الصفحات

الجمعة، 8 مارس 2013

كلمات قرآنية لها عدة معان ٍ ...


إن الحديث عن فهم القرآن وتدبره ليس معناه أن المسلم يجعل من نفسه مفسرًا، يتكلم في معنى كل آية، دون نظر في تفاسير أهل العلم، وفهمها الفهم الصحيح؛ لأن التفسير معناه بيان مراد الله، وهذا مقام خطير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار))، وقال أبو بكر الصديق: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم ؟ "

===========
(٣٥)
الأثنين ٢٦ شعبان ١٤٣٨ هـ
الموافق 22 مايو 2017 م


لفظ " الكفر " :


🔻 قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة :

" الكاف والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد وهو الستر والتغطية ..

والكفر ضد الإيمان سمي لأنه تغطية الحق وكذلك كفران النعمة : جحودها وسترها " . اهـ


🔻جاء في كتاب " اللباب - لابن عادل " :

قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ « الكُفْر » في القرآن على أربعة أَضْرُبٍ :


 ١- بمعنى سَتْر التوحيد وتغطيته :

قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ﴾ [البقرة: ٦]


٢- بمعنى الجُحُود :

قال تعالى : ﴿فَلَمّا جاءَهُم ما عَرَفوا كَفَروا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩] 

كفروا به : أي جحدوه .


٣- بمعنى كفر النّعمة :

قال تعالى : ﴿ وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ [إبراهيم: ٧] ، أي : بالنعمة ،

وقوله : ﴿ وَاشكُروا لي وَلا تَكفُرونِ [البقرة: ١٥٢]

وقوله : ﴿ أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّي غَنِيٌّ كَريمٌ﴾ [النمل: ٤٠].


٤- البراءة :

قال تعالى : ﴿ إِنّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ كَفَرنا بِكُم [الممتحنة: ٤] ، أي : تبرأنا منكم .

وقوله : ﴿ ثُمَّ يَومَ القِيامَةِ يَكفُرُ بَعضُكُم بِبَعضٍ [العنكبوت: ٢٥]


===========

(٣٤)
الأحد ١٢ رجب ١٤٣٨هـ
الموافق 9 إبريل 2017

لفظة " جعل " تأتي في كلام العرب على أربعة أنحاء ؛ ثلاثة منها في القرآن ، والرابع موجود في لغة العرب وليس في القرآن ، وهذه المعاني هي


١- بمعنى اعتقد :

كقوله تعالى : ﴿وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذينَ هُم عِبادُ الرَّحمنِ إِناثًا﴾ [الزخرف: ١٩]

أي اعتقدوا الملائكة إناثاً .


٢- بمعنى صَيّر :

كقوله تعالى : ﴿وَكَذلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ [الأنعام: ١١٢]

أي صيرنا شياطين الإنس والجن عدوا لكل نبي .


٣- بمعنى خلق :

كقوله تعالى : ﴿الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ السَّمٰواتِ وَالأَرضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنّورَ﴾ [الأنعام: ١] أي : خلق الظلمات والنور


٤- بمعنى شرع في الأمر :

وهو في اللغة وليس في القرآن ، كقولهم : جعل فلان يفعل كذا . أي شرع يفعله .


المصدر : [العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير]


===========

(٣٣)


كلمة (إثم) :

الإثم : هو اسم للأفعال المبطئة عن الثواب ، وقوله تعالى: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) يعني في تناولهما إبطاء عن الخيرات . [انتهى من مفردات القرآن للراغب] .


ولفظ " الإثم " ورد في القرآن الكريم على عدة معان ٍ ؛ منها :


١- الشرك :

قال تعالى : ﴿وَالَّذينَ يَجتَنِبونَ كَبائِرَ الإِثمِ وَالفَواحِشَ [الشورى: ٣٧]

قال الطبري : " الإثم التي نهى الله عنها وحرمها عليهم فلا يقربونها ، وذلك الشرك بالله " انتهى

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " كبير الإثم هو الشرك " ، كما ورد في (الكشاف) .


ومنه قوله

﴿وَتَرى كَثيرًا مِنهُم يُسارِعونَ فِي الإِثمِ وَالعُدوانِ وَأَكلِهِمُ السُّحتَ﴾ [المائدة: ٦٢]

وقيل الإثم في الآية الكذب والزور كما جاء في تفسيري الطبري وغيره .


٢- المعصية :

﴿فَمَنِ اضطُرَّ في مَخمَصَةٍ غَيرَ مُتَجانِفٍ لِإِثمٍ﴾ [المائدة: ٣]

جاء في تفسير الطبري : " عن قتادة : أي غير متعرض لمعصية " .


٣- الذنب (يعني العقوبة) :

﴿فَمَن تَعَجَّلَ في يَومَينِ فَلا إِثمَ عَلَيهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣]

ومنه قوله تعالى : ﴿وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلّا بِالحَقِّ وَلا يَزنونَ وَمَن يَفعَل ذلِكَ يَلقَ أَثامًا﴾ [الفرقان: ٦٨]

﴿يَلقَ أَثامًا﴾قال الألوسي " والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه " .


٤- الخطأ :

﴿فَمَن خافَ مِن موصٍ جَنَفًا أَو إِثمًا فَأَصلَحَ بَينَهُم فَلا إِثمَ عَلَيهِ﴾ [البقرة: ١٨٢]

جاء في تفسير الآية للطبري : " عن ابن عباس  في قوله : " فمن خاف من موص جنفا " - يعني : إثما - يقول : إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها ، فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب " انتهى


=========

(٣٢)


👈🏻 من الألفاظ القرآنية التي جاءت في سياق تيسير وتخفيف التكاليف الشرعية على العباد ؛ لفظ (الحرج) . 


👈🏻 تذكر كتب اللغة أن أصل الحرج والحراج مجتمع الشيئين ، والحرج: الضيق والشدة ، قال الزجاج : الحرج في اللغة أضيق الضيق


👈🏻 ولفظ (الحرج) ورد في القرآن في خمسة عشر موضعاً ، جاء في جميع تلك المواضع اسماً، ولم يأت بصيغة الفعل .


وقد جاء في القرآن على ثلاثة معان ٍ ، هي


١- بمعنى (الضيق) :

من ذلك قوله تعالى: ﴿ما يُريدُ اللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِن حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦]

قال مجاهد وعكرمة وغيرهما: أي من ضيق

ونحو ذلك قوله سبحانه : ﴿وَما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدّينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]


٢- بمعنى (الشك) :

من ذلك قوله سبحانه : ﴿كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ﴾ [الأعراف: ٢

قال مجاهد وقتادة والسدي : أي شك .

ونحو ذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ﴾ [النساء: ٦٥]


٣- بمعنى (الإثم) :

من ذلك قوله تعالى : ﴿لَيسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى المَرضى وَلا عَلَى الَّذينَ لا يَجِدونَ ما يُنفِقونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحوا لِلَّهِ وَرَسولِهِ﴾ [التوبة: ٩١]، 

أي : ليس على المتخلفين عن الجهاد بسبب ضعفهم أو مرضهم أو قلة مالهم إثم في ذلك، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

ومن هذا القبيل قوله سبحانه : ﴿لَيسَ عَلَى الأَعمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى المَريضِ حَرَجٌ﴾ [النور: ٦١] ، [الفتح: ١٧] . 


🔸 وقوله تعالى : ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] ،

ذكر فيه لفظ (الضيق)، ولفظ (الحرج) ، قال ابن عاشور - رحمه الله - : " وإتباع الضيق بالحرج ؛ لتأكيد معنى الضيق ، لأن في الحرج من معنى شدة الضيق ما ليس في الضيق " انتهى


وقد ذكروا في الفرق بين لفظ (الضيق) ، و(الحرج) : (أن الحرج ضيق لا منفذ فيه ، مأخوذ من الحرجة وهي الشجر الملتف حتى لا يمكن الدخول فيه ولا الخروج منه ، أما (الضيق) فهو المكان الضيق ، وليس بالضرورة أن يكون بلا منفذ ) .


=========
(٣١)

ورد لفظ (الحكمة ) في القرآن الكريم عشرين مرة ، وجاءت في آيات كثيرة يراد بها سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومن هذه الآيات ، قول الله تعالى :

🔅 ﴿وَما أَنزَلَ عَلَيكُم مِنَ الكِتابِ وَالحِكمَةِ يَعِظُكُم بِهِ﴾ [البقرة: ٢٣١]


🔅 ﴿وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيكَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ﴾ [النساء: ١١٣]


🔅 ﴿وَاذكُرنَ ما يُتلى في بُيوتِكُنَّ مِن آياتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ﴾ [الأحزاب: ٣٤]


● هذه الآيات تدل على أن الله تعالى أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - شيئين ، وهما الكتاب والحكمة ، فالكتاب هو القرآن الكريم ، والحكمة ، لم يبق لها معنى إلا أن تكون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما ذكر ذلك كثير من المفسرين منهم الطبري وابن كثير والبيضاوي والشوكاني والبغوي وغيرهم .


● قال العلامة ابن رجب - رحمه الله - :

" من قال الحكمة : السنة ، فقوله الحق ؛ لأن السنة تفسر القرآن ، وتبين معانيه ، وتحض على اتباعه " انتهى من (لطائف المعارف) .


● قال الشيخ ابن باز - رحمه الله :

" الحكمة كلمة مشتركة ، تطلق على معان كثيرة ، تطلق على النبوة ، وعلى العلم والفقه في الدين ، وعلى العقل ، وعلى الورع ، وعلى أشياء أخرى ، وهي في الأصل كما قال الشوكاني - رحمه الله : الأمر الذي يمنع عن السفه ، هذه هي الحكمة ...... فالآيات القرآنية أولى بأن تسمى حكمة ، وهكذا السنة الصحيحة أولى بأن تسمى حكمة بعد كتاب الله " . انتهى من (مجموع فتاوى ابن باز) .



● يروى عن " مقاتل " أنه قال : تفسير الحكمة في القرآن على أربعة أوجه :


١- مواعظ القرآن :

قال تعالى : ﴿وَما أَنزَلَ عَلَيكُم مِنَ الكِتابِ وَالحِكمَةِ يَعِظُكُم بِهِ﴾ [البقرة: ٢٣١]


٢- الفهم والعلم :

ومنه قوله تعالى : ﴿يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيناهُ الحُكمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢]


وقوله : ﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ﴾ [لقمان: ١٢]


٣- النبوة :

قال تعالى : ﴿فَقَد آتَينا آلَ إِبراهيمَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَآتَيناهُم مُلكًا عَظيمًا﴾ [النساء: ٥٤]


وقوله : ﴿وَآتَيناهُ الحِكمَةَ وَفَصلَ الخِطابِ﴾ [ص: ٢٠]


٤- القرآن :

قال عز وجل : ﴿يُؤتِي الحِكمَةَ مَن يَشاءُ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩]


وقوله : ﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ﴾ [النحل: ١٢٥]


===========
(٣٠)

لفظ (النورورد في القرآن الكريم :


• يقول أهل اللغة :

النون ، والواو ، والراء : تدل على إضاءة ، واضطراب ، وقلة ثبات ، منه النور والنار ، سميا بذلك من طريقة الإضاءة ؛ لأن ذلك يكون مضطرباً سريع الحركة

يقال: نارَ الشيء ، وأنار ، واستنار: إذا أضاء.


(النور) اسم من أسماء الله تعالى ، وفي القرآن الكريم سورة اسمها (النور) ، ولفظ (النور) ورد في القرآن الكريم في خمسة وأربعين (45) موضعاً ، جاء في جميعها بصيغة الاسم ، ولم يرد لفظ بصيغة الفعل مطلقاً .

ولفظ (النور) ورد في القرآن الكريم على عدة معان ٍ ، هي


١- بمعنى (الإسلام) :

من ذلك قوله تعالى : ﴿يُريدونَ أَن يُطفِئوا نورَ اللَّهِ بِأَفواهِهِم وَيَأبَى اللَّهُ إِلّا أَن يُتِمَّ نورَهُ وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ﴾ [التوبة: ٣٢] .



٢- بمعنى (الإيمان) :

قال سبحانه: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذينَ آمَنوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٧] .


٣- بمعنى (القرآن) :

قال تعالى : ﴿أَوَمَن كانَ مَيتًا فَأَحيَيناهُ وَجَعَلنا لَهُ نورًا يَمشي بِهِ فِي النّاسِ﴾ [الأنعام: ١٢٢]


ومنه قوله تعالى : ﴿وَيَجعَل لَكُم نورًا تَمشونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨]


وقوله : ﴿وَأَنزَلنا إِلَيكُم نورًا مُبينًا﴾ [النساء: ١٧٤]


٤- بمعنى (الهادي) :

قال تعالى : ﴿اللَّهُ نورُ السَّمٰواتِ وَالأَرضِ﴾ [النور: ٣٥]


٥- بمعنى (الهدى) :

قال سبحانه: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلى نورٍ مِن رَبِّهِ﴾ [الزمر: ٢٢]



٦- بمعنى (النبي) صلى الله عليه وسلم :

من ذلك قوله تعالى: ﴿قَد جاءَكُم مِنَ اللَّهِ نورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ﴾ [المائدة: ١٥]

قال الطبري : يعني بـ (النور) محمداً - صلى الله عليه وسلم - الذي أنار الله به الحق


٧- بمعنى (ضوء النهار) :

قال تعالى﴿وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنّورَ﴾ [الأنعام: ١] .


٨- بمعنى (ضوء القمر) :

قال تعالى : ﴿وَجَعَلَ القَمَرَ فيهِنَّ نورًا وَجَعَلَ الشَّمسَ سِراجًا﴾ [نوح: ١٦] ، 

ونظيره قوله سبحانه : ﴿هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمسَ ضِياءً وَالقَمَرَ نورًا﴾ [يونس: ٥]

أي : مضيئاً لأهل الأرض


٩- بمعنى (ضوء يُعطاه المؤمن يوم القيامة على الصراط) :

قال عز وجل : ﴿يَومَ تَرَى المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ يَسعى نورُهُم بَينَ أَيديهِم وَبِأَيمانِهِم﴾ [الحديد: ١٢]


١٠- بمعنى (بيان الحلال من الحرام في التوراة) :

 قال تعالى : ﴿إِنّا أَنزَلنَا التَّوراةَ فيها هُدًى وَنورٌ﴾ [المائدة: ٤٤]


 ونظيره قوله سبحانه: ﴿قُل مَن أَنزَلَ الكِتابَ الَّذي جاءَ بِهِ موسى نورًا وَهُدًى لِلنّاسِ﴾ [الأنعام: ٩١]


١١- بمعنى (بيان الحلال والحرام في القرآن) :

من ذلك قوله تعالى: ﴿وَلكِن جَعَلناهُ نورًا نَهدي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا﴾ [الشورى: ٥٢](الشورى:53)، 



١٢- بمعنى (العدل) :

 قال تعالى : ﴿وَأَشرَقَتِ الأَرضُ بِنورِ رَبِّها﴾ [الزمر: ٦٩]


🔻الخلاصة :

وعلى الجملة ، فقد ورد لفظ (النور) في القرآن الكريم على عدة معان ، يدور أغلبها على معان معنوية، كـ (الهدى)، و(الإيمان)، و(القرآن) ، وورد بدرجة أقل بمعنى النور المادي .




===========
(٢٩)


• كلمة " القضاء " في القرآن :

مادة (قضى) في اللغة تدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته . وسمي القاضي قاضياً ؛ لأنه يحكم الأحكام وينفذها . وسميت المنيَّة قضاء ؛ لأنها أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق .


• وذكر المفسرون في معنى (القضاء) أنه جاء في القرآن بعدة معان ٍ، منها:


١- الأمر :

ومنه قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} (الإسراء/٢٣) ، قال ابن كثير : القضاء ها هنا بمعنى الأمر


٢- الخبر والإعلام :

ومنه قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} (الحجر/٦٦) ، قال ابن كثير: أي تقدمنا إليه وأخبرناه بذلك وأعلمناه به.

ونحو ذلك قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} (الإسراء/٤) .


٣- الفعل والحكم وإمضاء الشيء :

 ومنه قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاض ٍ} (طه/٧٢) ، أي اصنع واحكم وافعل ما شئت وما وصلت إليه يدك .

ومنه قوله تعالى : {لِيَقضِيَ اللَّهُ أَمرًا كانَ مَفعولًا } (الأنفال/٤٢)


٤- الأداء والانتهاء من فعل شئ والفراغ منه وإتمامه :

ومن ذلك قوله تعالى : {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (فصلت/١٢)

وقوله : {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ} (القصص/٢٩) أي: فرغ من الأجل الأوفى والأتم .

ومن ذلك انقضاء العبادة والانتهاء منها ، ومنه قوله تعالى: {فَإِذا قَضَيتُم مَناسِكَكُم } (البقرة/٢٠٠) 

وقوله : {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} (الجمعة/١٠)


٥- الموت والهلاك :

يقال: ضربه فقضى عليه ، أي: قتله ،

قال تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (القصص/١٥) ، أي قتله .

وقوله : {فَمِنهُم مَن قَضى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ } (الأحزاب/٢٣)

وقوله : {يا لَيتَها كانَتِ القاضِيَةَ} (الحاقة/٢٧)


٦- وجوب العذاب :

ومنه قوله تعالى: {وَقُضِيَ الأَمرُ} (هود/٤٤) ، قال البغوي: وجب العذاب ، 

ونحو هذه الآية قوله سبحانه: {وَقالَ الشَّيطانُ لَمّا قُضِيَ الأَمرُ } (إبراهيم:٢٢) ، قال القرطبي: أي لما وجب العذاب بأهل النار .


٧- الفصل بين الناس يوم القيامة :

ومنه قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسولٌ فَإِذا جاءَ رَسولُهُم قُضِيَ بَينَهُم بِالقِسطِ وَهُم لا يُظلَمونَ} (يونس/٤٧) ، أي: فُصل بينهم ، بأن أُدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار.

ومنه قوله سبحانه: {وَأَنذِرهُم يَومَ الحَسرَةِ إِذ قُضِيَ الأَمرُ وَهُم في غَفلَةٍ وَهُم لا يُؤمِنونَ} (مريم/٣٩) ، قال ابن كثير: أي فصل بين أهل الجنة وأهل النار ، ودخل كل إلى ما صار إليه مخلداً فيه .


٨- الإرادة :

ومنه قوله تعالى {وَإِذا قَضى أَمرًا فَإِنَّما يَقولُ لَهُ كُن فَيَكونُ} (البقرة/١١٧)

قال ابن كثير: أي إذا قدر أمراً وأراد كونه .


• الخلاصة :

معنى (القضاء) في الآية الواحدة ، قد يحتمل أكثر من معنى ، وهو من الألفاظ المشتركة ، وليس بالضرورة أن يُحمل عليها ما ذُكر أعلاه من آيات . وأصل جميع معانيه تعود في النهاية إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه .

===========
(٢٨) :

مادة (لبس) أصل صحيح واحد يدل على مخالطة ومداخلة ، قاله ابن فارس في مقاييس اللغة .
وجعل الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن أصل اللبس : السَّتر 

وتأتي كلمة " لبس " في القرآن الكريم على عدة معانٍ منها :
• بمعنى اختلاط الأمر والتباسه:
ولبس الأمر عليه ، أي خلَطه وعمّاه حتّى لا يعرف حقيقتَه ، ومنه :
قوله تعالى : {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } (البقرة/٤٢)
وقوله تعالى : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} (الأنعام/٩)
وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } (الأنعام/٨٢)
وقوله : {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} (ق/١٥)
بل هم في شك وريبة وشبهة

• بمعنى الستر وارتداء الثوب :
"لَبِس"  "يلبَس"  "لُبْساً"
لبس الثوب: استتر به ، وألبسه غيره ، ومنه :
قوله عز وجل : {يلبسون ثيابا خضرا} (الكهف/٣١)
وقوله تعالى : {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} (الدخان/٥٣)
وقوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى } (لأعراف/٢٦)
وقوله تعالى : {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} (لأعراف/٢٧)
وقوله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (فاطر/٣٣)
وفي قوله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} (البقرة/١٨٧)
أي هن ستر لكم وأنتم ستر لهن ، لأن كلا الزوجين يستر صاحبه ويمنعه من الفجور ويغنيه عن الحرام ، والعرب تكني عن الأهل بالستر واللباس والثوب والإزار.

===========
(٢٧) :

كلمة " تولى " في القرآن الكريم :

١- تولى : استولى على الملك ، وأصبح واليا .
قال تعالى : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ } (البقرة/٢٠٥)

وقال تعالى : {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } (النساء/١١٥) . أي نجعله واليا لما تولاه من الضلال .

٢- تولى : أعرض .
قال تعالى : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (البقرة/٤٨)
وقال تعالى : {عَبَسَ وَتَوَلَّى } (عبس/١)

٣- تولى : بدأ به ، وتحمل معظم الأمر .
قال تعالى : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (النور/١١) .


٤- تولى : انصرف .
قال تعالى : { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } (يوسف/٨٤)

وقال تعالى : {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ } (القصص/٢٤)


٥- يتولى القيام بطاعة الله ونصرة رسوله والمؤمنين :
قال تعالى : {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة/٥٦)

وغيرها ..

الخلاصة : 
أن تولى تأتي بمعنى :
•أعرض وانصرف .
•بدأ به وتحمل .
•الولاية : أي أصبح واليا.
• ناصر وأحب ، من الموالاة .
===========
(٢٦)
الثلاثاء ٢٩ ذو الحجة ١٤٣٦ هـ

كلمة " الفساد " في القرآن :
 
استُعمل لفظُ "الفساد" بمفرداته في كتاب الله العزيز في مواطن عدَّة ومواضع متباينة بمعانٍ مختلفة ودلالات متغايرة ، منها ( الفساد - مفسدون - تفسدون - فساداً - لفسدت - المفسدون - مفسدين - يفسد - لفسدتا - تفسدوا - أفسدوها - المفسد ) .
وقد فُسِّر على ستة أوجه : 

الوجه الاول: 
يعني المعاصي , قال الله تعالى: { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا } - [الأعراف/ ٥٦ و ٨٥ ] ،أي لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله, بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله .
وقال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } [البقرة/ ١١-١٢ ]  ، يعني: لا تعملوا فيها بالمعاصي.
وقال تعالى عن اليهود: { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ} - [المائدة/٦٤]


الوجه الثاني:
 يعني الهلاك ، ومنه قوله سبحانه وتعالى: { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } -[ الإسراء/٤] يعني: لتُهلكنَّ في الأرض مرتين.
وقال تعالى: { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف/١٠٣] ، أي اعتبر بهلاكهم ومصيرهم,
 
الوجه الثالث:
يعني قحط المطر وقلة النبات ، كقوله جلَّ ثناؤه: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } [الروم/٤١ ] .

الوجه الرابع:
يعني القتل كقوله تعالى: { وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ } [الأعراف/١٢٧ ] أي: ليقتلوا.


الوجه الخامس:
يعني الخراب بالظلم والجور ، نحو قوله تعالى: { وإذا تولَّى سعى في الأرضِ ليُفسدَ فيها ويُهلكَ الحرثَ والنَّسلَ والله لا يُحبُّ الفساد } [ البقرة/٢٠٥ ] .
وكقوله تعالى : { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ } [ النمل / ٣٤] .
يعني خربوها.

وقوله تعالى : { وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [القصص/ ٧٧ ] .
 
 
والوجه السادس:
الفساد يعني السحر ، كقوله جلَّ من قائل: { فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } [يونس/٨١ ] يعني: السَّحرة.

والآيات الواردة في القرآن الكريم بمعنى الفساد واشتقاقاته وأفعاله أكثر من أن تُذكر في هذا المقام .
 
وجاء مصطلح الفساد في القرآن بمعنى القطيعة (قطيعة الأرحام والتدابر بين المسلمين ) وقطع كل ما أمر الله به أن يوصل قال تعالى : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ } [الرعد/٢٥ ] .
وقوله تعالى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } [محمد/٢٢ ] . 

والجامع لتلك المعاني هو: خروج الشيء عما كان عليه من الاعتدال والسلامة قليلا كان الخروج أو كثيرا .
وقال ابن عاشور: " الفساد أصله استحالة منفعة الشيء النافع إلى مضرة به أو بغيره، وقد يطلق على وجود الشيء مشتملا على مضرة وإن لم يكن فيه نفع من قبل " .

===========

(٢٥)

الأربعاء ٢٩ شعبان ١٤٣٦ هـ

لفظ الظن في القرآن الكريم 

(الظن) درجة من درجات العلم، فهو فوق الشك، ودون اليقين، وبعبارة أخرى: هو اعتقاد وقوع الشيء اعتقاداً راجحاً.

 أو: هو العلم المستند إلى دليل راجح، مع احتمال الخطأ احتمالاً ضعيفاً.

 وقد عرفه الجرجاني بأنه: "الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض". 

وعرفه الراغب بأنه: "اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حد التوهم".

وعرفه ابن عاشور بأنه: "علم لم يتحقق؛ إما لأن المعلوم به لم يقع بعد، ولم يخرج إلى عالم الحس؛ وإما لأن علم صاحبه مخلوط بشك". ولا تعارض بين هذه التعريفات، بل هي عند التحقيق والتدقيق متفقة على أن (الظن) غير اليقين وغير الشك.   

وإذا يممنا وجهنا نحو اللغويين، وجدناهم انقسموا فريقين من حيث دلالة مادة (ظن): الأول: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق حقيقي، بمعنى أن (الظن) قد يُطلق ويراد به اليقين من حيث الوضع اللغوي. ومن هذا الفريق: الأزهري. والفريق الثاني: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق مجازي، بمعنى أن (الظن) من حيث الوضع اللغوي لا يفيد معنى (اليقين)، وإنما إفادته لذلك تحصل على سبيل المجاز لقرينة تدل عليه. ومن هذا الفريق: الجوهري، وابن سيده، والفيروزابادي.

ومعاجم العربية تعرف (الظن) بأنه: العلم بالشيء على غير وجه اليقين. ويقال: رجل ظنون: لا يوثق بخبره. ورجل فيه ظنة: أي: تهمة. وهو ظنتي: أي: موضع تهمتي. ويقال أيضاً: هو مظنة للخير. وظننت به الخير فكان عند ظني. وبئر ظنون: لا يوثق بمائها. وتذكر تلك المعاجم أن (الظن) قد يأتي بمعنى اليقين، ويستدلون لذلك بالقرآن وبالشعر.

وقد وردت مادة (ظن) في القرآن الكريم في نحو ستين موضعاً، نصفها ورد كـ (اسم)، نحو قوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن} (الأنعام:116)، ونصفها الآخر ورد كـ (فعل)، مثل قوله سبحانه: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} (البقرة:46).

ثم إن لفظ (الظن) في القرآن الكريم ورد على عدة معان:

الأول: بمعنى اليقين، ورد على هذا المعنى في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم}، قال أبو حيان: "معناه: يوقنون، قاله الجمهور؛ لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه، ويؤيده أن في مصحف عبد الله بن مسعود: الذين يعلمون". وقال ابن كثير في معنى الآية: "يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة، معروضون عليه، وأنهم إليه راجعون".

ونحو هذا قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ } (الجن:12)، قال القرطبي: "الظن هنا بمعنى العلم واليقين ". وبحسب هذا المعنى يُفهم قوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه} (الحاقة:20)؛ وقوله سبحانه: {وظن أنه الفراق} (القيامة:28) .

قال الطبري ما معناه: العرب قد تسمي اليقين ظناً، والشك ظنًا، نظير تسميتهم المغيث صارخاً، والمستغيث صارخًا... قال: والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين، أكثر من أن تحصر.

الثاني: بمعنى الشك، من ذلك قوله عز وجل: {وإن هم إلا يظنون} (البقرة:78)، قال أبو حيان بعد أن نقل أقوالاً في معنى (الظن) هنا: "وقال آخرون: يشكون".

والمتأمل في الآيات التي ورد فيها (الظن) على معنى (اليقين)، أو الآيات التي ورد فيها (الظن) على معنى الشك، يجد أن الحمل على أحد المعنيين مستفاد من المعنى الكلي للآيات، وليس بمقتضى الوضع اللغوي؛ فقوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه}، لا يستقيم أن يفسر (الظن) هنا بمعنى الشك، أو العلم الذي لا يفيد اليقين؛ وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: {إني ظننت أني ملاق حسابيه}، يقول: أيقنت. ويكون المعنى: أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب، لأنه تيقن أن الله يحاسبه، فعمل للآخرة.   

الثالث: بمعنى التهمة، ومنه قوله تعالى: {الظانين بالله ظن السوء} (الفتح:6)، قال ابن كثير: "أي: يتهمون الله في حكمه". وعلى هذا المعنى قرئ قوله تعالى: {وما هو على الغيب بظنين} (سورة التكوير:24)، بـ (الظاء)، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي؛ والمعنى: وما محمد صلى الله عليه وسلم على ما أنزله الله إليه بمتهم. وقد رجح الآلوسي هذه القراءة، من جهة أنها أنسب بالمقام؛ لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم، ونفي (التهمة) أولى من نفي (البخل). ومن قرأها بـ (الضاد)، وهم الجمهور، فمعناها: وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل، بل يبذل ما أعطاه الله لكل أحد.   

الرابع: بمعنى الوهم والتوهم، ومنه قوله سبحانه: {إن نظن إلا ظنا} (الجاثية:32)، قال ابن كثير: "أي: إن نتوهم وقوعها إلا توهماً، أي: مرجوحاً". وقال الخازن: " أي ما نعلم ذلك إلا حدساً وتوهماً"؛ وعلى هذا المعنى يُحمل قوله تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه} (الأنبياء:87)، قال الراغب: "الأولى: أن يكون من الظن الذي هو التوهم، أي: ظن أن لن نضيِّق عليه"، وهو قول كثير من العلماء في معنى الآية. ويكون معنى {نقدر}، من (القَدْر) الذي هو المنع والتضيق، كقوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} (الطلاق:7)، وليس من (القدرة)؛ لاختلال المعنى؛ إذ لا يليق بالأنبياء - فضلاً عن غيرهم من البشر - أن يظنوا أن الله غير قادر عليهم.   

الخامس: بمعنى الحسبان، ومنه قوله تعالى: {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} (الجن:5)، قال الطبري: "قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجن على الله كذباً من القول ". وقال ابن كثير: "أي: ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله في نسبة الصاحبة والولد إليه".

السادس: الاعتقاد الخاطئ، كما في قوله تعالى: {فما ظنكم برب العالمين} (الصافات:87)، قال ابن عاشور : "أريد بالظن: الاعتقاد الخطأ؛ والمعنى: أن اعتقادكم في جانب رب العالمين جهل منكر". ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {إن بعض الظن إثم} (الحجرات:12)، وقوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} (الأنعام:116)،  وقوله عز وجل: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا} (يونس:36). وقد ذكر ابن عاشور أن "الظن كثر إطلاقه في القرآن والسنة على العلم المخطئ، أو الجهل المركب، والتخيلات الباطلة".

ثم ها هنا قولان منقولان عن السلف بخصوص معنى (الظن) في القرآن؛ أحدهما: عن الضحاك قال: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. وثانيهما: عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن فهو يقين. وقول الضحاك أقرب إلى ما تقرر بخصوص معنى (الظن)؛ أما قول مجاهد فهو يشكل بكثير من الآيات التي تفيد أن المقصود بالظن معناه الحقيقي، الذي هو غير اليقين، كما تبين قريباً. وقد يُحمل قول مجاهد على أن (الظن) الذي يفيد اليقين، هو ما كان متعلقاً بأمور الآخرة، أما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا فيفيد الشك، وقد رويت رواية ثانية عن مجاهد تدل على هذا المعنى، وفيها: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك؛ ونحو هذا قول قتادة : ما كان من ظن الآخرة فهو علم.

وقد وضع الزركشي ضابطين للتفريق بين اليقين والشك؛ أحدهما: أن (الظن) حيث وُجد محموداً مثاباً عليه فهو (اليقين)، وحيث وُجد مذموماً متوعداً عليه بالعذاب فهو (الشك). وهذا الضابط يفيد أن السياق هو المعول عليه في تحديد معنى (الظن)، وليس اللفظ نفسه.

الضابط الثاني: أن كل (ظن) يتصل به (أن) المخففة فهو (شك)، كقوله سبحانه: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول} (الفتح:12)، وكل (ظن) يتصل به (أن) المشددة فهو (يقين)، كقوله تعالى: {إني ظننت أني ملاق حسابيه}. والمعنى في ذلك: أن (أنَّ) المشددة للتأكيد، فدخلت في (اليقين)، و(أن) المخففة بخلافها، فدخلت في (الشك).

ومما هو جدير بالذكر هنا، أن (الظن) في القرآن الكريم، ورد في مواطن عديدة مذموماً، كما في قوله تعالى: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا} (يونس:36)، وقوله سبحانه: {وأنهم ظنوا كما ظننتم} (الجن:7)، وقوله عز وجل: {وتظنون بالله الظنونا} (الأحزاب:10)، وأغلب ما جاء ذلك في سياق ما يتعلق بباب العقائد التي لا يعول فيها إلا على اليقين.

ويُشار هنا إلى فائدتين تتعلقان بلفظ (الظن):

أولهما: أن (الظن) في جميع القرآن جاء بـ (الظاء)، لكن اختلف القراء في قوله تعالى: {بضنين}، فقرأها جمهورهم بـ (الضاد)، وقرأها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بـ (الظاء)، والقراءتان متواترتان عن النبي صلى الله عليه وسلم. 

ثانيهما: أن فعل (الظن) إذا عُدي بحرف (الباء) أشعر غالباً بظن صادق، كما في قوله تعالى: {وتظنون بالله الظنونا} (الأحزاب:10)، وقال سبحانه: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} (فصلت:23)، أفادها ابن عاشور.

وعلى ضوء ما تقدم من معانى الظن في القرآن الكريم، يتبين أن السياق العام للآيات هو الذي يقود إلى تحديد المعنى المراد من لفظ (الظن)، أهو اليقين؟ أم الشك؟ أم التوهم؟ أم غيرها من المعاني التي أتينا عليها. 


===========
(٢٤)
الأربعاء ١٧ رجب ١٤٣٦ هـ

لفظ " الشهادة " :

وَرَدَ لَفْظ الشَّهَادَة فِي الْقُرْآن عَلَى أَنْوَاع مُخْتَلِفَة :

١- بِمَعْنَى الْحُضُور الذي يقابل الغيب ، قَالَ اللَّه تَعَالَى : { ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [ السجدة : ٦].
أي عالم ما غاب عن الخلق وما حضر .
وقوله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } [ البقرة : ١٨٥ ] .
 
٢- بِمَعْنَى قَضَى ، قَالَ تَعَالَى { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }[ آل عمران : ١٨ ] .
 
٣- بِمَعْنَى أقرّ وحَكَمَ، قَالَ تَعَالَى { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } [ يوسف : ٢٦ ] .
 وقال تعالى : { وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [ النساء : ١٦٦ ].

٤- بِمَعْنَى حَلَفَ ، قَالَ تَعَالَى { فَشَهَادَة أَحَدِهِمْ أَرْبَع شَهَادَاتٍ ][ النور : ٦]
 
٥- بِمَعْنَى وَصَّى ، قَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنِكُمْ } . 

===========
(٢٣)
الإثنين  ٤ جمادى الأولى ١٤٣٦ هـ

كلمة (الذكر) من الألفاظ المتواترة الحضور في القرآن ، فقد ورد هذا اللفظ بصيغة الفعل بتصريفاته المتنوعة، من ذلك قوله سبحانه: { وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } ، وجاءت أكثر صيغ الأفعال وروداً في القرآن صيغة الأمر، نحو قوله سبحانه: { فَاذْكُرُوا اللَّهَ } ، وورد بصيغة الاسم وبتصريفات متنوعة ، من ذلك قوله تعالى: { ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } .
  
قال أهل اللغة: مادة (ذكر) تدل على أصلين، يتفرع عنهما كل معانيها، الأول: الذكر الذي هو مقابل الأنثى.
والثاني: الذكر الذي هو خلاف النسيان.
والأصل الثاني هو الأكثر وروداً في القرآن، وهو الذي عليه مدار الحديث هنا. 
 
والأصل الأول ورد في القرآن على نحو أقل، كقوله تعالى: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ } - (آل عمران/36)، 
وقوله {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَىٰ } -﴿ النجم/21﴾ ، وقوله { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ } الليل/3﴾
وهذا الأصل لمعنى الذكر خارج عن نطاق حديثنا.
 
أما المعاني التي ورد عليها لفظ (الذكر)  في القرآن الكريم، فهي على النحو التالي: 

١- بمعنى (القرآن):
من ذلك قوله سبحانه : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }-  (الحجر/ 9) ، وقال تعالى : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } - (النحل/ 44) .
{ وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } (الأنبياء/50)، أي: هذا القرآن الذي أنزلناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ذكر لمن تذكر به ، وموعظة لمن اتعظ به. 
ومن ذلك قوله سبحانه: { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } (الأنبياء/2)، فالمراد بـ (الذكر) هنا: القرآن

٢- بمعنى (ذكر اللسان) :
من ذلك قوله سبحانه: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } - (البقرة / 200)
وقوله تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } (النساء/103)، 
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا  } (الأحزاب/41). فالمقصود بلفظ (الذكر) في الآيات : كل ذكر ورد بحقه سبحانه ، كالتحميد، والتكبير، والتهليل ونحوها. وأكثر لفظ (الذكر) في القرآن جاء على هذا المعنى. 
ومن ذلك ذكر اسم الله على الذّبيحة والنطق به كما في قوله عز وجل : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ } – ]الأنعام /118 [ ، أي الذكر باللسان وبالقلب .

٣- بمعنى (العبرة والعظة) :
من ذلك قوله سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } (الأنعام/44)، أي: ما وُعِظوا به. ومنه قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } (الذاريات/55). و(الذكر) على هذا المعنى كثير في القرآن أيضاً. 
 
٤- بمعنى (التذكر) :
من ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ } (آل عمران/135)، يعني بذلك: ذكروا وعيد الله على ما أتوا من معصيتهم إياه، فسألوا ربهم أن يستر عليهم ذنوبهم بالصفح عنهم، وعدم معاقبتهم عليها. ونحو ذلك قوله سبحانه: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا } - (مريم/16).  
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } - ﴿ مريم/41﴾ 
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } - ﴿ مريم/51﴾ 
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} - ﴿ مريم/54﴾ 
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} - ﴿ مريم/56﴾ 

 
٥- بمعنى (الطاعة) :
من ذلك قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ  } (البقرة/152)، أي: أطيعوني فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه، أُثبكم بالأجر والمغفرة. وهذا على أحد التفسيرين للآية.   
    

٦- بمعنى (الحفظ) :
من ذلك قوله تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  } (البقرة/63)، قال القرطبي: تدبروه، واحفظوا أوامره ووعيده، ولا تنسوه، ولا تضيعوه. ونحوه قوله سبحانه: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ  } (آل عمران/103)، أي: احفظوا ما أنعم الله عليكم من نعم، ولا تضعوها في غير موضعها المشروع.     

٧- بمعنى (الشرف) :
من ذلك قوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ  } (الزخرف/44)، أي: إن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد، لشرف لك ولقومك من قريش. ومن الآيات التي فُسر (الذكر) فيها بمعنى (الشرف)، قوله تعالى: { لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } (الأنبياء/10)، قال بعض المفسرين: عنى بـ {الذكر} في هذا الموضع: الشرف. 
 
٨- بمعنى (الخبر) :
من ذلك قوله سبحانه: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَٰذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } (الأنبياء/24)، أي: إن القرآن تضمن خبر الأولين والآخرين.
ومنه قوله تعالى: { فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } (الكهف/70)، 
وقوله تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} ﴿الكهف/83 ﴾ أي: خبر من قبلكم. 

٩- بمعنى (شرع الله):
من ذلك قوله تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا  } (طه/124)، ونحوه قوله سبحانه: { وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا  } (الجن/17)، فـ (الذكر) المتوَعَّدُ بالإعراض عنه هو شرع الله، وشرع الله: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.   

١٠- بمعنى (العذاب) :
من ذلك قوله تعالى: { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ  } (الزخرف/5)، أي: أفنترك عذابكم ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم . وهذا اختيار الطبري في معنى الآية. وقيل المقصود بـ {الذكر} هنا: القرآن.      

١١- بمعنى (الوحي) :
من ذلك قوله تعالى: { فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا  } (الصافات/3) 
قال السدي: الملائكة يجيئون بالكتاب، والقرآن من عند الله إلى الناس.
وعلى هذا المعنى قوله تعالى: { فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا } (المرسلات/5).   

١٢- بمعنى (التوراة والإنجيل) :
من ذلك قوله تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  } (النحل/43) – (الأنبياء/7) وردت في موضعين ، روي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن المراد بـ {أهل الذكر} هنا: أهل الكتاب.  

( أهل الذكر ) فيهم أربعة أقوال :
أحدها : أنهم أهل التوراة والإِنجيل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس 
والثاني : أهل التوراة ، قاله مجاهد 
والثالث : أهل القرآن ، قاله ابن زيد . 
والرابع : العلماء بأخبار من سلف ، ذكره الماوردي .
وعامة أهل التفسير أن أهل الذكر هم أهل الكتب المنزلة قبل النبي صلى الله عليه وسلم .
وبذلك يتبين بأن المقصود بأهل الذكر هم علماء أهل الكتب السابقة ، غير أنه يصح الاستدلال بهذه الآية على أن أهل العلم بعلمٍ من العلوم يجب أن يرجع إليهم في ذلك العلم ، وهي من هذا الوجه أشبه بقاعدة قرآنية .

 
١٣- بمعنى (اللوح المحفوظ) :
من ذلك قوله سبحانه: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ  } (الأنبياء/105)، قال سعيد بن جبير: {الذكر}: الذي في السماء، وهو بمعنى قوله تعالى: {وعنده أم الكتاب} (الرعد/39).  
 
١٤- بمعنى (البيان) :
من ذلك قوله تعالى: { وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ  } (ص/1)، قال ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل: معنى {ذي الذكر}: ذي البيان.   

١٥- بمعنى ( العيب ) :
من ذلك قوله تعالى : { أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} – ]الأنبياء/36 [ أي يذكر آلهتكم بسوء ويعيبها .

١٦- بمعنى (الصلوات المفروضة):
من ذلك قوله تعالى: { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ  } (النور/37)، وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ  } (المنافقون/9)، فالمراد بـ (الذكر) في الآيتين: حضور المساجد لإقامة الصلوات المفروضة . وهذا على قول في تفسير الآيتين.    

١٧- بمعنى (صلاة بعينها) :
من ذلك قوله سبحانه: { فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي  } - (ص/32) ، عن قتادة والسدي أن المراد بـ (الذكر) في هذه الآية: صلاة العصر.
وقال تعالى: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ  } - (الجمعة/9)، روي أن (الذكر) هنا: صلاة الجمعة.   


تلك هي أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (الذكر) في القرآن، وهي معان مستفادة في أغلبها إما من آثار مروية في تفسير الآيات التي ورد فيها لفظ (الذكر)، وإما مستفادة من السياقات القرآنية التي ورد فيها هذا اللفظ، وهذا ملحوظ لمن تتبع معاني هذا اللفظ في كلام المفسرين.  

والله اعلم
===========
(٢٢)
الإثنين  ٢٤  محرم  ١٤٣٦ هـ

كلمة " سواء "

وردت كلمة « سواء » في القرآن الكريم على وجوه :
الأول :
بمعنى الاستواء ، كما في قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6]
قال ابن كثير في تفسيره (أي الذين كفروا وغطوا الحق وستروه ، وقد كتب الله تعالى عليهم ذلك ، سواء عليهم إنذارك وعدمه ، فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به ).
وكما في سورة آل عمران : { لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [113].
أي ليس أهل الكتاب متساوين .

وقوله تعالى : { اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . [الطور /16].

الثاني :
بمعنى العَدْل ، قال تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ..... الآية} [ آل عمران : 64 ]
{كلمة سواء } أي : عدل ،
ومثله في قوله تعالى : { تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } [ الممتحنة : 1 ]
أي : عدل الطريق .

الثالث :
بمعنى وسط ، قال تعالى : { فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ } [ الصافات : 55 ] أي : وسط الجحيم .

الرابع :
بمعنى البَيَان جهراً لا سراً 
قال تعالى : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍ } [ الأنفال : 58 ] أي : على بيان .

الخامس :
بمعنى شرع ، قال تعالى : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } [ النساء : 89 ]
أي : تكونوا مثلهم في الكفر والنفاق شرع سواء .

السادس :
بمعنى قصد ، قال تعالى : ( عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ ( [ القصص : 22 ] أي : قصد الطريق .
===========

(٢١)
الثلاثاء ٧ ذو القعدة  ١٤٣٥ هـ

ورد لفظ ( الْعِلْم ) في القرآن الكريم بتصريفاته المختلفة فيما يزيد عن سبعمائة وخمسين مرة ، وجاء في أغلب مواضعه في القرآن بمعنى العلم بالشيء، ومعرفته على حقيقته، كقوله تعالى: {أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} (البقرة:77)،
وقوله: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة:216).

غير أن لفظ ( الْعِلْم ) ورد في مواضع من القرآن على معانٍ غير معنى العلم بالشيء، ومعرفته على حقيقته.
ومن هذه المعاني :

١- بمعنى (الرؤية) :
من ذلك قوله سبحانه: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} (آل عمران:142)، قال ابن عباس رضي الله عنهما - فيما نقله عنه ابن كثير -: لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء.
ونقل عنه أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول} (البقرة:143)، قال: إلا لنرى وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه يتعلق بالمعدوم.

٢- بمعنى (الاذن) :
ومنه قوله تعالى: {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} (هود:14)، قال مقاتل: بعلم الله، أي بإذن الله. وهذا على قول في تفسير (العلم) في الآية.

٣- بمعنى (الدين) :
ومنه قوله سبحانه: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة:120)، قال أبو حيان: أي من الدين. وجعله عِلْماً لأنه معلوم بالبراهين الصحيحة.
وقال الرازي: أي من الدين المعلوم صحته بالدلائل القاطعة.

٤- بمعنى (الدليل والحجة) :
ومنه قوله تعالى: {قل هل عندكم من علم فتخرجوه} (الأنعام:148)، قال البغوي: أي كتاب وحجة من الله.
وقال الشوكاني: هل عندكم دليل صحيح من العلم النافع، فتخرجوه إلينا لننظر فيه ونتدبره.

٥- بمعنى (النبوة) :
ومنه قوله سبحانه: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} (يوسف:22)، قال مجاهد: يعني النبوة. وروي عنه أيضاً، أن (العلم) هنا الفقه في الدين. 
 
٦- بمعنى (التمييز) :
ومنه قوله تعالى: {وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا} (آل عمران:166-167)،
قال ابن كثير: إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم، وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك ليتميز الخبيث من الطيب.
 
٧- بمعنى (الفضل) :
ومنه قوله سبحانه: {قال إنما أوتيته على علم عندي} (القصص:78)، روى ابن كثير عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال في معنى الآية: لولا رضا الله عني، ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال.
وقال ابن قتيبة: معناه أعطاني المال لفضل عندي. 
 
٨- وجاء لفظ (العلم) بمعنى (ما يعده أصحابه علماً، وإن لم يكن كذلك)، ومنه قوله تعالى : {فرحوا بما عندهم من العلم} (غافر:83)، قال السدي: فرحوا بما عندهم من العلم بجهلهم، فهو من قبيل قوله تعالى: {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} (الأنعام:148).
وقال ابن عاشور: إطلاق العلم على اعتقادهم تهكم وجري على حسب معتقدهم، وإلا فهو جهل. 
 
والمتأمل في المعاني التي جاء عليها لفظ (العلم) في القرآن الكريم، يجد أنها وإن كانت تحمل دلالات محددة، يقتضيها سياق الآية، غير أنها في نهاية المطاف لا تعارض بينها ولا تنافر، بل هي في المحصلة ترجع إلى المعنى الرئيس من لفظ (العلم)، وهو معرفة الشيء على ما هو عليه. 

المصدر : موقع إسلام ويب.
=========

(٢٠)
السبت ٧ رمضان ١٤٣٥ هـ
لفظ (عبر) وما اشتق منه في القرأن الكريم :

تفيد معاجم اللغة أن الأصل في مادة (عبر) الدلالة على النفوذ والمضيِّ في الشيء. يقال: عبرت النهر عبوراً: قطعته من شاطئ إلى شاطئ. وكذلك الطريق: قطعته من جانب إلى جانب.
ويقال: عَبَر الكتاب: إذا تدبره في نفسه، ولم يرفع صوته بقراءته. وعَبِرَ عَبَراً: جرت دمعته. وعَبَّر عما في نفسه: أعرب وبيَّن بالكلام.
واعتبر الشيء: اختبره وامتحنه.
واعتبر به: اتعظ.
ويقال: استعبر فلان: إذا جرت عَبْرته.
والعَبْرَة: هي الدمع لأن الدمع يعبر، أي ينفذ ويجري.
ورجل عابر سبيل، أي مار.
ويقال: ناقة عَبْرُ أسفارٍ، أي: قوية على الأسفار. والعَبْر من النهر: شاطئه وجانبه.
والعبرة: الاعتبار بما مضى.
وعَبَرَ الرؤيا عَبْراً أي فسرها.
ووجه القياس في هذا عبور النهر لأنه يصير من جانب إلى جانب. كذلك مفسر الرؤيا يأخذ بها من وجه إلى وجه. و(الاعتبار) و(العبرة) مقيسان من عَبْري النهر -أي جانباه- لأن كل واحد منهما عَبر مساوٍ لصاحبه. فإذا قلت: اعتبرتُ الشيء، فكأنك نظرت إلى الشيء، فجعلت ما يعنيك عَبْرا لذاك، فتساويا عندك. فهذا أصل اشتقاق الاعتبار.

وواضح أن الأصل اللغوي لهذا اللفظ يدل على الانتقال من جهة إلى أخرى، إما انتقالاً ماديًّا، وإما انتقالاً معنويًّا.

فما هي دلالته في القرآن الكريم؟

لفظ (عبر) وما اشتق منه في القرآن الكريم جاء في تسعة مواضع، موضعين منها بصيغة الفعل :

أحدهما:
قول الله تعالى في قصة يوسف - عليه السلام - ورؤيا ملك مصر: { إن كنتم للرؤيا تعبرون } (يوسف:43).

والثاني:
قوله سبحانه: { فاعتبروا يا أولي الأبصار } (الحشر:2).
وجاء في سبعة مواضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} (يوسف:111).

ولفظ (عبر) في القرآن الكريم بمشتقاته جاء على أربعة معانٍ رئيسة:

المعنى الأول:
بمعنى تعبير الرؤيا المنامية، وذلك في موضع واحد في القرآن، وهو قوله تعالى: {يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون} (يوسف:43) .

المعنى الثاني:
بمعنى العبور في الطريق، جاء ذلك في موضع واحد في القرآن، كما في قوله سبحانه: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} (النساء:43).


المعنى الثالث:
بمعنى الدليل، جاء ذلك في ثلاث آيات:
١- قوله عز وجل: {يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} (النور:44)، أي أن تقليب الليل والنهار لدليلاً على عظمته تعالى.

٢- قوله سبحانه: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين} (النحل:66)، أي دلالة على قدرة خالقها وحكمته ولطفه ورحمته.

٣- قوله تعالى: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون} (المؤمنون:21) .

المعنى الرابع:
بمعنى الاعتبار والاتعاظ ، وهو المعنى الأكثر حضوراً في القرآن، جاء ذلك في أربع آيات:

١- في قوله تعالى: { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر:2).

٢- في قوله سبحانه: { والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} (آل عمران:13) .

٣- في قوله عز وجل: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } (يوسف:111) .

٤- في قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} (النازعات:26) .

والحاصل أن لفظ (عبر) بمشتقاته ورد في القرآن الكريم على معنىً رئيس، هو معنى (الاعتبار) و(الاتعاظ) بما حصل للأقوام السابقة.
وجاء بنحو أقل بمعنى (الدليل) على عظمة الله سبحانه وقدرته.
وأقل ما جاء بمعنى تعبير (الرؤيا) المنامية، ومعنى (العبور) المادي. وكل هذه المعاني تشترك في أصل الدلالة اللغوية لهذا اللفظ، وهو معنى المضيِّ في الشيء، والانتقال منه إلى غيره، انتقالاً ماديًّا أو معنويًّا.

ونختم الحديث عن لفظ (العبرة) بما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "التفكر والاعتبار" عن الشيخ أبي سليمان الداراني، قال: إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة، أو لي فيه عبرة. 

والله اعلم

==========
(١٩)
الجمعة ١١ جمادى الآخرة ١٤٣٥هـ

كلمة " حس " :

وردت كلمة « حس » في القرآن على أربعة أضربٍ :
الأول : بمعنى الرؤية ،
قال تعالى : { فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر } [ آل عمران : 52 ]
وقوله تعالى : { أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ } [ الأنبياء : 12 ] أي رأوه .
وقوله { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ } [ مريم : 98 ] أي : هل تَرَى منهم ؟

الثاني : بمعنى القتل ،
قال تعالى : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [ آل عمران : 152 ]
أي : تقتلونهم .

الثالث : بمعنى البحث والتماس الخبر ،
قال تعالى : { فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } 
[ يوسف : 87 ] .
قال إبن كثير في تفسيره : ( وَالتَّحَسُّس يَكُون فِي الْخَيْر وَالتَّجَسُّس يَكُون فِي الشَّرّ ).

الرابع : بمعنى الصوت ،
قال تعالى : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا } [الأنبياء : 102 ]
أي : صَوْتَهَا .

=========

(١٨)
الثلاثاء ٢٤ ربيع الآخر ١٤٣٥هـ

كلمة " الأعمى":

 الأعمى : الذاهب البصر . يقال عمى يعمى . ورجل عم ، وقوم عمون . ويستعار فيمن ذهبت بصيرته وفيمن لم يهتدِ إلى حجته . ويقال هؤلاء في عميتهم ، وعمايتهم ، أي : في جهلهم  ، وأعماه الحقد أي غطى على بصره فلم يرَ الحقيقة .
ومرادفات كلمة أعمى :
ضرير ، كفيف ، أكمه ، طليس .

وذكر أهل التفسير أن الأعمى في القرآن على أربعة أوجه : -

 أحدها : الأعمى القلب .
 ومنه قوله تعالى في سورة البقرة : {صم بكم عمي }، وفي سورة يونس : {ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي }، وفي سورة بني إسرائيل ( الإسراء) : { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا }.

 الثاني : الأعمى البصر .
 ومنه قوله تعالى في سورة النور : { ليس على الأعمى حرج } ، وفي سورة عبس : {أن جاءه الأعمى}

 الثالث : الأعمى عن الحجة .
 ومنه قوله تعالى في سورة طه : { ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا } .
وقال عز وجل في سورة القصص : { فعميت عليهم الأنباء يؤمئذ فهم لا يتساءلون } ،  قال مجاهد : فعميت عليهم الحجج .

 الرابع : الكافر .
ومنه قوله تعالى في سورة هود : { مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع } ، وفي سورة الرعد : {قل هل يستوي الأعمى والبصير } .

==========
(١٧)
الثلاثاء ٢٧ ربيع الأول ١٤٣٥هـ

كلمة "الخشوع" في القرآن الكريم :


الخشوع والخضوع يتقاربان  يقال : خشع إذا اطمأن .
وقيل : أصل الخشوع : اللين والسهولة .
وذكر بعض المفسرين أن الخشوع في القرآن على أربعة أوجه : -

أحدها : الذل والخضوع .
ومنه قوله تعالى في سورة طه : { وخشعت الأصوات للرحمن }، وفي المعارج : { خاشعة أبصارهم } .
ومنه قوله تعالى في سورة الحشر : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } .

الثاني : سكون الجوارح .
ومنه قوله تعالى في المؤمنين : { الذين هم في صلاتهم خاشعون} ، وفي حم السجدة : { ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة}.

الثالث : الخوف .
ومنه قوله تعالى في الأنبياء : { ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } .

الرابع : التواضع .
ومنه قوله تعالى في سورة البقرة : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } .

والفرق بين الخشوع والخضوع:

قال تعالى : { قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون } - سورةالمؤمنون
وقال سبحانه وتعالى : { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ } -الأحزاب 32

ويفترق الخشوع عن الخضوع بأننا لا نخشع إلا عن انفعال صادق بجلال من نخشع له ، أما الخضوع فقد يكون تكلفاً عن نفاق وخوف أو تقية أو مداراة ، والعرب تقول خشع قلبه ولا تقول خضع قلبه إلا
تجوزاً.
والخشوع من أعمال القلوب ، وإذا خشع الصوت أو خشع الوجه أو خشع البصر ، فإنما يكون ذلك من خشوع القلب . ويتسق البيان القرآني في استعماله للخشوع كمثل اتساقه في استعمال الخشية ، فكل خشوع في القرآن الكريم إنما هو لله تبارك وتعالى مثل قوله تعالى : { ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين }- الأنبياء 90 .
وقوله تعالى : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } -البقرة 45 .
وقوله تعالى : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } - سورة الحديد .

والله اعلم
========
(١٦)
الأربعاء ٢٩ صفر ١٤٣٥هـ

كلمة " الفرار " في القرآن الكريم :

قال الله تعالى: ﴿لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا﴾ [الكهف/18]، 
وقوله : ﴿ففررت منكم﴾ [الشعراء/21]،
وقوله: ﴿فرت من قسورة﴾ [المدثر/51]،
وقوله : ﴿فلم يزدهم دعائي إلا فرارا﴾ [نوح/6]،
وقوله : ﴿وماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا﴾ [الأحزاب/13]، 
وقوله : ﴿قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم﴾ [الأحزاب/16]، 
وقوله : ﴿ففروا إلى الله﴾ [الذاريات/50]،
وقوله: ﴿أين المفر﴾ [القيامة/10].
وقوله: { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } [الجمعة/8 ].
وقوله : { يوم يفر المرء من أخيه } [عبس 34 ] ، أي : لا يلتفت إليه .

فهل هناك فرق بين كل كلمة؟

الأصل في الفرار : أنه الهرب . 
والمفر : المكان الذي ينتهي إليه الفار .
والفر : القوم الفارون . وفررت عن الأمر ، إذا تجنبت . وافتر الرجل ضاحكا ، إذا أبدى أسنانه .
ويقولون : الجواد عينه فرارة ، أي يغنيك منظره عن مخبره .

وقد ذكر أهل التفسير أن الفرار في القرآن على خمسة أوجه : -

أحدها : الهرب والخروج .
ومنه قوله تعالى في الشعراء : { ففررت منكم لما خفتكم } أي خرجت من بينكم فارا إلى " مدين".
وكما في سورة الأحزاب :{ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل }.

الثاني : الكراهة .
ومنه قوله تعالى في سورة الجمعة : { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } أي تكرهونه كما جاء في تفسير الطبري .

الثالث :اشتغال المرء بنفسه وعدم الالتفات لأحد. 
ومنه قوله تعالى في سورة عبس : { يوم يفر المرء من أخيه } ، أي : لا يلتفت إليهم ، لاشتغاله بنفسه .

الرابع :  التباعد .
ومنه قوله تعالى في سورة نوح : { فلم يزدهم دعائي إلا فرارا } ، أي تباعدا .

الخامس : التوبة والرجوع .
 ومنه قوله تعالى [ في سورة الذاريات ] : { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - ففروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم .

والله اعلم.
========

(١٥)
السبت ١٠ شوال ١٤٣٤

من معاني كلمة (الفتنة) في القرآن:

الفتنة سنة كونية في هذه الحياة، لا تخلو منها حياة الأمم والأفراد على حد سواء، دل على ذلك قوله عز وجل: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} (العنكبوت:2). وهي عادة ما تدل على شر ينزل بالإنسان، وقد تدل أحياناً على خير يراد به، قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} (الأنبياء:35).

ولفظ (الفتنة) ورد في القرآن الكريم  في ستين موضعاً؛ ورد في ستة وثلاثين موضعاً بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل} (البقرة:191)، وورد في أربعة وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله سبحانه: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} (النحل:110). 

الأصل اللغوي لمادة (فتن) يدل على ابتلاء واختبار. وأصل الفتن: إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسان النار. قال تعالى: {يوم هم على النار يفتنون} (الذاريات:13)، يقال: فتنت أفتن فتناً. وفتنت الذهب بالنار، إذا امتحنته. وهو مفتون وفتين. والفتان: الشيطان. والفتن: الإحراق. وشيء فتين: أي محرق.
أما المعاني التي ورد عليها اللفظ في القرآن الكريم فهي عديدة، منها: 
 
١- بمعنى (الابتلاء والاختبار)، من ذلك قوله تعالى: { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } (العنكبوت:2)، معناه: أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي ويختبر عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان. ونحو ذلك قوله سبحانه: {وفتناك فتونا} (طه:40)، أي: اختبرناك اختباراً .
 
٢- بمعنى (الشرك)، من ذلك قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل} (البقرة:191)، أي: الشرك بالله أعظم من أي فعل آخر.
وقوله سبحانه : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} (البقرة:193)، أي: حتى لا يكون شرك، كما قاله غير واحد من المفسرين. 
 
٣- بمعنى (الكفر)، من ذلك قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة} (النور:63)، قال الطبري: الفتنة ها هنا: الكفر. ونحو قول الطبري قال ابن كثير. وقال بعض المفسرين: (الفتنة) في الآية بمعنى (العقوبة في الدينا). وقيل غير ذلك.
 
٤- بمعنى (العذاب وأذى الناس)، ومن ذلك قوله تعالى: {جعل فتنة الناس كعذاب الله} (العنكبوت:10)، قال البغوي: أي: جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة. ونحو ذلك قوله عز وجل: { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } (النحل:110)، أي: عُذبوا ومُنعوا من الإسلام. 

٥- بمعنى (التعذيب بالنار)، ومنه قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} (البروج:10)، قال ابن عباس رضي الله عنه وغيره: حَرقوا. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {ذوقوا فتنتكم} (الذاريات:14)، قال مجاهد: حريقكم.   
 
٦- بمعنى (القتل)، قال تعالى: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} (النساء:101)، قال البغوي: أي: يغتالكم ويقتلكم. ونحوه قوله سبحانه: { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } (يونس:83)، أي: يقتلهم. 
 
٧- بمعنى (الصد عن السبيل والعدول عن الحق)، قال تعالى: {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} (المائدة:49)،
قال القرطبي : معناه : يصدوك ويردوك
قال الرازي: أي: يردوك إلى أهوائهم ، فإن كل من صُرف من الحق إلى الباطل فقد فُتن. ومنه قوله عز وجل: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} (الإسراء:73). 
 
٨- بمعنى (الضلالة)، ومنه قوله تعالى: {ومن يرد الله فتنته} (المائدة:41)، قال الشوكاني: أي: ضلالته. ونحو هذا قوله سبحانه: {ما أنتم عليه بفاتنين} (الصافات:162)، أي: بمضلين. 
 
٩- بمعنى (الحُجَّة والمعذرة)، من ذلك قوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا} (الأنعام:23)، أي: لم تكن حجتهم ومعذرتهم إلا قولهم: {والله ربنا ما كنا مشركين}، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. 
 
١٠- بمعنى (الجنون)، قال الله سبحانه وتعالى: {بأيكم المفتون} (القلم:6)، أي: بأيكم الجنون، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، واختاره الطبري، على اعتبار كون {المفتون} بمعنى (الفتون)، من باب حمل اسم المفعول على معنى المصدر. وكون (الجنون) فتنة ، من جهة أن العدول عن سبيل أهل العقول هو محنة وفتنة.

١١- الوقوع في المعاصي والنفاق  ،  كما في قوله تعالى في حق المنافقين : ( وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي) الحديد/ من الآية14
قال البغوي :أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي والشهوات . 

١٢- اشتباه الحق بالباطل : كما في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) لأنفال/73 فالمعنى : " إلا يوالى المؤمن من دون الكافر ، وإن كان ذا رحم به ( تكن فتنة في الأرض ) أي شبهة في الحق والباطل ." كذا في جامع البيان لابن جرير .

١٣-  اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم ، كما في قوله تعالى : ( ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ) أي يوقعوا الخلاف بينكم .
ومن ذلك فتنة المنافقين بتخذيل المؤمنين، ومحاولة التأثير على معنوياتهم وتخويفهم، وبث الفُرقة في أوساط المؤمنين، والتجسس عليهم، وتوصيل أخبارهم لأعدائهم ، كما في قوله تعالى: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 47 - 48

هذه أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (الفتنة) في القرآن. والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى، ومن العبد كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال المكروهة، ومتى كانت (الفتنة) من الله، فإنها تكون على وجه الحكمة، كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}
ومتى كانت (الفتنة) من الإنسان كانت على عكس ذلك، كما قال سبحانه: {يا قوم إنما فتنتم به} (طه:9) ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة نحو قوله: {والفتنة أشد من القتل}. 
قال ابن القيم رحمه الله : " وأما الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه أو يضيفها رسوله إليه كقوله: ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ) وقول موسى : ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ) فتلك بمعنى آخر وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب فهذه لون وفتنة المشركين لون ، وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر ، والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب علي ومعاوية وبين أهل الجمل ، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا و يتهاجروا لون آخر .  زاد المعاد ج: 3 ص:  170  . 

اللهم إنا نسألك أن تجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن ترزق المسلمين صلاحاً في أنفسهم وفي ولاتهم ،  وأن تدلَّهم على الرشاد ، وأن تباعد بينهم وبين أهل الزيغ والفساد ...
وأن يجعل الفتن التي ظهرت عاقبتها حميدة للمسلمين يارب العالمين .


والله أعلم
========
(١٤)
الثلاثاء ٦ شوال ١٤٣٤

الفرق بين "الخاطئ" و "المخطئ "
الفَرْق بين "خاطئين" و "مخطئين". فالمادة واحدة هي : "الخاء" و"الطاء" و"الهمزة".. والمعنى مختلف ..
"الخاطئ" فعله خطِئ : وهو الذي يتعمد الخطأ ، أو يواقع الذنب وهو يعلمه . ومنه خطاب العزيز لامرأته الوارد في قوله تعالى : (( وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ )). [يوسف/29].
وقال أخوة يوسف لما تابوا (( قالوا تالله لقد أثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين )).[يوسف/91].
(( قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين )).[يوسف/97].

وقوله تعالى : (( إن فرعون وهامان وجنودَهما كانوا خاطئين )).[القصص/08].

وقال تعالى : (( وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة )).[الحاقة/09 ].
(والمؤتفكات) أهلها ، وهي قرى قوم لوط (بالخاطئة) بالفعلات ذات الخطأ أي الذنب العظيم .

وقال تعالى : (( ناصية كاذبة خاطئة )).[العلق/19 ].

وقال تعالى : (( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِؤُونَ )).[الحاقة/37]. الخاطؤن : أي الكافرون .

وقال تعالى: (( إن قتلهم كان خطئا كبيرا )). [الإسراء/31].

وأما "المخطئ" : فهو الذي لا يتعمد الخطأ ، ولا يقع في الذنبَ إلا جهلا ، أو سهوا بلا قصد منه .

ومنه قوله تعالى : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) .[البقرة/286].
جاء في تفسير الجلالين : " ( ربنا لا تؤاخذنا ) بالعقاب (إن نسينا أو أخطأنا ) تركنا الصواب لا عن عمد ، كما آخذت به من قبلنا ، وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة ، كما ورد في الحديث ، فسؤاله اعتراف بنعمة الله ".

وكذلك قوله : (( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما )).[الأحزاب/05].
ومنه الحديث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه )).

وخلاصة القول كما يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
( الصوابُ : موافقة الحق ، والخطأ مخالفته ، ثم إن كان عن عمد فالمخالف خاطئ ، وإن كان عن غير عمد فالمخالف مخطئ ) .

والله أعلم
========

(١٣)
الأثنين ١٣رمضان ١٤٣٤

كلمة (الخير) ورد ما يقرب من مئة وثمانين مرة، جاء في معظمها (اسماً)، كقوله تعالى: {ذلكم خير لكم} (البقرة:45)، وجاء في سبعة مواضع فقط (فعلاً)، منها قوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} (القصص:66).
وكلمة (الخير) في الأصل اللغوي يدل على العطف والميل .
وقالوا (الخير) ضد الشر لأن كل أحد يميل إليه، ويعطف على صاحبه .
وقالوا (الاستخارة) وهي الاستعطاف، لأن المستخير يسأل خير الأمرين، ويُقدِم عليه .
و(الخِيَرة): الاختيار لأن المختار لأمر إنما هو مائل إليه، ومنعطف عليه دون غيره.
ثم توسعوا في هذا الأصل اللغوي، فقالوا: رجل خيِّر، أي: فاضل؛ وقوم خيار وأخيار، أي: من أفاضل الناس. و(الخير) من أسماء المال، والعرب تسمِّى الخيل: الخير؛ لما فيها من الخير.

ثم إن (الخير) في التعريف الاصطلاحي: ما يرغب فيه كل الناس، كالعقل، والعدل، والفضل، والشيء النافع، وضده: الشر .

و(الخير) يطلق على نوعين: أحدهما: خير مطلق، وهو أن يكون مرغوباً فيه بكل حال، كطلب الجنة. وثانيهما: خير نسبيٌّ، ويكون مقابلاً للشر، كالمال يكون خيراً للبعض، ويكون شراً لآخرين.

ولفظ (الخير) في القرآن على وجهين:
أحدهما: أن يكون (اسماً)، كقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران:104).
ثانيهما: أن يكون (وصفاً)، على تقدير صيغة (أفعل)، كقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} (البقرة:184)، أي: الصيام للمسافر أفضل من الفطر، ونحو ذلك قوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة:197)، أي: أفضل ما يتزود به قاصد البيت الحرام تقوى الله.

وورد لفظ (الخير) مقابلاً لـ (الشر) مرة، وورد مقابلاً لـ (الضُرِّ) مرة أخرى، فمن أمثلة مقابلته لـ (الشر)، قوله سبحانه: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة:7-8)، ومن أمثلة مقابلته لـ (الضر) قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} (الأنعام:17).

أما من حيث المعنى، فإن لفظ (الخير) في القرآن أطلق على معان، منها:

الأول:
المال، كقوله تعالى: {إن ترك خيراً} (البقرة:180)، فـ (الخير) هنا - كما قال القرطبي - المال من غير خلاف. وعلى هذا المعنى جاء أكثر استعمال القرآن للفظ (الخير).

الثاني:
الطعام، كقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} (القصص:24) .

الثالث:
القوة، كقوله سبحانه في حق مشركي العرب: {أهم خير أم قوم تبع} (الدخان:37)،
قال البغوي : يعني: أقوى، وأشد، وأكثر من قوم تُبَّع، وقال ابن عاشور: "المراد بالخيرية: التفضيل في القوة والمَنَعَة". وعلى هذا المعنى قوله تعالى: {أكفاركم خير من أولئكم} (القمر:43).   

الرابع:
العبادة والطاعة، كقوله سبحانه: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات} (الأنبياء:73)، قال القرطبي: "أي: أن يفعلوا الطاعات".

الخامس:
حُسْن الحالة، كقوله تعالى حاكياً قصة شعيب عليه السلام مع قومه: {إني أراكم بخير} (هود:48)، قال الطبري: "يدخل في خير الدنيا: المال، وزينة الحياة الدنيا، ورخص السعر، وقال ابن عاشور: "الخير: حسن الحالة".

السادس:
التفضيل، من ذلك قوله تعالى: {أولئك هم خير البرية} (البينة:7)، أي: المؤمنون بالله حق الإيمان أفضل الخلق أجمعين. 

السابع:
القرآن، وذلك في قوله تعالى: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} (النحل:30)، قال القرطبي: "المراد: القرآن".  

وعلى ضوء هذه المعاني للفظ (الخير)، نسلط الضوء على بعض الآيات التي هي على صلة وثيقة بهذا اللفظ، لننظر ماذا تفيد من معنى.


فقوله تعالى: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} (الأعراف:188)، المراد بـ (الخير) في هذه الآية الكريمة: المال - على ما رجحه الشنقيطي وغيره - ويدل على ذلك كثرة ورود الخير بمعنى (المال) في القران، كقوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} (العاديات:8)، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، في معنى الآية، قال: {لاستكثرت من الخير}، أي: من المال.

وقوله سبحانه: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} (فصلت:49)، قال الطبري: "الخير في هذا الموضع: المال وصحة الجسم"، وقال القرطبي: "والخير هنا: المال، والصحة، والسلطان، والعز"، ويقوي هذا المعنى قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية: (لا يسأم الإنسان من دعاء المال).


وقوله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير} (الحج:36)، قال الطبري: {لكم فيها خير}: الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها، وفي الدنيا: الركوب إذا احتاج إلى ركوبها. ونحو هذا قال البغوي. 

وقوله سبحانه: {أشحة على الخير} (الأحزاب:19)، قال بعض المفسرين أن الخير هنا الغنيمة التي يصيبها المسلمون في المعركة. وقال آخرون: الخير هنا: المال المنفق في سبيل الله. وقال فريق ثالث: الخير هنا بمعنى المودة بالمسلمين، والشفقة عليهم.

وقريب من هذه الآية قوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} (البقرة:105)، فالمراد بـ (الخير) هنا شرعة الإسلام، قال ابن كثير: "ينبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم".  

وقوله تعالى: {إني أحببت حب الخير} (ص:32)، قال ابن العربي: "يعني: الخيل، وسماها (خيراً)؛ لأنها من جملة المال الذي هو خير بتسمية الشارع له بذلك". وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (إني أحببت حب الخيل).  

وقوله تعالى: {فيهن خيرات حسان} (الرحمن:70)، فـ (الخيرات) في الآية: حور العين، وصفن بذلك إما لأنهن خيِّرات الأخلاق. وإما لأنهن مختارات، اختارهن الله، فأبدع خلقهن باختياره.

ختاماً، فإن لفظ (الخير) كغيره من ألفاظ القرآن، لا يُفهم المراد منه تماماً إلا من خلال معرفة السياق الذي ورد فيه، فعلى الرغم من أنه قد ورد في كثير من الآيات القرآنية بمعنى (المال)، إلا أنه قد ورد في آيات غير قليلة على غير هذا المعنى، مما يحتم ضرورة معرفة السياق الذي ورد فيه هذا اللفظ أو ذاك. 
والله اعلم
========
(١٢)
الأحد ٢٨ شعبان ١٤٣٤

كلمة ( الأخ ) في القرآن واسع الدلالة ويأتي على ستة أوجه: 
الوجه الأول:
يعني: الأخ لأبيه وأمه أو من أحدهما ، كقول الله جلّ وعلا عن موسى أنه ناجى ربه بقوله: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً) فهارون عليه السلام أخٌ لموسى من أمه وأبيه.
وقوله تعالى في سورة المائدة لابن آدم: {فطوعت له نفسه قتل أخيه} [30]، من أبيه وأمه
وقال: {فأواري سوءة أخي} [31]. وقال في سورة النساء: {فإن كان له إخوة} . 
وقال: {وله أخ أو أخت}
ونحوه كثير. 

الوجه الثاني:
الأخ في النسب، وليس من أمه وأبيه. فذلك قوله في سورة هود: {وإلى عاد أخاهم هودا} [50]: ليس بأخيهم في الدين، ولكن أخوهم في النسب، 
ومثله قوله: {وإلى مدين أخاهم شعيبا} [الأعراف: 85] .

الوجه الثالث:
بمعنى الشبيه سواء كان تشابهاً في الاعتقاد أو تشابهاً في الأفعال ومنه قول الله جل وعلا في سورة الأعراف: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا) بمعنى لعنت شبيهتها ومثيلتها في الاعتقاد والأفعال الكفرية .
ومنه الأخ في الدين والولاية في الشرك فذلك قوله في الأعراف:{وإخوانهم يمدونهم في الغي } ، يعني: إخوان الشياطين من الكفار في الدين والولاية في الشرك يمدونهم، {في الغي} ،
وكما قال في بني إسرائيل: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} ، يعني في الدين والولاية. 
وقوله تعالى: { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } (الزخرف:84)، فـ ( الأخوة ) بين الآيات أخوة مجازية، وليست حقيقية .

الوجه الرابع:
الأخ في دين الإسلام  ، قال الله سبحانه في سورة الحجرات للمسلمين: {إنما المؤمنون إخوة}  يعني في الدين والولاية. 
وقال: {فأصبحتم بنعمته إخوانا} [آل عمران: 103]. يعني: في دين الإسلام والولاية. 

الوجه الخامس:
الأخ في الحب والمودة. فذلك قوله في الحجر: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا}، يعني: في الحب والمودة، بعضهم لبعض، {على سرر متقابلين} [47]. 

الوجه السادس: 
بمعني الصاحب والشريك قال الله جل وعلا في سورة ص: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) أي شريكي...
وقال في الحجرات: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} يعني لحم صاحبه. 
========
(١١)
 الثلاثاء ٢٥ رجب ١٤٣٤

معاني (البأس) في القرآن :

كلمة (بأس) وردت في القرآن على ثلاثة معاني:
 ١- بمعنى اللأواء والشدة والتضييق  { الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء}،
ومنه قول الله جل وعلا: 
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } سورة البقرة - (214)
وقوله سبحانه : { وَالصّابِرينَ فِي البَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولئِكَ الّذينَ صَدَقُوا وَأُوْلئِكَ هُمُ المُتَّقُون } البقرة (177).
وقال سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون } - سورة الاَنعام ( 42)
وقال سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَهَا بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرّعُون } سورة الاَعراف ( 94).

 ٢- بمعنى العذاب وهو صريح آية الكهف {لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا}، 
قال الله جل وعلا في أول سورة الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)}.
ونظيره قول الله جل وعلا في غافر: {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا} والمقصود عذاب الله،

٣- بمعنى القتال والمعركة :
ويدل عليه قول الله جل وعلا في سورة النمل : ( قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ).
وقوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
وقوله تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} وقال: {وَحِينَ الْبَأْسِ} .
وفي سورة الأحزاب: {وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} أي لا يشهدون المعركة إلا أنهم يريونك وجوههم ثم ينصرفون ،  معنى البأس هنا: القتال واحتدام المعركة .
========
(١٠)

ترد كلمة ( الأمة ) في القرآن الكريم على أربعة معان :

ـ أمة بمعنى الطائفة قال تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) .

ـ أمة بمعنى الملة قال تعالى : ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) .

ـ أمة بمعنى السنين قال تعالى : ( وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ) أي بعد زمن .

ـ أمة بمعنى القدوة والإمام قال تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا ) . 

ابن عثيمين -شرح كتاب رياض الصالحين ص352 .
========
(٩)

كلمة ( أم ) في القرآن وردت على معانٍ عدة ، منها:

• الأُم التي ولدت:
ومنهُ قول الله تعالى: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} (طه/٤٠)
ولا ريب أن أُم موسى هي التي ولدته.

• أصلُ الشيء :
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} (آل عمران/٧)
أي أصلُ الكتاب.

• وجاءت بمعنى المآل:
قال الله تعالى: { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } (القارعة/٩)
أي منقلبهُ إلى الهاوية.

• وجاءت بمعنى الظئر :
الظئر هي المُرضع قال الله جل وعلا: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ } (النساء/٢٣) 
ليس أُمك التي ولدتك وإن الأُم الظئر هنا المُرضعة.

• وجاءت الأُم مقصُود بها مكة :
قال الله جل وعلا: { لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى } (الشورى/٧)

• وأُمهات المؤمنين اللاتي هُنّ أزواجُ نبيُنا صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ} (الأحزاب/٦) .

• وجاء في الحديث أن أُم الكتاب : هي الفاتحة .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قرأْتُمُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فاقرؤُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّها أمُّ القرآنِ ، و أمُّ الكتابِ ، و السَّبْعُ المَثَانِي ، و بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِحْدَى آياتِها " . صححه الألباني

========
(٨)
معاني الوفاة :
الوفاة في القرآن تأتي على ثلاثة معان: 1- تأتي بمعنى الموت،:
ومن ذلك قول الله تعالى: ثُمَّ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا [الأنعام:61]. 

2- وتأتي بمعنى النوم:
كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام:60]، وقول الله في سورة الزمر اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42]. 

3- وتأتي بمعنى الرفع:
ومنه قول الله لعيسى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55]. 

والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ قال (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) فسمى النوم موتة صغرى. 
========
(٧)

كلمة (مولى) لفظ مشترك لعدة معان: فيأتي بمعنى المعتِق، 
ويأتي بمعنى المعتَق، فيقال للسيد الذي أعتق: مولى، 
ويقال للعبد الذي أُعتق: مولى. 
ويقال (مولى) بمعنى: مالك الملك، يقول الله جل وعلا {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحق } - [الأنعام:62] 
أي: ملكهم. 
وأما قول الله في سورة محمد: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا [محمد:11] أي: ناصرهم، وقول الله وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11] أي: لا ناصر لهم، و إلا فالكفار والمؤمنون ملك لله. فمعنى (مولى) في سورة محمد: ناصر، ومعنى (مولى) في سورة الأنعام: مالك الملك، والله مالك أهل الكفر وأهل الإيمان، أما أن الله ناصر لأهل الإيمان فلا شك في ذلك، وليس الله بنصير لأهل الكفر. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) أي: من كنت ناصره وحاميه فعلي ناصره وحاميه، فهذا معنى (مولى) في هذا الحديث الشريف. فيتحرر من هذا أن (مولى) لفظ مشترك لعدة معان، وهو في سورة الأنعام بمعنى مالك الملك، ولا شك في أن الله مالك للعباد كلهم. ...... 
========
(٦)
كلمة ( الضرب ) في القرآن:

ورد (الضربُ) على معانٍ منها:

• السيرُ سراعا في الأرض: 
مثل قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } (النساء:101)، وقوله جل شأنه: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ} (البقرة:273) أي سيراً في الأرض، وغيرها.

• وتأتي (الضرب) بمعنى الإيذاء ويكون في القرآن على نوعين:

- ضربٌ بالسيف مثل قوله تعالى: (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:12) واضح أنها بالسيف،

- ويكونُ بالسوط أو بالشيء اليسير أو باليد ومنهُ قول الله تعالى في تأديب النساء: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (النساء:34).

• وتأتي بمعنى الإلصاق واللزوم :
قال الله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) 
(آل عمران:112) 
وقال جل ذكرهُ: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (الكهف11).

• وتأتي بمعنى الإعراض :
قال الله تعالى : ( أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} (الزخرف:5) .

. وتأتي بمعنى الوصف:
قال الله تعالى :{ وضربنا لكم الأمثال} (إبراهيم/٤٥)
ضربنا بمعنى وصفنا . 
========
(٥)
كلمة ( وراء ) جاءت في القرآن على عدة معان ، من أشهرها أربعة :


١- بمعنى أمام (زمانياً ومكانياً)
• أما بمعنى أمام زمانياً ، قول الله جل وعلا: { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } .
وقوله: { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ } .
وقوله: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

• وأما مكانياً :
فدليلها قوله تعالى في خبر الخضر مع موسى - عليه السلام  - : ( وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} .
أي أمامهم - مكاناً - ملك يأخذ كل سفينة غصبا .

٢- بمعنى خلف :
وهو الأصل في استخدامها اللغوي ، قال تعالى : ( وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} .
وظهر الإنسان خلفه وليس أمامه .

٣- بمعنى غير أو سوى : 
قال الله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ، ثم ذكر المحصنات ، ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُ} ، أي: ما سوى ذلك .
 
وقال جل وعلا: { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} أي: غير ذلك { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} .

٤- بمعنى بعد :
قال تعالى : {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} .

وكذلك دلت اللغة على ذلك :
فمثلاً يأتيك شخص يتسحر عندك في رمضان، وأنت حريص بكرمك على أن تطعمه، فرأيت هذا الضيف لا يأكل كثيراً، فأنت حتى ترغبه في الطعام، تقول له كل فإن وراءك ستة عشر ساعة صيام. 
ومعنى وراءك: أمامك. 
حتى اللغة دلت عليها، يقول لبيد : 
أليس ورائي إن تراخت منيتي...
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع

إن تراخت منيتي يعني: لم تأتني المنية ورائي. 
وقوله: تحنى عليه الأصابع يعني: يحدودب ظهري، وسأستخد
عصى، وأحني عليها أصابعي. فقصد بقوله: أليس ورائي. أن ليس أمامي .
========
(٤)

لفظ " المحصنات " أُطلق في القرآن ثلاثة إطلاقات : 

الأول :
المحصنات : العفائف ، ومنه قوله تعالى { محصنات غير مسافحات } ، أي : عفائف غير زانيات . 

الثاني :
المحصنات : الحرائر ، ومنه قوله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ، أي: على الإماء نصف ما على المحصنات من الجلد . 

الثالث :
أن يراد بالإحصان : التزوج ، ومنه - على التحقيق - قوله تعالى { فإذا أحصنَّ فإن أتين بفاحشة } الآية ، أي : فإذا تزوجن .

قال الامام القرطبي - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى : " والمحصنات " والتحصن : التمنع ومنه الحصن لأنه يمتنع فيه .
والحصان ( بفتح الحاء ) : المرأة العفيفة لمنعها نفسها من الهلاك . 
وحصنت المرأة تحصن فهي حصان
و يقال : امرأة محصنة أي متزوجة .
ومحصنة ومحصنة وحصان أي عفيفة ، وممتنعة عن الفسق.
========
(٣)

" عَسَى " مِن الله في القرآنِ وَاجِبة .
وذلك في مثل قوله تعالى : { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا } (النساء: من الآية84) 
وفي مثل قوله تعالى :{فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} (النساء:99) .
قال الشيخُ ابن عثيمين : ( " عَسَى " بمعنى الرجاء إذا وقعتْ مِن المخلوق ؛ فإنْ كانت مِن الخالقِ فَهِيَ للوقوعِ ) .
وذكر أنّ معنى واجبة أي واقعة حَتْمًا . وعلّل ذلك بأنّ الرجاء في حقِّ الله تعالى غير وارد ؛ إذْ إنّه المتصرّف المدبّر ، والرجـاء إنّما يكون ممّن لا يملك الشيء فيرجـوه مِنْ غيره .
وذكر رحمه الله أنّ سبب مجيئها على صيغة التَّرَجِّـي : حتى لا يأمنَ الإنسـانُ مَكْرَ الله .
وقال الزركشيُّ :"والعرب قد تُخْرج الكلام المتيقّن في صورة المشكوك ؛ لأغراض".
وقد نسبَ الشيخُ هذه القاعدة إلى ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما .
وقد استثنى بعضُ المفسّرين مِنْ هذه القاعدة آيتين هما :
قوله تعالى : { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } (الإسراء:من الآية8) يعني :بني النضير فمـا رحمهم الله ،بلْ قاتَلهم رَسُـول الله ، وأوْقع عليهم العقوبة .

والثانية : 
قوله تعالى :{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} (التحريم:من الآية5) فلَمْ يقع التبديل .
قالَ السيوطيّ :" وأبطل بعضهم الاستثناء ، وعمّم القاعدة ؛ لأنّ الرحـمة كانت مشْروطة بألاّ يعودوا ، كما قالَ:{ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} (الإسراء:من الآية8) وقد عادوا ، فوجبَ عليهم العذاب ، والتبديلُ مشْروطٌ بأنْ يُطلِّقَ ولَمْ يُطلِّقْ ، فلا يجب ".
ولِذا فهذه القاعدة كلِّيةٌ لَمْ يُسْتثن منها شيءٌ على الصحيح .
========

(٢)

لفظ :
" مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِه "
" مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ "

تأمل قول الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي َأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْء ٍفَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِن َالنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْم ٍيُؤْمِنُونَ } الآية ( 99 ) من سورة الأنعام .
وقوله تعالى في نفس السورة : {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَيُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } الآية (141).

فقد استعمل الحق جل وعلا في الآية الأولى ( مشتبهاً ) وفي الآية الثانية ( متشابهاً ) فما الفرق ؟
وما السر في ذلك ؟

الجواب:
يرى البعض أن الكلمتين بمعنى واحد وهذا غير دقيق لأنك إذا تأملت تجد أن هناك فرقاً دقيقاً في المعنى بينهما .أراده الله تبارك وتعالى ، ولايمكن وضع إحداهما مكان الأخرى.
فمشتبهاً من الاشتباه والفعل اشتبه أكثر ما يفيد الالتباس والإشكال فأقول هذا الشيء اشتبه علي بمعنى التبس .
والاشتباه هو شدة التشابه وكثرته بحيث يؤدي ذلك إلى الاشكال ويقال اشتبه عليه الأمر إذا أشكل عليه والتبس ويقال اشتبهت عليه القِبلة. واشتبه أكثر من تشابه وقد يؤدي إلى الاختلاط بين الشيئين بحيث لا يمكن أن يميّز بينهما .


أما التشابه فأكثر ما يفيد التشابه بين شيئين سواءً أدى ذلك إلى الالتباس أم لم يؤد .
والتشابه قد يكون في وجه من الأوجه أو في أمر بسيط لكن لا يصل لدرجة الاشكال والاشتباه.

إذن هناك فرق بين قولك , هذا الشيء اشتبه بكذا أي التبس . وقولك هذا الشيء تشابه بكذا أي وجد شبه بينهما .
ولو تأملت الآية الأولى التي ورد فيها متشابها لأدركت أن الحق جلت قدرته يبين في سياق الآية الدلالة على قدرته وآياته الباهرة في خلقه , فيتحدث الحق جل وعلا عن المراحل الأولى في إنبات النبات فيشير إلى أنه أنزل من السماء ماء ً فأخرج به نبات كل شيء فأخرج منه خضراً , مشيراً إلى تسلسل عملية النمو والإنبات , والنبات في هذه المرحلة يحتاج إلى دقة تأمل ونظر واعتبار , فهو في مرحلة (( اشتباه )) أي يلتبس نوعه وشكله , ولذا لفت الحق الأنظار بعد أن قال مشتبهاً وغير متشابه فقال (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه) , فهذه دعوة للتأمل والاعتبار، ولذا لا بد من (متشابها)

ثم ختم الآية الكريمة بقوله تعالى ( إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون )

أما في الآية الثانية التي استعمل الحق فيها متشابهاً فتجد الحق تبارك وتعالى يبين كمال قدرته في إنشاء الجنات المعروشات وغير المعروشات مبيناً قدرته في إتمام نضج الثمار , ولذا يذكر هنا والنخل والزرع مختلفاً أكله , فكلمة ( أكله ) تعني أن الثمار قد اكتملت ونضجت وأصبحت صالحة للأكل , ولذا فالثمار هنا متشابهه وليست مشتبهة ، أي متشابهاً في منظره وغير متشابه في طعمه .
بخلاف الآية الأولى ولذا قال: بعدها هنا ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) , فهذا أمرُ بالأكل , بخلاف الآية الأولى , كان الأمر فيها بالنظر والتأمل , وبعد هذا ألا يدرك صاحب أدنى تأمل أن هناك فرقاً بين( مشتبهاً ,ومتشابها), وأنه لا يمكن استعمال الكلمة منهما مكان الأخرى ؟
ومن العجيب أن القراء جميعاً اتفقوا على قراءة الكلمتين كل كلمة في موضعها ,بلفظها دون اختلاف وهذا دليل على أن القراءات وحي منزل من عند الله تعالى لا اجتهاد لأحد فيها .

قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله - فى أضواء البيان :
قوله تعالى: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ}, 
وقوله أيضاً: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ}, 
أثبت في هاتين الآيتين التشابه للزيتون والرمان ونفاه عنهما .
والجواب: ما قاله قتادة - رحمه الله - 
من أن المعنى متشابها ورقها ، مختلفا طعمها .
والله تعالى أعلم .
=========
(١)

لفظة " يعدلون " .. فهي من الألفاظ المشتركة ..المتضادة المعاني.
وتأتي بمعنى : يقسطون .
يعدلون : من الفعل عدل ، والعدل هو المساواة .
وتأتي بمعنى : يظلمون ويشركون .

أولا : " يعدلون : بمعنى يشركون ..وهو أعظم الظلم... 

قال تعالى : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1)).[سورة الانعام]. أشركوا به.
قال ابن كثير : " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده وجعلوا له شريكا وعدلا واتخذوا له صاحبة وولدا تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا ".
وقال تعالى : (( وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )).[الانعام/(150)].أي : يشركون به ويجعلون له عديلا .
وقال تعالى : (( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ )). [النمل/(60)]. 
جاء في تفسير الجلالين : " (بل هم قوم يعدلون) يشركون بالله غيره ".

ثانيا : " يعدلون : من العدل وهو القسط والمساواة .
قال تعالى : ((وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ )).[الأعراف/(159) ]. يعدلون في الحكم ، أي يقسطون .
وقال تعالى : (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)).[ الأعراف].
قال القرطبي : 
" في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هم هذه الأمة ) وروي أنه قال : ( هذه لكم وقد أعطى الله قوم موسى مثلها ) .وقرأ هذه الآية .
وقال : (( إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم )) . فدلت الآية على أن الله عز وجل لا يخلي الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق ".

وجاءت كلمة " عدل " أيضا في القرآن والسنة بمعنى : فداء 
قال تعالى : (( وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ )).[البقرة/(48)].
جاء في تفسير الجلالين :
" (واتقوا) خافوا (يوما لا تجزي) تغني (نفس عن نفس) فيه (شيئا ولا يقبل منها عدل) فداء (ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون) يمنعون من عذاب الله ".

وقال تعالى : (( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ )).[الأنعام/(70)]. أي : تفد كل فداء ، ولو بذلت كل مبذول ما قبل منها .

ومنه الحديث الصحيح : حيث وردت لفظة " عدل " بمعنى فدية ، أو فرض .
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ ، وَقَالَ : ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ )).رواه البخاري ومسلم.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ –أي البخاري -عَدْلٌ : فِدَاءٌ .
وصرف : أي الفريضة ، وقيل التوبة.
_______________________
مقدمة :
فهم القرآن حق فهمه سبب لوجود الألفة، واجتماع القلوب، وزوال الخلاف المذموم، الذي ينشأ عنه الافتراق والاقتتال، وعدم فهمه سبب لوجود الخلاف والشقاق؛ عن إبراهيم التيمي قال: خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه؛ كيف تختلف هذه الأمة، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة؟ فأرسل إلى ابن عباس، فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد، وقبلتها واحدة، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرآناه، وعلمنا فيم نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا.
وفي القرآن من الكنوز والأسرار، والمعارف والعلوم ما يختص به أهل العلم، كل بحسبه؛ فأهل اللغة يعرفون من دقائق إعرابه وبلاغته وأوجه البيان فيه ما لا يعرفه غيرهم، والفقهاء يعرفون من أحكام الحلال والحرام فيه، وأوجه الاستدلال، وأنواع الأحكام، ما لا يعرفه غيرهم.. وهكذا.

هناك 3 تعليقات:

  1. جزاكم الله خيرا

    ردحذف
  2. ممكن تجمع المقال على هيئة pdf

    ردحذف
  3. السلام عليكم شكرا اخي قرأتها وزدت عليها ايات اخرى من هذا الموقع فيه ايات العذاب والحرق مكتوبة
    https://www.roqya.info/2024/07/blog-post.html

    ردحذف