الشهادة الجامعية في الهندسة - جامعة الملك سعود بالرياض..
اعمل في القطاع الخاص وحاصل على العديد من الدورات التخصصية ( الفنية والإدارية ) ..

أحمد ربي على نعمة الإسلام ، وافتخر بأني اكتب وأتكلم بلغة الضاد ، وأحب التعمق فيها ومعرفة أسرارها والبحث عن معاني مفرداتها ومترادفاتها ، فهي بحر عميق ، ولا عجب فهي لغة كتاب ربنا ومصدر عزنا ومجدنا.

إن الذي ملأ اللغات محاسناً **** جعل الجمال وسره في الضاد

اكتب ما يمليه علي ضميري من الواجبات الدينية والوطنية..


الأربعاء، 8 يونيو 2016

تأملات في آيات الصيام

رمضان - ١٤٣٧هـ

(١) 

ذكر الله الصيام في القرآن الكريم أربع عشرة مرَّة :
- سبْع مرَّات في سورة البقرة وحدها، 
- ومرَّة واحدة في سورة النِّساء، 
- ومرَّتين في سورة المائدة، 
- ومرَّة في سورة مريم، 
- ومرَّتين في سورة الأحزاب، 
- ومرَّة في سورة المجادلة .

قال الله تعالى : 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة/١٨٣)

• آيات الصيام هذه وقعت بين آيات الشدة وذكر الصبر وما يقتضي الصبر . وكما ورد في الحديث : " إن الصوم نصف الصبر " .
وبعدها ذكر آيات القتال ، فالصوم من المشاق والقتال من المشاق ، والقتال يقتضي الصبر { اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ } .

• بعد آيات الصيام ذكر - سبحانه وتعالى - آيات الحج ، والحج يقع بعد الصيام في أركان الإسلام ، وبعد شهر رمضان تبدأ أشهر الحج ، فقال تعالى : {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } (١٩٦)
ثم في الآية التي تليها {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } (١٩٧)

• ذكر المريض في الحج كما ذكر المريض في الصوم وذكر الفدية في الحج ومن الفدية الصيام {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ }(١٩٦)
إذن موقع آيات الصيام تقع بين آيات الصبر وما يقتضي الصبر وعموم المشقة. 

____________

( ٢ ) 

• في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ }
 ناداهم الله - عز وجل - بنفسه ولم يقل (قل يا أيها الذين آمنوا) ، فلم يخاطب الرسول - عليه السلام - وقال له ( قل ) ، وإنما ناداهم مباشرة لأهمية ما ناداهم إليه ، لأن الصيام عبادة عظيمة قديمة كتبها تعالى على من سبقنا فنادانا مباشرة ولم ينادينا بالواسطة.

• استُفتحت آيات الصيام بنداء المؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} ، وفي ذلك مزيد عناية بهم ، وتشريف لهم بوصفهم بالإيمان ، كما أن في ذلك توطئة لأمرهم بالصيام ، وتهيئة نفوسهم لتقبل الأحكام ، ومن ثم العمل به .

• في قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } :
استعمال بناء الفعل للمجهول (كُتِب) وحذف الفاعل لأسرار بلاغية ، وأن الله هو الذي يكلف عباده ، كما أن في ذلك شدة ومشقة وإلزام ، في أمور مستثقلة ومن معاني (كتب ) :
ألزم ووجب وفرض ،
كما في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ،
وقوله : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } ، فيه شدة .
أما (كُتب له) فهو في الخير {وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ }
إذن {كُتِب عليكم } فيه شدة ومشقة وإلزام ، والصوم مشقة يترك الطعام والشراب والمفطرات من الفجر إلى الليل ، لذا لم يقل " لكم " .
___________

( ٣ ) 

دلالة استخدام " الصيام " و " الصوم " :
• وهذا من خصائص التعبير القرآني استعمل كلمة " الصوم " في الامتناع عن الكلام ، كما في قوله تعالى في سورة مريم : { إني نذرت للرحمن صوماً } 
والصوم هو الإمساك والفعل صام يصوم صوماً وصياماً كلاهما مصدر ، وجاء في السنة النبوية : " الصوم لي وأنا أجزي به " ، " الصوم نصف الصبر " .

• لا فرق بين الصوم والصيام ، فالمعنى واحد يفيد الامتناع عن الطعام والشراب والكلام الذي يغضب الله تعالى والشهوات كما حدده الشرع سواء في صوم رمضان أو صوم النوافل . 

• ذكرت كلمة الصّوم مرة واحدة في القرآن الكريم عندما أمر الله تعالى مريم - عليها السلام - بالصّوم عن الكلام وعدم التكلم مع أحد، وفي الآية نفسها أمرها الله تعالى بالأكل والشرب وهي حامل بعيسى - عليه السّلام - حتى لا يضرّ بصحتها، فجاءت كلمة صوم في هذا الموضع الدقيق لعدم الإخلال في البناء اللغوي للآية ، فالقرآن الكريم معجزة ربانية في القول الفصيح لكلام الله تعالى.
__________

( ٤ ) 

قال الله تعالى : 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة/١٨٣)

• في قوله تعالى: {مِن قَبْلِكُمْ} 
والحِكمة مِن ذِكر أنَّ الصيام شُرِع لمن قبلنا ظاهِرة ؛ فالصيام لما كان شاقًّا يسَّر الله أمْرَ تكليفه وهوَّنه بذِكر هذه الحقيقة ، فالمرء يتثبت بأخيه ويتمثَّل به في مواجهةِ كلِّ شديد ؛ أي: لستم وحدَكم مَن خُصصتم بهذه العبادة الشاقَّة ، هذا وجه.
ووجه آخَر أنَّنا أمَّة يتنافس بعضُها مع بعض في مرضاةِ الله تعالى ، وكذلك يجِب علينا أن نُرِي الله من أنفسنا خيرًا فيما شرَع لنا وننافس مَن قبلنا في ذلك .

قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: { على الذين من قبلكم } :
" أي من الأمم السابقة - يعم اليهود والنصارى ومن قبلهم ؛ كلهم كتب عليهم الصيام ؛ ولكنه لا يلزم أن يكون كصيامنا في الوقت، والمدة.
وهذا التشبيه فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: التسلية لهذه الأمة حتى لا يقال: كلفنا بهذا العمل الشاق دون غيرنا .

الفائدة الثانية: استكمال هذه الأمة للفضائل التي سبقت إليها الأمم السابقة ؛ ولا ريب أن الصيام من أعظم الفضائل ؛ فالإنسان يصبر عن طعامه وشرابه وشهوته لله عز وجل " . (ا.هـ)
_________

( ٥ ) 

• اختتمت أول آية من آيات الصيام بالتقوى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، وختم سياق آيات الصيام كلها بالتقوى أيضاً: {لعلهم يتقون} ، لتعطي إشارة أن من أعظم مقاصده تحقيق "التقوى".

واللمسة البيانية فيها هو تكرار (التقوى) في سورة البقرة ، حيث تردد فيها التقوى ومشتقاتها (٣٦) مرة ،  وفي القرآن جملة فيما ينيف على المائتين وخمسين موضعاً.
ومن ذلك ما ورد في أول السورة في قوله تعالى { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } .
وكذلك قوله تعالى :

{وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
{ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ }
{ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
{ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى }
{ اتَّقِ اللَّهَ }
{ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }
وفي آواخر السورة :
{ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ }
{ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ }
__________

( ٦ ) 

قال الله تعالى : ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾:

كنايةً عن قلَّة أيَّامه ويُسْرها ، والمغبون من فرط في تلك الأيام دون جِدٍّ أو تحصيل .


ومن بلاغة التعبير عن المقدار الواجب صومه: ﴿أياما معدودات﴾ فلم يقل: شهراً أو ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين ؛ دفعا لاستثقال هذا العدد ، وإنما قال أياماً ؛ تسهيلا على النفوس وبيان أنها معدودة معروفة عند الناس .


ومنه يتَّضح أنَّ اليهود حين قالوا: ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾  كانوا يَرَوْنها أيَّامًا قليلة جدًّا، وكذلك قوله تعالى: ﴿ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ 


وذهب العلامة الطاهر ابن عاشور - رحمه الله - في تفسيره (التحرير والتنوير) :

" وإنما عبر عن رمضان بأيام وهي جمع قلة ووصف بمعدودات وهي جمع قلة أيضا ، تهوينا لأمره على المكلفين ، والمعدودات كناية عن القلة ، لأن الشيء القليل يعد عدا ، ولذلك يقولون الكثير لا يعد " . انتهى كلامه.

______________

( ٧ ) 

قال الله تعالى : 

{ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .

وفي الآية التي بعدها قال تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }

• وهذا بيان لرخصة جعلها الله للمريض والمسافر ، فقد أعفاهما الله من الصيام حتى يزول عنهم عذر السفر والمرض .

وقدم الإشارة إلى هذه الرخصة قبل إكمال تفصيل أحكام الصيام  . قال ابن عاشور - رحمه الله - : " وتقديمه هنا قبل ذكر بقية تقدير الصوم تعجيل بتطمين نفوس السامعين لئلا يظنوا وجوب الصوم عليهم في كل حال " .

• وقد تكرر ذكر هذا الحكم  لئلا يتوهم نسخه بعد فرض الصوم ورفع الرخصة بالفطر والإطعام  .

قال ابن عاشور : " وأما ما تقدم في الآية الأولى فهو تعجيل بالإعلام بالرخصة رفقا بالسامعين ، أو أن إعادته لدفع توهم أن الأول منسوخ " .

وهذا التكرار إبقاء أيضا على رحمة الله وتيسيره على عباده وهو أرحم الراحمين .

• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في تفسير قوله : { أَوْ عَلَى سَفَرٍ } أي السفر المبيح للفطر ، والحكمة في التعبير بقوله: { على سفر } - والله أعلم أن المسافر قد يقيم في بلد أثناء سفره عدة أيام ، ويباح له الفطر لأنه على سفر ، وليست نيته الإقامة ، كما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فإنه أقام في مكة تسعة عشر يوماً وهو يقصر الصلاة ، وأفطر حتى انسلخ الشهر .

وقوله تعالى: { فعدة من أيام أخر } أي أيام مغايرة " . (ا.هـ)

___________


( ٨ ) 

قال الله تعالى :
{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ  }

وهذا تيسير من الله تعالى على عباده وتدرج في فرض الصوم ، والمعنى أن الذين يستطيعون الصوم إذا أفطروا فإن عليهم فدية ، وكان هذا في أول الأمر حيث جعل الله تعالى الصيام على التخيير من شاء صام ، ومن شاء أفطر وفدى ، فمعنى الآية: ( وعلى الذين يطيقون الصيام إذا أفطروا فدية ) ، ثم نسخت هذه الآية في قول جمهور أهل العلم بقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، ويدل على هذا المعنى ما رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع ، قال: لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. انتهى.

قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - :
" { يُطِيقُونَهُ } : أي يستطيعونه ، 
وقال بعض أهل العلم: { يطيقونه } أي يطوَّقونه ؛ أي يتكلفونه ، ويبلغ الطاقة منهم حتى يصبح شاقاً عليهم  ، وقال آخرون: إن في الآية حذفاً ، والتقدير: ( وعلى الذين لا يطيقونه فدية ) وكلاهما ضعيف ، والثاني أضعف ، لأن هذا القول يقتضي تفسير المثبت بالمنفي ، وتفسير الشيء بضده لا يستقيم " . (ا.هـ)
___________

( ٩ ) 

{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ }

• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: " { فدية } مبتدأ مؤخر خبره: { على الذين يطيقونه }؛ و{ فدية } أي فداء يفتدي به عن الصوم ، والأصل أن الصوم لازم لك ، وأنك مكلف به ، فتفدي نفسك من هذا التكليف والإلزام بإطعام مسكين لكل يوم ، وليس المعنى طعام مسكين لكل شهر ، بل لكل يوم ، ويدل لذلك القراءة الثانية في الآية: { طعام مساكين } بالجمع .

• وفي قوله تعالى: 
{ فدية طعام مساكين } ثلاث قراءات :
١- { فديةُ طعامِ مساكينَ } 

٢- { فديةٌ طعامُ مسكينٍ }

٣- { فديةٌ طعامُ مساكينَ }

• وقوله تعالى: { طعام مسكين } ، المراد بالمسكين من لا يجد شيئاً يكفيه لمدة سنة ، فيدخل في هذا التعريف الفقير ، فإذا مر بك المسكين فهو شامل للفقير ، وإذا مر بك الفقير فإنه شامل للمسكين ، أما إذا جمعا فقد قال أهل العلم: إن بينهما فرقاً: فالفقير أشد حاجة من المسكين ، 
الفقير : هو الذي لا يجد نصف كفاية سنة ،
وأما المسكين : فيجد النصف فأكثر دون الكفاية لمدة سنة " . انتهى كلامه .

• يقول العلامة ابن باز - رحمه الله - بأن مقدار الفدية نصف صاع من قوت البلد أي ما يعادل كيلو جرام ونصف تقريباً ، وعلى هذا فتوى اللجنة الدائمة .
_________

( ١٠ ) 

قال الله تعالى :
{ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

{فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } أي من زاد في الإطعام على إطعام مسكين فزاد مسكينين أو ثلاثة أو أربعة { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ }
وقد تكون أنه زاد في الفدية أو جمع ما بين الصيام والفدية .
وجاء في تفسير الجلالين :
{ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } بالزيادة على القدر المذكور في الفدية { فَهُوَ } أي التطوع { خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ } مبتدأ خبره { خَيْرٌ لَّكُمْ } من الإفطار والفدية { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه خير لكم فافعلوه . (ا.هـ)

قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في تفسير الآية :
" قوله تعالى: { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } ، اختلف في { خير } هل نقول: هي للتفضيل أي خير له من سواه ، أو نقول: إن { خير } اسم دال على مجرد الخيرية بدون مفضل ، ومفضل عليه - وهذا هو الأقرب - ويكون المراد أن من تطوع بالفدية فهو خير له ، ومطابقة هذا المعنى لظاهر الآية واضح ، وقوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم }: المراد بالخير هنا التفضيل ، يعني أن تصوموا خير لكم من الفدية ،
وقوله تعالى: { إن كنتم تعلمون } ، هذه جملة مستأنفة ، والمعنى: إن كنتم من ذوي العلم فافهموا ، و{إن} ليست شرطية فيما قبلها - يعني ليست وصلية - كما يقولون ، لأنه ليس المعنى: خيراً لنا إن علمنا ، فإن لم نعلم فليس خيراً لنا ، بل هو مستأنف ، ولهذا ينبغي أن نقف على قوله تعالى: { خير لكم } " . (ا.هـ)
_________

(١١)

قال الله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ 
قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في تفسير هذه الآية :
" قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ } ، الشهر هو مدة ما بين الهلالين ، وسمي بذلك لاشتهاره ، ولهذا اختلف العلماء هل الهلال ما هلّ في الأفق وإن لم يُرَ ، أم الهلال ما رئي واشتهر ؟
والصواب الثاني ، وأن مجرد طلوعه في الأفق لا يترتب عليه حكم شرعي ، حتى يرى ، ويتبين ويُشاهد ، إلا أن يكون هناك مانع من غيم أو نحوه ، و{شهر} مضاف ، و{رمضان} مضاف إليه ، وهو مأخوذ من الرَّمْض ، واختلف لماذا سمي برمضان ، فقيل: لأنه يرمض الذنوب ، أي يحرقها ،
وقيل: لأنه أول ما سميت الشهور بأسمائها صادف أنه في وقت الحر والرمضاء ، فسمي شهر رمضان ، وهذا أقرب ، لأن هذه التسمية كانت قبل الإسلام.

وقوله: { الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } 
نَزل القرآنُ أوَّل ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  في ليلة القدر في رمضان ، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} (سورة الدخان/٣) ، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر/١) .

وقال - رحمه الله - :
" والقرآن في اللغة: مَصْدَرُ قرأَ بمعنى تَلا، أو بمعنى جَمع ، تقول: قَرَأ قَرْءاً وقُرْآناً ، كما تقول: غفر غَفْراً وغُفْراناً فعلى المعنى الأول (تلا) يكون مصدراً بمعنى اسم المفعول ، أي بمعنى متلوّ وعلى المعنى الثاني (جَمَعَ) يكون مصدراً بمعنى اسم الفاعل ، أي بمعنى جامع لجمعه الأخبار والأحكام .
والقرآن في الشرع: كلامُ الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، المبدوء بسورة الفاتحة ، المختوم بسورة الناس "  .(ا.هـ)
__________

( ١٢ )

قال الله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ 

• جاءت الآيات تقرر بوضوح تام لا لبس فيه أن القرآن لم ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السماء جملة واحدة ، بل كان ينزل الوحي به من عند الله ، مفرقا حسب الحوادث والأحوال ، قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } (الفرقان/٣٢)

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينةً وثباتاً ، وخصوصاً عند ورود أسباب القلق ، فإن نزول القرآن عند حدوث السبب ، يكون له موقع عظيم ، وتثبيت كثير ، أبلغ مما لو كان نازلاً قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه " . (ا.هـ)

• ومما يؤكد نزول القرآن مفرَّقاً : انقطاع الوحي في حادثة الإفك ، وقد انتظر النبي - صلى الله عليه وسلم - نزول القرآن ؛ لعظيم وقع المصيبة  .
ومما يؤكد نزول القرآن مفرَّقاً – أيضاً - : الآيات الأولى من سورة " عبس " ؛ وذلك عندما أعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تعليم ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - طمعاً في إسلام كبار قريش .
وكقصة الثلاثة الذي تخلَّفوا عن غزوة تبوك ، وقصة المجادِلة ، وغير ذلك من الآيات التي نزلت بياناً لحكم واقعة طارئة.
___________

(١٣)

قال الله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾


• وعن بيان نزول الكتب الأربعة ومواقيتها ، فقد جاءت آثار تدل على أن كتب الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ( التوراة والزبور والإنجيل والقرآن ) كلها أنزلت في شهر رمضان ، كما ورد عن ابن كثير - رحمه الله - في " البداية والنهاية " ، وابن حجر في " شرح البخاري " قال : أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( أنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه ، والزبور لثمان عشرة خلت منه ، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه ) .

 وفي رواية: ( وصحف إبراهيم لأول ليلة ) .



• ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ ؛ لماذا جاء تكرار ( هدى ) كما في الآية { هُدًى لِلنَّاسِ } ، وقال بعدها: { وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } ؟


قال ابن عاشور في " التحوير والتنوير " :

والمراد بالهدى الأول { هُدًى لِلنَّاسِ } : ما في القرآن من الإرشاد إلى المصالح العامة والخاصة التي لا تنافي العامة ،

﴿ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ : ما في القرآن من الاستدلال على الهدى الخفي الذي ينكره كثير مِن الناس مثل أدلة التوحيد وصدق الرسول وغير ذلك من الحجج القرآنية . 
فالمراد بالهدى الأول : ضرب من الهدى غير المراد من الهدى الثاني ، فلا تكرار " .
انتهى كلامه 

•{ وَالْفُرْقَانِ } :
وردت مفردة " الفرقان " ست مرّات في القرآن الكريم ، بل وجاءت سورة كاملة بهذا الاسم .
وسمي بذلك لأنه فرق بين متضادين حيث ميز بين الحق و الباطل في الاعتقاد و فرق بين الحلال و الحرام في الأحكام ، يقول ابن منظور – رحمه الله - : " وكل ما فُرق به بين الحق و الباطل فهو فرقان " .
_________

( ١٤ )

قال الله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }

• الخطاب القرآني بالأمر الإلهي ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) هو خطاب لجميع المسلمين المكلفين بالصيام ، وليس معنى ذلك مطالبة كل مكلف برؤية الهلال لاستحالة تحقيق ذلك ، ومن هنا فإن المعنى المقصود من قول ربنا- تبارك وتعالى- { فَمَن شَهِدَ } هو من أدرك شهر رمضان وعلم بثبوت رؤية هلاله ، وذلك بنفسه أو بواسطة أهل العلم والرأي والحكم ؛ وجب عليه الصوم إذا كان مكلفا.

• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر } :

" { شهد } بمعنى شاهد ، وقيل: بمعنى حضر ، فعلى القول الأول يَرِد إشكال في قوله تعالى: { الشهر } ، لأن الشهر مدة ما بين الهلالين ، والمدة لا تشاهد ، والجواب أن في الآية محذوفاً والتقدير: ( فمن شهد منكم هلال الشهر فليصمه ) 

والقول الثاني أصح: أن المراد بـ { شهد } حضر ، ويرجح هذا قوله تعالى: { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ } ، لأن قوله تعالى: { عَلَى سَفَرٍ } يقابل الحضر .


• وقوله تعالى: { فَلْيَصُمْهُ } أي فليصم نهاره .

انتهى كلامه - رحمه الله .
_________

( ١٥ )

مازلنا في تأمل قول الله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }

• السبب الغالب في اختلاف بدء الصيام من بلد لآخر ، هو اختلاف مطالع الأهلة ، واختلاف المطالع أمر معلوم بالضرورة حساً وعقلاً ، وعليه فلا يمكن إلزام المسلمين بالصوم في وقت واحد ، لأن هذا يعني إلزام جماعة منهم بالصوم قبل رؤية الهلال ، بل قبل طلوعه . 

وقد سئل العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - عمن ينادي بتوحيد الأمة في الصيام ، وربط المطالع كلها بمطالع مكة ، فقال : 

" هذا من الناحية الفلكية مستحيل ؛ لأن مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم ، وإذا كانت تختلف فإن مقتضى الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه . 

• أما الدليل الأثري :

فقال الله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (البقرة/١٨٥)

فإذا قُدِّرَ أن أناسا في أقصى الأرض ما شهدوا الشهر -أي : الهلال - وأهل مكة شهدوا الهلال ، فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر ؟!

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) متفق عليه ،

فإذا رآه أهل مكة مثلاً فكيف نلزم أهل باكستان ومن وراءهم من الشرقيين بأن يصوموا ، مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أفقهم ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - علق ذلك بالرؤية . 

• أما الدليل النظري :

فهو القياس الصحيح الذي لا تمكن معارضته ، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل الجهة الغربية ، فإذا طلع الفجر على الجهة الشرقية ، فهل يلزمنا أن نمسك ونحن في ليل ؟

الجواب : لا .

وإذا غربت الشمس في الجهة الشرقية ، ولكننا نحن في النهار فهل يجوز لنا أن نفطر ؟ 

الجواب : لا . 

إذاً الهلال كالشمس تماما ، فالهلال توقيته توقيت شهري ، والشمس توقيتها توقيت يومي ، والذي قال : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } (البقرة/١٨٧) ، هو الذي قال : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }  "  . 

(انتهى من فتاوى أركان الإسلام ص ٤٥١)

_____________

( ١٦)

تكرار الرخصة من الله سبحانه وتعالى للمريض وللمسافر ، ورحمته بهم وتيسره عليهم ، كما في الآيتين :

{ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } (البقرة/١٨٤)

وفي الآية التي بعدها قال تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } (البقرة/١٨٥) 

ويلاحظ حذف كلمة ( منكم ) في الآية الثانية ، وذلك لأن كلمة ( منكم ) وردت قبلها مباشرة في سياق الآية نفسها عند قوله تعالى { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ } ، فلم تعد هناك حاجة لتكرارها ، لأنها أصبحت مفهومة ضمنا ً . 

قال ابن عاشور : " وأما ما تقدم في الآية الأولى فهو تعجيل بالإعلام بالرخصة رفقا بالسامعين ، أو أن إعادته لدفع توهم أن الأول منسوخ " .(ا.هـ)

وهذا التكرار إبقاء أيضا على رحمة الله وتيسيره على عباده وهو أرحم الراحمين .

وقوله تعالى: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ - بتقدير فأفطر - فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ، ويلاحظ هنا أنه لا ذكر لقضية التخيير كما في تكملة الآية الأولى : { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } ولا ذكر كذلك للفدية ؛ لأنه لا يوجد إلا صيام وقضاء .

وقوله : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } يدل على جواز القضاء متتابعاً ومتفرقاً ، لإنه ذكر الأيام منكرة ( أيام ) .
____________

(١٧)

ثم قال تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (البقرة/١٨٥)

• استنبط العلماء من هذه الآية القاعدة التي تقول: " إن المشقة تجلب التيسير " . فما كان أيسر عليك فافعل وهو الصواب ، فالقاعدة الأساسية في حال السفر والمرض هي قوله - سبحانه وتعالى - : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } فقد يخطئ بعضهم في تقدير اليسر ويأخذ بالعسر فيؤذي نفسه .

قال قتادة - رحمه الله - عن هذه الآية : " فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم " . (ا.هـ)

وعن عائشة - رضي الله عنها - أن حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه - ، قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " أأصومُ في السفر ؟ وكان كثير الصيام ، فقال: إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " . ( رواه البخاري) .
 
• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في " تفسير القرآن " :
" {يُرِيدُ} أي يُحِّب ، فالإرادة شرعية ، والمعنى: يحب لكم اليسر ، وليست الإرادة الكونية ، لأن الله سبحانه وتعالى لو أراد بنا اليسر كونًا ما تعسَّرت الأمور على أحد أبدًا ، فتعيَّن أن يكون المراد بالإرادة هنا الشرعية ، ولهذا لا تجد - والحمد لله - في هذه الشريعة عسرًا أبدًا " .
__________
( ١٨ )

قال الله تعالى : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } -(البقرة/١٨٥)

• قوله: { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ } تعليل لأمره - جل وعلا - بالقضاء في قوله: { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .
وإنما قال: {وَلِتُكْمِلُواْ العدة} ولم يقل ( ولتكملوا الشهر ) ليشمل عدة أيام الشهر وعدة أيام القضاء جميعًا .
وعدى فعل التكبير بـ ( على ) لتضمين معنى الحمد أي ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم .

• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في تفسير الآية :
" وقوله تعالى: { لتكملوا } فيها قراءتان :
بتخفيف الميم وتشديدها ،  وهما بمعنى واحد.
وقوله تعالى: { ولتكبروا الله } ؛ الواو للعطف ، و{ لتكبروا } أي: ولتقولوا: الله أكبر .
والمشروع في هذا التكبير أن يقول الإنسان: 
«الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» 

وإن شاء أوتر فقال:
«الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» 

وإن شاء أوتر باعتبار الجميع فقال:
«الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» 
 فالأمر في هذا واسع - ولله الحمد " .
انتهى كلامه رحمه الله
__________

( ١٩ )

قال الله تعالى : { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } -(البقرة/١٨٥)

• قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :

" حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا "  ، وروي عنه: " يكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة ، ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره " .

 

• وكان الشافعي - رحمه الله - إذا رأى هلال شوال ، يقول : " أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى ، ولا يزالون يكبرون ويظهرون التكبير حتى يغدوا إلى المصلى وحين يخرج الإمام إلى الصلاة ، وكذلك أحب ليلة الأضحى لمن لم يحج " (ا.هـ)


• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - عن تفسير الآية :
" قوله تعالى: { عَلَى مَا هَدَاكُمْ }:
{عَلَى} ، قيل: إنها للتعليل وليست للاستعلاء ، أي تكبروه لهدايتكم ، وعبر بـ{على} دون اللام إشارة - والله أعلم - إلى أن التكبير يكون في آخر الشهر ، لأن أعلى كل شيء آخره ، و{ ما } مصدرية ؛ فيكون التقدير: (على هدايتكم) ، وهذه الهداية تشمل: هداية العلم وهداية العمل ، وهي التي يعبر عنها أحياناً بهداية الإرشاد ، وهداية التوفيق ؛ فالإنسان إذا صام رمضان وأكمله ، فقد منّ الله عليه بهدايتين: هداية العلم ، وهداية العمل .

وقوله تعالى: { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي تقومون بشكر الله عز وجل ، و «لعل» هنا للتعليل ، و{ تشكرون } على أمور أربعة :
١- إرادة الله بنا اليسر
٢- عدم إرادته العسر
٣- إكمال العدة
٤- التكبير على ما هدانا
هذه الأمور كلها نِعَم تحتاج منا أن نشكر الله عز وجل عليها " .
( انتهى كلام العثيمين - رحمه الله )
_________

( ٢٠ )

• جاءت آية الدعاء بين آيات الصيام ، قال تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة/١٨٦)

وفي الآية التي قبلها: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾  (البقرة/١٨٥)

وفي الآية التي بعدها: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ (البقرة/١٨٧) .

• ولعل في ذلك إشارةٌ إلى قرب الله من عباده الصائمين القائمين ، وكثرة إجابته للدعاء في شهر رمضان المبارك بشرطين وردا في الآية وهما الاستجابة لله والإيمان به فهما طريق الرشاد والهداية لما فيه مصالح العباد في دينهم ودنياهم.

• لاشك أن الله  قريبٌ من عباده في كل وقتٍ و أنه يُجيب دعاءَهم ، وهناك أوقاتٌ وأحوال يكون العبد فيها أقربَ لإجابة دعائه ومن تلك الأوقات شهر رمضان ، ومن الأحوال حال تقرب العبد لربه بالعبادات والأعمال الصالحة ولذا ورد الحث على الإكثار من الدعاء حال السجود فإنه قمنٌ أن يُستجاب للعبد ، فكيف إذا كان صائماً ساجداً لله في نهار رمضان يدعو ربه، أو كان قائماً لله في ليالي رمضان يدعو أثناء سجوده في الثلث الأخير من الليل ، مع ما يتحقق له من الإخلاص والتقوى بسبب تلك العبادة العظيمة الصوم .
_________

( ٢١ )

مازلنا في تأمل آية الدعاء { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } التي وردت بين آيات الصيام ، فمن روائع البيان في الآية :

• أنزالقرآن اشتمل على أربعة عشر سؤالاً ، وكلها تبدأ بـ(يسألونك) ثم يأتي الجواب بـ(قل) وآية واحدة (فقل) في سورة طه ، قال تعالى :
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا }

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ }

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ }

{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ }

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ }

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ }

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى }

إلا هذا الموضع الوحيد ، فإنه بدأ بهذه الجملة الشرطية: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}، وجاء جواب الشرط من دون الفعل: قل ، بل قال: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ، فكأن هذا الفاصل مع قصره (قل) كأنه يطيل القرب بين الداعي وربه، فجاء الجواب بدون واسطة: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} تنبيها على شدة قرب العبد من ربه في مقام الدعاء ، وهو من أبلغ ما يكون في الجواب عن سبب النزول ـ لو صحّ ـ حينما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: " أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه ؟ " .
___________

(٢٢)

مازلنا في تأمل آية الدعاء { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } التي وردت بين آيات الصيام ، فمن روائع البيان والتأملات - أيضاً - في هذه الآية :

• تأمل في قوله: {عبادي} فكم في هذا اللفظ من الرافة بالعباد، حيث أضافهم إلى نفسه العليّة سبحانه وتعالى .

• قال ابن عاشور في " التحرير والتنوير " :
" قيل : إنه ذكر الدعاء هنا بعد ذكر الشكر للدلالة على أن الدعاء يجب أن يسبقه الثناء . 
{عِبَادِي} : العباد الذين أضيفوا إلى ضمير الجلالة هم المؤمنون ؛ لأن الآيات كلها في بيان أحكام الصوم ولوازمه وجزائه وهو من شعار المسلمين ، وكذلك اصطلاح القرآن غالبا في ذكر العباد مضافا لضمير الجلالة .
{فَإِنِّي قَرِيبٌ} :
وإنما قال تعالى : {فَإِنِّي قَرِيبٌ} ولم يقل : (فقل لهم إني قريب ) ؛ إيجازا لظهوره من قوله : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } وتنبيها على أن السؤال مفروض غير واقع منهم بالفعل ، وفيه لطيفة قرآنية ، وهي إيهام أن الله تعالى تولى جوابهم عن سؤالهم بنفسه إذ حذف في اللفظ ما يدل على وساطة النبي - صلى الله عليه وسلم - تنبيها على شدة قرب العبد من ربه في مقام الدعاء . 
واحتيج للتأكيد بـ ( إن ) لأن الخبر غريب وهو أن يكون تعالى قريبا مع كونهم لا يرونه . (ا.هـ)

___________

( ٢٣ )

مازلنا في تأمل آية الدعاء { فَإِنِّي قَرِيبٌ } :

• القريب: اسمٌ من أسماء الله الحسنى ، تضمَّن صفة القرب ، وأهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى هذه الصفة إثباتًا بلا تكييف ولا تمثيل .
فهو - سبحانه - قريبٌ من عباده حقيقة ، كما يليق بجلاله وعظمته ، قربًا لا يقْتضي ملابسة ولا حُلُولاً ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - : "هو العليُّ في دنوِّه، القريب في علوِّه".

• وجاء الاسم ثلاث مرات في كتاب الله تعالى ، هذه الآية { فَإِنِّي قَرِيبٌ } ، وجاء مقرونًا باسم السميع والمجيب ، كما في قوله تعالى : {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} (سبأ/٥٠)
وقوله تعالى : {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (هود/٦١) 

• قال الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - :
" القريب أي : هو القريب من كلّ أحد ، وقربه نوعان :
قرب عام من كلّ أحد بعلمه وخبرته ومراقبته ومشاهدته وإحاطته وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد.
وقرب خاص من عابديه وسائليه ومجيبيه ، وهو قرب يقتضي المحبة والنصرة والتأييد في الحركات والسكنات والإجابة للداعين والقبول والإثابة " . (ا.هـ)
____________

(٢٤)

مازلنا في تأمل آية الدعاء { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } التي وردت بين آيات الصيام ، فمن روائع البيان والتأملات - أيضاً - في هذه الآية :
• أن الله سبحانه وتعالى لم يعلق الإجابة بالمشيئة كأن يقول (أجيبه إن أشاء) ، بل قطع وأكد - سبحانه وتعالى - : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } .

• ومن التأملات أن الله - تبارك وتعالى - قال : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } ولم يقل ( أجيب الداع ) ؛ لأن الدعوة هي المطلوبة بالذات ، يجيب ما تريد أنت أي يجيب الدعوة .
وربنا سبحانه يغضب إذا لم يدعوه العبد ويحب الملحاح في الدعاء ، وفي هذا إشارة دقيقة جداً إلى مكانة الدعوة .

• أنه - سبحانه وتعالى - قدم جواب الشرط على فعل الشرط ، فلم يقل ( إذا دعان أستجب له ) ؛ وذلك للدلالة على قوة الإجابة و سرعتها.

• ومن التأملات - أيضاً - قوله تعالى : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } ولم يقل (أجيب دعوتهم) ؛ وذلك للدلالة على أنه يجيب دعوة كل داع و ليس فقط دعوة السائلين ، فوسع دائرة الدعوة ولم يقصرها على السائلين.
قال شيخ الإسلام - ابن تيمية - في مجموع الفتاوى : " والخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم وكافرهم وقد يجيب الله دعاء الكفار فإن الكفار يسألون الله الرزق فيرزقهم ويسقيهم وإذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه فلما نجاهم إلى البر أعرضوا وكان الإنسان كفورا.
وقال أيضا: وأما إجابة السائلين فعام فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم وإن كان كافراً " . ( انتهى كلامه رحمه الله)
_________

(٢٥)

ومن روائع البيان والتأملات - أيضاً - في آية الدعاء { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } التي وردت بين آيات الصيام :

• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - : " الدعاء بمعنى الطلب ، و{الداعِ} أصلها (الداعي) بالياء ، كـ (القاضي) و (الهادي) ؛ لكن حذفت الياء للتخفيف نظيرها قوله تعالى: {الكبير المتعال} ؛ وأصلها: (المتعالي) ، فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: {إذا دعان} بعد قوله تعالى: {الداع} ؛ لأنه لا يوصف بأنه داع إلا إذا دعا ؟
فالجواب أن المراد بقوله تعالى: {إذا دعان} أي إذا صدق في دعائه إياي بأن شُعر بأنه في حاجة إلى الله، وأن الله قادر على إجابته ، وأخلص الدعاء لله بحيث لا يتعلق قلبه بغيره.
وقوله: {دعان} أصلها دعاني، بالياء ، فحذفت الياء تخفيفاً.
ومن هدايات هذه القاعدة ودلالتها: أن الله تعالى يجيب دعوة الداع إذا دعاه ؛ ولا يلزم من ذلك أن يجيب مسألته ، لأنه تعالى قد يؤخر إجابة المسألة ليزداد الداعي تضرعاً إلى الله ، وإلحاحاً في الدعاء ؛ فيقوى بذلك إيمانه ، ويزداد ثوابه ؛ أو يدخره له يوم القيامة ؛ أو يدفع عنه من السوء ما هو أعظم فائدة للداعي ؛ وهذا هو السر - والله أعلم - في قوله تعالى: {أجيب دعوة الداع} " . انتهى كلام الشيخ - رحمه الله

• ومن التأملات قوله (إذا سألك) وقوله (إذا دعان) وهذه إشارة بأن المطلوب من العبد الإكثار من الدعاء ، حيث استخدم أداة الشرط (إذا) ولم يستخدم (إن) : (إِن دَعَانِ) ، وفي هذا معانٍ بلاغية غاية في الدقة :
(إن) : تستخدم للأحداث المتباعدة والمحتملة الوقوع والمشكوك فيها والنادرة والمستحيلة ، كقوله تعالى : {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}
وقوله : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} لأن الأصل عدم اقتتال المؤمنين ، 

بينما (إذا) : تعني المضمون حصوله أو كثير الوقوع ، مثل قوله (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) لأن الموت واقع لا محالة .
وكذلك نرى أن كل أحداث يوم القيامة تأتي بـ (إذا) و لم تأتِ بـ (إن) ، مثال ذلك قوله (إذا زلزلت الأرض زلزالها) ، وقوله (إذا الشمس كورت) ، وقوله (إذا وقعت الواقعة) ، وغيرها .

• ومن روعة هذا البيان هو حينما تأتيان معاً في موضع واحد فيستخدم (إذا) للكثرة ، و(إن) للندرة ، مثل قوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. وإن كنتم جنبا ) فجاء بـ (إذا) للوضوء لأنه كثير الوقوع و (إن) للجنب لأنه نادر الحصول ، ومثل قوله (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشةٍ ) ، فالإحصان متكرر والفاحشة من النوادر .

فمن هذا نفهم أن المعنى من قوله تعالى (إذا دعانِ) أنه يشير إلى كثرة الدعاء وبأنه دعاء متكرر مستمر كثير وليس نادراً قليلاً .
_________

(٢٦)

(ومن روائع البيان والتأملات في هذه الآية : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

• قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى : " {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} :
أي فليجيبوا لي ؛ لأن "استجاب"  بمعنى أجاب ؛ كما قال الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} (آل عمران/١٩٥) أي أجاب 
وكما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ} (الشورى/٣٨)
وقوله: {فَلْيَسْتَجِيبُوا} عدَّاها باللام ؛ لأنه ضمن معنى الانقياد ، أي فلينقادوا لي ، فضَمَّن الإجابة معنى الانقياد. 

• قوله: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} :
أي وليؤمنوا بأني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ؛ واللام في الفعلين : { فَلْيَسْتَجِيبُوا } و{ لْيُؤْمِنُوا } لام الأمر ؛ ولهذا سكنت بعد حرف العطف.

• قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} :
 "لعل" للتعليل ؛ وكلما جاءت "لعل" في كتاب الله فإنها للتعليل ؛ إذ إن الترجي لا يكون إلا فيمن احتاج ، ويؤمل كشف ما نزل به عن قرب ؛ أمَّا الرب - عز وجل - فإنه يستحيل في حقه هذا.
و"الرشد" يطلق على معانٍ ؛ منها:
حُسن التصرف ؛ كما في قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (النساء/٦)
ولا شك أن من آمن بالله ، واستجاب له فإنه أحسن الناس تصرفاً ويوفّق ويُهدى وتُيسر له الأمور " . ( انتهى كلام العثيمين - رحمه الله ).

• "التوحيد" سر من أسرار عظمة هذا الدين ؛ فربنا - عز وجل - يقول : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ؛ فهذا ربك ـ أيها المؤمن ـ وهو ملك الملوك ، القهار الجبار ، الذي لا يشبه ملكه ملك ، ولا سلطانه سلطان ـ لا تحتاج إذا أردتَ دعاءه إلى مواعيد ، ولا إلى أذونات ، ولا شيء من ذلك ، إنما هو رفع اليدين ، مع قلب صادق ، وتسأل حاجتك ، كما قال بكر بن عبدالله المزني ـ أحد سادات التابعين - رحمه الله - : "من مثلك يا ابن آدم ، خلي بينك وبين المحراب تدخل منه إذا شئت على ربك ، وليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان " . (حلية الأولياء ) .

• يا لها من نعمة لا يعرف قدرها إلا الموفق ، والذي يرى ما وقع فيه كثير من جهال المسلمين من التوسل بالأولياء والصالحين ، أو ظنهم أن الدعاء لا يقبل إلا من طريق الولي الفلاني أو السيد الفلاني ؛ يعرف حينها أن الحرمان الحقيقي للعبد حينما يحرم طرق الباب ، وأن تنسيه نفسه هذا السبيل العظيم !!
جاء عن أبي حازم - في " حلية الأولياء " : ( لأنا من أن أمنع الدعاء ، أخوف مني من أن أمنع الاجابة ) .
____________

(٢٧)

بعد أن أورد لنا ربنا - تبارك وتعالى - آداب الدعاء التي وردت بين آيات الصيام ، يبين لنا سبحانه وتعالى آداب التعامل بين الزوجين أثناء الصيام ، قال عز وجل : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } (البقرة/١٨٧) .

{أُحِلَّ لَكُمْ} : فكأن ما يأتي بالتحليل كان محرماً من قبل .

{لَيْلَةَ الصِّيَامِ} : جميع ليالي رمضان .

{الرَّفَثُ} : كناية عن الجماع ، قال عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - : " إن الله - عز وجل - حيي كريم ، يكني عما شاء ، وإن المباشرة والرفث والتغشي والإفضاء واللماس عني به الجماع " . (ا.هـ)

والقرآن الكريم ـ كما تعلمون ـ يعلِّمنا الأدب ، فكل العبارات التي يُفهم منها مقاربة الزوجة ، جاءت بكنايةٍ رائعة ، فمثلاً جاء ذكر الجماع في القرآن بذكر الملامسة ، كما في قوله تعالى:
{ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ } (النساء/٤٣)
 
والدخول: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} (سورة النساء/٢٣)

والإفضاء: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (سورة النساء/٢١)

والتغشي: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } (الأعراف/١٨٩)

والمماسة: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} (البقرة/٢٣٧)

والمباشرة: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (سورة البقرة/١٨٧)

والإتيان: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} (سورة البقرة/٢٢٢)

والرفث: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } (البقرة/١٨٧)

قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - في تفسير قوله :{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}:
" الجملة استئنافية للتعليل - أي تعليل حل الرفث إلى النساء ليلة الصيام - لأن الزوج لا يستغني عن زوجه فهو لها بمنزلة اللباس ؛ وكذلك هي له بمنزلة اللباس ، وعبر سبحانه باللباس لما فيه من ستر العورة والحماية والصيانة " . (ا.هـ)
___________

(٢٨)

قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (البقرة/١٨٧)

وتتمة روائع البيان والتأملات في آيات الصيام :

قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - : " ثم بيَّن الله - عز وجل - حكمة أخرى موجبة لهذا الحِل {أُحِلَّ لَكُمْ} ؛ وهي قوله تعالى: { عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ } أي تخادعونها بإتيانهن ، بحيث لا تصبرون ، وأصل هذا أنهم كانوا في أول الأمر إذا صلى أحدهم العشاء الآخرة ، أو إذا نام قبل العشاء الآخرة فإنه يحرم عليه الاستمتاع بالمرأة والأكل والشرب إلى غروب الشمس من اليوم التالي ؛ فشق عليهم ذلك مشقة عظيمة حتى إن بعضهم لم يصبر ؛ فبين الله - عز وجل - حكمته ورحمته بنا ، حيث أحل لنا هذا الأمر .

قوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ}:
أي تاب عليكم بنسخ الحكم الأول الذي فيه مشقة ، والنسخ إلى الأسهل توبة ، فيعبر الله - عز وجل - عن النسخ بالتوبة إشارة إلى أنه لولا النسخ لكان الإنسان آثماً إما بفعل محرم أو بترك واجب .

قوله تعالى: {وَعَفَا عَنكُمْ} :
أي تجاوز عما وقع منكم من مخالفة.

قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ}:
كلمة «الآن» اسم إشارة إلى الزمن الحاضر ، والمراد بالمباشرة الجماع ، وسمي كذلك لالتقاء البشرتين فيه - بشرة المرأة ، وبشرة الرجل -.

وقوله تعالى: {وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} أي اطلبوا ما قدر الله لكم من الولد .


قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} أي حتى يظهر ظهوراً جلياً يتميز به { الخيط الأبيض } وهو بياض النهار { من الخيط الأسود } وهو سواد الليل.

قوله تعالى: { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } ، وذكرها عقب قوله تعالى: { فالآن باشروهن } لئلا يظن أن المباشرة المأذون فيها شاملة حال الاعتكاف ؛ والضمير «هن» يعود على النساء .
و{عَاكِفُونَ} اسم فاعل من عكف يعكف ؛ والعكوف على الشيء ملازمته ، والمداومة عليه ، والاعتكاف في الشرع هو التعبد لله سبحانه وتعالى بلزوم المساجد لطاعة الله.
(انتهى كلامه - رحمه الله)
_____________

(٢٩)

من الآيات التي ذُكر فيها الصيام ؛ قوله تعالى : {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ .....
} إلى قوله : {.... وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب/٣٥)
 
وقال الله تعالى في الحديث القدسي : 
" كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصومُ فإنه لي وأنا أَجْزِي به " ؛ فلماذا خص الله الصوم دون غيره ؟

• ذكر ابن حجر - رحمه الله - في " فتح الباري " الحكمة المستنبطة من الحديث القدسي ( إلا الصوم فإنه لي ) ، فقال :
" وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى (الصيام لي وأنا أجزى به ) ، مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزئ بها ؛ على أقوال ؛ منها :
* أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره .
* أن المراد بقوله : " وأنا أجزى به " أني انفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس .
* سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يعبد به غير الله بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك ...
* أن جميع العبادات توفى منها مظالم العباد الا الصيام " 
إلى آخر ما ذكره ابن حجر - رحمه الله

• يقول الشيخ الشعراوي - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ}
" والصوم أخذ حُكْماً فريداً من بين أحكام التكاليف كلها ، لذلك قال عنه الحق سبحانه : « إلا الصوم ، فإنه لي ، وأنا أجزي به » يعني : قرار عالٍ فوق الجميع ، فلماذا أخذ الصوم هذه المنزلة ؟
قالوا : لأن الصوم هو العبادة الوحيدة التي لم يعبد بها بشرٌ بشراً أبداً ، فمن الممكن مثلاً :
* في شهادة أنْ لا إله إلا الله أنْ يأتي مَنْ يمدح آخر ، فيقول له : ليس في الكون إلا أنت ، أنت النافع وأنت الضار ، وهناك من قال عن نفسه : أنا الزعيم الأوحيد ،
* كذلك في الصلاة نرى مَنْ يخضع ويسجد لغير الله كما نخضع ونسجد نحن في الصلاة ،
* وكذلك في الزكاة نتقرب إلى العظيم أو الكبير بالهدايا له أو لمن حوله .
* وكذلك الحج فالله أمرنا أن نطوف بالكعبة وكم من القبور يطاف حولها ، و يطاف بأشياء غيرها كما يفعل بعضهم ؟ !

لكن ، هل قال بشر لبشر : أنا أصوم شهراً ، أو يوماً تقرُّباً إليك ؟
لا ؛ لأن الصيام للغير المماثل تذنيب للمصوم له لا للصائم ؛ لأنه سيُضطرّ لأنْ يظل طوال اليوم يراقبك ، أكلتَ أم لم تأكل !! " (ا.هـ)

• ولهذا يظهر والعلم عند الله أن المعنى الحقيقي لقوله : " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " أنه عبادة لا يمكن أن تقع لغير الله ولهذا اختصها الله جل وعلا بنفسه وأضافها الله - تبارك وتعالى - لذاته العلية إضافة تشريف .
____________

(٣٠)

كثيراً ما يرد في القران الكريم الأمر بذكر الله - تبارك وتعالى - ولا سيما في نهاية الطاعات وعند إتمام العبادات ...

- عند إتمام شهر رمضان ، يقول الله - عز وجل - في سورة البقرة :
{وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} - (البقرة)

- وعند انقضاء الصلاة ، يقول الله تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ } - ( النساء)

- وعند الانقضاء من صلاة الجمعة يقول تبارك وتعالى :
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} - (الجمعة)

- وعند قضاء مناسك الحج في آيات متتالية - في سورة البقرة - :
{فإذا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ }
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ }
{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ}

- وفي الأيام المعدودات التي هي أيام التشريق ، يقول عز وجل :
{وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}.

- وفي الأيام المعلومات التي هي أيام عشر ذي الحجة ، يقول الله عز وجل :
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } - (الحج)

- وكذلك في الهدي والأضحية :
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ }
{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ }.

• مما يلفت الانتباه بسرعة وبقوة عند النظر في النصوص والأحكام المتعلقة بالصلاة وبالحج وبالصيام وعند الهدي والأضاحي ؛ ذلك الإلحاح المتكرر كثيرا على ذكر الله والاستغفار وتعظيم شعائر الله.

• ويأتي ربط الاستغفار والذكر بنهاية الأعمال كما في سورة الشرح : {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } . 

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السِّعدي - رحمه الله - : " وهكذا ينبغي للعبد كلَّما فرغ من عبادة أن يستغفرَ الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمَن يرى أنَّه قد أكملَ العبادةَ ومنَّ بها على ربِّه ، وجعلت له محلاًّ ومنزلةً رفيعة ، فهذا حقيق بالمقت ورد العمل كما أنَّ الأول حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أُخر " . (ا.هـ)

• وكل هذا من الأدب مع الله تعالى بأن ندعوه دعاء ثناء ، ودعاء مسألة ، والانطراح بين يديه ، والتعلق به والتضرع إليه والتبتل والشكر له ، لأن حياة المسلم الحق كلها لله عز وجل . .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
___________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق