسد غضنفر، والقسورة من القسر يقسر الفريسة يأخذها قسراً بقوة وشدة وعنف.

في التفسير قد تفسر كلمة بكلمة بما هو أوضح للسائل ولا يجوز بيانياً أن تحل كلمة مكان كلمة في القرآن أما في الكلام العادي العام فيجوز ، وكل كلمة في القرآن لها مكانها المناسب الذي وضعت فيه ولا يجوز تبديلها حتى بكلمة تقاربها في الدلالة.
ونقف في هذا الموضوع أمام ثلاثة ألفاظ قرآنية (يصنعون) ، (يعملون) ، (يفعلون) قد يظن البعض أنها مترادفة لا فرق بينها ، والحقيقة أن الله لا ينزل آية إلا ولها موضع ولا يضع مفردة في موضع إلا وهي أنسب المفردات لهذا الموضع ولا يمكن أن يوجد ما هو انسب منها ولا يمكن أن تحلّ كلمة محلها .

يفعلون :
الفعل قد يكون بغير قصد ويصلح أن يقع من الحيوان أو الجماد ، والآيات الواردة في كتاب الله كثيرة منها :
قوله تعالى : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } - [ المائدة /٧٩]
وقوله : { وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } - [ هود/ ٣٦].

يعملون :
في الأكثر فيه قصد وهذا مختص بالإنسان ، ومن ذلك قول الله عز وجل :
{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } - [ البقرة/٩٦].
وقوله : { وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } - [ يوسف /٦٩].
وقوله :
{ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا } - [الكهف /٢].
وقوله :
{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } - [ المنافقون /٢].

يصنعون : 
الصنع هو أخص ويحتاج إلى دقة ، كما في قول الله عز وجل :
{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } - [النمل / ٨٨].
لأن الفعل عام والعمل أخص منه والصنع أخص ويحتاج إلى دقة.
من الآيات الواردة قوله تعالى : 
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } - [ المائدة/١٤].

وقوله : { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } - [المائدة/٦٣].
وقوله : { وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } - [ النحل/١١٢].

وقوله : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } - [ النور/٣٠].
وقوله : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } - [فاطر/٨].

ومن ذلك يتبين أن الفرق بين الفعل والعمل هو العموم والخصوص ؛فالفعل ينسب للعاقل وغيره ، والعمل قلما ينسب لغير العاقل.
فالفعل عام والعمل خاص ، والصنع أخص منهما ؛ فالفعل ينسب إلى العاقل وإلى غيره ، وربما ينسب إلى الجمادات، وأما العمل فقلما ينسب إلى غير العاقل .
والصنع فإنه من الإنسان دون سائر الحيوانات، ولا يقال إلا لما كان بإجادة.

قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن :
( الفعل: التأثير من جهة مؤثر وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة ولما كان بعلم أو غير علم وقصد أو غير قصد ولما كان من الإنسان والحيوان والجمادات والعمل مثله والصنع أخص منهما.
والفرق بين الفعل والعمل : أن العمل إيجاد الأثر في الشيء .
يقال: فلان يعمل الطين خزفا ويعمل الخوص زنبيلا والأديم سقاء .
ولا يقال: يفعل ذلك لأن فعل الشيء عبارة عما وجد في حال كان قبلها مقدورا سواء كان عن سبب أو لا ، والفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد وقد ينسب إلى الجمادات والعمل قلما ينسب إليهما ). ا.هـ  بتصرف.


أخيرا..
الصنع أخص المعاني الثلاثة، والفعل أعمها، والعمل أوسطها ، فكل صنع عمل، وليس كل عمل صنعا، وكل عمل فعل، وليس كل فعل عملا.


والله أعلم.

_________________
(٢٣)

الأثنين ٢٩ شعبان ١٤٣٤

كثيرا ما نشاهد أو نقرأ عبارة :
( احجز نسختك قبل نفاذ الكمية ) ، أو ( يسري العرض حتى نفاذ الكمية ) !!
فهل هي صحيحة ؟
وأيهما أصح "  نفاد " بالدال أو " نفاذ " بالذال ؟

الحقيقة أن هناك فرقٌ شاسعٌ بين العبارتين...
فـ كلمة نفاذ – بالذال – تعني الاختراق والمضي .

ولذلك شواهد من كتاب الله الكريم :
قال الله تعالى : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) - [ سورة الرحمن : 33 ] 
فالله يقول هنا: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا )  أي: أن تخترقوا،  ( مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا  )  أي: الأمر متروك لكم إن كانت لديكم قدرة على ذلك . ثم قال جل وعلا:  ( لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ  ) أي: بقوة وقدرة تغلبون بها قهرنا وقدرتنا، ومعلوم أن هذا من تعليق الأمر بالمحال ؛ لأنه لا أحد له قدرة على الله .

وكلمة " نفد " و " تنفد " و " ينفد " و " نفاد " و "نفدت " – بالدال – بمعنى ( الفناء والانتهاء ) :

قال تعالى : ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) - [ الكهف : 109 ]
وقال تعالى : { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ } - [ النحل:96] ، أي يفرغ وينقضي.

وقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) - [ لقمان : 27 ] 
وقوله تعالى : ( إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) - [ ص : 54 ] ، أي رزق ربنا لا ينتهي ولا ينقطع ولا يندثر ولا ينقضي .

ويقال : الحكمُ مع النَّفاذ - بالذال :
أي حالة تلحق الحكمَ إذا كان واجبَ التَّنفيذ بمجرد صدوره مدنيًّا كان أو جنائيًّا ، بدون انتظار فوات ميعاد الاستئناف الجائز رفعه من المحكوم عليه ، وبدون انتظار الفصل في هذا الاستئناف .
ويقال نفاذ حكم القاضي : أي تنفيذه ووقوعه
ويقال طعنة نافذة أي مخترقة .

ومن ذلك يتبين بأن الصحيح أن يقال :
( احجز نسختك قبل نفاد الكمية ) ، أو ( يسري العرض حتى نفاد الكمية ) - بالدال .
والله اعلم...

__________________________

(٢٢)
الأثنين ٢٢ شعبان ١٤٣٤

ظاهرة الشروق والغروب جاءت في كتاب الله بصور وصيغ ثلاث ، قال تعالى : ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ }

وقال تعالى :  {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} ، 

وقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ }

ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ؛ المشرق والمغرب :
ذكرهما مفردين
وذكرهما على هيئة التثنية 
وذكرهما على صيغة الجمع
وكل ذكر لهما كان يوازي السياق العام الذي جاء فيه؛

ذكر الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن قال رحمه الله عند تفسير قوله تعالى ( ورب المشارق ) قد بيَّنا في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" : وجه اختلاف ألفاظ الآيات في ذلك، فقلنا فيه في الكلام على قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} ، ما لفظه أفرد في هذه الآية الكريمة المشرق والمغرب، وثناهما في سورة "الرحمن" ، في قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} ، وجمعهما في سورة "سأل سائل" ، في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} ، وجمع المشارق في سورة "الصافّات" ، في قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} 

والجواب: 
1- أن قوله هنا: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} ، المراد به جنس المشرق والمغرب، فهو صادق بكل مشرق من مشارق الشمس التي هي ثلاثمائة وستّون، وكل مغرب من مغاربها التي هي كذلك، كما روي عن ابن عباس وغيره.
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية الكريمة، ما نصّه: "وإنما معنى ذلك: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ} الذي تشرق منه الشمس كل يوم، {وَالْمَغْرِبُ} الذي تغرب فيه كل يوم.
فتأويله إذا كان ذلك معناه: وللَّه ما بين قطري المشرق وقطري المغرب إذا كان شروق الشمس كل يوم من موضع منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الذي بعده، وكذلك غروبها"، انتهى منه بلفظه.

2- وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} ، يعني مشرق الشتاء، ومشرق الصيف ومغربهما، كما عليه الجمهور. وقيل: مشرق الشمس والقمر ومغربهما.


3- وقوله: {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} ، أي: مشارق الشمس ومغاربها، كما تقدم. وقيل: مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها، والعلم عند اللَّه تعالى. انتهى كلامه.

ولما ذكر الله جل وعلا عبادته والتوجه إليه في الصلاة وهو حق له مطلق تبارك وتعالى لا يشاركه فيه أحد قال سبحانه: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} فأفرد الله ذكر المشرق وأفرد ذكر المغرب....

ولما ذكر جل وعلا الانقطاع إليه والتبتل إليه وذكر وحدانيته وأنه لا رب غيره ولا إله سواه قال سبحانه لنبيه: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}
فذكرهما الله جل وعلا على هيئة الإفراد لأن السياق والمنح العام للآيات يتطلب هذا ولا ملزم على الله.

فلما خاطب الله الثقلين الجن والأنس وقال جلا ذكره: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّار ٍفَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وكان الخطاب للإثنين ثنى جل وعلا المشرق والمغرب ولم يذكرهما مفردين كما فعل في الأولين قال جل ذكره : {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْن فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
 
ولما ذكر سبحانه تفرق الناس على نبينا صلى الله عليه وسلم واختلافهم فيه أي القرشيين هذا يصدقه وهذا يكذبه والمكذبون له هذا يقول أنه مجنون وهذا يقول أنه ساحر وهذا يقول أنه كاهن وهذا متوقف فيه قال جل ثناؤه وتبارك اسمه: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِين * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ * فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} فجمع جل وعلا حتى يناسب اللفظ القرآني يناسب السياق العام والمنح الذي جاء فيه الأيه لما كان كفار قريش متفرقين في فهم القرآن في فهم الرسالة جاء الخطاب القرآني متفرقاً {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُون}.

_____________
(٢١)

السبت ٢٠ شعبان ١٤٣٤ هـ

(اللهم اجعلنا من المقسطين ولا تجعلنا من القاسطين)

الفرق بين "القاسط" و "المقسط " .

قال سبحانه وتعالى : { وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات:9)،
وقال عز وجل: {ونضع الموازين القسط} (الأنبياء:47).
وقال : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون } (الجن:14)
وقال : { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } (الجن:15). 

فماالفرق بين "المقسط" و  "القاسط" ؟


تذكر معاجم اللغة أن لفظ (القسط) يدل على معنيين متضادين: أحدهما: العدل ، يقال: أقسط يقسط فهو مقسط: إذا عدل فيما أُسند إليه. والاسم منه (القِسط) بكسر القاف. والإقساط: أن يعطي قسط غيره، وذلك إنصاف. والثاني: الجور: يقال: قَسط يقسِط قسوطاً فهو قاسط: إذا جار وظلم فيما أسند إليه. والاسم منه (القَسط) بفتح القاف، و(القُسوط). والقَسط: أن يأخذ قسط غيره، وذلك جور. وعلى هذا يقال: إن الله يُقْسِط ولا يَقْسِط. ويقال: أمر الله بالقِسْط، ونهى عن القُسط. 
ولفظ (القسط) مأخوذ في العربية من لفظ (قسطاس) اسم العدل بلغة الروم، فهو من المعرب. وروي ذلك عن مجاهد.
وقد ورد لفظ (القسط) في القرآن الكريم في نحو سبعة وعشرين موضعاً، وورد في أكثر تلك المواضع كاسم مقرون بالباء، نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط} (النساء:135)،
وورد في بعض منها كفعل، نحو قوله سبحانه: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات:9)، وورد في موضعين كاسم آلة للوزن، وذلك في قوله تعالى: {وزنوا بالقسطاس المستقيم} (الإسراء:35)، (الشعراء:182).

وأكثر ما ورد لفظ (القسط) في القرآن الكريم إنما جاء على المعنى الأول، من ذلك قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} (آل عمران:18).
وقوله سبحانه: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الحجرات:9)،
وقوله عز وجل: {ونضع الموازين القسط} (الأنبياء:47).

"المقسطون " بالميم من أقسطوا من الرباعي فهؤلاء هم أهل العدل الموفقون المهديون الذين يعدلون في حكمهم وفي أهليهم وفيمن ولاهم الله عليهم .
وجاء بيان مكانتهم العالية في الحديث الصحيح : عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حُكمهم وأهليهم وما ولُوا" رواه مسلم.

وورد لفظ (القاسط) في موضعين فقط ، أحدهما في قوله تعالى: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون} (الجن:14)
فالقاسطون هم الجائرون الهالكون .
والموضع الآخر في قوله سبحانه: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} (الجن:15). 
يعني الظالمين الجائرين المعتدين المتعدين لحدود الله، وهم الذين توعدهم الله بأن يكونوا حطبًا لجهنم .

قال الطبري : " يقال أقسط الحاكم فهو يقسط إقساطاً ، وهو مقسط إذا عدل في حكمه وأصاب الحق فيه ، فإذا جار قيل قسط فهو يقسط قسوطاً ".

الخلاصة :
"القاسط" والقاسطون : من الفعل "قسط " ومعناه : جار وظلم ، فهو ضد العدل.
أما "المقسط " والمقسطين : فمن الفعل "أقسط " ومعناه : عدل ، وأعطى كل ذي حق حقه.

_____________
(٢٠)

الثلاثاء ٩ شعبان ١٤٣٤ هـ

الفرق بين " بلى " و " نعم " ؟

ولو قالوا بجوابهم "نعم" بدلاً عن "بلى" لكفروا ؟!


كلمة (بلى) أصلها ( بل) زيدت عليها الألف مما جعلها صالحة للوقف عليها، وهي جواب لكلام فيه نفي، قال ابن الجزري - رحمه الله - في " التمهيد " :  " إذا أجَبْتَ بـ (بلى) بعد الجحد نفيت ذلك الجحد ، ولا يصلح أن تأتي بـ (نعم) في مكانها، ولو فعلت ذلك لكنت مُحقّاً للجحْد، وذلك نحو قوله تعالى: {ألسْتُ بربكم؟ قالوا: بلى} ويعني أنّ قولهم (بلى) نفيٌ للجحد المذكور في الآية فاعترفوا بالربوبية، ولو قالوا نعم ؛ لأنكروا الربوبية ".
ونقل عن ابن عباس – رضي الله عنهما - في تفسير قوله تعالى : ﴿َ وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ - (الأعراف :172) - لو قالوا﴿ نَعَمْ ﴾ لكفروا ،لأن النفي إذا أجيب عنه بـ﴿ نَعَمْ ﴾ كان تصديقا ، فكأنهم أقروا أنه ليس بربهم .

الفرق بين بلى ونعم :
بلى :
 لا تكون إلا جوابا لما كان فيه حرف جحد كقوله تعالى " ألست بربكم قالوا بلى " وقوله عز وجل " ألم يأتكم رسل منكم " ثم قال في الجواب " قالوا بلى ".

 نعم :
 لا تكون للاستفهام بلا جحد كقوله تعالى " فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم " وكذلك جواب الخبر إذا قال قد فعلت ذلك قلت نعم لعمري قد فعلته، وقال الفراء وإنما امتنعوا أن يقولوا في جواب الجحود نعم لأنه إذا قال الرجل مالك علي شيء فلو قال الآخر نعم كان صدقه كأنه قال نعم ليس لي عليك شيء وإذا قال بلى فإنما هو رد لكلام صاحبه أي بلى لي عليك شيء فلذلك اختلف بلى ونعم.

وردت (بلى) في القرآن الكريم في اثنين وعشرين موضعاً، فمِنَ القراء مَنْ وقف عليها مُطلقاً، ومنهم من لا يقف ويصلها بما بعدها، ومنهم من فصّل، وقد ذكر الداني - رحمه الله - مَنْعَ الوقوف عليها في مواضع القَسَم الأربعة ، وزاد بعضهم موضعاً خامساً وهو الذي في سورة الزمر، وفيما يلي هذه المواضع الخمسة التي لا يجوز فيها الوقف على (بلى) :
 ١- {قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربِّنا} [الأنعام:30].
 ٢- {قل بلى وربي لتأتينَّكم} [سبأ:3].
 ٣- {أليس هذا بالحق قالوا بلى وربِّنا} [الأحقاف:34].
 ٤- {قل بلى وربي لتُبعثنَّ} [التغابن:7].
 ٥- {... فأكون من المحسنين • بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } - [الزمر: 58-59].

أما المواضع التي يجوز فيها الوقف على (بلى) فهي كما يلي:
 ١- {بلى من كسب سيئةً وأحاطت به خطيئته} [البقرة:81].
 ٢- {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن} [البقرة:112].
 ٣- {قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة:260].
 ٤- {بلى من أوفى بعهده واتقى} [آل عمران:76].
 ٥- {بلى إن تصبروا وتتقوا} [آل عمران:125].
 ٦- {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف:172].
 ٧- {فألقوا السّلَمَ ما كنا نعمل من سوءٍ بلى} [النحل:28].
 ٨- {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى} [النحل:38].
 ٩- {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى} [يس:81].
 ١٠- {ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى} [الزمر:71].
 ١١- {أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى} [غافر:50].
 ١٢- {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى} [الزخرف:80].
 ١٣- {... أن يحيي الموتى بلى} [الأحقاف:33].
 ١٤- {ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى} [الحديد:14].
 ١٥- {ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا} [الملك: 8-9].
 ١٦- {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه . بلى قادرين} [القيامة: 3-4].
 ١٧- {إنه ظنَّ أن لن يحور . بلى} [الانشقاق: 14-15].

 ثانياً: الوقف على (نعم):
 وردت (نعم) في القرآن الكريم في أربعة مواضع، هي:
 ١- { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [الأعراف:44].
 
٢- {إن كنا نحن الغالبين . قال نعم وإنكم لمن المقربين} [الأعراف: 113-114].
 ٣- {إن كنا نحن الغالبين . قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين} [الشعراء: 41-42].
 ٤- {قل نعم وأنتم داخرون} [الصافات:18].
 ولا يجوز الوقف على (نعم) إلا في الموضع الأول وبه تمّ الكلام، أما في المواضع الثلاثة الأخيرة فلا يجوز الوقف عليها لتعلُّقها بما بعدها.

قال العلاَّمة ابن عُثيمين – رحمه الله - :
( بَلَى: حرف جوابٍ، وتختصُّ بالنَّفي فتُبْطله سواء كان مُجرَّدًا كقوله تعالَى : ( زَعَمَ الَّذينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ )،
أم مقرونًا باستفهامٍ حقيقيٍّ مثل : "أليسَ زيدٌ بقائمٍ"، فتقول: بلَى،
أو توبيخيٍّ كقوله تعالَى: ( أمْ يَحْسَبونَ أنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بلَى )،
أو تقريريٍّ كقوله تعالَى : ( ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ).
وقد يُجابُ بِها الاستفهامُ المجرَّد كقوله في الحديث : " أتَرضَوْن أن تكونوا رُبْعَ أهلِ الجنَّة ؟
" قالوا: "بلى"، وهو قليل. . . . 

نَعَمْ: حرفُ تصديقٍ ووَعْدٍ وإعلامٍ
فالأوَّل بعد الخَبَر : كقام زيدٌ
والثَّاني : بعد افعلْ ولا تَفعلْ وما في معناهما،
والثَّالث بعد الاستفهام نحو: هل جاء زيدٌ ؟
قيل: وتأتي للتَّوكيد إذا وَقَعَتْ صدرًا نحو: "نعم هذه أطلالهم"، والحقّ أنَّها في هذا حَرْف إعلامٍ، وأنَّها جوابٌ لسؤالٍ مقدَّر.
واعلم أنَّه إذا قيل: "قام زيدٌ" فتصديقه: "نعم"، وتكذيبه: "لا"، ويمتنع دخول "بلَى" لعدم النَّفي، وإذا قيل: "ما قام زيدٌ"؛ فتصديقه: "نعم"، وتكذيبه: "بلَى"، ويمتنع دخول "لا" لأنَّها لنفي الإثبات لا لنفي النَّفي. والحاصل أن "بلَى" لا تأتي إلا بعد نفيٍ، وأن "لا" لا تأتي إلا بعد إيجابٍ، وأن "نعم" تأتي بعدهما ) . انتهَى كلامه رحمه الله .

ويستحب لكل من قرأ :
قول الله عز وجل : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) ، سورة التين - 8
وقوله : (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) سورة القيامة - 40
وقوله : ( أليس الله بكافٍ عبده) ، سورة الزمر - 36
( أليس الله بأعلم بالشاكرين ) سورة الأنعام - 53

أن يقول ( بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ) أو ( سبحانك بلى ) وذلك بعد التلاوة .

روى أبو داود عن موسى بن أبي عائشة قال : كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال: سبحانك فبلى. فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

قال ابن كثير تفرد به ، ولم يسم هذا الصحابي، ولايضر ذلك. 

وقال الشيخ ابن باز - رحمه الله : ويستحب هذا للإمام والمأموم والمنفرد لأنه دعاء، فهو مطلوب منهم كالتأمين، وكذلك الحكم في القراءة في غير الصلاة.
وروى الحاكم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ ( أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى ) قال: بلى، وإذا قرأ (أليس الله بأحكم الحاكمين) قال: بلى .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

أمثلة للتوضيح :
 تقول:  ما أكلت شيئا، فيقول الراد: بلى، فينزل فيزيل نفــيــه، والمعنى بلى أكلت، فإن قال الراد: نعم، فقد صدقه نفيه عن نفسه الأكل، ويصير المعنى : نعم لم آكل شيئا. 
مثال أخر:
تقول: " أليس الله بعزيز ؟
 " فيقول الراد نعم ؟
فإن قال هنا نعم فهي مقوله كفريه لأنه ينفي أن الله عزيز ولا يكفر صاحبها إلا إذا كان عالما بما يقول، فإن قال نعم الله عزيز هنا تزول الشبهة ويُقِر ويثب المقولة بأن الله عزيز، لكن معظم الردود تكون نعم ويتوقفوا عن الإكمال، لذلك وجب أن يكون الجواب ببلى للإقرار والإثبات.
الخلاصة:
 إذا كان الاستفهام منفيًا ، فالجواب يكون بــ ( بلى ) .
 أما إذا كان الاستفهام مثبتًا ، فالجواب بــ (نعم ) .

والله تعالى اعلم


_____________
(٢٠)

الخميس ٤ شعبان ١٤٣٤

اقترن جهاد المال بجهاد النفس في القرآن في عَشَرة مواضع ، ستاً منها في سورة التوبة ، وتقدَّم فيها جهاد المال على الجهاد بالنفس في تسعة منها ، وتقدَّم جهاد النفس على جهاد المال في موضع واحد ، ولذلك حِكَمٌ وأسرارٌ، وقف عليها المفسرون، رحمهم الله.
الآيات التي تقدَّم فيها المال على النفس: 
1- قال - تعالى -: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41].
2- قال - تعالى -: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:١١].
3- قال - تعالى -: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْـمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْـحُسْنَى } [النساء: 95]. 
4- قال - تعالى -: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [الأنفال: 72]. 
5 - قال - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20]. 
6- قال - تعالى -: {لا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْـمُتَّقِينَ} [التوبة:٤٤].
7- قال - تعالى -: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].
8- قال - تعالى -: {فَرِحَ الْـمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة: 81].
9- قال - تعالى -: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْـخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [التوبة: ٨٨].
الآية التي تقدَّمت فيها النفس على المال: 
10- قال - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْـجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْآنِ } [التوبة: ١١١].
من حِكَمِ تقديم المال على النفس في أقوال العلماء: 
قال ابن القيم – رحمه الله – في حكمة تقديم المال على النفس: 
«أولاً: هذا دليل على وجوب الجهاد بالمال كما يجب بالنفس، فإذا دهم العدو وجب على القادر الخروج بنفسه، فإن كان عاجزاً وجب عليه أن يكتري بماله.
ومن تأمَّل أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته في أصحابه - رضي الله عنهم -وأَمْرَهم بإخراج أموالهم في الجهاد، قطع بصحة هذا القول. والمقصود: تقديم المال في الذكر، وأن ذلك مشعِرٌ بإنكارِ وَهْمِ مَنْ يتوهم أن العاجز بنفسه إذا كان قادراً على أن يغزو بماله لا يجب عليه شيء؛ فحيث ذكر الجهاد قدَّم ذكر المال؛ فكيف يقال: لا يجيب به؟ 
ولو قيل: إن وجوبه بالمال أعظم وأقوى من وجوبه بالنفس، لكان هذا القول أصحَّ من قول من قال: لا يجب بالمال، وهذا بَيِّن، وعلى هذا فتظهر الفائدة في تقديمه في الذكر. 
وفائدة ثانية: على تقدير عدم الوجوب؛ وهي أن المال محبوب النفس ومعشوقها التي تبذل ذاتَها في تحصيله وترتكب الأخطار وتتعرض للموت في طلبه، وهذا يدل على أنه هو محبوبها ومعشوقها، فندب الله - تعالى - محبِّيه المجاهدين في سبيله إلى بذل معشوقهم ومحبوبهم في مرضاته؛ فإن المقصود أن يكون الله هو أحب شيء إليهم، ولا يكون في الوجود شيء أحبَّ إليهم منه، فإذا بذلوا محبوبهم في حبه نقلهم إلى مرتبة أخرى أكمل منها؛ وهي بذل نفوسهم له؛ فهذا غاية الحب؛ فإن الإنسان لا شيء أحبَّ إليه من نفسه، فإذا أحب شيئاً بذل له محبوبه من نفسه وماله، فإذا آل الأمر إلى بَذْلِ نفسه ضنَّ بنفسه وآثرها على محبوبه. 
هذا هو الغالب وهو مقتضى الطبيعة الحيوانية والإنسانية؛ ولهذا يدافع الرجل عن ماله وأهله وولده فإذا أحس بالمغلوبية والوصول إلى مهجته ونفسه فرَّ وتركهم، فلم يرضَ الله من محبيه بهذا، بل أمرهم أن يبذلوا له نفوسهم بعد أن بذلوا له محبوباتهم. وأيضاً فبذل النفس آخر المراتب؛ فإن العبد يبذل ماله أولاً يقي به نفسه، فإذا لم يبقَ له ماله بذل نفسه؛ فكان تقديم المال على النفس في الجهاد مطابقاً للواقع.
وأما قوله - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} [التوبة: ١١١]، فكان تقديم الأنفس هو الأَوْلَى ؛ لأنها هي المشتراة في الحقيقة، وهي مورد العقد، وهي السلعة التي استلمها ربها وطلب شراءها لنفسه، وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنَّته، فكانت هي المقصودة بعقد الشراء. والأموال تَبَع لها فإذا مَلَكها مشتريها ملك مالها؛ فإن العبد وما يملكه لسيده، ليس له فيه شيء؛ فالمالك الحق إذا ملك النفس ملك أموالها ومتعلقاتها».

وقال الشنقيطي - رحمه الله -: «وحقيقة الجهاد بَذْلُ الجهد والطاقة، والمال هو عصب الحرب، وهو مدد الجيش، وهو أهم من الجهاد بالسلاح؛ فبالمال يُشتَرَى السلاح، وقد تُستَأجَر الرجال؛ كما في الجيوش الحديثة من الفِرَق الأجنبية، وبالمال يجهَّز الجيش؛ ولذا لما جاء الإذن بالجهاد أعذر الله المرضى والضعفاء، وأعذر معهم الفقراء الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم، وأعذر معهم الرسـولَ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لم يوجد عنده مـا يجهزهم به؛ كما في قوله - تعالى -: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْـمَرْضَى} [التوبة: 91]، إلى قوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ}[التوبة: 92].
وكذلك من جانب آخر: قد يجاهد بالمال من لا يستطيع بالسلاح كالنساء والضعفاء، كما ورد عن زيد بن خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» رواه البخاري .
أما الآية الثانية: فهي في مَعْرِض الاستبــدال والعرض والطلب أو ما يسمى بالمساومة؛ فقدَّم النفس؛ لأنها أعزُّ ما يملك الحي، وجعل في مقابلها الجنة؛ وهي أعزُّ ما يوهَب، وأحسن ما قيل في ذلك.
وقال أبو بكر الجزائري في كتاب أيسر التفاسير : «يخبر - تعالى - مرغباً في الجهاد بالمال لتقدُّمه على الجهاد بالنفس؛ لأن العدة أولاً والرجال ثانياً» .

جهاد المال ينقسم إلى قسمين: 

القسم الأول: 
- المشاركة بالمال في تجهيز المجاهد بالسلاح .
- دعم المجاهدين الذين استجابوا لنداء الجهاد تاركين خلفهم أولادهم ونسائهم وإنفاق المال لكفالة أُسَر المجاهدين .
- الإنفاق على أُسر الشهداء الذين سالت دماؤهم من أجل الإسلام والذود عنه.
- إنفاق المال لتعمير أثار تدمير بيوت المسلمين: فمن خصال اليهود والكفار والطواغيت على مَرِّ العصور التدمير والخراب .

القسم الثاني: هو مقاطعة المعتدي الغاصب اقتصادياً ومالياً؛ وذلك من الجهاد بالمال أيضاً؛ فإذا كان الإنسان بخيلاً أو عاجزاً أو ضعيفاً؛ لا يستطيع المشاركة بماله في دعم تحرير هذه الأوطان المقدسة، فعلى الأقل يشاركُ بَقَطْعِ دعم العدو المحتل الغاصب.
وفي سؤال لفضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - قال فيه السائل: نجد أن الله - عزَّ وجل - في كثير من آيات الجهاد يقدِّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس؛ فما الحكمة من ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: يظهر - والله أعلم - لأن الجيش الإسلامي قد يحتاج إلى المال أكثر من حاجته إلى الرجال؛ ولأن الجهاد بالمال أيسر من الجهاد بالنفس .  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 25/ 312  .

وفي السُّنة تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس: 
عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:«جَاهِدُوا الـمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» رواه أحمد في مسنده .
الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ: 
إذا كان المجاهد مديناً وتعيَّن الجهاد لدفع الضرر، قُدِمَ الجهاد بالمال على سداد الدين. قال ابن تيمية - رحمه الله -: «فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الـمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَر؛ِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ، أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى»   الفتاوى الكبرى: 5/ 537 .

فاللهم انصر المجاهدين في كل مكان ...
ووفق المسلمين لنصرتهم...

____________________________
(١٩)

الأثنين ١ شعبان ١٤٣٤

آية وآيتين ... مقارنة بديعة

قال الله جل وعلا: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} (الإسراء:12)

والله سبحانه يقول :
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (المؤمنون:50)...

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ}
 كم شخص؟
اثنان {ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ} 
وقال عنهما في سورة المؤمنون {آيَةً} .
وفي سورة الإسراء قال : {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} لم يقل آية...
لماذا؟
لأن عيسى ومريم - عليهما السلام - يُمكن الجمعُ بينهُما في وقتٍ واحد تراهُما في وقت واحد؛ عيسى مع أُمهِ، لكن الليل والنهار مُحال أن يجتمعا في وقت واحد إمّا أن نكون في ليل وإمّا أن نكون في نهار فهُما ضدان لا يجتمعان فلمّا كانا لا يجتمعان ثنى الله جل وعلا بقوله : {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} ولمّا كان يُمكن الجمع في عيسى وأُمهِ أنهُ يُمكن لأي شخص أن يراهُما سويا قال الله: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}.

وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ.. } أخبر سبحانه عن المثنى بالمفرد { آيَةً.. } لأنهما مشتركان فيها: مريم آية لأنها أنجبت من غير زوج، وعيسى آية لأنه وُلِد من غير أب، فالآية إذن لا تكون في أحدهما دون الآخر، وهما فيها سواء.
لذلك يراعي النص القرآني هذه المساواة فيُقَدِّم عيسى في آية: { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً.. } [المؤمنون: 50]
ويقدم مريم في آية أخرى:
{  وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } 
[الأنبياء: 91]
هذه العدالة في النص لأنهما سواء في الخيرية لا يتميز أحدهما على الآخر.

والله اعلم
__________________________

(١٨)
الأربعاء ٢٦ رجب ١٤٣٤

من عجائب لغة القرآن...
كلمات في القرآن الكريم من لفظة واحدة احتوت بعضها على حرف عطف، وفعل، وفاعل، ومفعول به أول، ومفعول به ثان ٍ .

قال الله عز وجل :
( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) سورة البقرة (137)

فسيكفيكهم :
الفاء : استئنافية
السين : حرف استقبال
يكفي : فعل مضارع. 
الكاف : مفعول به أول لأن كفى تأخذ مفعولين.
(هم) : مفعول به ثان ٍ .
لفظ الجلالة ( الله )  فاعل .
والمعنى : فسيكفيك الله إياهم .


قال الله عز وجل :
( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) سورة هود (28)
لفظ ( أنلزمكموها )
أ : أداة استفهام لا محل لها من الإعراب يقصد بها التعجب.
نلزم : فعل مضارع 
والفاعل ضمير مستتر تقديره ( نحن)
الكاف : مفعول به اول .
الميم : علامة جمع المذكر .
الواو : لإشباع حركة الضم على الميم.
الهاء : مفعول به ثان ٍ . 


قال الله عز وجل :
( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ) سورة الحجر (22)
لفظ : ( فأسقيناكموه )
الفاء : حرف عطف.
أسقى : فعل ماض .
نا : ضمير الفاعل .
الكاف : مفعول به أول
الميم : علامة جمع الذكور .
الواو : لإشباع ضم الميم.
الهاء : مفعول به ثان .


قال عز الله عز وجل :
 ( فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) سورة الأحزاب (37)
لفظ ( زوجناكها )
زوج : فعل ماض.
نا : فاعل .
الكاف : مفعول به اول.
الهاء : مفعول به ثان ٍ .
بمعنى زوجناك إياها.
_________________________

(١٧)

الأثنين ١٧ رجب ١٤٣٤


" مكث " و " لبث ":

قال الله تعالى :
﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [النمل: 22]،
﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77]،
﴿ قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ﴾ [القصص: 29] [2].
 ﴿ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 3]
 ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ [الإسراء: 106] .
 ﴿ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ﴾ [طه: 10].
 ﴿ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17] .

وردت كلمة مكث وجذورها في القران الكريم حوالي سبع مرات بصيغ مختلفة :
1- فعل مضارع: يمكث.
2- حال: ماكثين.
3- جار ومجرور: على مكث.
4- فعل أمر: امكثوا.
5- فعل ماضٍ: فمكث.
6- خبر إن: ماكثون.
 
وجاءت على أربعة أوجه :
 الإقامة ، المهل ، النزول ، النفع.
 
الأول : المكث: الإقامة، ومنه قوله- تعالى- في سورة الكهف: ﴿ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 3]؛ أي: مُقِيمين.
 
الثاني: المكث؛ أي: على مَهَل، ومنه قوله- تعالى- في سورة الإسراء: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ [الإسراء: 106]؛ أي: على مَهَلٍ .

الثالث: امكثوا؛ أي: انزلوا، ومنه قوله- سبحانه- في سورة طه: ﴿ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ﴾ [طه: 10]؛ أي: انزلوا.
 
الرابع: المكث: النفع، ومنه قوله- سبحانه-وتعالى - في سورة الرعد: ﴿ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17]؛ أي: ينفع فيها .


أما كلمة ( لبث ) وجذورها فقد وردت 31 مرة في تسع وعشرين آية ، في تسع صيغ هي ( لبث ، لبثتُ ، لبثتم ، لبثنا ، لبثوا ، يلبثوا ، يلبثون ، لابثين ، تلبّثوا ) .
والملاحظ من خلال الآيات الكريمة أنه في جميع المرات التي ورد فيها اللبث فقد اقترن بزمن محدد ، مثل :
﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ ﴾ البقرة: 259 .
﴿ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ يوسف: 42
﴿فلبثت سنين في أهل مدين﴾ [طه/40]،
﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ طه: 103
﴿ وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ الإسراء: 76.
﴿كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم﴾ [الكهف/19]،
﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ الكهف: 25 . 
﴿فلبث فيهم ألف سنة﴾ [العنكبوت/14]،
﴿ما لبثوا في العذاب المهين﴾ [سبأ/14].
﴿لم يلبثوا إلا ساعة من نهار﴾ [الأحقاف/35]،
﴿ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾النبأ: 23 . 
﴿لم يلبثوا إلا عشية﴾ [النازعات/46]،

ونلاحظ أن مرة واحدة فقط هي التي لم يحدد فيها زمن للّبْث وذلك في قوله تعالى : ﴿ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ هود: 69 .
وذلك أن اللفظة قد سُبقت بما النافية مما يجعل المعنى ينصرف الى " فما لبث إلا قليل وقت حتى جاء بعجل حنيذ " ، لكي يفهم السامع أن إبراهيم - عليه السلام - لم يستغرق وقتاً يذكر في المجيء بالطعام ، وذلك لكرمه ولشدة اهتمامه بضيفه . 
ومما سبق نستطيع أن نفهم الفرق الدقيق بين ( مكث ) و ( لبث ) :
مكث : تفيد الاستقرار في مكان بغير تحديد زمن للإقامة ، أي متعلقة دائما بالمكان.

لبث : فتقتضي تحديد وقت معين أي متعلقة دائما بالزمان.

فعندما تقصد التزام المكان تقول امكث ، وعندما تقصد ملازمة مدة من الزمان تقول البث.

والله اعلم
_____________________
(١٦)
الخميس ٦ رجب ١٤٣٤

من الذي بنى الكعبة ؟

في البداية اعلموا أنه ليس على كل سؤال جواب ، فبعض الناس يسأل عن شيءٍ غيبي لم يرد نص من الشرع ببيانه ، كما أن بعض الناس يسأل أسئلة تهكمية أو تعجيزية لا يريد من ورائها إلا تضييع أوقات الدعاة وطلبة العلم ، وفي النهاية لا يوجد إجابة على مسائله ، فخير ما يُفعل معه أن تُذكر قواعد الشرع ومهماته ، ويوكَل علم ما لا نعلم إلى الله سبحانه وتعالى .

 إن قصة بناء البيت بدأت من عهد آدم عليه السلام، هذا الذي يظهر من أقوال المفسرين ، فالملائكة بنت البيت وضعته لآدم، وحج إليه آدم، وحج إليه الصالحون من عهد آدم إلى عهد نوح، ولما تبدلت الأرض شركاً بعث نوح، وحج نوح، وحج بعده الأنبياء -كصالح كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- ثم ذهبت معالمه، فأمر الله الخليل أن يرفع القواعد. فإذاً: مزية إبراهيم أنه لم يبن أحد غيره من البشر البيت.
هذا الذي يتحرر، والعلم عند الله، ولذا قال الله جل وعلا: ( وَإِذْ يَرْفَعُ ) [البقرة:127]، ولم يقل: وإذ يضع، وكل أحد درس اللغة يعرف الفرق بين (يضع) و(يرفع)، فإن يرفع يشعر أن هذه القواعد موجودة: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) [البقرة:127] فرفع إبراهيم القواعد من البيت. وهنا تأتي أمور، فالله يقول في سورة الحج: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) [الحج:26].
إذاً: الذي حدد لإبراهيم مكان البيت رب العزة والجلال، ولكن البيت كان موجوداً وإنما دل عليه. وأما كيف دل عليه فلا يعرف في ذلك أثراً مرفوعاً، لكن قال بعض العلماء: إن سحابة أظلت مكان البيت.
وهذا ليس ببعيد. وقال بعضهم: جاءت ريح كنست المكان الذي حدد له البيت، ونحن على يقين أن الله جل وعلا هو الذي عين مكان البيت لإبراهيم عليه السلام، (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ). ثم في إتيانه بإسماعيل وأمه إلى هذا المكان دليل على أنه كان يعرف أن المكان في مكة، لكن لا يعرف تحديد البيت، أمر بأن يضع إسماعيل في هذا المكان، وكان يعلم أن البيت هنا، بدليل أنه قال: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) [إبراهيم:37] ومعلوم أن البيت لم يكن موجوداً؛ لأن إسماعيل بنى مع أبيه البيت بعد أن كبر، وإبراهيم قال هذه العبارة عندما كان إسماعيل رضيعاً مع أمه قبل أن تخرج زمزم، ولكنه كان يعلم أن البيت في ذلك الوادي. ولكن تحديد مكان البيت بالضبط كان متأخراً.
وقد جعل الله تعالى مكة بلداً حراماً يوم خلق السموات والأرض ، وقِدَم تحريم البلدة لا يعني وجود البناء في ذلك اليوم .
 فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ ( لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... ) . رواه البخاري ( 1737 ) ومسلم ( 1353 ) .

 قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
 " ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي - في الجهاد وغيره - من حديث أنس أن ( إبراهيم حرَّم مكة ) ؛ لأن المعنى : أن إبراهيم حرَّم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده ، أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرِّم مكة ، أو المعنى : أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس وكانت قبل ذلك عند الله حراماً ، أو أول من أظهره بعد الطوفان" .
 " فتح الباري " ( 4 / 43 ) .
 وقد رويت أحاديث وآثار تبين أن الكعبة كانت صخرة في الماء ، وأن دحي الأرض كان من تحتها ، وأنها مخلوقة قبل الأرض بألفي سنة ، وكل ذلك لا يخلو من ضعف ، وما صح منه فمأخوذ عن بني إسرائيل .
 ويدل على ذلك حديث أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ) .
 رواه البخاري ( 3186 ) ومسلم ( 520 ) .
 
 وقد اختلف العلماء فيمن بنى البيت أولاً على أقوال ، أشهرها : 
 1. أن منهم من قال : إنهم الملائكة – وهو قول أبي جعفر الباقر - . 
 2. ومنهم من قال : إنه آدم عليه السلام – وهو قول عطاء وسعيد بن المسيب ، وممن قال به : ابن الجوزي وابن حجر ، ويرجحه الشيخ الأمين الشنقيطي - .
 3. وذهبت طائفة إلى أنه إبراهيم عليه السلام – وهو قول ابن تيمية وابن القيم وابن كثير ويرجحه الشيخ العثيمين - .
 والذي يترجح من الأقوال : هو القول الثاني ، وأن باني البيت هو آدم عليه السلام ، والذي كان من إبراهيم عليه السلام هو تجديد بنائه ورفعه بعد أن تهدم بالطوفان أو بغيره ، ومما يدل على ذلك :
 1. قوله تعالى ( وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ) البقرة/ 125 ، ولا يُعهد إليهما بتطهير البيت إلا وهو موجود قبلهما .

 2. قوله تعالى ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ ) البقرة/ 127 ، وذِكر رفع إبراهيم عليه السلام للقواعد يدل على أنها موجودة قبله ، وإنما عمله الكشف عنها ورفعها ، والبناء عليها .
 
 3. قوله تعالى ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) .
 4. قوله تعالى ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) .
 فظاهر الآيتين يدل على وجود البيت قبل إبراهيم عليه السلام ، بل وعلى لسانه .
 قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
 فقوله ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) أي : هيأناه له ، وعرَّفناه إياه ؛ ليبنيه بأمرنا على قواعده الأصلية المندرسة ، حين أمرْنا ببنائه ، كما يُهيأ المكان لمن يريد النزول فيه .
 وغاية ما دل عليه القرآن : أن الله بوأ مكانه لإبراهيم ، فهيأه له ، وعرفه إياه ؛ ليبنيه في محله ، وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن أول من بناه إبراهيم ولم يُبن قبله ، وظاهر قوله : حين ترك إسماعيل ، وهاجر في مكة ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) يدل على أنه كان مبنيّاً واندرس ، كما يدل عليه قوله هنا ( مَكَانَ الْبَيْتِ ) ؛ لأنه يدل على أن له مكاناً سابقاً كان معروفاً ، والله أعلم . انتهى من " أضواء البيان " ( 4 / 296 ) . 
 5. كون الكعبة قِبلة الأنبياء قبل إبراهيم عليه السلام .
 قال ابن عادل الحنبلي – رحمه الله - :
 فدلت هذه الأقوال المتقدمة على أن الكعبة كانت موجودةً في زمان آدم عليه السلام ، ويؤيده أن الصلوات كانت لازمةً في جميع أديان الأنبياء ؛ لقوله : ( أولئك الذين أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً ) مريم/ 58 .
 ولما كانوا يسجدون لله : فالسجود لا بد له من قِبْلَةٍ ، فلو كانت قبلة شيث وإدريس ونوح موضعاً آخر سوى القبلة : لبطل قوله : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ) ، فدلَّ ذلك على أن قبلةَ أولئك الأنبياء هي الكعبةُ .
 " اللباب في علوم الكتاب " ( 5 / 401 ) .
 6. استقبال إبراهيم عليه السلام مكان الكعبة من أجل الدعاء قبل بنائه لها ، وتسميته للبيت ووصفه بأنه محرَّم .
 7. إخبار الملَك لهاجر أم إسماعيل بوجود مكان البيت وأنه يبنيه زوجها وولدها .
 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ... .
 رواه البخاري ( 3184 ) . 

والخلاصة :
 أن الذي يترجح هو أن آدم عليه السلام باني الكعبة المشرفة ، والمسألة ليست من القطعيات ، بل الأقوال فيها محتملة ؛ وأن لا تكون مثارا للقيل والقال ، وكثرة الأخذ والجدال . 
أما الحجر الأسود فقد نزل من الجنة مع آدم عليه السلام، وقد كان أبيض، ثم أسودَّ بسبب ذنوب بني آدم، فقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الألباني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن، فسودته خطايا بني آدم". 
وبالنسبة عن بداية تقديسه وتقبيله فلا نستطيع تحديد ذلك، ولكن يقال: جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الحجر الأسود أنزل مع آدم عليه السلام، وقد ثبت أن هذا البيت الحرام حجه الأنبياء من قبل، فهذا قد يؤخذ منه أن الحجر الأسود كان مقدساً من زمن آدم عليه السلام، أو من زمن أول الأنبياء حجاً للبيت.
والحجر الأسود في الطواف سنة يؤجر فاعلها لاقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم. عن زيد بن أسلم عن أبيه قال رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل الحجر وقال: "لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ماقبلتك" [رواه البخاري].

والله أعلم.

المصدر : بحث من عدة مصادر موثوقة
____________________
(١٥)
 السبت ١ رجب ١٤٣٤

جاء لفظ (تبارك) في القرآن في تسعة مواضع:
 في سورة الأعراف في [الآية: 54] (تبارك الله رب العالمين)  ،
وفي سورة المؤمنون في [الآية:14](فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)  
وفي سورة الفرقان في ثلاثة مواضع :
 في [الآية:1] (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ..)  وفي [الآية:10] (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً من ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)
 وفي [الآية:61] (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً) ، 
وفي سورة غافر في [الآية:64] (فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
وَفي سورة الزخرف في [ الآية : 85 ] ( وتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .
وفي سورة الرحمن في [ الآية : 78](تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ)  ، 
وفي سورة الملك في [الآية:1] (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .

 قال ابن القيم - رحمه الله - :
 " وأما صفته " تبارك " : فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه " انتهى . " بدائع الفوائد " ( 2 / 185 ) .

 وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – بعد نقل الأقوال في معاني " تبارك " - :
 " الأظهر في معنى ( تَبَـارَكَ ) بحسب اللغة التي نزل بها القرآن : أنه تفاعل من البركة ، كما جزم به ابن جرير الطبري ، وعليه : فمعنى ( تَبَـارَكَ ) : تكاثرت البركات والخيرات من قِبَله ، وذلك يستلزم عظمته وتقدّسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله ؛ لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدرّ الأرزاق على الناس هو وحده المتفرّد بالعظمة ، واستحقاق إخلاص العبادة له ، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير ، ولا رزق كالأصنام ، وسائر المعبودات من دون اللَّه لا يصحّ أن يعبد ، وعبادته كفر مخلّد في نار جهنّم ، ... اعلم أن قوله : ( تَبَـارَكَ ) فعل جامد لا يتصرف ، فلا يأتي منه مضارع ، ولا مصدر ، ولا اسم فاعل ، ولا غير ذلك ، وهو مما يختصّ به اللَّه تعالىٰ ، فلا يقال لغيره " تبارك " خلافًا لما تقدّم عن الأصمعي ... وإطلاق العرب ( تَبَـارَكَ ) مسنداً إلى اللَّه تعالىٰ معروف في كلامهم " انتهى .
 " أضواء البيان " ( 6 / 262 ، 263 ) .
 وقال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله :
 " ( البركة ) : هي صفته تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة ، والفعل منها " تبارك " ، ولهذا لا يقال لغيره كذلك ، ولا يصلح إلا له عَزَّ وجَلَّ ؛ فهو سبحانه المبارِك ، وعبده ورسوله المبارَك ؛ كما قال المسيح : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ) ، فمن بارك الله فيه : فهو المبارَك ، وأما صفته : فمختصة به ؛ كما أطلق على نفسه بقولـه تعالى : ( تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ) " انتهى .
 " الكواشف الجلية شرح العقيدة الواسطية " ( ص 283 ) .
 وعليه : فلا يجوز إطلاق هذا الصفة على أحدٍ إلا الله تعالى ، لأن مختصة به سبحانه وتعالى .

أما قول " تباركت " :
قال الأشموني في شرح ألفية ابن مالك :
 وفي شرح الآجرومية للشهاب البجائي أن تبارك تقبل التاءين تقول: تباركت يا الله، وتباركت أسماء الله " .

 والله اعلم
______________
(١٤)

الأربعاء ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٣٤هـ

أيهما أصح :

«تمنياتي لكم التوفيق» أو «أرجو لكم التوفيق»؟


قبل الإجابة عن التساؤل في عنوان الموضوع ، اسمحوا لي بهذه المقدمة اليسيرة .

ورد في كتاب الله تعالى كلمة :
[أَمَانِيُّهُمْ ] كما في قوله :
{ وقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } -[ سورة البقرة/111].

وورد في أكثر من موضع كلمة [يَرْجُون َ] : 
{ إنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } - [ سورة البقرة / 218]

فهل هناك فرق بين الرجاء والتمني ؟

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله-  :
التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك صاحبه طريق الجد، والاجتهاد. 
والرجاء يكون مع بذل الجهد، وحسن التوكل. 
فالأول: كحال من يتمنى أن يكون له أرض يبذرها، ويأخذ زرعها. 
والثاني: كحال من يشق أرضه، ويفلَحها، ويبذرها، ويرجو طلوع الزرع. 
فمن عمل بطاعة الله ورجا ثوابه، أو تاب من الذنوب ورجا مغفرته، فهو: الراجي .
 ومن رجا الرحمة والمغفرة بلا طاعة ولا توبة، فهو (مُتَمَـنٍّ)، ورجاؤه، كاذب . انتهى كلامه .


وقال العلامة  إبن القيم - رحمه الله تعالى :
والفرق بين الرجاء والتمني أن الرجاء يكون مع بذل الجهد واستفراغ الطاقة في الإتيان بأسباب الظفر والفوز .
والتمني حديث النفس بحصول ذلك مع تعطيل الأسباب الموصلة إليه قال تعالى : { إنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ }
فطوى سبحانه بساط الرجاء إلا عن هؤلاء ، وقال المغترون إن الذين ضيعوا أوامره وارتكبوا نواهيه واتبعوا ما أسخطه وتجنبوا ما يرضيه (أولئك يرجون رحمته) وليس هذا ببدع من غرور النفس والشيطان لهم ، فالرجاء لعبد قد امتلأ قلبه من الإيمان بالله واليوم الآخر ، فمثل بين عينيه ما وعده الله تعالى من كرامته وجنته امتد القلب مائلا إلى ذلك شوقا إليه وحرصا عليه ، فهو شبيه بالماد عنقه إلى مطلوب قد صار نصب عينيه ، وعلامة الرجاء الصحيح أن الراجي يخاف فوت الجنة وذهاب حظه منها بترك ما يخاف أن يحول بينه وبين دخولها . انتهى كلامه 


فالتمني: رجاء مع الكسل، 
والرجاء: تمن مع العمل، 
فالطالب الذي يلعب طوال السنة ثم إذا جاء وقت الامتحان تمنى أن يكون من الأوائل صاحب أماني، ومن الصعب أن تتحقق أمنيته، وأما الطالب الذي يجتهد طوال السنة ثم يتمنى أن يكون من الأوائل فإن أمنيته من الممكن جداً أن تتحقق، فالأول صاحب تمني، والثاني صاحب رجاء، وهذا هو الفرق بين التمني والرجاء. 
كذلك الفلاح الذي يهتم بزرعه فيسقيه ويسمده وينميه ثم يأمل أن يأتي المحصول جيداً هذا العام، فهذا من باب الرجاء، وأما المتمني فقط فهو الذي يغرس زرعاً ثم لا يعبأ به ولا يهتم به، ثم يتمنى أن ينبت له الزرع، ويجمع المحصول.

والتمني نوع من التطلع ، واستبعاد المُنتظر المترقب كقوله تعالى : { يا لَيْتَني كُنتُ معَهُم فأفوزَ فوْزاً عظيماً} ، والرجاء نوع من المقاربة والتوقع لما يجوز وقوعه .

فـ التمني يقع على ما يجوز أن يكون ويجوز ألاّ يكون ، و أما الترجي فيختص بما يجوز وقوعه ، وهذا المعنى يكون راجع إلى المتكلم إذا كان يعلم أو يعتقد أن أمنيته لا يمكن أن تتحق لوجود موانع معينة تمنعها من ذلك .

وقول عبارة : 
«تمنياتي لكم» على غير أصل والأنسب استبدالها بـ: «دُعائي لكم بالتوفيق» أو «أرجو لكم التوفيق».

______________
(١٣)

الأربعاء ٢١ جمادى الآخرة ١٤٣٤

التسمية بقوس قزح :


عند نزول المطر أو خلال نزوله والشمس مشرقة ، يظهر في الأفق قوس بألوان الطيف ، طرفاه على الأرض وقبته باتجاه السماء والغالب من الناس تسميه (قوس قزح) .
وقد كثر الكلام حول حكم تسمية قوس قزح بهذا الاسم ... وكثر الجدال حول هذه التسمية .. فما هو هذا القوس ، وهل تصح تسميته بذلك ؟
هو عبارة عن ظاهرة جوية تظهر في الأفق المقابل للشمس بشكل قوس في السماء ، وسبب نشأته هو : انكسار ضوء الشمس مع قطرات المطر العالقة بالجو ، وهو ذو ألوان سبعة متتابعة : ( بنفسجي ، نيلي ، أزرق ، أخضر ، أصفر ، برتقالي ، أحمر ) .
وتكون الألوان في القوس اللون الأحمر من الخارج ويتدرج إلى البرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق فأزرق غامق ( نيللي) فالبنفسجي من الداخل .
وهو في الواقع يظهر على شكل نصفين : النصف الأول في السماء ، والنصف الثاني مخفي في الأرض .
فقد قيل بالنهي عن ذلك والتحريم ومستندهم إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تقولوا قوس قزح ، فإن قزح شيطان ، ولكن قولوا : قوس الله عز وجل ، فهو أمان لأهل الأرض) ولكنه حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يجوز أن ينسب إليه أو يحتج به .
كما ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" والألباني رحمه الله في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وكما ذكره صاحب "الفوائد المجموعة".
واخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس بسند صحيح ( القوس أمان لأهل الأرض من الغرق والمجرة باب السماء تنشق منه ) .
وعلى ذلك النهي لم يثبت بل ثبت خلافه وكونه اسم للشيطان لم يثبت ، لكن الأولى أن يقال قوس الله أو قوس الأمان من الله .
ولم يثبت في النهي عن هذه التسمية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والقطع بأن (قُزَح) اسم لشيطان يحتاج إلى دليل يثبت ذلك .
وقد اختُلف في معنى (قُزَح) الذي تضاف إليه هذه القوس : فقيل : 
من القَزَح وهو الارتفاع ، 
قال النووي في شرح مسلم : ويطلق قزح على جبل في مزدلفة قزح بضم القاف وفتح الزاء وبحاء مهملة جبل معروف في المزدلفة وفي حديث ابن عمر ( ثم وقف بالمزدلفة على قزح ) ويسمى مشعر مزدلفة بـ(قُزَح) كما في سنن أبي داود (ح/1935) عن علي – رضي الله عنه- قال : (فلما أصبح ، يعني النبي – صلى الله عليه وسلم - ووقف على قُزَح فقال : هذا قُزَح وهو الموقف، وجَمْعٌ كلُّها موقف..) .

وقيل : هو جمع قُزْحَة وهي الطريقة التي تتركب منها ألوان هذا القوس . 
وقيل : اسم الملَك الموكل بالسحاب . 
وقيل : اسم الشيطان ، 
وقيل : اسم لإله الرعد والخصب والمطر عند بعض أهل الكفر ، 
وقيل : اسم ملك من ملوك العجم .

ولكن الصحيح كما ذكر العلامة ابن باز - رحمه الله - في تعليقاته على زاد المعاذ : ( الصحيح لا دليل على الكراهة ) .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (2/264) :
" الظاهر أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب , وموقف المؤمن تجاهها معروف , وهو عدم التصديق ولا التكذيب , إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا " انتهى 
وعلى هذا ، فمن قال " قوس قزح" وقصد بعض تلك المعاني الفاسدة التي قيلت في معناه ، فلا شك أنه يُنهى عن تلك التسمية ، وأما من أطلقها ولم يقصد شيئاً من ذلك ، وإنما قصد مجرد التسمية المعروفة عند الناس فلا حرج عليه ، ولكن الأولى ترك تلك التسمية ، من باب الاحتياط ، لا سيما وكثير من العلماء قد نصوا على كراهتها . انتهى كلامه

والخلاصة : أنه لم يصح في النهي عن إطلاق لفظ (قوس قزح) على القوس التي تظهر في الأفق شيء، لكن الأَولى تركُ ذلك احتياطاً وورعاً.


والله أعلم

___________________________
(١٢)
الثلاثاء ١٣ جمادى الآخرة ١٤٣٤

ماالحكمة في أن السمع يتقدم على البصر في أكثر آيات كتاب الله بينما تتقدم العين على الأذن ؟

اطّرد تقديم السمع في القرآن الكريم سواء أكان على البصر أو الرؤية أو العلم أو القرب... في شأن الخالق أو في شأن المخلوقين . وقد ورد ذكر البصر في كلام الله جل وعلا كثيراً، وفي كثير منها يقدم السمع على البصر ؛ إلا أنه في آية أو آيتين أو ثلاث على الأكثر قدم البصر على السمع، فهل هناك حكمة في ذلك؟
إن تدبر كتاب الله جل وعلا وتأمل آياته بالإضافة إلى قراءة كتب التفسير الموثوق بها تساعدنا كثيرا في فهم ذلك. 
يقول ربنا جل شأنه : (( قل أرأيتم أن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون )) ( الأنعام 46) 
ويقول تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )) ( الإسراء 1 ) 
ويقول الحق تبارك وتعالى : (( قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) ( طه 46) .
والله جل وعلا يقول : ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) [مريم:38]، .
ويقول : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) [الإسراء:36].

والبصر جاء في القرآن على صورة الإفراد وجاء على صورة الجمع، أما السمع فلم يرد إلا على صورة الإفراد. 
وفي مجال تقديم السمع على العلم وما جرى مجراه قد أتى في اثنين وثلاثين موضعاً، هي كل ما جاء فيه . وقدّم السمع على القرب في قوله تعالى : (( قل إن ضللت فإنّما أضلّ على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلىّ ربي إنه سميع قريب )) ( سبأ 50 ) .
ولا يقف سر هذا التقديم عند تشريف المقدّم على المؤخّر، ولكن المقام يحتمل تفسيراً آخر... فتقديم السمع على البصر لكونه أهم منه، لأن ما يحصل من ضروب المعرفة عن طريق السمع لا يحصل عن البصر، والبصر يتوقف في تحصيله للعلم على وسائط لا يتوقف عليها السمع . 
فقد ذكر أهل التفسير بعض الحكم لتقديم السمع على البصر وإن كانت الواو لا تقتضي الترتيب، ولكن التقديم في الذكر مؤذن بأهمية المقدم، قالوا: لأن السمع آلة لتلقي المعلومات والمعارف التي بها كمال العقل وهو الطريق الأولى لتلقي وحي السماء وهدي الأنبياء، وهو وسيلة بلوغ الدعوة إلى أفهام الأمم على وجه أكمل من بلوغها بواسطة البصر لو فقد السمع ، ولأن السمع ترد إليه الأصوات من الجهات الست بدون توجه بخلاف البصر فإنه يحتاج إلى الالتفات والتوجه، والسمع والبصر هما أعظم الحواس وأقوى آلات الإدراك ولذلك ذكرا قبل الفؤاد، وذكر الفؤاد بعدهما لأنه مقر الإدراك كله، فهو الذي تنقل إليه الحواس مدركاتها، ويمكنك أن تطلع على المزيد في تفسير: التحرير والتنوير لابن عاشور ، وتفسير روح المعاني للألوسي .
ولأن السمع أهم في باب التكليف والاختبار من البصر لأن فاقد السمع من الصعب تكليفه بخلاف فاقد البصر الذي يكمن تبليغه وتكليفه بشكل أسهل . ومن الملاحظ أنه تعالى لم يفصل بين السمع والبصر بالواو كأن يقول (سميعاً وبصيرا) أنما جاءت الصفتان متصلتان (سميعاً بصيرا) لئلا يُفهم أنه تعالى خلق الإنسان على نوعين منهم من يسمع ومنهم من يُبصر. 
والطب الحديث يشهد أن المولود الجنين الصغير يسمع أولاً ثم بعد ذلك يبصر، فحاسة السمع عندهم مقدمة عملاً على حاسة البصر .

أما لماذا قدّم البصر على السمع في الآيتين المذكورتين في سورة الكهف وسورة السجدة؟ 
كما في قوله تعالى : ( قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليّ ولا يشرك في حكمه أحداً ) - ( الكهف 26 ) 
وقوله تعالى : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون ) ( السجدة 12 ) .
فالسبب - والله اعلم - يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئلا يراهم أحد ولجأوا إلى ظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية. وكذلك في آية سورة السجدة، الكلام عن المجرمين الذين كانوا في الدنيا يسمعون عن القيامة وأحوالها ولا يبصرون لكن ما يسمعونه كان يدخل في مجال الشك والظنّ ولو تيقنوا لآمنوا ، أما في الآخرة فقد أبصروا ما كانوا يسمعون عنه لأنهم أصبحوا في مجال اليقين وهو ميدان البصر (عين اليقين) والآخرة ميدان الرؤية وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخبر كالمعاينة. فعندما رأوا في الآخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضى تقديم البصر على السمع لأن الإنسان يرى قبل أن يسمع إذا بعثر ما في القبور وحشر الناس، قال تعالى : ( ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً )) ( الإسراء 97 ) 

وقد قدم رجال التفسير اجتهاداتهم في هذا المجال فقالوا: إن تقدم السمع على البصر لشرف السمع أو لشرف الأذن، فالأذن تسمع من جميع الجهات وهي أداة التلقي للوحي ويمكن استدعاء النائم من خلالها.
ورد في تفسير القرطبي: قال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر على السمع لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والكلام والبصر يدرك به الأجسام والألوان والهيئات كلها. ويقول الآلوسي في تفسيره: والحق أن كل الحواس ضرورية في موضعها ومن فقد حساً فقد علماً وتفضيل البعض على البعض تطويل من غير طائل. إذن فكرة تقديم السمع على البصر لشرف السمع مردودة أو لا تستند على أرضية صلبة، وعلى الرغم من ذلك لم يكن لها بديل. وكانت المفاجأة والتي وجهت الأنظار إلى السر المذهل وراء تقديم السمع على البصر، هي الآيات التي جاء فيها ذكر ( العين ) و( الأذن )، ففي هذه الآيات نلاحظ أن ( العين ) تتقدم (الأذن ) على عكس السمع والبصر. ففي سورة الأعراف: [آية 179]: ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ) .
وفي الآية [195] من الأعراف : ( ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ) .
وفي المائدة: [ آية: 45]: ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن ).
فإذا كان السمع يتقدم البصر في الآيات السابقة فإن العين تتقدم الأذن في هذه الآيات، فلو كان التقديم للتشريف لتقدمت الأذن على العين كما تقدم السمع على البصر لأن الأذن أداة السمع والعين أداة البصر.
إذن فالقضية ليست قضية شرف عضو على عضو بل هي شيء آخر، بل قل إنها معجزة علمية بكل المقاييس فلقد وجد العلماء أن هناك مراكز للسمع داخل المخ البشري يتم فيها إدراك المسموعات وعقلها وهناك مراكز للبصر داخل المخ البشري يتم فيها إدراك المبصرات وعقلها وأداة مركز السمع هي الأذن التي تجلب إليها الأصوات وأداة مركز البصر العين والتي تجلب إليها الصور. ومع أن العين تتقدم الأذن في رأس الإنسان فإن مركز السمع يتقدم مركز الإبصار في مخ الإنسان تشريحياً. وهنا ظهرت المعجزة العلمية الباهرة فالترتيب المكاني للسمع والبصر في الآيات يأتي وفقاً للترتيب المكاني لمراكز السمع والبصر في مخ الإنسان. ولكن الإنسان بالإضافة إلى أنه سميعاً وبصيراً له المقدرة على إنتاج البيان البشري الراقي ولقد وجد علماء المخ أن هناك منطقة بين مركز السمع من الأمام ومركز البصر من الخلف تسمى منطقة فرنيكا فعندما يلتقي مركز السمع مع مركز البصر فإن المنطقة البينية تشكل مكان إنتاج البيان البشري وها هي الآية ( صم بكم عمي ) تشير في إعجاز باهر إلى منطقة البيان في مخ الإنسان فكلمة ( بكم ) والتي تقع بين ( صم ) من الأمام و( عمي ) من الخلف تشير إلى منطقة البيان في المخ بين مركز السمع من الأمام ومركز البصر من الخلف. وإذا كان الصمم هو تعطيل السمع، والعمى هو تعطيل البصر، فيكون البكم هو تعطيل البيان. ولأن الموصوفين بـ ( صم بكم عمي ) هم الكفار الذين يتمتعون بسمع جيد وبصر حاد ولسان مبين، فإن ( صم ) هنا تعني تعطيل عقل السماع و( عمى ) تعني تعطيل عقل البصر، فتكون ( بكم ) آفة عقلية خاصة بعقل البيان. وقدمت الآية 76 من سورة النحل دعماً لذلك: ( وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ). إذن فكأن ( بكم ) تشير إلى منطقة البيان بين مركز السمع ومركز البصر في المخ. 

وهنالك أمر آخر وهو لماذا استخدم صيغة المبالغة (سميعاً) ولم يستخدم (سمّاع) مثلاً ؟
في القرآن الكريم يستعمل صيغة المبالغة (سميع) كما في قوله ) : ( وهو السميع البصير) و (السميع العليم) ويستعمل صيغة المبالغة (سمّاع) كما في قوله في سورة المائدة : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) {42}) 
وفي سورة التوبة ( لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) {47}) .
والفرق في استعمال الصيغتين في القرآن هو أن صيغة سميع استعملت في القرآن كوصف لله تعالى (وهو السميع البصير) ووصف للإنسان (سميعاً بصيرا) وهي في مقام المدح، أما صيغة سمّاع فلم تستعمل في القرآن إلا كوصف للإنسان وفي مقام الذمّ فقط.
إذن صيغة المبالغة سميع تستعمل في مقام المدح والامتنان والتفضّل بالنعمة ففي آية سورة الإنسان وعلى ما جرى عليه في القرآن الثناء هنا بالامتنان على الإنسان (سميعاً بصيرا) لذا اقتضى استخدام الصيغة (سميع) وليس (سمّاع ) .

والله اعلم

_________________________
(١١)

الخميس ١٨ جمادى الآخرة ١٤٣٤


الخطاب في القرآن الكريم على خمسة عشر وجها: 

1-خطاب عام ، كما في قوله عز وجل ( الله الذي خلقكم ) [البقرة21]
2-وخطاب خاص ( أكفرتم بعد إيمانكم ) [آل عمران106]
3-وخطاب الجنس ( يا أيها الناس) [البقرة21]
4-وخطاب النوع ( يا بنى ءادم) [الأعراف]
5-وخطاب العين ( يا ءادم) [البقرة33]
6-وخطاب المدح ( يا أيها الذين ءامنوا) [آل عمران118]
7-وخطاب الذم ( يا أيها الذين كفروا) [التحريم7]
8-وخطاب الكرامة ( يا أيها النبى) [الأنفال:64]
9-وخطاب التودد ( ابن أم إن القوم استضعفوني ) [الأعراف:150]
10-وخطاب الجمع بلفظ الواحد ( يا أيها الإنسان ما غرك) [الإنفطار:6]
11-وخطاب الواحد بلفظ الجمع ( وإن عاقبتم ) [النحل:126]
12-وخطاب الواحد بلفظ الإثنين ( ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد) [ق:24]
13-وخطاب الإثنين بلفظ الواحد ( فمن ربكما يا موسى) [طه:49]
14-وخطاب العين والمراد به الغير ( فإن كنت فى شك) [يونس:94]
15-وخطاب التلو وهو ثلاثة أوجه:
أحدها :
أن يخاطب ثم يخبر ( حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم) [يونس:22] ،
(وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) [الروم:39]،
(وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) [الحجرات:7].

والثانى:
أن يخبر ثم يخاطب كما في قوله تعالى ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم ) [ءال عمران106]،
( وسقاهم ربهم شرابا طهورا • إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) [الإنسان:22،21]

والثالث:
أن يخاطب عينا ثم يصرف الخطاب إلى الغير ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا • ليؤمنوا بالله ورسوله) [الفتح:9،8].
وهذا على قراءة ابن كثير وأبى عمرو فإنهما قرءا بالياء.

من كتاب ( المدهش ) لابن الجوزى

_____________________
(١٠)
الصب والسكب في القرآن الكريم :

السكب :
هو الصب المتتابع أي نُزُوْلُ السَّائِلَ كَالمَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ عُلُوِّ مُتَّصِلاً مُنْتَظِمَ الوَتِيْرةِ هَنيء ٌ لا يُصَاحِبُهُ تَلَفٌ أو فَسَادٌ للمَسْكُوبِ أو لِمَا انْسَكَبَ عليْه.
وقد ورد هذا اللفظ في موضوع واحد في القرآن الكريم " وظل ممدود * وماء مسكوب ". سورة الواقعة (30 , 31 ) .

أما الصب : فهو نُزُوْلُ السَّائِلَ كَالمَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ عُلُوِّ بِشِدَّةٍ وَقُوَّةِ قَدْ يُصَاحِبُهَا وَ يَتْبَعُهَا ضَرَرٌ أَو تَلَف وأذىً لِمَا يُصَبُّ عَلَيه.
فالصب فيه القوة والعنف , مثل قوله تعالى " فصب عليهم ربك سوط عذاب " - سورة الفجر ( 13 ) 

وكما في قوله تعالى " ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم " سورة الدخان ( 48 ).

وقوله تعالى :( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيم) .سورة الحج (19).

وعليه ، فاستعمال لفظ " الصب " في العذاب يوحي بظلال أخرى غير التي نحسها في لفظ "السكب " , إذ نلاحظ القوة والعنف مع الصب ، والهدوء والسلامة مع السكب .
فالانسكاب نعيما والصب عذابا .

_________________________
(٩)

الجمعة ١٧ جمادى الأولى ١٤٣٤

كيفية ضبط : « نفعا» و«ضرا» في هذه الآيات :
{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا } (76) سورة المائدة

{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ } (188) سورة الأعراف

{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ } (49) سورة يونس

{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا } (16) سورة الرعد

{أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} (89) سورة طـه

{وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } (3) سورة الفرقان

{فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا } (42) سورة سبأ

{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا } (11) سورة الفتح .

في طبعة المجمع للمصحف تتقدم دائما (نفعا) على (ضرا) في الوجه الأيمن، و(ضرا) على (نفعا) في الوجه الأيسر.
فالنون في (نـفعا) مع النون في أيمـن .
والراء في (ضرا) مع الراء في أيسر .

______________________

(٨)
الخميس ١٦ جمادى الأولى ١٤٣٤

من الفوائد اللغوية :

أن الله قال: ( لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) [التوبة:108]،
وبعدها: ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ) [التوبة:108]، وهاتان (فيه فيه) كلمتان متشابهتان لم يفصل بينهما فاصل، فهذه إحدى الفوائد اللغوية في القرآن.

ومثلها قول الله في الأنعام: ( قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ) [الأنعام:124]
وبعدها: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الأنعام:124]، فجاء لفظ الجلالة مكرراً لا يفصل بينهما فاصل إلا المعنى، فتقف عند قول الله جل وعلا: ( قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ) [الأنعام:124]
ثم تقول: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الأنعام:124].

الفائدة الثالثة: جاءت ثلاث هاءات في القرآن متوالية لا يفصل بينهما فاصل، وهي في قول الله جل وعلا: ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) [الجاثية:23] فإلهه مختومة بهاءين، والكلمة التي بعدها مبدوءة بها، فأصبحت ثلاث هاءات جاءت وراء بعضها البعض.

وقال الله تعالى في سورة الإسراء : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } الآية (7) من سورة الإسراء.
أحسنتم أحسنتم كلمتان متشابهتان لم يفصل بينهما فاصل، 
قال أهل الإشارات : هذه الآية تدل على أن رحمة الله تعالى غالبة على غضبه بدليل أنه لما حكى عنهم الإحسان أعاده مرتين فقال : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) ولما حكى عنهم الإساءة اقتصر على ذكرها مرة واحدة فقال : ( وإن أسأتم فلها ) ولولا أن جانب الرحمة غالب وإلا لما كان كذلك . 

فهذه الفوائد تعينك وتحفز همتك على تدبر كلام الله، وتدبر كلام الله أياً كان فهو نافع؛ لأن الإنسان لا بد أن يشغل نفسه بحق أو بباطل حتى ولو فكر ذهنياً، فلأن تنقضي الأعمار في التفكر في كتاب الواحد القهار خير من أن تنقضي في شيء آخر أياً كان.
وهذا سر أن علم القرآن أشرف العلوم.



ومن الفوائد واللطائف اللغوية :
أكثر آية ذكرت فيها ميمات متتالية أو متقاربة هي قول الله تعالى: { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }[هود:48]. 
تكررت الميم ثماني مرات متواليات متتابعات في جزء من الجملة في قوله تعالى : { أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } فيها ثمان ميمات متواليات . الأصل : " أُمَمٍ مِنْ مَنْ مَعَكْ " قلب تنوين { أُمَمٍ } ميماً فهذه ثلاثة ميمات ثم قلبت نون " مِنْ " ميماً فهذه خمسة ميمات ثم قلبت نون " مَنْ " ميماً فهذه سبع ميمات والميم الثامنة ميم " معك " .
قلب النون ميماً واجتماع هذه الميمات متفق عليه من جميع القراء , قراء المتواتر والشواذ , لم يقرأ أحد بغير ذلك .
فتقرأ هكذا : أُمَمِمِّمَّمَّعَكْ
وباعتبار الميم المشددة ميمين الأولى ساكنة والثانية متحركة فالعدد ثمان ميمات
أُمَمِمْمِمْمَمْمَعك 
لكن في الأصل الآية بها خمس ميمات بدون إدغام .
أُمَمٍ مِنْ مَنْ مَعَكْ

والله أعلم.
_____________________

(٧)

الجمعة ٢٦ ربيع الآخر ١٤٣٤

هل الربا في الآية هو الربا المحرم؟

قال الله تعالى في سورة الروم: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم:39) .

الربا المقصود بالآية هنا - على الصحيح - لـيس الربا المعروف المحرم؛ لأن السورة مكية، وما كان الربا قد نزل التحريم به بعد .

قال ابن عباس الربا رباءان ، فربا لا يصح يعني : ربا البيع ،
وربا لا بأس به ، وهو هدية الرجل يريد فضلها وأضعافها . ثم تلا هذه الآية : ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) .

قال ابن كثير في تفسيره أي : ( من أعطى عطية يريد أن يرد الناس عليه أكثر مما أهدى لهم ، فهذا لا ثواب له عند الله - بهذا فسره ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وعكرمة ، ومحمد بن كعب ، والشعبي  وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه إلا أنه قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، قاله الضحاك ، واستدل بقوله : ( ولا تمنن تستكثر ) [ المدثر : 6 ] أي : لا تعط العطاء تريد أكثر منه ) . أ . هـ

قال الشعبي هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله التماس عونه ، لا لوجه الله ، فلا يربوا عند الله لأنه لم يرد به وجه الله تعالى . 

نقرب المعنى بهذا المثال : 
شخص ما سمع أن أميراً من الأمراء زار البلدة، فقال: أريد أن أكرمه، فذهب وهو على حال وسط، فدعاه وألح وأطعمه، هو لم يفعل ذلك ابتغاء وجه الله، وإنما فعل ذلك لينـتـفع من عطاء الأمير، فهذا من حيث الجواز جائز، لكـن لا ثواب عليه ، من حق الإنسان أحياناً - كلٌّ بحسبه ، الناس يختلفون - أن يستفيد بمثل هذه الطريقة ، إلا أن هذه الطريقة - وإن كانت مباحة في عمومها - محـرمة في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا تليق به ، و
الدليل قول الله جل وعلا في المدثر: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} (المدثر:6)، لا تصنعها حتى تستكثر من مالك، {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} لأن هذه من طرائق جمع الأموال، وهي موجودة حتى في عصرنا ويعرفها كل أحد، أن الإنسان يحـسن إلى من غَلب على الظن أنه ليس في حاجة إليه رجاء أن يكافئه، فالله يقـول: {وَمَا آتَيْتُم} (ما) شرطية، {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} هذا شيء بينك وبينهم ..
وهناك فريق آخر من الناس يتعاملون مع الله، {وَمَا آتَيْتُم} وهذه بلاغة القرآن، هنا لم يسمها ربا، مع إن الربا لغوياً معـناه الزيادة، قال: {وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ} سماها باعتبار مآلها، في أن الصدقة إذا أريد بها وجه الله تَـزكَى نفس المؤمن، {وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} ، 
أي : الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء ، كما جاء في الصحيح : وما تصدق أحد بعدل تمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه ، فيربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ، حتى تصير التمرة أعظم من أحد " 

________________________
(٦)
وما ادراك ومايدريك:
فائدة قرأتها قديماً وأحببت أن نستفيد منها جميعاً ، وهي الفرق بين قوله تعالى : ( وما أدراك ) وبين ( وما يدريك ) عندما تأتي في سياق الآيات الكريمة في كتاب الله عزو جل ..

من الآيات التي جاء فيها لفظ وما أدراك :

{وما أدراك ما الحاقة}
{وما أدراك ما سقر}
{وما أدراك ما يوم الفصل}
{وما أدراك ما يوم الدين}
{وما أدراك ما سجين}
{وما أدراك ما عليون}
{وما أدراك ما الطارق}
{وما أدراك ما العقبة}
{وما أدراك ما ليلة القدر}
{وما أدراك ما القارعة}
{وما أدراك ما هيه}
{وما أدراك ما الحطمة}



أما الآيات التي جاء فيها لفظ وما يدريك :

{يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا}
{الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب}
{وما يدريك لعله يزكى}


فما الفرق بين الكلمتين ؟

ما أدراك:
كل شيء في القرآن وما أدراك فقد أخبر به وذلك أن ما في الموضعين للاستفهام الإنكاري .

ما يدريك :
إنكار ونفي للإدراك في الحال والمستقبل فإذا نفى الله ذلك في المستقبل لم يخبره ولم يفسره 

وفي ما أدراك إنكار ونفي لتحقق الإدراك في الماضي ولا ينافي تحققه في الحال أو المستقبل فأدرى الله بإخباره وتفسيره" اهـ .


قال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شيء في القرآن {وما أدراك} فقد أدراه إياه وعلمه. 
وكل شيء قال { وما يدريك} فهو مما لم يعلمه. 
وقال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه { وما أدراك} فأنه أخبر به، وكل شيء قال فيه { وما يدريك} فإنه لم يخبر به. 

مثال ( وما أدراك ) :
{وما أدراك ما ليلة القدر} الجواب (ليلة القدر خير من ألف شهر )


مثال (وما يدريك ) : 
في قوله تعالى : (وما يدريك لعل الساعة قريب} الجواب علمه عند الله ولم يخبر به .

والله أعلم 

______________________________
 (٥)

إشكال علمي في قصة شعيب - عليه السلام - :
ذكر الله شعيب - عليه السلام - في سورة الأعراف وفي هود وفي الشعراء وفي العنكبوت ، وقال عز وجل في ثلاثة منها :
( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ) الأعراف الآية 85

( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا )
هود الآية 84

( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ) 
العنكبوت الآية 37

أما في سورة الشعراء فلم يذكر أنه أخوهم كما في قوله عز وجل : ( كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ {176} إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ {177} ) 
فما السبب ؟ 

الجواب: 
من فرائد العلم :
أن الله لما نسبهم إلى القبيلة والأرض وهي (( مَدْيَنَ )) أرضهم وقبيلتهم قال : (( أَخَاهُمْ )) لأنه فعلاً أخٌ لهم فهو ابن الأرض التي نشؤوا بها وابن للقبيلة التي ينتمون إليها .
ولما نسبهم إلى معبودهم نسبهم إلى ما يعبدون من دون الله نسبهم إلى الطاغوت (( كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ )) برأ الله جل وعلا نبيه من أن يكون أخاً لهم قال سبحانه : (( إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ {177} )) .

__________________________
(٤)
دارهم - ديارهم
ما الفرق البياني بين كلمتي " دارهم " و " ديارهم " في القرآن ؟ 

قال الله عز وجل في قصة إهلاك قوم النبي صالح عليه السلام {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:78].
وفي سورة هود {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67].
وقوله في قصة النبي شعيب {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:91].
وفي سورة هود {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:94].
وفي سورة العنكبوت {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [العنكبوت:37].
ففي الأعراف والعنكبوت {الرَّجْفَةُ}، وفيهما {فِي دَارِهِمْ}
وفي هود في القصتين {الصَّيْحَةُ} و { فِي ديَارِهِمْ}.

فأخبر سبحانه عن إهلاكهم مرة بالرجفة ، ومرة أخرى بالصيحة ، ووحَّد الدار مع الرجفة ، وجمعها مع الصيحة . فما معنى كل من ( الرجفة ) ، و( الصيحة ) ؟ ولم وحَّد ( الدار ) مع الأولى ، وأتى بها جمعًا مع الثانية ؟

الصيحة هي أشمل وأهمّ من الرجفة لذا فإنها تُصيب عدداً أكبر وتبلغ أكثر من الرجفة والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة لذا جاء استخدام كلمة (ديارهم) مع الصيحة كما في الآية 67 والآية 94 في سورة هود 

ذكر أهل العلم بأن قوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ ﴾ . أي : في بلدهم ، كقولك : دار الحرب ، ودار الإسلام . وقد جمع في آية أخرى فقال :﴿ فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ؛ لأنه أراد بالديار ما لكل واحد من منزله ومسكنه الخاص أو البيوت المبنية من الحجر وغيره ، وهي أخص من لفظ ( الدار) ؛ إلا أنه حيث ذكر الرجفة ، وحَّد ، وحيث ذكر الصيحة ، جمع ؛ لأن الصحية كأنها من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة .
ويبين لك ذلك : 

1- أن لفظ ( الدار ) يطلق على البناء الذي تسكنه العائِلة ، كما في قوله تعالى :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾(القصص:81) ، 
ويطلق على المكان الذي تحله الجماعة من حي أو قبيلة ، أو أمة ، كما في قوله تعالى :﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ ﴾(الرعد:31) . أي : تحل قريبًا من أرضهم ، وهو المجاور لحدودهم . 
ويطلق لفظ ( الدار ) أيضًا ، ويراد منه : الدار الدنيا ، والدار الآخرة ، ودار السلام ( الجنة ) ودار الفاسقين ( النار ) ، وقد يراد منه : مآل المرء ومصيره ؛ لأنه بمنزلة الدار يأوي إليه في شأنه ، والشواهد على ذلك من القرآن كثيرة . 

فـ( الدار ) لفظ عامٌّ جامعٌ يطلق على البلد ، والأرض ، والمحلة ، وأما ( الديار ) فهو لفظ خاصٌّ يطلق على المساكن المبنية فقط ، ومثله : الدور ، وكلاهما جمع : دار . 
ويدلك على ذلك قول صالح- عليه السلام- لقومه ، لما عقروا الناقة :﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾(هود:65) ، ثم قال تعالى :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(هود:67) ، فجمع بين اللفظين معًا ( الدار ، والديار ) . أما قوله :﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ﴾ فالمراد منه : في بلدكم وأرضكم ، فشمل مساكنهم جميعها ، ثم خصَّ الذين ظلموا منهم بقوله :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ، فعبر عن ذلك بلفظ ( الديار ) ؛ لأنه أخصُّ من لفظ ( الدار ) .

والله تعالى أعلم بمراده، وأسرار بيانه، والحمد لله رب العالمين.

____________________________

(٣)
أربع جنان :

قال الله جل وعلا في سورة الرحمن : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) [الرحمن:46-47]
ذكر الله هنا أربع جنان وجعلهما قسمين، فقال في الأولى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، ثم قال بعدها: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن:62]، وهنا من دونهما يعني: أقل منهما، وليس في الجنة أقل، فيقال: أقل منهما ثم يقال تأدباً: وليس في الجنة أقل. 
ثم قال عن الأولى: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48]، 
وقال عن الثانية: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64] أي: أنهما خضراوان تميلان إلى السواد، وأما ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] فمعناها: أنهما متنوعتا الأفانين، والأفضل هي المتنوعة. 
ثم قال جل وعلا في الأولى: فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50]، وقال في الثانية: فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ [الرحمن:66]، وجري الماء أعظم من كونه ينضخ ويفور شيئاً يسيراً. 
وقال في الأولى: ( فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان)ِ [الرحمن:52]، 
وقال في الثانية جل وعلا: ( فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّان)ٌ [الرحمن:68]، 
ففي الأولى أطلق وفي الثانية قيد . 
وقال جل وعلا في الثانية ( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ) الرحمن : 76 ) 
وقال في الأولى: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54]، والجنى هو الثمار، وجان بمعنى: قريب، بحيث إن الإنسان لا يتكلف أي كلفة حتى يصل إليها، بل ورد أنه إذا قطفها جاءت أختها بدلاً منها، فلا يدري أهو قطفها أو لا، قال الله جل وعلا: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25].

أسأل الله أن يجمعنا ووالدينا وذرياتنا وأهلنا في جنات النعيم. 
______________________________
(٢)

تشابه كبير في بعض آيات سورتي البقرة واﻷعراف


قال الله تعالى في سورة البقرة : 
{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } الآيات 58-59 

وقال الله عز وجل في سورة الأعراف :
{ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } الآيات 161-162

يجب أن توضع كل آية في سياقها لتتضح الأمور والمعنى والمقصود ، فآية سورة البقرة في مقام التكريم تكريم بني إسرائيل، بدأ الكلام معهم بقوله سبحانه { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } البقرة (47)
العالمين هنا أي قومهم في زمانهم وليس على كل العالمين .
إذن السياق في سورة البقرة في مقام التكريم يذكرهم بالنعم وفي سورة الأعراف في مقام التقريع والتأنيب ، وذكر جملة من معاصيهم فهم خرجوا من البحر وانتهكوا حرمة السبت ورأوا أصناماً فقالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة وعبدوا العجل وهذا لم يذكره في سورة البقرة

ويلاحظ التشابه الكبير في الآيات مع وجود بعض الاختلافات في التعبير ، مثل :
في سورة البقرة : ( قُلْنَا ) 
وفي سورة الأعراف (وإذ قيل لهم) بالبناء للمجهول .

في سورة البقرة : ( ادخلوا ) 
وفي الأعراف ( اسكنوا )

في سورة البقرة : ( فَكُلُواْ ) 
وفي الأعراف (وَكُلُواْ )
الفاء تفيد الترتيب والتعقيب.

في سورة البقرة زيادة لفظ : ( رغداً ) ، 
وفي الأعراف لم يذكرها لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم.

التقديم والتأخير في قوله تعالى في سورة البقرة : (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ ) .
وفي الأعراف : ( وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا ) .
في سورة البقرة : تقديم السجود لأنه مقام التكريم وهو من أشرف العبادات وأقرب ما يكون العبد لربه . 
أما في الأعراف فهم في السياق مبعدين عن ربهم لمعاصيهم. 
في سورة البقرة : ( خطاياكم ) 
وفي الأعراف ( خطيئاتكم ) ، 
الخطايا هي جمع كثرة وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في سورة البقرة .
وخطيئات جمع قلّة وجاء هنا في مقام التأنيب وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في سورة الأعراف.

في سورة البقرة : ( وَسَنَزِيدُ ) 
وفي الأعراف ( سنزيد ) ، إضافة الواو هنا تدل على الاهتمام والتنويع ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم.

في سورة البقرة : ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً )
وفي الأعراف (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً ) ، زيادة (منهم)

في سورة البقرة : (َ فأَنزَلْنَا على الذين ظلموا ) 
وفي الأعراف (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ) ، وقول أرسلنا في العقوبة أشدّ من أنزلنا .

في سورة البقرة : (بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) 
وفي الأعراف ( بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ ) ، والظلم أشدّ .

آيات جديرة بالتأمل والتدبر .

_____________________
(١)

" واو الثمانية " هل لها حقيقة ؟
يذكر بعض النحويين وبعض المفسرين في تفاسريهم ما يسمونه " واو الثمانية " وقالوا هي : واو عطف تدخل على المعدود الثامن لتَعْطِفَهُ على ما سبق ويكون مغايرا لبعض المذكورين قبله في بعض الصفات ، وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا ستة سبعة وثمانية إيذانا بأن السبعة عدد تام وأن ما بعدها عدد مستأنف، واستدلوا على ذلك بآيات :
قول الله تعالى في سورة التوبة : " التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ"
فقد ورد سبع صفات قبل دخول الواو على الصفة الثامنة ، والملاحظ أن الصفة الثامنة مغايرة للصفة السابعة فالنهي عن المنكر غير الأمر بالمعروف .

الآية الثانية : قول الله تعالى في سورة الكهف :
" سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاء ظَاهِرًا ولا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا" ،

الآية الثالثة : ما ورد في الآية الخامسة من سورة التحريم :" عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا" .

واستدل بعضهم في قوله تعالى : (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) .

وقد رد عليهم عدد من أهل العلم كالإمام ابن هشام في كتابه النافع مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ( بتحقيق مازن المبارك ومحمد علي رحمة الله) حيث قال ص 474-477 (واو الثمانية ذكرها جماعة من الأدباء كالحريري ومن النحويين ((الضعفاء )) كابن خالويه ومن المفسرين كالثعلبي .

والرد على هذا أن يقال : أما الواو في ثيبات وأبكارا , هي واو عاطفة يراد بها التقسيم , لماذا يراد بها التقسيم ؟
لأنه لا يمكن أن تكون المرأة ثيب وبكر في وقت واحد ! فلا يستقيم أن يقال ( ثيبات أبكارا )

الأمر الثاني في قول : { الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ } أن هذا أمر يسمى , فيه التصاق يعني كل ما جاء في القرآن عن أمر بالمعروف ونهي عن منكر يؤتى بالواو , حتى بالأفعال : { يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر} .

ومن الأدلة , احتجوا كذلك بأية الزمر أن الله قال [ أبواب الجنة ثمانية معروف ] قال : { حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } ولا ريب أن الواو هذه واو حال , والمعنى : أنه سيحدث شيء قبل فتح الأبواب وهذا دلت عليه السنة .
ـ هذا الشيء ذكره الشيخ بن عثيمين رحمه الله بقوله : "الحكمة من الواو هنا : أنهم ليسوا إذا جاءوها فتحت، بل إذا جاءوها حبسوا وأوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينزع ما في قلوبهم من غل، وتطهر القلوب حتى يدخلوا هذه الدار على أكمل حال " ـ

من الأدلة الدامغة في أنه لا يوجد واو ثمانية , أن لو توجد للتزمها القرآن , قال الله جل وعلا { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ } الثامنة { الْمُتَكَبِّرُ } ما قال الله والمتكبر , وإنما ذكرها من دون واو , فلو كانت هناك واو تلتصق بالثمانية , كما ذهبوا إليه لقال الله العزيز الجبار والمتكبر , لكن الله لم يقلها هنا لأنه لا يلتزم لها أصلاً , وإنما قيلت في تلك المواطن لا لعدد الثمانية , وإنما لأن الحال تناسب وتفرض أن تكون هناك واو.
نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أنا من القليل الذي يعلمونهم , كانوا سبعة وثامنهم كلبهم .
وهذا محتمل لكن ليس من الآية { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا } وهنا قال العلماء أن الإنسان إذا قرأ هذه الآية ينبغي عليه أن ينبه طلابه على أنه لا يتعلق بعددهم كبير علم .
فيه أمور تسمى من مليح القول , فيه أشياء تسمى من متين العلم , فلو قدر أننا عرفنا عددهم فهذا من مليح القول ليس من متين العلم , أين الدليل على أنه ليس من متين العلم ؟
لو كان من متين العلم لأخبر الله جل وعلا به .


وقال ابن القيم- رحمه الله- في بدائع الفوائد (3/559)
( قولهم إن الواو تأتي للثمانية ليس عليه دليل مستقيم) .

وقال العلامة إبن باز -رحمه الله - وليس للقول بأنها واو الثمانية وجه، لا من جهة الشرع ولا من جهة اللغة .

وقال العلامة إبن عثيمين - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى في سورة الزمر ( حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) الآية
" قد عُلم أن أبوابها ثمانية لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء (فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) والعجب أن بعض النحويين قال أن الواو هنا واو الثمانية فأحدث للواو معنى جديدا ، واستدل لقوله بأمر عجيب ، قال إن الله يقول في القرآن ( ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ) فالواو للثمانية ، فيقال : سبحان الله من أين جاء بهذا ؟
الفائدة في قوله (سبعة وثامنهم كلبهم ) تقرير ما ذُكر لأن الله قال (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) فقال فيما قبله (رجما بالغيب) وهذا لم يقل رجما بالغيب لأن الواو عاطفة تدل على أن ما قبلها ثابت متقرر " .
انتهى كلام العلامة إبن عثيمين.

والله تعالى اعلم. 

هناك تعليق واحد: