الصفحات

الجمعة، 5 أبريل 2013

ومضات وقبسات ( متجدد ) :


الحلقة (٢٧) :
السبت ٢٦ جماد الآخرة ١٤٣٨ هـ

[قال له الرسول : (أما ترضى أن أكون أنا أباك وعائشة أمك ؟) ]



اسمه بَحِير ، وغيره الرسول - عليه السلام - إلى بشير .


كان في لسانه رتة (عقدة) فنفث النبي في فِيه فانحلت العقدة من لسانه !


مسح النبي - عليه السلام - بيده على رأس هذا الصحابي فكان موضع يده عليه أسود وسائره أبيض !!


فمن هو ؟


▪️حدثنا حجر بن الحارث سمعت عبد الله بن عوف يقول : سمعت بشر (وقيل بشير) بن عقربة يقول : " استشهد أبي مع رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في بعض غزواته فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي ، فقال لي : اسكت أما ترضى أن أكون أنا أباك وعائشة أمك ؟ قلت : بلى " .


▪️حدثنا الحسن بن بشر حدثنا أبي أنه سمع أباه الحسن بن مالك بن ناقد عن أبيه عن جده سمعت بشير بن عقربة الجهني - رضي الله عنه - يقول : " أتى أبي عقربة الجهني إلى النبي - صلى الله عليه و سلم - فقال : من هذا معك يا عقربة ؟

قال : أبني بحير ، قال ادنُ فدنوت حتى قعدت على يمينه ، فمسح على رأسي بيده ، وقال : ما اسمك ؟

فقلت : بَحِير يا رسول الله ، قال لا ؛ ولكن اسمك بشير ، وكانت في لساني عقدة فنفث النبي - - صلى الله عليه و سلم - في فِيِّ فانحلت العقدة من لساني وابيض كل شيء من رأسي ما خلا ما وضع يده عليه فكان أسود " .


▪️قال ابن عبدالبر : مات بشر بن عَقربة الجهني بعد سنة خمس وثمانين  .

وقال ابْنُ حِبَّانَ : مات بقرية من كور فلسطين .


رضي الله عنه وأرضاه


📚 [الإصابة في تمييز الصحابة - ابن حجر ]


=========
(٢٦)
الجمعة ٢٢ ذي الحجة ١٤٣٧ هـ

[ هل الإسلام ظلم المرأة في الميراث ؟ ]


• من مجموع (٣٤) حالة ؛ (٤) حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل .
فهل يُعقل بعد هذا أن يأتي أحدهم فيقول : إن الإسلام ظلم المرأة في الميراث ؟

• إن من الشبهات التي أثيرت حول الإسلام وعدالته ؛ مسألة إنصاف المرأة في الميراث وإحقاقها حقها أسوةً بالرجل ، حيث أُخذ على الإسلام من قبل المستشرقين غير المنصفين ، وأعداء الإسلام المشككين محاباته للرجل على حساب المرأة ، وانحيازه له دونها ، وذلك حين جعل نصيبها من مال المورث على النصف من نصيب الذكر !!
وظنوا أنهم بهذه الفرية قد أصابوا من الإسلام مقتلا ، وما دروا أنهم إنّما سفهوا بذلك عقولهم ، وعابوا على أنفسهم وما يدّعون من العلم والمعرفة والعدالة . 

• ويكفي من أهمية هذا الأمر أن الله - سبحانه وتعالى - تولى توزيع الإرث بنفسه ولم يفوض ذلك إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل  ، كما جاء بالتفصيل في سورة النساء ، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً﴾ (النساء/٧)
جاء في تفسير الطبري : " ذُكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، وقال ابن زيد: كان النساء لا يورثن في الجاهلية من الآباء، وكان الكبير يرث، ولا يرث الصغير وإن كان ذكراً، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وطاعن بالرمح وضارب بالسيف وحاز الغنيمة " . انتهى 

• إن من الخطأ تعميم القول بأن المرأة في الميراث الإسلامي تأخذ نصف نصيب الرجل ، بل الحق أن المرأة لها أربع حالات :
١- أن تأخذ المرأة نصف الرجل .
٢- أن تأخذ المرأة مثل الرجل .
٣- أن تأخذ المرأة أكثر من الرجل .
٤- أن ترث المرأة ولا يرث الرجل .


• إن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت في علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة في هذا الموضوع . 
وهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث الأربع والثلاثون الرئيسية يبين لنا الآتي :

👈🏻 (١٠) حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً ، 
👈🏻 و (١٠) حالات أخرى ترث فيها المرأة أكثر من الرجل ، 
👈🏻 و (١٠) حالات تأخذ المرأة الإرث كاملاً وتحجب فيها الرجل .
👈🏻 بينما (٤) حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل !!

فهل يُعقل بعد هذا أن يأتي أحدهم فيقول : إن الإسلام ظلم المرأة في الميراث ؟

• ليست الذكورة والأنوثة محدداً في المواريث ، بل تتأسس على ثلاثة معايير:

أولها:
درجة القرابة بين الوارث ـ ذكرا كان أو أنثى ـ وبين المُورِّث ـ المتوفّى ـ فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث .

ثانيها:
موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال... فالأجيال التي تستقبل الحياة عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثِين ، فالبنت ترث أكثر من الأم ـ وكلتاهما أنثى ـ بل وترث أكثر من الأب!
والابن يرث أكثر من الأب ، وكلاهما من الذكور .

ثالثها:
العبء المالي الذي يوجب الشرع على الوارث القيام به حيال الآخرين ، وهذا هو المعيار الذي يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى ، قال تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ } ، 
ومن الحكمة التي يذكرها العلماء في كون نصيب المرأة على النصف من نصيب الرجل في بعض الحالات : أن المرأة ليست مكلفة بالنفقة على نفسها أو بيتها أو أولادها ، ولا بدفع المهر عند زواجها ، وإنما المكلف بذلك الرجل ، كما أن الرجل تعتريه النوائب في الضيافة والدية والصلح على الأموال ونحو ذلك . وحالات هذا التمييز محدودة جدا إذا قيست بعدد حالات المواريث .

• الحالات والأمثلة تجدونها في كتب المواريث ، ولله الحكمة التامة فيما قدر وشرع ، وحسبنا قوله عز وجل : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } (الأحزاب/٣٦)

________
(٢٥)
الثلاثاء ١٠ شعبان ١٤٣٧ هـ

[الذين ملكوا الأرض ..]

جاء في " البداية والنهاية - لابن كثير " ، وابن جرير الطبري في تفسيره ، وأكثر المصادر تنسب هذا الكلام إلى مجاهد - رحمه الله -  :

مَـلَكَ الأرض - شرقها وغربها - مؤمنان وكافران :
• فالمؤمنان :
- سليمان بن داود - عليهما السلام .
- و ذو القرنين ،

• والكافران:
- بختنصر 
- النمرود ،

لم يملكها غيرهم ، وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ، زيادة : (وسيملكها خامس من هذه الأمة) . (اهـ)

• سليمان - عليه السلام :
لا شك أنه - عليه السلام - أعظمهم حكماً على الإطلاق ، وصار له المُلك التام ، والتمكين العظيم  مع النبوة والعلم ، وسخر  له الإنس والجن والطير والريح .

• ذو القرنين :
المذكور في سورة الكهف ، 
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :
" هو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ، ويقال إنه طاف معه بالبيت ، فالله أعلم " .

• بختنصر :
كان ملكاً على بلاد بابل في العراق ، وقبل أن يصبح ملكاً كان قائد جيش جرار قوامه مائة ألف مقاتل وكان معروف للعالم بشراسته وقوته .

• النمرود بن كنعان :
ملك جبار متكبر كافر بالنعمة مدعي الربوبية ، حَكَم العالم من مملكته في بابل في العراق
وهو الذي جادل الخليل إبراهيم - عليه السلام  - ، فكانت نهايته أن عذبه الله بحشرة ( البعوضة) .

========

(٢٤)
السبت ١٧ جمادى الآخر ١٤٣٧ هـ

[قِصَار السُوَر ،لا صِغَار السُوَر]

ينبغي لصاحب القرآن أن لا يقول: (سورة صغيرة) ، إنّما يقول: (سورة قصيرة)
ولا يقول: (سورة خفيفة) ، إنّما يقول : (سورة يسيرة) ، تعظيماً للقرآن ، فقد كان السلف يقولون: (قصار السور). 

• عن عاصم بن سليمان الأحول قال:  قال خالد الحذّاء لابن سيرين: سورة خفيفة ، فقال ابن سيرين: (من أين تكون خفيفة ؛ والله تعالى يقول: { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} ؟
ولكن قل: يسيرة ، فإن الله تعالى يقول : {ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر} .

• وفي (فضائل القرآن) لأبي عبيد القاسم بن سلام قال: "  أخْبَرَنا أبو عبيد ، حَدَّثَنا أبو إسماعيل المؤدب عن عاصم قال رجل لأبي العالية: سورة صغيرة أو قال: قصيرة فقال: أنت أصغر منها وألأم ، القرآن كله عظيم " . أهـ

• وقد أجاز هذه العبارة بعض أهل العلم ، ففي (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي - رحمه الله تعالى - قال: " أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْمُفَصَّلُ فَقَالَ: وَأَيُّ الْقُرْآنِ ليست بِمُفَصَّلٍ ، وَلَكِنْ قُولُوا قِصَارُ السُّوَرِ وَصِغَارُ السُّوَرِ " .
والأدب ما تقدم .

=======
(٢٣)
الإثنين غرة ربيع الآخر ١٤٣٧ هـ

 [من وسائل الثبات عند الفِتَن والأزَمَات]

١- الإيمان بالله :
قال تعالى: {يُثبّتُ اللهُ الذِينَ آمنوا بالقوْلِ الثّابتِ في الحيَاةِ الدُّنيَا وفي الآخرةِ } (إبراهيم/٢٧)
فبقدر إيمان المرء يكون تثبيت الله له .

٢- ملازمة ذكر الله والإكثار منه :
قال عز وجل: { فَاثبتوا وَاذكُرُوا اللهَ كثيراً لعلّكُم تُفلِحُون } (الأنفال/٤٥).

٣- تأييد الله تعالى :
قال تعالى: { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } (الإسراء/٧٤)
وقوله: { إذْ يُوحي رَبُّكَ إلى الملائكةِ أَني مَعَكُمْ فثبتوا الذين آمنوا} (الأنفال/١٢)
وذلك بتثبيت الله للمؤمنين وتهيئة الأسباب الكونية والشرعية والربط على القلب والتأييد بالملائكة .

٤- نصرة العباد لله من أعظم ما يثبتهم :
قال الله تعالى : {يَا أيُّها الذينَ آمنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } (محمد/٧)

٥- القرآن والعمل به من أعظم المثبتات :
قال تعالى : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بالحَقِّ ليثبتَ الذِينَ آمنُوا وَهدى وَبُشْرى للمُسلمِينَ} (النحل/١٠٢)
كما أن الاستمرار في تأمل معاني القران والعيش معه مما يثبت المؤمن ، قال تعالى : {وقالَ الذينَ كفرُوا لولاَ نُزِّلَ عليهِ القرآنُ جُمْلَةً واحِدةً كذلكَ لنثبتَ بهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلنَاهُ تَرْتيلاً} (الفرقان/٣٢)
وكذلك فإن العمل بمواعظ القرآن يزيد هذا الثبات قوة وشدة  ، قال تعالى : {وَلوْ أنّهُمْ فَعلوا مَا يُوعظُونَ بِهِ لَكانَ خيراً لهُمْ وأشدَّ تثبيتاً } (النساء/٦٦)

٦- التأمل في قصص الأنبياء والصالحين:
قال تعالى : {وكُلاًّ نَقُصُّ عَليكَ مِنْ أنْباءِ الرُّسُلِ مَا نثبِّتُ بهِ فُؤادَكَ} (هود/١٢٠)

٧- الدعاء بالثبات :
قال تعالى : {ولمَّا برزُوا لجَالُوتَ وجُنُودِهِ قَالوا رَبَّنا أَفرِغْ عَلينَا صَبْراً وثبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلى القَومِ الكَافرِينَ } (البقرة/٢٥٠)
وقوله : {ومَا كانَ قَولهُمْ إلا أَنْ قالوا رَبَّنَا اغْفِرْ لنَا ذُنُوبَنَا وإِسْرَافنَا في أَمْرِنَا وثَبِّتْ أَقْدامَنَا وَانْصُرْنَا عَلى القَومِ الكَافِرِينَ } (آل عمران١٤٧)
وكان أكثر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " .

فاللهم ثبت قلوبنا على دينك 
 
========
(٢٢)

الجمعة ٢٣ محرم ١٤٣٧ هـ

[ حيوانات تَكَلمَتْ وجمادات تَألَمَتْ ]

محتويات الموضوع تشتمل على ما يلي :

• نملة تتكلم 
• هدهد يتكلم 
• جَمَلٌ يشتكي 
• بقرة تتكلم 
• ذئب يتكلم
• شاة تخبر الرسول بأنها مسمومة
• ظبية تقول للرسول : (أنَّ لي خشفيْنِ في هذا الجبلِ فحُلَّنِي حتى أذهبَ فأُرْضِعَهما ثم أرجعُ إليك )!!
• مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟
• الطعام يُسَبّح الله
• تسليم الحجر والجبال والشجر عليه - صلى الله عليه وسلم- 
• تسبيح الحصى بين يديه وأيدي الصحابة
• العِذْق ينزل من النخلة ويعود إليها مرة أخرى
• الجذع يَحِّن 
• أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه 


من المعجزات والآيات التي أُعطي إياها الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلوات وأتم التسليم - تألم الجمادات ، وتكلم الحيوانات إليهم ؛ الأمر الذي ترك أثره في النفوس، وحرك العقول، ولفت انتباه أصحابها نحو دعوتهم - عليهم السلام - التي جاءوا بها، وأثبت لهم أنها دعوة صادقة مؤيدة بالحجج والأدلة والبراهين، فلا يليق بالعقلاء إلا الاستجابة لها، واتباع هذا الدين العظيم الذي يجلب لهم النفع، ويدفع عنهم الضر، ويرقى بهم بين الأمم، ويضمن لهم سعادة الدارين.

أكرمَ اللهُ عزَّ وجلَّ عبدَهُ ونبيَّهُ سليمانَ - عليهِ السلامُ - بنعَمٍ كثيرةٍ وخَصّهُ بمزايا رائعةً كانتْ عُنوانًا للعَظَمَةِ والمجدِ ومَظْهرًا من مظاهِرِ المُلْكِ العظيمِ والجاهِ الكبيرِ والدرجةِ العاليةِ عندَ اللهِ سبحانَهُ، فقدْ فضّلَهُ اللهُ تعالى بالنبُوّةِ وتسخيرِ الشياطينِ والجنِّ والطيرِ وقدْ علّمَهُ اللهُ تعالى مَنْطِقَ الطّيرِ ولُغتَهُ وسائرَ لغاتِ الحيواناتِ فكانَ يفهمُ عنْها ما لا يفهمُهُ سائرُ الناسِ وكانَ يتحدّثُ معها أحيانًا كما كانَ الأمرُ مع الهُدْهُدِ والنّملِ.

• نملة تتكلم :

قال الله تعالى : { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا } [ النمل /  ١٨  -  ١٩ ] .
 لقد صرحت الآية الكريمة بأن النملة تكلمت كلامًا حقيقيًّا من خلال تجربة عملية، وهذا ما ذكرته كتب التفاسير، أكد هذا قوله تعالى: { قالت نملة }، وقوله تعالى في الآية التالية: {فتبسم ضاحكًا من قولها} ، فكرَّر لفظ القول مرتين .

• هدهد يتكلم :

تكلم الهدهد بين يدي سليمان - عليه السلام - { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [النمل/٢٢].

الغيب لا يعرفه إلا الله، فهذا نبي الله ابن نبي الله ولديه ملك وجن يخدمونه وغابت عنه مملكة بأكملها عرفها طائر من الطيور، { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }.

ثم قال الهدهد: { إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ }[النمل/٢٣] .


وتأييداً لدعوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإكراماً له ، وإعلاءً لقدره فقد تفاعل الجماد والحيوان حقاً، فسبّح الطعام وسبح الحصى ، وسلّم الحجر والشجر، وحنَّ الجذع ، واشتكى الجمل، وقالت ظبية بأنَّ لي خشفيْنِ في هذا الجبلِ فحُلَّنِي حتى أذهبَ فأُرْضِعَهما ، ونزل العذق من النخلة ، والشاة تخبر الرسول بأنها مسمومة ....
إنها آياتٌ وعبر، حصلت وثبتت في صحيح الخبر، فلا بد من تصديقها وقبولها، وإن خالفت عقول البشر. 


• جَمَلٌ يشتكي :

معجزة وآية أكرم الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد اشتكى جَمَلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ظلم صاحبه له ، وذلك أن النبي ذات يوم دَخَل حائط رَجُل مِن الأنصار فَإِذَا جَمَلٌ ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ [الذِّفْرَى من البعير مُؤخِّر رأسه] ، فَسَكَتَ ، فَقَالَ النبى: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ له النبى : أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا ؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ .
تدئبه: أي تتعبه ، والدأب العادة والشأن، وأصله من دأب في العمل إذا جد وتعب إلا أن العرب حولت معناه إلى العادة والشأن ].
رواه الإمام أحمد وأبو داود . وصححه الشيخ الألباني .


• بقرة تتكلم :

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  ، صَلاةً ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : " بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً ، فَرَكِبَهَا ، فَقَالَتْ له : إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا ، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ " ، فَقَالَ النَّاسُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ ؟ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وما هما ثَمَّ " .
رواه البخاري .

وما هما ثمّ : أي ليسا حاضرين ، والكلام عائد إلى أبي بكر و عمر - رضي الله عنهما 

• ذئب يتكلم :

عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال : ( عدا الذئبُ على شاةٍ فأخذها فطلبه الراعي فانتزعَها منه فأقعى الذئبُ على ذَنَبِه قال : ألا تتقِي اللهَ ؟ تنزعُ مني رزقًا ساقه اللهُ إليَّ فقال : يا عجَبي ذئبٌ مُقعٍ على ذنَبِه يكلِّمُني كلامَ الإنسِ . فقال الذئبُ ألا أخبرُك بأعجبَ من ذلك ؟ محمدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بيثربَ يخبرُ الناسَ بأنباءِ ما قد سبق ، قال : فأقبل الراعي يسوقُ غنمَه حتى دخل المدينةَ فزواها إلى زاويةٍ من زواياها ثم أتى رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - فأخبره فأمر رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - فنُوديَ بالصلاةِ جامعةً ثم خرج فقال للرَّاعي : أخبِرْهم فأخبرَهم فقال رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - : صدق والذي نفسي بيدِه لا تقومُ الساعةُ حتى يكلمَ السِّباعُ الإنسَ ويكلِّمُ الرجلُ عذبةَ سوطِه وشِراكَ نعلِه ويُخبرُه فخُذْه بما أحدث أهلُه بعدَه ) .
السلسلة الصحيحة - الألباني . 


• شاة تخبر الرسول بأنها مسمومة :


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : ( أنَّ يهوديةً ، أهدَتْ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بخيبرَ ، شاةً مصليةً سَمَتْهَا ، فأكلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْهَا ، و أكلَ القومُ ، فقالَ : ارفعُوا أيدِيَكم فإنَّها أخبرَتْنِي أنَّها مسمومةٌ ) .
أصله في الصحيحين


• ظبية تقول أنَّ لي خشفيْنِ في هذا الجبلِ فحُلَّنِي حتى أذهبَ فأُرْضِعَهما ثم أرجعُ إليك  :


عن أم سلمة هند بنت أبي أمية - رضي الله عنها - قالت : 

[ كان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ - في الصحراءِ فإذا منادٍ يُنادِيهِ : يا رسولَ اللهِ فالتفتَ فلم يرَ أحدًا ، ثم التفتَ فإذا ظبيةٌ موثقةٌ ، فقالت : ادْنُ مني يا رسولَ اللهِ فدنا منها فقال : ما حاجتُك ؟ فقالت : إنَّ لي خشفيْنِ [ الخُشْفُ : ولدُ الظبية أَوَّلَ ما يولد ] في هذا الجبلِ فحُلَّنِي حتى أذهبَ فأُرْضِعَهما ثم أرجعُ إليك ، قال : وتفعلين ؟ قالت عذَّبني اللهُ عذابَ العشَّارِ إن لم أفعل ، فأطْلَقَها فذهبتْ فأرضعت خَشفَيْها ثم رجعت فأوْثَقَها وانتبهَ الأعرابيُّ فقال : ألك حاجةٌ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : نعم تُطْلِقُ هذه ، فأطلَقَها فخرجت تعدو وهي تقولُ : أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وإنك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ].

للحديث طرق كثيرة تشهد بأن للقصة أصلاً ، وطرقه يقوي بعضها بعضا


• مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟

في الحديث الذي رواه عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً [ الحمرة طائر صغير ] مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا»، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ:« مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟ قُلْنَا: نَحْنُ! قَالَ: « إِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ ». 

رواه أبو داوود 

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.


- [الجمادات تُسبح الله وتشكو وتَحِنُ وتُسلّم على رسول الله ]



• الطعام يُسَبّح الله :

فمن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - "الطعام " الذي سبح الله وهو يُؤكل ، وقد سمع الصحابة تسبيحه ، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ( كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فقلّ الماء ، فقال اطلبوا فضلة من ماء ، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حيّ على الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيتُ الماءَ ينبع من بين أصابعِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ) رواه البخاري ، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح تسبيح العنب والرطب والحصى .


• تسليم الحجر والجبال والشجر عليه - صلى الله عليه وسلم-  :

ومن ذلك تسليم الحجر والجبال والشجر عليه صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلِّم عليّ قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله ) رواه الترمذي و الدارمي ، وصححه الألباني .

وفي آخر الزمان كما جاء في الحديث النبوي ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : ( لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ فيقتلُهم المسلمونَ حتى يختبئَ اليهودُ من وراءِ الحجرِ والشجرِ فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ يا مسلمُ ! يا عبدَ اللهِ ! هذا يهوديٌّ خلفي فتعالَ فاقتلْه إلا الغرْقَدُ فإنه من شجرِ اليهودِ) . رواه مسلم 


• تسبيح الحصى بين يديه وأيدي الصحابة :

عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال : ( كنا عندَ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فأخذ حصياتٍ فسبَّحْن في يدِه ثم وضعَهن فخرِسْنَ - أي سكَتْنَ- ثم أخذهن فسبحْن في يدِه ثم أعطاهن أبا بكرٍ فسبحْن في يدِه ثم وضعَهن فخرسْن ثم أعطاهن عمرَ فسبحْن في يدِه ثم وضعهن فخرسْن ثم أعطاهنَّ عثمانَ فسبَّحْن في يدِه ثم أعطاهن عليًّا فوضعَهن فخرسْن ) .
أخرجه الطبراني وصححه الألباني .


• العِذْق ينزل من النخلة ويعود إليها مرة أخرى  :

عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( جاء أعرابِيٌّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال بم أعرفُ أنكَ نَبِيٌّ ؟
قال إِنْ دعوتُ هذا العِذْقَ مِنَ هذِهِ النخلَةِ تشهدُ أنِّي رسولُ اللهِ ؟
فجعل ينزِلُ مِنَ النخلَةِ حتى سَقَطَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ قال ارجع فعاد فأسلَمَ الأعْرَابِيُّ ) .
رواه الترمذي في سننه.


• الجذع يَحِّن :

ومن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الجذع الذي كان يخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، 
عن أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : 
كانَ رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ - يصلِّي إلى جذعٍ ، إذ كانَ المسجدُ عريشًا ، وَكانَ يخطبُ إلى ذلِكَ الجذعِ ، فقالَ رجلٌ من أصحابِهِ : هل لَكَ أن نجعلَ لَكَ شيئًا تقومُ عليْهِ يومَ الجمعةِ حتَّى يراكَ النَّاسُ وتسمعَهم خطبتَكَ ؟ قالَ : نعم , فصنعَ لَهُ ثلاثَ درجاتٍ ، فَهيَ الَّتي أعلى المنبرِ ، فلمَّا وضعَ المنبرُ ، وضعوهُ في موضعِهِ الَّذي هو فيهِ ، فلمَّا أرادَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ أن يقومَ إلى المنبرِ ، مرَّ إلى الجذعِ الَّذي كانَ يخطبُ إليْهِ ، فلمَّا جاوزَ الجذعَ ، خارَ حتَّى تصدَّعَ وانشقَّ ، فنزلَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ لمَّا سمعَ صوتَ الجذعِ ، فمسحَهُ بيدِهِ حتَّى سَكنَ ، ثمَّ رجعَ إلى المنبرِ ، وَكانَ إذا صلَّى ، صلَّى إليْهِ ، فلمَّا هدمَ المسجدُ وغيِّرَ ، أخذَ ذلِكَ الجذعَ أبيُّ بنُ كعبٍ ، وَكانَ عندَهُ في بيتِهِ حتَّى بليَ ، فأَكلتْهُ الأرضةُ وعادَ رفاتًا.
رواه ابن ماجه في صحيحه 

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذعٍ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحنَّ الجذع، فأتاه فمسح يده عليه ) رواه البخاري .


• أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه :

عن سهل عن أبيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه ) رواه البخاري .

وعن قتادة أن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ حدثهم : ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فقال : اثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصِّديق وشهيدان ) رواه البخاري .
والصِّديق هو أبو بكر ، والشهيدان هما عمر وعثمان وقد ماتا شهيدين - رضي الله عنهم أجمعين  .

ومثل هذه المواقف تعلمنا كيف نتعامل مع هذه الكائنات الحية ، فهي شريكة معنا في الحياة على هذه الأرض.

فسبحان من أنطق لنبيه الجماد والحيوان ، وجعلها معجزة تدل على صدق نبوته ، وصحة دعوته ، ولا عجب فهو الرحمة المهداة - عليه الصلاة والسلام .


محَمَّدُ المُصْطفى المُخَتارُ مَنْ ظَهَرَتْ

آيَاتُهُ فَتَسَلَّى كُلُّ مَحْزُوْنِ


من خَصَّهُ اللهُ بالقُرآنِ مُعْجِزَةً

مَا نَالَهَا مُرْسَلٌ قَدْ جَاءَ بالدِّيْنِ


ومنْ شِهَابٌ بَدَا مِن نُورِ رَحْمَتِهِ

شُهْبُ الدَّيَاجِي رُجُومْاً لِلشِّيَاطِيْنِ


وَفَوْقَ رَاحَتِهِ صُمُّ الحَصَا نَطَقَتْ

والماءُ في كَفِّهِ يُزْرِيْ بِجِيْحُوْنِ


وهُوَ الذِي اخْتَارَهُ البَارِيْ وأرْسَلَهُ

بَرًا رَؤُفًا رَحِيْمَا بالمسَاكِيْنِ


وفي الصَّحِيْحَين أنَّ الجِذْعَ حَنَّ لَهُ

والعِذْقَ أنَّ إلِيْهِ أيَّ تَأْنِيْنِ


وقَدْ سَمِعْنَا بأنَّ الطَّيْر خَاطَبَهُ

في مَنْطِقٍ مُفْصِحٍ من غَيْرِ تَلكِيْنِ


فَصَلَ رَبي عَلى المُخْتَارِ ما صَدَحَتْ

قَمْرِيَّةٌ فَوْقَ أفْنَانِ الرَّيَاحِيْنِ


وصَلِّ رَبِّ عَلَى المُخْتَارِ ما غَرَدَتْ

حَمَائِمٌ فَوْقَ أغْصَانِ البَسَاتِيْنِ




======

(٢١)
الأربعاء ٧ محرم ١٤٣٧ هـ

صحابي جليل أسلم بسبب هذه العبارة : " إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له  وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له  وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه " .
من هو ؛ وماهي قصة إسلامه ؟

بعد مضي سنوات من دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، وملاقاته منهم العنت والصدود والإيذاء، بدأ الإسلام ينتشر، وأخذ عدد الذين دخل الإسلام قلوبهم ـ من غير أهل مكة ـ يزداد يوماً بعد يوم، وكان من الذين وجد الإسلام طريقه إلى قلوبهم ضِماد الأزدي - رضي الله عنه - الذي قدم مكة وسمع ما كانت قريش تصف به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أنه شاعر أو مجنون، فأتى الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعرض عليه أن يرقيه، وكان ذلك سببا في إسلامه ـ رضي الله عنه ـ 

جاء في الحديث النبوي الشريف ، عن ابنِ عباسٍ ؛ أنَّ ضَمادًا قدم مكةَ كان من أَزْدِ شَنوءَةَ وكان يُرقي من هذه الريحِ ، فسمع سفهاءُ من أهلِ مكةَ يقولون : إنَّ محمدًا مجنونٌ ، فقال : لو أني رأيتُ هذا الرجلَ لعل اللهَ يَشفيه على يدي ، قال فلقِيه ، فقال : يا محمدُ ! إني أُرقِي من هذه الريحِ ، وإنَّ اللهَ يشفي على يدي من يشاءُ ، فهل لك ؟ فقال رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - : " إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه [ ونستغفرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ] من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له  وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له  وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه .
 أما بعد .. قال فقال : أَعِدْ عليَّ كلماتِك هؤلاءِ ، فأعادهنَّ عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ  ثلاثَ مراتٍ .
قال فقال : لقد سمعتُ قولَ الكهنةِ وقولَ السَّحرةِ وقولَ الشُّعراءِ ، فما سمعتُ مثلَ كلماتِ هؤلاءِ ، ولقد بلغْن ناعوسَ البحرِ ، قال فقال : هاتِ يدَك أبايِعْك على الإسلامِ ، قال فبايَعه ، فقال رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - : " وعلى قومِك ؟ قال : وعلى قومي ، قال فبعث رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - سَرِيَّةً فمَروا بقومِه ، فقال صاحبُ السَّرِيَّةِ للجيشِ : هل أصبتُم من هؤلاءِ شيئًا ؟ فقال رجلٌ من القومِ : أصبتُ منهم مِطهَرَةً ، فقال : رُدُّوها ، فإنَّ هؤلاءِ قومُ ضِمادٍ .(صحيح مسلم ) 
وفي مسند الإمام أحمد[ونستغفرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ] .
المطهرة : إناء يتطهر به

وفي قصة إسلام ضماد ـ رضي الله عنه ـ الكثير من الفوائد والعبر ، منها :

١- الحلم النبوي :
عرض ضماد على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معالجته من مرض الجنون، وهذا موقف يثير الغضب، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استقبل ذلك بحلم وصبر، فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تستفزه الشدائد، ولا تغضبه الإساءات، فقد اتسع حلمه حتى جاوز العدل إلى الفضل مع من أساء إليه وجهل عليه .

٢- خُطبة الحاجة :
إسلام ضماد ـ رضي الله عنه ـ ظهرت بركة خطبة الحاجة، فهذه الخطبة التي استفتح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها رده على ضمام يقال لها: خطبة الحاجة، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرا ما يجعلها بين يدي خطبه ومواعظه، وكان يعلمها أصحابه، وهي تحوي الكثير من الفوائد، بل حوت أصل الدين وقاعدته وهو توحيد الله ـ عز وجل ـ، ونفي الشريك عنه، واشتملت على أنواع التوحيد، وفيها ثناء العبد على الله بما يستحقه، واستعانته بربه ومولاه، واستغفاره من ذنوبه، وفيها تفويض الأمر إلى الله، والإيمان والإقرار بأن الهداية بيد الله سبحانه وحده، فمن شاء هداه، ومن شاء أضله، وفيها ذكر الشهادتين، وهما مفتاح الدخول في الإسلام، ومفتاح الجنان .
 
٣- البلاغة النبوية :
من مظاهر عظمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودلائل نبوته أنه أوتي جوامع الكلم، وعظيم البيان، وحلاوة المنطق، فكان يتكلم بالكلام الموجز، القليل اللفظ الكثير المعاني، وهو ما يسره الله له من البلاغة والفصاحة، ولذا فإن ضمادا ـ رضي الله عنه ـ لما سمع منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطبة الحاجة، ولم يسمع منه أكثر من ذلك، قال: " فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر "، مع أنه ـ رضى الله عنه ـ، سمع الكثير من كلام أهل الشعر والبلاغة .

٤- الهداية بيد الله وحده :
فكم سمع الكثير من الكفار كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بل من آيات القرآن الكريم، ولم يؤمنوا، بل ازدادوا ضلالة وغواية، وهذا ضماد لم يسمع من النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إلا كلمات معدودة ليست من القرآن، بل من كلامه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، لكنه آمن بغير تردد ولا تحير، وهذا يؤكد أن الهداية بيد الله وحده، وأنه كم في المِحَن من مِنح، فدعاية قريش وتشويههم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتهامهم له بالجنون، حمل ضماد الأزدي  ـ رضي الله عنه ـ على السير للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أجل رقيته وعلاجه، فكانت الحرب الإعلامية المكية ضد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سببًا في إسلام ضماد بل وإسلام قومه جميعا، قال الله تعالى: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }(البقرة من الآية/٢١٦) .

٥- أدب ضماد ـ رضي الله عنه ـ : 

ظهر أدب ضماد مع الله في علمه بالله، وما ينبغي إثباته لله ـ عزّ وجلّ ـ حيث ذكر لنفسه أنه يرقى ـ أي يعالج ـ ، وأثبت لله - سبحانه - أنه هو الشافي، حيث قال: " لعل الله يشفيه على يديّ "، ومن بالغ أدبه أنه علق الشفاء بمشيئة الله، فمع الأخذ بأسباب الشفاء، يبقى الأمر لله يشفي من يشاء، فقال ضماد: " وإن الله يشفي على يديّ من شاء "، وهذا الأدب مع الله من قِبَل رجل لم يُسْلِم بعد .
أما أدبه مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لم يصفه أو يضف إليه أي كلمة مما اتهمه بها سفهاء مكة، من أنه شاعر أو كاهن أو مجنون، فكل ما قاله: " يا محمد، إني أرقي من هذه الريح "، فلم ينطق بلفظ الجنون، مع أنه اللفظ الذي سمعه من سفهاء مكة، فلم يُعِدْ على سمعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما قالوه حتى لا يؤذيه، كما أن من أدبه أنه قال آخر مقالته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم: " فهل لك " بأسلوب عرض، لا بأسلوب أمر أو استهزاء .

٦- رجاحة عقله ـ رضي الله عنه ـ :
فقد استعرض في ذهنه في وقت قصير، قول الكهنة والسحرة والشعراء، وقارنه بكلام النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم، فتيقن أنه رسول من عند الله ..
فسبحان الله، دخل ضماد على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرقيه مما اتهمه به سفهاء مكة، فخرج من المجلس وقد أسلم هو وقومه، ولعل إسلامه ـ رضي الله عنه ـ جاء ببركة أدبه مع الله ـ عز وجل ـ، وأدبه مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . 

رضي الله عن الصحابي الجليل ضماد الأزدي . 

==========

(٢٠)
الأحد  ٢٣  ربيع الآخر  ١٤٣٥هـ


مات الكاتب والسلام:

كان أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - والياً على البصرة في عهد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان عنده كاتبا ً نصرانياً ، فكتب إليه عمر بن الخطاب : أن اعزلْه واستعملْ بدله حنيفياً مسلماً ، فكتب له أبو موسى موضحاً أهمية هذا الكاتب وخبرته في إدارة شؤون الولاية وأنه من الصعوبة أن أجد أفضل منه !!
 فكتب له عمر :
ليس لنا أن نأتمنهم وقد خوّنهم الله ، ولا أن نرفعهم وقد وضعهم الله ، ولا أن نستنصحهم في الدين وقد وترهم الإسلام ، ولا أن نعزّهم وقد أُمرنا بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
فكتب أبو موسى:
إن البلد لا يصلح إلاّ به ، وأن لا قوام للبصرة إلا بهذا الكاتب النصراني !!
فكتب إليه عمر مرة أخرى :
"مات النصراني و السلام"
أو " مات الكاتب والسلام ".

فقول عمر: " مات النصراني" عبارة مختصرة جداً تؤدي دوراً قوياً في صدم المتلقي ليكتشف أنّ فيه من الطاقات ولديه من الإمكانات وأمامه من الخيارات أكثر مما تخيّل واعتقد..
وهذه الكلمات راحت مضرب مثل لمن يعتقد أنه لايمكن أن يجد حلاً أفضل من ذلك أو شخصاً أحسن من ذاك...
فلفت عمر - رضي الله عنه - النظر إلى أنّه كان على أبي موسى توفير البديل الشرعي، وأن الحجة التي سوّغ بها بقاء النصراني في المهنة غير حقيقية، بدليل أنّه في حالة موت النصراني سيضطر أبو موسى إلى تأهيل البديل الذي يقوم بالأمر..
خصوصاً إذا عرفنا أنّ النصراني إنّما أصبح ماهراً بالاكتساب والتعلم، وليس صفة خلقية يصعب إيجادها ، فكما أمكن أن يكون النصراني حاذقاً فيمكن أن يكون المسلم حاذقاً..

إذاً فالعائق الذي ظنّه أبو موسى لم يكن حقيقياً، وهو أنّ البلد لا يصلح إلاّ به، وقد كشفه عمر -رضي الله عنه- بعبارته : " مات النصراني " !
فكان عمر - رضي الله عنه - يقصد بقولته تلك ماالذي ستفعله لو مات الكاتب؟
فإذاً عليك بتدبير أمورك على هذا الافتراض...

================

(١٩)

الثلاثاء ٢٠ ربيع الأول ١٤٣٥هـ

قلت لأصحابي: إني رأيت رؤيا عبّروها لي قالوا: وما رأيت؟!

الصحابي الجليل : الطفيل بن عمرو الدَّوسي - رضي الله عنه - كان سيداً لقبيلة دوس في الجاهلية، وشريف من أشراف العرب المرموقين، وواحداً من أصحاب المروءات المعدودين، لا تنزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق، يطعم الجائع ويؤمّن الخائف ويجير المستجير، وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب وشاعر مرهف الحس رقيق الشعور، بصير بحلو البيان ومُرّه .

عاد الطفيل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة الطائف إلى المدينة فكان مع النبي  بالمدينة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما ارتدت العرب أيام خلافة الصديق رضي الله عنه خرج المسلمون لقتالهم، فكان الطفيل في مقدمة من خرج، فجاهد حتى فرغوا من طليحة الأسدي وأرض نجد كلها.
ثم بعثه أبو بكر الصديق إلى مسيلمة الكذاب.
يقول الطفيل رضي الله عنه: خرجت ومعي ابني مع المسلمين - عمرو بن الطفيل- حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا فقلت لأصحابي: إني رأيت رؤيا عبّروها لي قالوا: وما رأيت؟!
قلت: رأيت رأسي حُلق وأنه خرج من فمي طائر ، وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها ، وكان ابني يطلبني طلباً حثيثاً فحيل بيني وبينه. قالوا: خيراً...
فقال: أما أنا والله فقد أولتُها. قالوا: وبماذا أولتَها؟
قال: أما حلق رأسي فقطعه ، وأما الطائر فروحي ، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تُحفر لي وأدفن فيها، فقد رجوت أن أقتل شهيداً ، وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة ولا أراه يلحق بسفرنا هذا.
فقتل الطفيل - رضي الله عنه - شهيداً يوم اليمامة، وقطعت يد ابنه، ثم برئ جرحه بعد مدة من الزمن وبقيت اليد مقطوعة، فبينا هو عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في أحد الأيام إذ أُتي بطعام فتنحى عنه، فقال عمر: مالك لعلك تنحيت لمكان يدك؟
قال: أجل
قال: واللّه لا أذوقه حتى تسوطه بيدك، فواللّه ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك.
ثم خرج في معركة اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقتل شهيداً رضي الله عنه.

__________________

(١٨)
الجمعة ١٨ محرم ١٤٣٥


من هو التابعي الذي ألقي في النار مثل إبراهيم - عليه السلام - ولم تضره ؟

هو من سادات التابعين لكنه أسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يلقه وهو أبو مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني سيد التابعين وزاهد العصر، أسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودخل المدينة في خلافة الصديق -رضي الله عنه - وكان من أهل اليمن، وقد ظهر فيها حينئذ الأسود العنسي وهو دجال كذاب يدعي النبوة، فبعث إلى أبي مسلم فأوقد ناراً عظيمة وألقاه فيها فلم تضره، فقيل للأسود إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك فأمره بالرحيل، فقدم المدينة فأناخ راحلته ودخل المسجد يصلي، فبصر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام إليه فقال ممن الرجل؟
قال: من اليمن،
قال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟
قال : ذاك عبد الله بن ثوب، قال : نشدتك الله أنت هو ؟ قال : اللهم نعم فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق ، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صُنع بإبراهيم الخليل - عليه السلام.
وكان مجاب الدعوة كثير العبادة، توفي بأرض الروم غازياً سنة 62 هـ .


المصدر :
من سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، وهذا التعريف أيضاً ذكره ابن عساكر في تاريخه.
والله أعلم. 

_______________________

(١٧)
الجمعة ٧ ذو القعدة ١٤٣٤

أرجى آية في كتاب الله...

أرجى : اسم تفضيل من رجا : أكثر أملاً وتوسلاً مشفوعاً بتلطف .

ذكر القرطبي - رحمه الله - :
أن الخلفاء الأربعة - رضي الله عنهم وأرضاهم - اجتمعوا يتدارسون القرآن، فقال الصديق - رضي الله عنه وأرضاه: لقد قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره فلم أر آية أرجى من قول الله: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) [الإسراء:84]
ثم قال الصديق - رضي الله عنه - : فإن شاكلة العبد العصيان ولا يشاكل الرب إلا الغفران، أي أن الله جل وعلا حقيق به أن يغفر كما أن العبد عرضة لأن يعصي الله جل وعلا. 

فقال عمر الفاروق - رضي الله تعالى عنه: لقد قرأت القرآن كله من أوله إلى أخره فلم أجد آيةً أرجى من قول الله : ( حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ) [غافر:1-3]
قال: إن الله قدم غفران الذنوب على قبول التوبة.

قال عثمان - رضي الله عنه: قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره فلم أجد آية أرجى من قول الله تعالى: ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الحجر:49].

وقال علي - رضي الله عنه وأرضاه: وقرأت القرآن كله فلم أجد آية أرجى من قول الله: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)  [الزمر:53]. 

قال القرطبي - رحمه الله - بعد أن حكى هذا الخبر والأقوال الأربعة أن أرجى آية في كتاب الله قول الله: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) [الأنعام:82].
 
قال ابن عباس - رضي الله عنهما- أرجى آيةٍ في كتاب الله تعالى : ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ [الرعد: 6].
وفي قوله تعالى : ﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [طه: 48]
وهذه أَرْجى آية للموحِّدين لأنهم لم يكذِّبوا ولم يتولَّوا.

وفي قوله تعالى : ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 47]:
قال ابن عطية: قال لنا أَبي - رضي الله عنه -: هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى لأن الله - عز وجل - قد أمر نبيَّه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلاً كبيرًا، وقد بيَّن -تعالى- الفضلَ الكبير في قوله -تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [الشورى: 22][4].
 
قال الشوكاني - رحمه الله - في قوله -تعالى-: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]، قال: "هذه الآيةُ أرجى آية في كتاب الله سبحانه لاشتمالها على أعظمِ بشارة فإنه أولاً أضاف العبادَ إلى نفسه لقصد تشريفِهم، ومزيدِ تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي، والاستكثار من الذنوب، ثم عقَّب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى، وبفحوى الخطاب، ثم جاء بما لا يبقى بعده شك، ولا يتخالج القلبَ عند سماعه ظنٌّ، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ﴾ [الزمر: 53]، فالألف واللام قد صَيَّرت الجمعَ الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده فهو في قوة إن الله يغفر كلَّ ذنب كائنًا ما كان، إلا ما أخرجه النصُّ القرآني، وهو: الشِّرك؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48، 116]، ثم لم يكتفِ بما أخبر عبادَه به من مغفرة كلِّ ذنب، بل أكَّد ذلك بقوله: ﴿ جَمِيعًا ﴾".

ومن أهل العلم ومنهم عبدالله بنُ المبارك - رحمه الله - أن أرجى آية في كتاب الله تعالى هي ما جاء في خبر الصديق - رضي الله عنه - مع مسطح بن أثاثة :
إذ أن أبا بكر الصديق لما أنزل الله براءة عائشة وكان مسطح ممن وقع في عرضها حلف ألا ينفع مسطحاً منافعه وكان ينفق عليه من قبل فأنزل اللطيف الخبير قوله : 
﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ الله وليعفوا وليصفحوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [النور: 22]
وذهبوا إلى أن ما صنعه مسطح يحط النجم من قدره ومع ذلك عاتب الله الصديق في حقه وعظيم جرم مسطح وما وقع فيه إلا أن الله لم يبطل له ما سلف من عمل فسماه مهاجراً فدل ذلك كما نص العلماء على أن هجرة مسطح في سبيل الله لم يحبطها قذفه لعائشة رضي الله عنها. 
ومن المهم أن ندرك أن ما وقع من مسطح إنما كان قبل أن ينزل القرآن ببراءة أمنا عائشة - رضي الله عنها - أما وقد برأه الله من فوق سبع سموات فإن قذفها بعد ذلك كفر بواح .

وذهب الشيخ الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ  إلى أن من أرجى آيات القرآن قوله تعالى في سورة فاطر : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ( 32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا )) .
قال رحمه الله :
" والواو في (( يَدْخُلُونَهَا )) شاملة للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق ولذا قال بعض أهل العلم حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين " أ هـ. 
ونص - رحمه الله - في الموضع نفسه بأن وعد الله الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين .

والله اعلم

_________________________

(١٦)
الأحد ١٩ رمضان ١٤٣٤

إخوانكم من الجن كانوا أحسن مردوداً منكم

عن جابر - رضي الله عنه - قال :
(خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه ، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها ، فلما قضى سكتوا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد قرأتها على إخوانكم من الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟! 
قال: إنني لما قرأتها على الجن كنت كلما تلوت: { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، قال الجن: لا نكذب بأي من نعم ربنا، فلربنا الحمد) . رواه الترمذي وحسنه الألباني في الصحيح الجامع.
قال الشيخ عبدالكريم الخصير:
قوله سبحانه وتعالى : {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ذُكرت في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة ، والاستفهام فيها للتقرير .
ومعنى آلالاء: آلاء: النعم،
واحدها (إلى) كـ(معى)
أو (ألى) كـ(حصى) وفيها لغات أخرى.
وصرح جمع من أهل العلم أنه يستحب للقارئ أو السامع أن يقول 
" ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد " ؛  لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عتب على أصحابه حينما سكتوا، والجن نطقوا، قال: ((ما لي أراكم سكوتاً؟ للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(13) سورة الرحمن] إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد)) والخبر فيه كلام لأهل العلم، لكن له طرق تدل على أن له أصلاً، يعني لو قالها مرة واحدة في أول مرة أو في آخر مرة يكفي، لكن الأكمل أن تقال عند كل مرة؛ لأنه خطاب للمكلفين ينبغي الرد عليه ) . انتهى

قال أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله - :
فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله : ( فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ ) ؟ .
الجواب : أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها .

والله أعلم

_______________________

(١٥)
الأحد ١٢ رمضان ١٤٣٤

أستودعك الله من قتيل.

الإخبار بمقتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما


روى الحافظ البيهقي من حديث يحيى بن سالم الأسدي، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة قال: أين تريد؟
 
قال: العراق - ومعه طوامير وكتب -.
 
فقال: لا تأتهم.
 
فقال: هذه كتبهم وبيعتهم.
 
فقال: إن الله خير نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول الله والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلى الذي هو خير منكم، فارجعوا.
 
فأبى وقال: هذه كتبهم وبيعتهم.
 
قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: أستودعك الله من قتيل.
 
وقد وقع ما فهمه عبد الله بن عمر من ذلك سواء من أنه لم يل أحد من أهل البيت الخلافة على سبيل الإستقلال ويتم له الأمر.
 
وقد قال ذلك: عثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، إنه لا يلي أحد من أهل البيت أبدا.
 
ورواه عنهما أبو صالح الخليل بن أحمد بن عيسى بن الشيخ في كتابه الفتن والملاحم.

وقد رثاه الناس بمراث كثيرة ومن أحسن ذلك ما أورده الحاكم أبو عبد الله النيسابوري - وكان فيه تشيع -:
 
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * متزملا بدمائه تزميلا
 
فكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا
 
قتلوك عطشانا ولم يترقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا
 
ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا


البداية والنهاية / الجزء السادس

_____________________

(١٤)
الأربعاء ١٧ شعبان ١٤٣٤


من يشتري دموع عينيك ؟
  
فرقد السبخي هو  ( فرقد بن يعقوب السبخي أبو يعقوب البصري العابد توفي سنة  131   هـ   ) .
يقول فرقد السبخي : بلغنا أن الأعمال كلها توزن إلا الدمعة ،  تخرج من عين العبد من خشية الله  ، فإنه ليس لها وزن ولا قدر ، وإنه ليطفئ بالدمعة بحوراً من النار ..!
أرأيت إلى عظمة هذه الدمعة التي تذرفها وأنت تذكر الله ، أو وأنت تناجيه في هدأة الليل وجنح الظلام ؟!
اذهب إلى السوق واعرض على الناس دموع عينيك ، أتراك تجد أحداً يشتريها منك  ؟!!!

وقيل لعطاء السلمي : ما تشتهي ؟ فقال : أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر أن أبكي .
وكان عبد الواحد بن زيد يقول لعتبة : أرفق بنفسك فيبكي ويقول : إنما أبكي على تقصيري .

هذه الدمعة التي تطفئ بحوراً من النار يوم القيامة  ،  ليس لها عند الناس قيمة ... ولكنها عند الله أمر عظيم !!
ألم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم  - في الحديث المتفق عليه : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ". 

والحديث الذي رواه الترمذي :
( عينان لاتمسهما النار  : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) الحديث .

فهل بكيت يوما .. لأنك ما قدرت الله حق قدره ؟
وهل بكيت يوماً .. حباً  لخالقك وشوقاً إلى لقائه ؟
وهل بكيت يوماً .. شاكراً لله على ما أعطاك من النعم ؟
وهل بكيت يوماً .. خوفاً من عقابه ؟

من ذا يعيرك عينه تبكي بها ..
أرأيت عينا للبكاء تعار؟
________________________

(١٣)
الجمعة ٢٨ رجب ١٤٣٤
إقامة الحدود والنهي عن التبختر:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ( لحَدٌّ يُقام في الأرضِ خيرٌ مِن أن تمطَروا أربعينَ خريفًا ) أخرجه أحمد (2/362، 402)، والنسائي وصححه ابن الجارود ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة .

نعم حدٌّ يُقام يصلِح البلادَ والعباد خير من مَطرٍ أربعينَ عامًا؛ لأنّ المطرَ منفعتُه محدودة وحدودُ الشّرع مصلحةٌ عامّة للفرد والمجتمع في الحاضِرِ والمستقبل.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم تسلط بعضهم على بعض ) إسناده حسن..
المحدث : العلامة ابن باز - المصدر : مجموع فتاوى ابن باز (٢٦/٢٣٢)
وفي رواية: ( إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمها أبناء فارس والروم سلط شرارها على خيارها ) حديث حسن.
الراوي : المحدث : العلامة ابن باز - المصدر : التحفة الكريمة - (٥٤)

قال العلامة الألباني - رحمه الله - صحيح .
وعلق في الحاشية قائلا : 
المطيطاء : التبختر ومد اليدين في المشي .

كما قال الله عز وجل : ( ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ) أي: يتبختر.


________________________
(١٢)

الخميس ٢٧ رجب ١٤٣٤

صاحب الشملة التي غلها :

في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً كان مملوكاً للنبي صلى الله عليه وسلم، رُمِيَ بِسَهْمٍ يوم خيبر فمات، فَقال الصحابة: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:  ( كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا، أَخَذَهَا مِنْ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، قالَ فَفَزِعَ النَّاس، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَار ) متفق عليهٍ .
رحماكَ يا رب هذا المجاهدُ في سبيلك، البائعُ نفسَهُ لمرضاتك, تدفعهُ نفسُهُ الأمارةُ بسرقةِ شيءٍ زهيد (وهي الشملة : الشَّمْلَةُ كِساء من صوف أو شعر يُتَغَطَّى به ويُتَلَفَّف به . والجمع : شِمالٌ  ) ، قد يكونُ مستحقاً لأعظمَ منهُ لو صبر حتى القسمة، ثُمَّ يلتهبُ عليه ما اختلسهُ ناراً تلظى, فكيف يكونُ حالُ العبادِ المقصرين في طاعتك، السادرين في غيِّهم وضلالهم ، السارقينَ لأعظمَ من ذلك وأكثر ؟!!.
وهذا مجاهدٌ آخر اختلسَ من بيتِ المال, فكان مصيرهِ إلى النار، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كان في بيتِ المالِ رجلٌ يُقالُ له: كِرْكِرة فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( هو في النارِ، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءةً قد غلَّها )) رواه البخاري .
سبحان الله, هذا رجلٍ مسلمٍ مُجاهد, اختلس من بيتِ المالِ عباءة, فكيف بمن يسرقون الألوفَ المؤلفةِ والملايين المكدسة   !!! 

وعن خالد بن زيدٍ الجهني، أنّ رجلا قُتلَ في غزوةِ خيبر, فامتنعَ النبيُّ- عليه الصلاة والسلام- من الصلاةِ عليه وقال: (( إنّ صاحبكم قد غلَّ، قال: ففتشنا متاعهُ فوجدنا خرزاً من خرزِ اليهود, لا يساوي درهمين )) رواه أبو داود.


فاللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبعفوك عمن سواك.
________________________

(١١)

الجمعة ٢١ رجب ١٤٣٤

من التأملات التربوية فى سورة الكهف :

 - أن للشباب الدور الكبير في نشر الدعوة والذود عنها .

 - اعتزال الناس في الفتن .

 - لا بد من الجهر بالدعوة بين الناس لتصل إليهم ، وتكون حجة عليهم . ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الواضحة البيّنة .

لم يثبت عن النبيﷺشيء في قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة ، وأقوى ماجاء في ذلك قول أبي سعيد الخدري موقوفا عليه وليس فيه ذكر الجمعة،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة الكهف في الجمعة ، أضاء له من النور ما بين الجمعتين ) 
رواه النسائي والحاكم مرفوعا وصححه. ورواه الدارمي والحاكم موقوفا على أبي سعيد وهذا الحديث اختلف في اسناده والصحيح أنه موقوف على أبي سعيد كما صححه النسائي والدار قطني ولكن هذا الموقوف في حكم المرفوع لأن الصحابي عادة لا يشرع عبادة مستقلة لها ثواب خاص من قبل نفسه وإنما يتلقى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الموقوف هنا في حكم الرفع.

وقد قال الشيخ ابن باز -رحمه الله - في مجموع فتاويه: 
جاء في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أحاديث لا تخلو من ضعف، لكن ذكر بعض أهل العلم أنه يشد بعضها بعضا وتصلح للاحتجاج، وثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه كان يفعل ذلك، فالعمل بذلك حسن تأسيا بالصحابي الجليل رضي الله عنه، وعملا بالأحاديث المشار إليها؛ لأنه يشد بعضها بعضا ويؤيدها عمل الصحابي المذكور . انتهى كلامه


وأصح ما جاء في فضل سورة الكهف ما رواه مسلم في صحيحه أن النبيﷺقال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال).
وقيل من آخرها . 

وسبب نزول سورة الكهف حسبما ذكره علماء التفسير كابن كثير وغيره هو كما يلي:

 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله، فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال، فقالت لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل، فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم.
 سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنهم قد كان لهم شأن عجيب.

 وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟

 وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك، فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول، 
 فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم غدا عما سألتم عنه ولم يستثن (أي لم يقل إن شاء الله ) ، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل عليه الصلاة والسلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة، وقد أصبحنا فيها ولا يخبرنا بشيء عما سألناه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، وقول الله عز وجل: وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ [الكهف: 83]. إلى آخر الآيات. 
 وهذا دليل صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وإلا يمكنه أن يقول لهم أي قصة عندما تأخر الوحي .

ثلاث رحمات... 
[ خرق السفينة ]
[ قتل الغلام ]
[ حبس كنز اليتيمين ] 

هي رحمة من ربك وهي قصص تمثل ثلاثة أمور لابد أن تصادفنا في الحياة ..

 

1-  [ خرق السفينة ]

 يمثل فشل مشروعك، قد يكون العيب الذي يحصل في حياتك هو سر نجاحك ونجاتك من أمر قد يدمر نجاحك 

{ وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا }


2- [ قتل الغلام ] 

يمثل فقد ما نحب.. فقد يكون فقدك لما تحب هو رحمة لك.. 

قال تعالى: { فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا }


وبموته تحققت 3 رحمات: 

- رحمة للغلام بدخوله للجنّة. 
- رحمة لوالديه ، أبدالهم بخير منه. 
- رحمة للمجتمع - من الطغيان والظلم.

 

3- [ حبس كنز اليتيمين ] 

يمثل تأخر رزقك.. قد يكون تأخرالوظيفة ، الزواج ، الأطفال في حياتك، 

وهذا التأخير كله خير لك ورحمة 

{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا }

هي قصص تمثل 3 محاور رئيسية من حياتنا اليومية.. 


أراد اللّه أن يبين لنا بها أن الأصل في أمورنا كلها هي الرحمة فلا نحزن على الظاهر
__________________________
(١٠)
الخميس ٦ رجب ١٤٣٤

كيف حكمت أربعين عاما، ولم تحدث فتنة واحدة بالشام بينما الدنيا تغلي؟. 

 إن شخصية معاوية -رضي الله عنه- شخصية عملاقة فذة في الحكم والإدارة والسياسة، وقد شهد له التاريخ بذلك، فقد ورد على لسان ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "ما رأيت بعد رسول الله أسْوَدَ من معاوية" أي في السيادة. قيل له: ولا أبو بكر وعمر؟ فقال: "كان أبو بكر وعمر خيراً منه، وما رأيت بعد رسول الله أسود من معاوية".

 كان عمر - رضي الله عنه - إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب". وقال عمر: "تعجبون من دهاء هرقل وكسرى وتدعون معاوية".

 عن قبيصة بن جابر قال: صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أثقل حلماً، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناةً منه. وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب)).

 شعرة معاوية كناية عن السياسة التي كان يطبقها معاوية بن أبي سفيان، حتى أضحت أطروحة سياسية ، يتغنى بها السياسيون في عصرنا الحاضر، وقد قال معاوية عندما سأله أحد الأعراب: "كيف حكمت أربعين عاما، ولم تحدث فتنة واحدة بالشام بينما الدنيا تغلي؟". فأجابه: "لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما أنقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها". ويعني أنه لا يستخدم القوة في كل أحواله ولا اللين في كل أحواله بل يستخدم ما يراه مناسباً .

ذات مرة صعد معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه وعن أبيه - المنبر يوماً فقال في خطبته: إنما المال مالنا والفيء فيؤنا، فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه، فلم يجبه أحد، 
 فلما كان في الجمعة الثانية قال مثل ذلك، فلم يجبه أحد، 
 فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن حضر المسجد فقال: كلا، إنما المال مالنا والفيء فيؤنا فمن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا!
 فنـزل معاوية فأرسل إلى الرجل فأدخله، فقال القوم: هلك الرجل، ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال معاوية: إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سيكون بعدي أمراء يقولون ولا يرد عليهم، يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة))، 
 وإني تكلمت أول جمعة فلم يرد عليَّ أحد، فخشيت أن أكون منهم، ثم تكلمت في الجمعة الثانية، فلم يرد عليَّ أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم، فلما تكلمت في الجمعة الثالثة، فقام هذا الرجل فرد عليَّ فأحياني أحياه الله.
 إنها تقوى معاوية -رضي الله عنه- في حرصه على هدي النبوة، وخشيته أن يكون في حكمه بعيداً عن منهج الله فيقتحم في النار.
رضي الله عنه وأرضاه
_____________________
(٩)

الجمعة ٢٤ جمادى الأولى ١٤٣٤

عَظَّمَ أمرَ اللِه فأذل الله له عظماء خلقه :

القضاء.. العدل.. الظلم.. حق الناس.. حق الله.. كلمات أخذ يرددها شريك بينه وبين نفسه عندما عرض عليه الخليفة أن يتولى قضاء (الكوفة) فما أعظمها من مسئولية!!
في مدينة (بُخارى) بجمهورية أوزبكستان الإسلامية الآن، وُلِدَ شريك بن عبد الله النخعي سنة خمس وتسعين للهجرة، ولمـَّا بلغ من العمر تسع سنوات أتم حفظ القرآن الكريم، ثم درس الفقه والحديث، وأصبح من حفـاظ أحاديث رسـول الـلـه صلى الله عليه وسلم.
وفي مدينة الكوفة اشتهر بعلمه وفضله، فأخذ يعلم الناس ويفتيهم في أمور دينهم، وكان لا يبخل بعلمه على أحد، ولا يُفَرِقُ في مجلس علمه بين فقير وغني؛ فيحكى أن أحد أبناء الخليفة المهدي دخل عليه، فجلس يستمع إلى دروس العلم التي يلقيها شريك، وأراد أن يسأل سؤالاً؛ فسأله وهو مستند على الحائط، وكأنه لا يحترم مجلس العلم، فلم يلتفت إليه شريك، فأعاد الأميرُ السؤالَ مرة أخرى، لكنه لم يلتفت إليه وأعرض عنه؛ فقال له الحاضرون : كأنك تستخف بأولاد الخليفة، ولا تقدرهم حق قدرهم؟ فقال شريك: لا، ولكن العلم أزين عند أهله من أن تضيِّعوه، فما كان من ابن الخليفة إلا أن جلس على ركبتيه ثم سأله، فقال شريك: هكذا يطلب العلم.
وقد عُرِضَ عليه أن يتولى القضاء لكنه امتنع وأراد أن يهرب من هذه المسئولية العظيمة، خوفًا من أن يظلم صاحب حق، فعندما دعاه الخليفة المنصور، وقال له:
إني أريد أن أوليك القضاء، قال شريك: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: لست أعفيك.. فقبل تولي القضاء، وأخذ شريك ينظر في المظالم ويحكم فيها بالعدل، ولا يخشى في الله لومة لائم، فيحكى أنه جلس ذات يوم في مجلس القضاء، وإذا بامرأة تدخل عليه وتقول له: أنا بالله ثم بك يا نصير المظلومين، فنظر إليها شريك وقال: مَنْ ظلمك؟ قالت: الأمير موسى بن عيسى ابن عم أمير المؤمنين، فقال لها: وكيف؟ قالت: كان عندي بستان على شاطئ الفرات وفيه نخل وزرع ورثته عن أبي وبنيت له حائطًا، وبالأمس بعث الأمير بخمسمائة غلام فاقتلعوا الحائط؛ فأصبحت لا أعرف حدود بستاني من بساتينه؛ فكتب القاضي إلى الأمير : " أما بعد.. أبقى الله الأمير وحفظه، وأتم نعمته عليه، فقد جاءتني امرأة فذكرت أن الأمير اغتصب بستانها أمس، فليحضر الأمير الحكم الساعة، والسلام".
فلما قرأ الأمير كتاب شريك غضب غضبًا شديدًا، ونادى على صاحب الشرطة، وقال له: اذهب إلى القاضي شريك، وقل له -بلساني- : يا سبحان الله!! ما رأيت أعجب من أمرك! كيف تنصف على الأمير امرأة حمقاء لم تصح دعواها؟ فقال صاحب الشرطة: لو تفضل الأمير فأعفاني من هذه المهمة، فالقاضي كما تعلم صارم، فقال الأمير غاضبًا: اذهب وإياك أن تتردد.
فخرج صاحب الشرطة من عند الأمير وهو لا يدري كيف يتصرف، ثم قال لغلمانه: اذهبوا واحملوا إلى الحبس فراشًا وطعامًا وما تدعو الحاجة إليه، ومضى صاحب الشرطة إلى شريك، فقال القاضي له: إنني طلبت من الأمير أن يحضر بنفسه، فبعثك تحمل رسالته التي لا تغني عنه شيئًا في مجلس القضاء!! ونادي على غلام المجلس وقال له: خذ بيده وضعه في الحبس، فقال صاحب الشرطة: والله لقد علمت أنك تحبسني فقدمت ما أحتاج إليه في الحبس.
وبعث الأمير موسى بن عيسى إليه بعض أصدقائه ليكلموه في الأمر فأمر بحبسهم، فعلم الأمير بما حدث، ففتح باب السجن وأخرج مَنْ فيه، وفي اليوم التالي، عرف القاضي شريك بما حدث، فقال لغلامه: هات متاعي والحقن ببغداد، والله ما طلبنا هذا الأمر (أي القضاء) من بني العباس، ولكن هم الذين أكرهونا عليه، ولقد ضمنوا لنا أن نكون فيه أعزة أحرارا.
فلما عرف الأمير موسى بذلك، أسرع ولحق بركب القاضي شريك، وقال له: يا أبا عبد الله أتحبس إخواني بعد أن حبست رسولي؟ فقال شريك: نعم؛ لأنهم مشوا لك في أمر ما كان لهم أن يمشوا فيه، وقبولهم هذه الوفادة تعطيل للقضاء، وعدوان على العدل، وعون على الاستهانة بحقوق الضعفاء، ولست براجع عن غايتي أو يردوا جميعًا إلى السجن، وإلاَّ مضيت إلى أمير المؤمنين فاستعفيته من القضاء، فخاف الأمير وأسرع بردِّهم إلى الحبس، وجلس القاضي في مجلس القضاء، واستدعى المرأة المتظلمة وقال: هذا خصمك قد حضر.. فقال الأمير: أما وقد حضرت فأرجو أن تأمر بإخراج المسجونين، فقال شريك: أما الآن فلك ذلك.
ثم سأل الأميرَ عما تَدَّعيه المرأة، فقال الأمير: صدقت.. فقال القاضي شريك: إذن ترد ما أخذت منها، وتبني حائطها كما كان.. قال الأمير: أفعل ذلك، فسأل شريك المرأة: أبقي لك عليه شيئًا؟ قالت: بارك الله فيك وجزاك خيرًا، وقام الأمير من المجلس وهو يقول: مَنْ عَظَّمَ أمرَ اللِه أذل الله له عظماء خلقه، ومات القاضي شريك سنة 177 هـ.
_________________________
(٨)

كفى بالله شهيدا وكفيلا

" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال : 
ائتني بالشهداء أشهدهم فقال : كفى بالله شهيدا ، قال فأتني بالكفيل ، قال : كفى بالله كفيلا ، قال : صدقت ، فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها ثم أتى بها إلى البحر ،
فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بك وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعتكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال هل كنت بعثت إلي بشيء ؟
قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف الدينار راشدا " رواه البخاري

_____________________________
(٧)
حديث عظيم :
روى الإمام أحمد في المسند: 
عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة وأمنوا، فما من مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة له من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار، قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربنا أخرجنا من أمرتنا ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول من كان في قلبه مثقال ذرة، قال أبو سعيد: فمن لم يصدق بهذا فليقرأ هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً، قال: فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحد فيه خير. 
قال: ثم يقول الله: شفعت الملائكة وشفع الأنبياء وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين، قال فيقبض قبضة من النار أو قبضتين ناس لم يعملوا خيراً قط قد احترقوا حتى صاروا حِمماً، قال: فيؤتى بهم إلى ماء يقال له ماء الحياة فيصب عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل الكسيل، فيخرجون من أجسادهم أمثال اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم عتقاء الله، قال: فيقال: لهم ادخلوا الجنة فما تمنيتم أورأيتم من شيء فهو لكم عندي أفضل من هذا، قال: فيقولون: ربنا وما أفضل من ذلك، قال: فيقول: رضائي عليكم فلا أسخط عليكم أبداً. 
والحديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، بل إن أصله في صحيح مسلم وغيره.

والذي يستفاد من الحديث أن هؤلاء الذين لم يعملوا خيراً قط لم يكونوا من المصلين، لأن من كانوا عندهم صلاة وصيام وغيرهما قد خرجوا قبلهم.
لكن هذا لا تستفاد منه إمكانية التساهل في أمر الصلاة اتكالاً على حصول هذه الشفاعة فإن ترك الصلاة من أعظم الذنوب، بل إن بعض أهل العلم يرى كفر تاركها مستدلاً على ذلك ببعض الأحاديث الصحيحة، والاسترسال في المعاصي قد يؤدي بصاحبه إلى الموت على غير دين الإسلام، والعياذ بالله تعالى.
وليس في الحديث تحديد مدة زمنية بين خروج من كان عندهم بعض أعمال الخير وبين غيرهم .
أسأل الله أن يرحمنا برحمته
_______________________
(٦)
أول مجاهدة وشهيدة في البحر من النساء! !!

صحابية جليلة.. خالة الرسول الكريم من الرضاع، وخالة الصحابي المعروف أنس بن مالك (خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم) وزوجة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت.. وأخت سليم وحرام اللذين شهدا بدراً وأحداً. 
وحرام هو القائل عندما طعن من خلفه برمح : ( فزت ورب الكعبة ) .

كانت (رضي الله عنها) من السبّاقين إلى الإسلام، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يكرمها ويزورها في بيتها، ويصلي عندها.. 

يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه - : "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو إلا أنا وأمي وخالتي أم حرام، فقال: قوموا فلأصلِ بكم، فصلى بنا في غير وقت صلاة، ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير من خير الدنيا والآخرة". 

أخرج الترمذي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فأطعمته وجلست تفلي رأسه، فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟
قال: ناس من أمتي يركبون ثبج (وسط) هذا البحر ملوكاً على الأسرّة أو مثل الملوك على الأسرّة. 
قلتُ: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك، 
فقالت: ما يضحكك يا رسول الله ؟ 
قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون وسط هذا البحر ملوكاً على الأسرّة أو كالملوك على الأسرّة.
فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، 
قال: أنت من الأولين " . 

توفي الرسول الكريم وهو راض عنها، فباتت أم حرام تنتظر بشارة الرسول الكريم بالشهادة، وفي خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - سنة (27هـ) ركبت أم حرام البحر مع زوجها عبادة في جيش جهزه بقيادة معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهم) لغزو جزيرة قبرص، فصرعت (وقعت) عن دابتها حتى خرجت من البحر فماتت ودفنت هناك، فكانت أم حرام أول مجاهدة وشهيدة في البحر من النساء. 

روت (رضي الله عنها) عن النبي الكريم خمسة أحاديث، وروى عنها أجلاء الصحابة والتابعين.
رضي الله عن أم حرام بنت ملحان وعن امهات المؤمنين وعن زوجها وعن الصحابة أجمعين. 

__________________________
(٥)

كان يحسن الكتابة فجعله النبي كاتبا للوحي ..
لما أنزل الله سورة المؤمنون والرسول عليه الصلاة والسلام يتلوها ، قال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هكذا أنزلت علي) {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.
دخله في تلك الحقبة زلة غر بنفسه فترك كتابة الوحي ، وقال : ( يوحى إلي كما يوحى إلى محمد )
ترك الإسلام والتحق بكفار قريش ..!!
فلما ذهب إلى مكة حصل فتح مكة في العام الثامن ودخلها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر عن رجال فأمر بقتلهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة .

دخل هو وعثمان بن عفان على النبي عليه السلام وطلب الأمان ثم بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه ..
وقد أرضعته أم عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة 25 هجرية وفتح على يديه إفريقية ... 
قاد معركة ذات الصواري ..

فمن هو ؟

كان يحسن الكتابة فجعله النبي صلى الله عليه وسلم كاتبا للوحي فلما أنزل الله سورة المؤمنون، وفيها: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} (13) سورة المؤمنون، 
والرسول - عليه الصلاة والسلام- يتلوها وعبدالله بن أبي السرح يكتب حتى وصل إلى قول الله جل وعلا : {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} فكتبها قبل أن يمليه الرسول قال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هكذا أنزلت علي) {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. 
دخله في تلك الحقبة زلة غر بنفسه فترك كتابة الوحي وقال: " إن كان محمد صادقا فيما يقول فأنا يوحى إلي كما يوحى إليه وإن كان محمد كاذبا فيما يقول فأنا أقول كما يقول" . وترك الإسلام والتحق بكفار قريش ولذلك قال الله (وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ) لكن الله يعلم أزلا أنه سيتوب فلم يسمه باسمه الصريح في القرآن فلما ذهب إلى مكة حصل فتح مكة في العام الثامن ودخلها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر عن رجال فأمر بقتل عبد الله بن خطل ورجل آخر وعبد الله بن سعد وعكرمة ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة، فأما عبد الله بن خطل تعلق بأستار الكعبة فلم تنجه وقتل، ورجل آخر يقال له ابن يسار قتل في السوق، وعكرمة وعبد الله بن سعد هذان فرا، فذهب عثمان رضي الله عنه إلى أخيه من الرضاعة الذي هو عبد الله وطلب منه أن يدخل به ليأمن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عثمان رضي الله عنه وأرضاه بأخيه عبد الله بن أبي السرح، على النبي- صلى الله عليه وسلم - ورسول الله كاره لتوبته لأنه قال ما قال، 
فطلب عثمان الأمان لعبد الله فسكت صلى الله عليه وسلم طويلا قبل أن يعطيه الأمان رجاء أن يقوم أحد فيقتله، فلم يقم أحد لم يفطن الصحابة لهذا ليمضي قدر الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم (نعم) فأعطى عثمان الأمان، فلما خرج قال عليه الصلاة والسلام ( لقد أطلت الصمت رجاء أن يقوم أحدكم فيقتله ) فقال رجل من الأنصار هلا أومأت لي يا رسول الله! قال ( إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين ) صلوات الله وسلامه عليه.
قال أبو عمر: وأسلم عبد الله بن سعد بن أبي سرح أيام الفتح فحسن إسلامه، ولم يظهر منه ما ينكر عليه بعد ذلك. وهو أحد النجباء العقلاء الكرماء من قريش، وفارس بني عامر بن لؤي المعدود فيهم، ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة خمس وعشرين. وفتح على يديه إفريقية سنة سبع وعشرين، وغزا منها الأساود من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين، وهو هادنهم الهدنة الباقية إلى اليوم. وهو الذي قاد معركة ذات الصواري ( أول معركة بحرية في الإسلام) من أرض الروم سنة أربع وثلاثين ، وأقام في عسقلان حتى وفاة عثمان رضي الله عنه ، ثم لما رجع جاءت الفتنة بين علي ومعاوية فاعتزلها ولم يبايع لا لعلي ولا لمعاوية .
سكن في الرملة المدينة المعروفة في فلسطين فارا من الفتنة حتى مات. وذات يوم دعا ربه فقال: اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح؛ فتوضأ ثم صلى فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلم عن يمينه، ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه. ذكر ذلك كله يزيد بن أبي حبيب وغيره.
وكانت وفاته قبل اجتماع الناس على معاوية. 
وقيل: إنه توفي بإفريقية والصحيح أنه توفي بعسقلان سنة 36 من الهجرة - رضي الله عنه وأرضاه.
ينظر تفسير القرطبي

___________________________
(٤)
لما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي العراق وطغى في ولايته وتجبر، كان الحسن البصري أحد الرجال القلائل الذين تصدوا لطغيانه وجهروا بين الناس بسوء أفعاله وصدعوا بكلمة الحق في وجهه.
من ذلك أن الحجاج بنى لنفسه بناء في واسط وهي مدينة متوسطة بين البصرة والكوفة . 
فلما فرغ منه نادى في الناس أن يخرجوا للفرجة عليه والدعاء له بالبركة. فلم يشأ الحسن أن يفوّت على نفسه فرصة اجتماع الناس هذه، فخرج إليهم ليعظهم ويذكرهم، ويزهدهم بعرض الدنيا ويرغبهم بما عند الله عز وجل.
ولما بلغ المكان ونظر إلى جموع الناس وهي تطوف بالقصر المنيف مأخوذة بروعة بنائه مدهوشة بسعة أرجائه مشدودة إلى براعة زخارفه، وقف فيهم خطيبا. وكان في جملة ما قاله:
- لقد نظرنا فيما ابتنى أخبث الأخبثين، فوجدنا أن فرعون شيد أعظم مما شيد، وبنى أعظم مما بنى. ثم أهلك الله فرعون وأتى على ما بنى وشيد. ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه، وأن أهل الأرض قد غروه. 
ومضى يتدفق على هذا المنوال حتى أشفق عليه أحد السامعين من نقمة الحجاج، فقال له:
- حسبك يا أبا سعيد ... حسبك.
فقال له الحسن:
- لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه.
وفي اليوم التالي دخل الحجاج إلى مجلسه وهو يتميز من الغضب، وقال لجلاسه:
- تبا لكم وسحقا! يقوم عبد من عبيد أهل البصرة ويقول فينا ما يشاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من يرده أو ينكر عليه؟! والله لأسقينكم من دمه يا معشر الجبناء!!
ثم أمر بالسيف والنطع فأُحضرا، ودعا بالجلاد فمثل واقفا بين يديه. ثم وجه إلى الحسن بعض شرطه، وأمرهم أن يأتوه به. وما هو إلا قليل حتى جاء الحسن، فشخصت إليه الأبصار، ووجفت عليه القلوب. فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد، حرك شفتيه، ثم أقبل على الحجاج وعليه جلال المؤمن وعزة المسلم ووقار الداعية إلى الله.
فلما رآه الحجاج على حاله هذه، هابه أشد الهيبة، وقال له:
- ها هنا يا أبا سعيد ... ها هنا!!
ثم ما زال يوسع له ويقول:
- ها هنا ...
والناس ينظرون إليه في دهشة واستغراب حتى أجلسه على فراشه. ولما أخذ الحسن مجلسه التفت إليه الحجاج، وجعل يسأله عن بعض أمور الدين، والحسن يجيبه عن كل مسألة بجنان ثابت وبيان ساحر وعلم واسع. فقال له الحجاج:
- أنت سيد العلماء يا أبا سعيد!!
ثم دعا بغالية من أنواع الطيب تمزج ويتطيب بها.
وطيب له بها لحيته وودعه. 
ولما خرج الحسن من عنده، تبعه صاحب الحجاج وقال له: 
- يا أبا سعيد! لقد دعاك الحجاج لغير ما فعل بك. وإني رأيتك عندما أقبلت ورأيت السيف والنطع قد حركت شفتيك!! 
فماذا قلت؟!!
فقال الحسن:
- لقد قلت: " يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي، اجعل نقمته بردا وسلاما عليّ كما جعلت النار بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام ".
__________________________
(٣)

📌 [من أحب الشهادة الحاضرة فليتزوج عاتكة]



🔻هكذا يقول أهل المدينة عن زوجة الشهداء عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل - رضي الله عنها - وهي أخت سعيد بن زيد - رضي الله عنه - أحد العشرة المبشرين بالجنة ، أسلمت وهاجرت وكانت من حسان النساء وعُبّادهن ، كانت حافظة للقرآن كما كانت فصيحة وشاعرة مجيدة ، وعلى قدر كبير من الحسن والجمال الباهر ، وكانت حيية تقية .



🔸تزوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - ومن شدة حبِّه لها، اشترط عليها ألا تتزوَّج بعد موته مقابل أنْ يكتب لها مالاً أو أرضا ؛ وذلك لأمور عدة ، منها غَيْرته عليها مع حبِّه الشديد لها، ولطمعه أن تكون زوجته في الآخرة .

فلما قُتل واستُشهد في غزوة الطائف آلت أن لا تتزوج بعده وأنشدت فيه مرثية خالدة ، وقد ظلت عاتكة بعد وفاة زوجها عبد الله ، بدون زوج لمدة ثلاث سنوات .



🔸ثم تزوّجها ابن عمها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عام (١٢هـ ) ، وكانت تكثر من الذهاب إلى المسجد ، وعمر - رضي الله عنه -يكره ذلك ولكنه لا يمنعها

وجاء في موطأ الإمام مالك : " وكانت تستأذن عمر بن الخطاب إلى المسجد ، فيسكت ، فتقول : والله لأَخْرُجن إلا أن تمنعني ، فلا يَمْنَعهاانتهى

وظلت عاتكة زوجة وفيّة مخلصة ، فبكته عند وفاته وحزنت عليه ، وقد ولدت له ولدا واحدا هو عياض بن عمر .


🔸ثم تزوجها الزبير بن العوام - رضي الله عنه - مع أنه كان زوجا لأسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها وعن أبيها ، وكان الزبير- رضي الله عنه - غيورا فمنعها من الخروج من البيت مخافة الفتنة ولكنها ذكرته بحديث رسول الله (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن تفلات) أي غير متعطرات

وعندما نزل بوادي السباع ليصلي ؛ أتاه ابن جرموز من خلفه فقتله ، ونال الشهادة رضي الله عنه .


🔸ورثى لحالها علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فأراد الزواج منها فرفضت خشية عليه أن يُقتل ، وقالت: (اضن بابن عم رسول الله على الشهادة) .


🔻ماتت في أول خلافة معاوية ، عام  ( ٤١ هـ ) رضي الله عنها وعن جميع الصحابة والصحابيات .


__________________________
(٢)
أعظم وأعجب محاكمة سمعت بها أذن التاريخ!!!

نادى الغلام : ياقتيبة ( هكذا بلا لقب )
فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُميْع 
ثم قال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي ؟
قال : إجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا ..
إلتفت القاضي إلى قتيبة وقال : وما تقول في هذا يا قتيبة ؟
قال قتيبة : الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية ...
قال القاضي : يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟
قال قتيبة : لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك ...
قال القاضي : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة ، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل .
ثم قال : قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور ، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك !!
لم يصدقوا الكهنة ما شاهدوه وسمعوه ، فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائقاً معدودة ، ولم يشعورا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم ، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات ، ورايات تلوح خلال الغبار ، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب ، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به ..
وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية ، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم،ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر،حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ..
فيا لله ما أعظمها من قصة ، وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق ، أريتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة ، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج ؟
والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم .
بقي أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز .
حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة .
فكتب مع رسولهم للقاضي أن احكم بينهم فكانت هذه القصة ألتي تعتبر من الأساطير 
هي قصة من كتاب (قصص من التاريخ) للشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله ....
وأصلها التاريخي في الصفحة 411 من ( فتوح البلدان ) للبلاذري - طبعة مصر سنة 1932م
________________________

(١)

الذين تكلموا في المهد :

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما كانت الليلة التي أسرى بي فيها ، أتت علىّ رائحة طيبة ، فقلت يا جبريل ما هذه الرائحة ؟ فقال : هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها . قال : قلت : وما شأنها ؟ قال : بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يومٍ إذ سقطت المدرى من يديها ، فقالت : بسم الله ، فقالت لها ابنة فرعون : أبى ؟ قالت : لا ، ولكن ربى ورب أبيك الله ، قالت : أخبرهُ بذلك ؟ قالت : نعم . فأخبرته فدعاها فقال : يا فلانة ، وإن لك رباً غيري ؟ قالت : نعم ، ربى وربك الله . فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها ، قالت : إن لي إليك حاجة . قال : وما حاجتك ؟ قالت : أحبُ أن تجمع عظامي وعظام ولدى في ثوبٍ واحد وتدفننا . قال : ذلك لك علينا من الحق . قال : فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً ، إلى أن انتهى ذلك إلى صبىّ لها مرضع ، وكأنها تقاعست من أجله . قال : يا أمه اقتحمي ، فإن عذاب الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة ، فاقتحمت . قال : قال ابن عباس : تكلم أربعة صغارٌ : عيسى بن مريم عليه السلام ، وصاحب جريج ، وشاهد يوسف ، وابن ماشطة امرأة فرعون . 

قال الحاكم : " صحيحُ الإسناد " ووافقه الذهبي 
_________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق