الصفحات

الأربعاء، 6 أغسطس 2014

ما الجديد في عالم التقنية الحديثة ؟ (*)




 




إن الإجابة عن هذا السؤال ليس بالسهل كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان ، فما تراه حديثاً قد يراه الآخرين غير ذلك ، وما يعتبر حديثاً في بلد قد يكون قديماً في بلد آخر، وما تراه حديثا قد يعتبر غير ذلك بعد أيام أو شهور !!
أكثرنا يذكر التقنيات السابقة خلال العشر سنوات الماضية فقط وكيف كنا نقف مذهولين منها ولا نستطيع الاستغناء عنها ، والآن أصبحت لا شيء !!
فبعد أن أصبح الفرد يتعامل مع التقنية من خلال الجهاز الحاسوبي المكتبي الثابت ثم مع جهازه الحاسوبي المحمول أصبح الآن يتعامل مع جهازه النقال والخفيف في أي مكان يريده ...
والشيء بالشيء يذكر فقد سجلت مبيعات الحواسيب المحمولة خلال هذا العام والعام الماضي رقماً قياسياً في انخفاضها ويعتبر أسوأ هبوط في أرباحها وفقاً لشركة البيانات الدولية . ومع ذلك فقد عملت الشركات الجبارة في صناعة الحواسيب الشخصية على إعادة ابتكار نفسها عبر تقديم حواسيب محمولة تفوق رقة ( النوت بوك ) .
إن عالم التقنية عالم متجدد ولا مكان لمن لا يعايش التسارع التقني في هذا العالم ، لذلك نسمع ونقرأ ونشاهد بين فترة وأخرى عن التسابق في طرح منتجات جديدة تلبي احتياجات العصر ، بل وتحرص على ضم أكثر من جهاز في جهاز واحد بعد أن كان المشتري يحرص على اقتناء أحدث الكاميرات وأحدث أجهزة الملاحة وأحدث أجهزة الاتصال وقبل ذلك أجهزة الراديو والتسجيل ، وأصبح الآن حريصاً كل الحرص على اقتناء ( جهاز نقال) فيه أغلب ما يحتاجه ، وأصبحت الشركات الآن تتفنن في صناعة الجهاز الواحد وتقدم عليه أحدث التقنيات والتطبيقات التي تلبي رغبات عملائها . وحسب أحدث المعلومات المتعلقة بإحصاءات وحقائق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، إذ تظهر الأرقام الجديدة أنه مع بداية عام 1436 هـ الموافق نهاية عام 2014 م سيكون هناك ما يقرب من ثلاثة مليارات مستخدم للإنترنت ، ثلثي المستخدمين منهم من العالم النامي ، وأن عدد مشتركي الهواتف النقالة ذات النطاق العريض سوف يصل إلى 2,3 مليار مستخدم على مستوى العالم ، حيث من المتوقع أن تكون نسبة 55 % من هذه الاشتراكات من العالم النامي !!.
ومع كل هذا التقدم التقني المتسارع فقد أوصلت البعض إلى ما يسمى بـ " الهوس التقني " وصار لا يستغني عن هذه التقنية طوال يومه بل فرط بسعادته ومتعته ومستقبله من أجلها ، ووصل الأمر إلى التفريط في الاستغفار والأذكار عقب الصلوات وانظروا إلى حال الكثيرين في المساجد إن لم يكونوا أصلاً قد فرطوا في الصلاة نفسها !!





ويذكر أن شركة سيسكو(وهي شركة أمريكية عملاقة متخصصة بعلم الشبكات)قدمت بحثا في العام 2011م عن استخدام الأجهزة التقنية وحصرت البحث في شريحة الطلاب الجامعيين واتضح أن مجموعة كبيرة منهم يفضل شراء بعض الأجهزة الحديثة على دفع الرسوم الجامعية والبعض الآخر يفضل أن تسرق أمواله على أن تسرق منه مثل هذا النوع من الأجهزة !
نعم نحن في عصر ( الهوس التقني ) وأجزم تماما أننا لا نختلف عن هؤلاء في عالمنا العربي بسبب التغيير الحاصل في نمط الحياة المعيشية حيث أن المبلغ المستقطع لأجل هذه التكنولوجيا الحديثة أصبح يشكل نصيبا من ميزانياتها على حساب متطلبات أخرى ذات أهمية وانتفاع أكثر ، ناهيك عن الاستخدام السيئ لهذه التكنولوجيا والتي قد تتسبب بما لا تحمد عقباه على مستوى الفرد والمجتمع من انفصال عرى الأسر وانحلال أخلاق بعض أفرادها – وكل هذا مشاهد - بالإضافة إلى فضح الكثير مما كان يجب ستره أو عدم الخوض أو المساس به لكونه من (المحرمات شرعا أو عرفا) .
 لقد أصبحت وسائل التقنية الحديثة عند البعض مَدْعَاةً للهروب من التعامل المباشر إضافة إلى تقليل الزيارات الاجتماعية وحضور المناسبات العائلية لأنه يرى أن إرسال رسالة قصيرة أو عبارة مختصرة عن طريق إحدى وسائل التواصل الاجتماعي كافية ، ويحاول أن يقنع نفسه بأنه أحسن من غيره لأنه أرسل تهنئة أو تعزية !!
بل إن مثل هذه الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصابت البعض بالبلادة حتى في أمور العبادة ، وصاروا يتثاقلون عن فعل الطاعات ويتحدثون عن أخلاقيات لا تُطبق ، ويرسلون مواقع عن القرآن الكريم والأحاديث النبوية لم يسبق لهم فتحها أو معرفة محتواها وليس بخافٍ خطورة الإرسال دون تثبت!!
ولم يعد لهم طاقة للطاعة فمارسوها بإعادة الإرسال ، ولسان حالهم (حب لأخيك ما تحب لنفسك) ولعلهم يطبقون هنا مبدأ الإيثار للغير على حساب أنفسهم مع أن أنفسهم بحاجة أكثر للأجر !!
كما أننا مازلنا نجهل أو نتجاهل المخاطر الصحية من هذه التقنية وأصبحنا معرضين الآن لإشعاعات مضاعفة الأمر الذي يحتم علينا البحث عن الحقائق والعمل على الاستخدام الأمثل للتقنية ومعرفة النصائح العلمية والعملية للتعايش السلمي بيننا وبين هذه الأجهزة للتقليل من هذه الأضرار التي لابد منها !!. 

تأملوا معي ....
المشهد الأول : اتصل على أمه وأخبرها بأنه قادم لزيارتها، فرحت به وأعدت القهوة لضيافته، جاء وسلّم عليها ثم جلس وأخرج جهازه النقال وأخذ يتصفح برامجه، تحادثه أمه فيهز رأسه وفكره ليس معها، وكأنه جاء فقط ليتصفح جواله لا ليزور أمه ! 

المشهد الآخر : طفل في سن الخامسة ينام وفي حضنه (الآيباد) ويصحو وهو في حضنه، لا والدته تعلم عن ما يمكن أن تحتويه الألعاب التي يلعبها من محظورات ولا والده ينبهه عن كثرة استخدامه للجهاز !!

مشهدان من أكثر ما نراهما في مجتمعنا من مساوئ التقنية الحديثة ، وغيرهما كثير ، وويلاتها على من لم يحسن ويقتصد في استخدامها ..

ومن أجل ذلك وبعد أن كثر فيه استخدام التقنيات المتنوعة وبدأ يظهر لدينا كغيرنا بعض إفرازات التقنية كان لابد من وضع أحكام وضوابط لاستخدام هذه التقنية خاصة بعد أن شاع الاستخدام السيئ لهذه التقنيات بين فئات المجتمع المختلفة ، ولا أقصد بالضوابط هنا الرقابة أو القيود التي تفرضها الحكومات ، بل أقصد إطلاق ثقافة " الاستخدام الأمثل " لهذه التقنيات وخاصة مع ما يتناسب مع الفئات العمرية المختلفة والثقافات المحلية ، وبالطبع يصعب أحيانا تحقيق هذه الغاية ولكن تظل الرقابة الذاتية النابعة من القيم الدينية والتربية السليمة التي تعد خط الدفاع الأول ضد هذه المخاطر، وكذلك التوعية ضد سلبيات التقنية وغرس المفاهيم السليمة والصحيحة للاستخدام الأمثل والمفيد لها .
كما لا يخفى بأن هذه التقنية الحديثة قد ساهمت – ولله الحمد والمنة – مساهمة فاعلة في تعليم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي الدعوة إلى الله إضافة إلى البرامج والتطبيقات المفيدة مثل ( الآذان - تحديد القبلة – مواقيت الصلوات - الأذكار .......) .
إن الاقتصار على الوسائل القديمة فقط يجعل كل محب للخير ينفق الكثير من الوقت والجهد والمال الذي يمكن توفيره من خلال استخدام وسائل التقنية الجديدة مثل(مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة – قنوات اليوتيوب - المدونات – البرامج الخدمية – التطبيقات المفيدة في أنظمة أبل وأندرويد وغيرها.....)





ولذا كان على كل محب للخير أن يتعلم وأن يتدرب على مهارات وفنون التواصل الدعوي وتطوير الذات وأن يأخذ بما توفر من وسائل تكنولوجية عصرية في نقل الدعوة إلى الناس .
كما ساهمت التقنية الحديثة وساعدت على توسيع إدراك الشخص المستخدم لها وتطوير ثقافته وجعلت منه متابعًا جيدًا للأحداث في كل أنحاء العالم بلا قيد أو عذر ، وخففت من غربة الطلبة الذين يدرسون خارج أوطانهم فمكَّنتهم من التحدث إلى عائلاتهم وأصدقائهم في أي وقت ، وإرسال رسائلهم عبر وسائل الاتصال الحديثة المختلفة ، كما أنها مكَّنت الأشخاص من التواصل مع العلماء والمشايخ بشكل أسرع وأفضل عبر المواقع الخاصة لهؤلاء العلماء وإمكانية التواصل معهم شخصيًّا بكل يسر وسهولة .

وبعد هذا كله ما زلنا بانتظار الإجابة عن  السؤال : ما الجديد في عالم التقنية الحديثة ؟
وللإجابة بشكل مختصر جداً فإني حاولت أن أحصر أهم بعض التقنيات الحديثة ولم افلح كثيراً نظراً للتسارع العجيب في أمور التقنية ولكن سأذكر بعض هذه التقنيات مع يقيني التام أن هناك تقنيات أحدث منها وربما بعضها قد بدأ بالفعل ، ومن ذلك :
 
1- تصفح الحاسب الآلي والأجهزة الرقمية وتقليب الصفحات والألعاب بواسطة العين.

2- نظام تشغيل عالمي مفتوح صالح لكل جهاز يمتلك حرية التعامل حسب اختيار المستخدم .

3-  جهاز الطباعة الثلاثية الأبعاد وكذلك طباعة بلا حبر .

4- شريحة بيانات لاسلكية صغيرة جداً يمكن لصقها أو تثبيتها في إي جسم وتعتبر كصورة ناطقة .

5- نظارات يمكن من خلالها عرض موجز عن الشبكات المرئية الاجتماعية , وعرض النصوص والخرائط والتنقل من خلال نظام التحكم بالمواقع GPS والتقاط الصور وأداء الألعاب .

6- جهاز صغير بديل عن الفأرة وبحجم أصغر منها يمكن من خلاله التحكم بأجهزة الحاسب الآلي بواسطة الأصابع ومن دون لمس الشاشة ويمكن أن يكون هو لوحة المفاتيح وكذلك تصغير وتكبير الشاشة وأيضاً للكتابة  .

7- شبكة صور طبية تتيح نقل الصور الطبية والاطلاع عليها بين المراكز والمستشفيات لإنتاج صور ثلاثية ورباعية الإبعاد للمرضى.

8- تعريف بالهوية وهو عبارة عن جواز مرور لتسهيل عمليات الاتصال والتفاعل الكترونيا بشكل سري وأمين لكل من الشركات والمستهلكين على السواء .

9- نظم الاتصالات البصرية يقوم على استخدام أشعة الليزر في اتجاهين لإرسال و تحميل البيانات كمثال الاتصال بين الأرض و القمر الصناعي ويمكنها نقل كميات ضخمة من البيانات التي تستغرق عدة أيام لتكون في دقائق معدودة ، وبسرعة أكبر مما هي عليه الآن .


أما أكثر خمس تقنيات معرضة للانقراض خلال السنوات العشر القادمة :

1- البطاقات المصرفية الإلكترونية،ومع صعوبة تخيّل الحياة دون بطاقات الدفع الإلكتروني بسبب انتشارها الواسع في المتاجر والشركات إلا أن زوالها وارد جداً مع وجود بدائل تقنية أكثر أمناً وأسهل استخداماً .

2- قارئ الكتب الإلكترونية : والذي انتشر بعد عام 2000 ولقي رواجاً كبيراً مع تقنية الحبر الإلكتروني إلا أن التطور المستمر للأجهزة المحمولة واللوحية والرقمية وضعت المستخدم في مزاجيّة "الكل في واحد" .

3- أزرار لوحة المفاتيح في الهواتف المحمولة بسبب تطور شاشات اللمس في الأجهزة الرقمية التي أصبح استخدامها أكثر سهولة وسرعة من الأزرار .

4- أجهزة الإرشاد وتحديد المواقع (Navigator) مع وجود البديل العملي المتمثل في الهواتف الرقمية الحديثة والحواسب اللوحية ، بالإضافة إلى تطور خدمات الخرائط الإلكترونية والتي من الممكن تحميل تلك الخرائط لتكون متوفرة دون اتصال بالإنترنت.

5- أقراص تخرين المعلومات "CD" و "DVD" كما انقرض القرص المرن من قبل .

وختاماً ، لنتذكر أنه سيأتي يوم نفنى فيه نحن البشر ، وعلينا أن نستغل كل تقنية بما يعود على ديننا ومجتمعنا بالفائدة ولنتذكر بأنه لا خير في تقنية تبعدنا عن خالقنا ، ولا خير في تقنية تبعدنا عن أقرب الناس إلينا .


(*) : تم نشر المقال في العدد الثالث - شوال ١٤٣٥ هـ / ٢٠١٤ م  من مجلة (القُربَى) وهي مجلة تصدر سنوياً في عيد الفطر المبارك خاصة بأسرة (الطريقي) .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق