الصفحات

الجمعة، 9 سبتمبر 2016

[ الحج ... عِباراتٌ وعَـبَراتٌ ]

في هذا اليوم من غرة ذي الحجة من عام ١٤٣٧هـ ؛ اسأل الله أن يوفقنا جميعاً للمسارعة إلى الخيرات ، واغتنام فضائل الأوقات في هذه الأيام الفاضلة ( أيام العشر من ذي الحجة ) . 


من أعظم دروس الحج ؛ دلالته على وحدة الأمة الإسلامية ؛ فالرب واحد ، والقبلة واحدة ، والدين واحد ، والوجهة واحدة ، واللبس واحد ؛ فياله من مشهد يبعث على السرور ، ويسعد ويبهج النفوس .


محتويات الموضوع تتضمن :

🕋 لفظ الحج في القرآن الكريم
🕋 وقفات مع بعض آيات الحج .
🕋 من مقاصد سورة الحج
🕋 مواقف السلف في الحج .
🕋 أبيات شعرية مختارة .

فإلى بداية الموضوع :

🕋 [ لفظ الحج في القرآن الكريم ]

ورد لفظ (الحج) في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة ، وذلك في أربع سور ، هي : (البقرة - آل عمران - التوبة - الحج ) ، حيث ورد باللفظ المعرَّف (الحج) ثماني مرات ، 
وبلفظ (بالحج) مرةً واحدة ، 
وبلفظ (حجٌّ) مرةً واحدة ، 
وبلفظ الفعل (حَجَّ) مرة واحدة ، 
وبلفظ (الحاج) مرة واحدة {أَجَعَلْتُمْ 
سِقَايَةَ الْحَاجِّ}

وفي هذه الآيات دروسٌ وعبرٌ عظيمةٌ ، شأنها في ذلك شأن بقية آيات القرآن الكريم. 

والحج يربي العبد على معاني العبودية والاستسلام والانقياد لشرع الله، فالحاج يؤدي أعمالاً غير واضحة المعاني، فيتجرد من ملابسه التي اعتادها، ويجتنب الزينة، ويطوف ويسعى سبعة أشواط، ويقف في مكان معين ووقت معين، ويدفع كذلك في وقت معين وإلى مكان معين، ويرمي الجمار ويبيت بمنى، إلى غير ذلك من أعمال الحج التي يؤديها الحاج غير مدرك لمعانيها سوى أنّها امتثال لأمر الله، واتباع لسنة لنبيه صلى الله عليه وسلم، كما قال عمر - رضي الله عنه - للحجر الأسود عندما أراد تقبيله : " والله إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك " .

__________

🕋 [ وقفات مع بعض آيات الحج ]

🔹فرض الله حج البيت الحرام على المسلمين بقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران/٧٩) ، حيث دلت على وجوب الحج على المستطيع .
وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْـحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البقرة/١٩٦) ، فهي تدل على وجوب إتمام الحج لمن دخل فيه ، وليست دالةً على إيجاب الحج ابتداءً.

🔹جعل الله الإعراض عن الاستجابة لأمره بالحج كفراً به ، واستكباراً على أمره، بدلالة قوله بعد إيجاب الحج وفرضه: {وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران/٩٧) .

🔹من أعظم مقاصد الحج : إظهار توحيد الله، فإن الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، مرتبطٌ بشكل ظاهرٍ بالركن الأول، وهو شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويظهر ذلك في عدة آيات من آيات الحج، كقوله: {وَأَتِمُّوا الْـحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أي له وحده لا لغيره .

🔹القرآن يدعو إلى تعظيم شعيرة الحج - كما جاء ذلك في سورة كاملة تسمى سورة " الحج " .

🔹قال الله تعالى مخاطباً نبيه إبراهيم - عليه السلام - : {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } (الحج/٢٧)
 
يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية :
« أي نادِ (يا إبراهيم) في الناس بالحج ، داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه ، فذكر أنه قال : " يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم ؟ " فقال : " نادِ وعلينا البلاغ " فقام على مقامه ، وقيل على الحجر ، وقيل على الصفا ، وقيل على أبي قبيس ، وقال : " يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه " ، فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة ، لبيك اللهم لبيك ، هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ، ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف - والله أعلم . » (أ.هـ)

____________

🕋 [ من خصائص سورة الحج ]

١- سورة الحج هي من أعاجيب سور القرآن الكريم ففيها آيات نزلت في المدينة وأخرى نزلت في مكة ، وآيات نزلت ليلاً وأخرى نهاراً، وآيات نزلت في الحضر وأخرى في السفر وجمعت بين أشياء كثيرة.

٢- وهي السورة الوحيدة في القرآن كله التي سميّت باسم ركن من أركان الإسلام وهو " الحج " وليس لها اسم غير هذا .

٣- قال شيخ الإسلام ابن تيمية  في الفتاوى (٢٦٦/١٥)
فيها مكي ومدني ، وليلي ونهاري ، وسفري وحضري ، وشتائي وصيفي ، وتضمنت :
- منازل المسير إلى الله ، بحيث لا يكون منزلة ولا قاطع يقطع عنها.

- ويوجد فيها ذكر القلوب الأربعة : الأعمى ، والمريض ، والقاسي ، والمخبت الحى (المطمئن إلى الله ) .

- وفيها من التوحيد والحكم والمواعظ ـ على اختصارها ـ ما هو بيّن لمن تدبره .

- وفيها ذكر الواجبات والمستحبات كلها : توحيدًا ، وصلاة ، وزكاة ، وحجًا ، وصيامًا ، قد تضمن ذلك كله قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (الآية/٧٧) ، فيدخل في قوله : {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} كل واجب ومستحب ، فخصص في هذه الآية وعمم .
ثم قال : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (الآية/٧٨) ، فهذه الآية وما بعدها لم تترك خيراً إلا جمعته ولا شراً إلا نفته .
انتهى كلامه – رحمه الله

٤- أنه لم يجتمع في القرآن كلِّه المكي والمدني والليلي والنهاري والسفري والحضري والحربي والسلمي والناسخ والمنسوخ والمحكمُ والمتشابه والشتائي والصيفي إلا في سورة الحج .
قال جمهور أهل العلم: هذه السورة بعضها مكي، وبعضها مدني ، أي لا يُعْرَف المكي بعينه، والمدني بعينه ، بمعنى أن كثيراً منها مكي، وأن مثله أو يقاربه مدني ، وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (نزل أول السورة في السفر، فنادى رسول الله بها، فاجتمع إليه الناس ).

٥- لم تجتمع سجدتان في سورة من القرآن إلا فيها .

٦- لم تفتتح سورة في النصف الأخير من القرآن بـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" إلا سورة الحج .

٧- في القرآن بضع وستون مثلاً لم يقل الله - عز وجل - {فَاسْتَمِعُوا لَهُ} إلا في مَثَل سورة الحج { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ } (الآية/٧٣)

٨- فيها ذكر القلوب الأربعة : 
الأعمى ، والمريض ، والقاسي ، المخبت الحي المطمئن إلى الله ، ولم تجتمع هذه الأربعة إلا في سورة الحج . 

القلب الأعمى :
 { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } (الآية/٤٦)

القلب المريض والقلب القاسي:
{ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } (الآية/٥٣)

القلب المخبت :
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (الآية/٥٤) .

٩- لم يرد في أية سورة مرتين التعبير عن "تذوق عذاب الحريق" إلا في سورة الحج في الآيتين : 
كما في قوله عز وجل { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } (الآية/٩) ،
وفي قوله تعالى { وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } (الآية/٢٢) ،
على حين ورد مرة واحدة في سور :
آل عمران (١٨١)
والأنفال (٥٠)
والبروج (١٠)
ففي القرآن الكريم كله ورد عذاب الحريق خمس مرات ، وانفردت سورة الحج وحدها بمرتين .

١٠- لم يرد ذكر للمجوس في القرآن كله في معرض ذكر المِلل والنِحل سوى في سورة الحج  ، قال الله عز وجل { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (الآية/١٧) .

١١- أنها أول سورة ورد فيها الإذن بالقتال في القرآن الكريم كله ، وذلك في قوله سبحانه وتعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } (الآية/٣٩) ، وقد أورد الإمام القرطبي : " وهي أول آية نزلت في القتال .
قال ابن عباس وابن جبير : نزلت عند هجرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.
وروى النسائي والترمذي عن ابن عباس قال : ( لما أُخرج النبي – صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ليهلكن ؛ فأنزل الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ، فقال أبو بكر : لقد علمت أنه سيكون قتال ) - قال الترمذي هذا حديث حسن ". (ا.هـ)

١٢- لم يرد في القرآن الكريم كله وصف لعذاب الكافرين ، كما جاء في هذه الآيات: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ 🔅 يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ 🔅 وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ 🔅 كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } (الآيات/١٩-٢٢)
هذا المشهد لم يتكرر في القرآن الكريم سواء بالنسبة إلى الثياب التي تُفصَّل وتُقطَّع من نار والمقامع من حديد .

١٣- كما لم يرد ذكر العذاب المعنوي بـ " الغم " في جهنم {مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} إلا في هذه الصورة الرهيبة في جزاء المجادلين في الله تعالى .

١٤- لم يرد في أية سورة من القرآن الكريم وصف الله تعالى بأنه ( القوي العزيز ) مرتين إلا في سورة الحج بأعلى درجات التوكيد في قوله تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الآية/٤٠) ، وفي قوله تعالى { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الآية/٧٤) ، باستعمال إنَّ للتوكيد، واللام قبل الخبر في " لَقَوِيٌّ " على حين ورد هذا الوصف مؤكدًا مرة واحدة في سورة  "هود" في قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } (هود/٦٦) ، والتوكيد هنا بـ " إنَّ " و " ال " التعريف التي تدل على انفراده سبحانه وتعالى بالقوة والعزة الكاملتين، وورد مرة واحد أيضا في سور الأحزاب (٢٥)، والشورى (١٩)، والحديد (٢٥)، والمجادلة (٢١).
وبهذا يكتمل وصف الله تعالى أنه (القوي العزيز ) سبع مرات في القرآن الكريم كله ، وانفردت سورة الحج منها بمرتين ، وهذا يؤكد أن سياق الآيات في التدافع بين الحق والباطل مضمون فيه الغلبة للمؤمنين إذا أحسنوا التوكل -لا التواكل- على الله القوي العزيز.

١٥- أنها السورة الوحيدة التي ذكرت فيها معابد الأمم ( صوامع ، وبيع ، وصلوات ، ومساجد )  ، كما في قوله تعالى : { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا }

١٦- أن فيها سبع آيات متتابعات ختمت كل منها بصفتين من صفات الله تعالى وهي الآيات  (٥٩ - ٦٥ ) وهو ما لم يتكرر في غيرها :
{وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}
{إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}
{وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}
{وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}
{إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}

________________

🕋 [ من مواقف السلف في الحج ]


• حج عبدالله بن جعفر - رضي الله عنه - ومعه ثلاثون راحلة وهو يمشي على رجليه ، حتى وقف بعرفات ، فأعتق ثلاثين مملوكًا وحملهم على ثلاثين راحلة ، وأمر لهم بثلاثين ألفًا ، وقال : اعتقهم لله – تعالى - لعله - سبحانه - يعتقني من النار.



• حُكي عن معروف القاضي أن الحجيج كانوا يجتهدون في الدعاء وفيهم رجل من التركمان ساكت لا يحسن أن يدعو، فخشع قلبه وبكى ، فقال بلغته: اللهم إن كنت تعلم أني لا أحسن شيئًا من الدعاء، فأسألك ما يطلبون منك بما دعوا، فرأى بعض الصالحين في منامه أن الله قَبِل حج الناس بدعوة ذلك التركماني لما نظر إلى نفسه بالفقر والفاقة والعجز.


• قال الهيثم ابن عدي قال الشعبي: 
" حج سليمان بن عبد الملك ؛ فلما رأى الناس بالموسم قال لعمر بن عبد العزيز : ألا ترى هذا الخلق الذي لا يحصى عددهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره ؟
فقال عمر بن عبدالعزيز : يا أمير المؤمنين هؤلاء رعيتك اليوم ، وهم غدا خصماؤك عند الله ، فبكى سليمان بكاء شديدا ، ثم قال : بالله أستعين .
وكان محمد بن سيرين يترحم على سليمان بن عبد الملك، ويقول: افتتح خلافته بخير وختمها بخير، افتتحها بإجابة الصلاة لمواقيتها ، وختمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز - رحمهم الله جميعا .


• قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
" لما فرغ عمر بن الخطاب من الحج سنة ثلاث وعشرين ، ونزل بالأبطح دعا الله - عز وجل -، وشكا إليه أنه قد كبرت سنه ، وضعفت قوته ، وانتشرت رعيته ، وخاف من التقصير ، وسأل الله أن يقبضه إليه ، وأن يمنَّ عليه بالشهادة في بلد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك ، وموتاً في بلد رسولك ، فاستجاب له الله هذا الدعاء " . 
(البداية والنهاية )

• عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : ( كان الفضل بن عباس رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال: نعم ، وذلك في حجة الوداع ) . رواه البخاري .


• الصالحون ؛ وقلة الكلام في الحج إلا من ذكر الله عز وجل :

قال عروة بن الزبير: خطبت إلى عبد الله بن عمر ابنته ونحن في الطواف فسكت ولم يجبني بكلمة !
فقلت: لو رضي لأجابني ، والله لا أراجعه فيها بكلمة أبدا، فقدر له أن صدر إلى المدينة قبلي ، ثم قدمت فدخلت مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه وأديت إليه من حقه ما هو أهله فأتيته ورحب بي ، وقال: متى قدمت ؟
فقلت: هذا حين قدومي ،
فقال: أكنت ذكرت لي (سودة بنت عبد الله) ونحن في الطواف نتخايل الله - عز وجل - بين أعيننا ، وكنت قادراً أن تلقاني في غير ذلك الموطن ؟
فقلت: كان أمراً قُدِّر !
قال: فما رأيك اليوم ؟
قلت: أحرص ما كنت عليه قط !
فدعا ابنيه سالما وعبد الله فزوجني.
[ حلية الأولياء ]

• قال الجريري: أحرم أنس بن مالك من ذات عرق قال: فما سمعناه متكلما إلا بذكر الله حتى حلّ، فقال: يا ابن أخي هكذا الإحرام.
• وقال منصور بن المعتمر: كان شريح – هو: ابن الحارث القاضي – إذا أحرم كأنه حية صماء.
• وقال عطاء بن أبي رباح: رأيت عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما يطوفان بالبيت جميعا كأن على رءوسهما الطير تخشعا.
• وقال عطاء: طفت وراء ابن عمر وابن عباس فلم أسمع أحدا منهما يتكلم في الطواف.


• أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تبكي في الحج خوفاً من فوات الأجر :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ( خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشهر الحج ، وليالي الحج ، وحرم الحج ، فنزلنا بسرف (موضع على ستة أميال من مكة) ، قالت: فخرج إلى أصحابه فقال: " من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ، ومن كان معه الهدي فلا " ، قالت: فالآخذ بها، والتارك لها من أصحابه، قالت: فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجال من أصحابه فكانوا أهل قوة، وكان معهم الهدي، فلم يقدروا على العمرة، قالت: فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقال: " ما يبكيك يا هنتاه " ، قلت: سمعت قولك لأصحابك فمنعت العمرة ، قال: " وما شأنك " 
قلت: لا أصلي ، قال: " فلا يضيرك إنما أنت امرأة من بنات آدم ، كتب الله عليك ما كتب عليهن ، فكوني في حجتك فعسى الله أن يرزقكيها " ، قالت: فخرجنا في حجته حتى قدمنا منى فطهرت، ثم خرجنا من منى فأفضت بالبيت ، قالت: ثم خرجت معه في النفر الآخر حتى نزل المحصب ونزلنا معه ، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: " اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة، ثم افرغا ثم ائتياها هنا، فإني أنظركما حتى تأتياني " ، قالت: فخرجنا حتى إذا فرغت وفرغت من الطواف ثم جئته بسحر، فقال: " هل فرغتم ؟ " 
فقلت: نعم، فآذن بالرحيل في أصحابه ، فارتحل الناس، فمرَّ متوجهاً إلى المدينة ) - رواه البخاري .


• كان سالم بن عبد الله بن عمر يطوف بالبيت ومعه في المطاف الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وما إن وقعت عين الخليفة على حفيد الفاروق وهو من علماء عصره، ومن ذي الورع فيهم؛ حتى سارع إليه ممسكاً بيديه قائلاً: " يا سالم ألك حاجة ؟ "،  فبادره سالم بقوله: " والله يا أمير المؤمنين إني لأستحيي أن أسأل غير الله وأنا في بيته "، ويتركه الخليفة حتى يفرغ من طوافه ، حتى إذا كان خارج المطاف بعيداً عن البيت الحرام أعاد القول عليه: " أليست لك حاجة أقضيها لك يا سالم ؟ " فعاجله بقوله: " إني لأستحيي أن أسأل غير الله وأنا ملكه" .


 • أن عثمان بن عفان - رضي اللهُ عنهُ - صلَّى بمِنى أربعًا ، فقال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ - رضي الله عنه - مُنكِرًا عليه : صليتُ مع النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - ركعتَينِ ، ومع أبِي بكرٍ ركعتَينِ ، ومع عمرَ ركعتَينِ ، ومع عثمانَ صدرًا من إمارتِه ثم أتمَّها ثم تفرقَتْ بكم الطرقُ فلوددتُ أنَّ لي من أربعِ ركعاتٍ ركعتَينِ مُتقبَّلتَينِ ، ثم إنَّ ابنَ مسعودٍ صلَّى أربعًا فقيل له : عِبتَ على عثمانَ ثم صليتَ أربعًا قال : " الخلافُ شرٌّ " . صححه الألباني

• وعن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : " قدم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة وقد وهنتهُم حُمَّى يثربَ ، قال المشركون : إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم  الحُمَّى ولقوا منها شدة ، فجلسوا مما يلي الحجر ، وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جَلَدهم .
فقال المشركون : هؤلاءِ الذين زعمتم أن الحُمَّى قد وَهَنْتهُمْ ، هؤلاء أجلَدُ من كذا وكذا .
قال ابن عباس : ولم يمنع أن يأمرهم أن يرمُلوا الأشواط كلها ، إلا الإبقاء عليهم " . رواه مسلم 

الرَّمَل : هو أسرع المشي مع تقارب الخطوات .

وفي حديث ابن عباس  - رضي الله عنهما - في عمرة القضية سنة سبع ، وكان في المسلمين ضعف في البدن ، فرملوا إظهارا للقوة ، واحتاجوا إلى ذلك فيما عدا بين الركنين اليمانيين ، لأن المشركين كانوا جلوسا في الحجر فلا يرونهم بينهما ، فلما حج - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر رمل من الحجر  إلى الحجر  ، فوجب الأخذ به لأنه الآخر من فعل النبي عليه الصلاة والسلام . 
قال العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - : " فالنساء لا يسن في حقهن الرمل ، ولا السعي الشديد بين العلمين في المسعى ، وهو خاص بالأشواط الثلاثة الأولى ، ويستوعب جميع الشوط ، يعني من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، لأنه آخر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع " . (ا.هـ)

• ومن المواقف في الحج :


سورة براءة (التوبة) من أواخر ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما روى البخاري عن البراء -رضي الله عنه -
وأول هذه السورة نزل على الرسول - عليه السلام - لما رجع من غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة وهَمَّ بالحج ، قال تعالى :
{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} (التوبة/١-٣)

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " بعثني أبو بكر - رضي الله عنه - في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر ، يؤذنون بمنى : ( أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ) . قال حميد بن عبد الرحمن : ثم أردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعلي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وأمره أن يؤذّن بسورة براءة .
قال أبو هريرة : فأذن معنا علي - رضي الله عنه - يوم النحر في أهل منى ببراءة ، وأن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان " . رواه البخاري

{يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ} وهو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعاً ، وهذا عليه عامة أهل العلم .
وكما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج ، فقال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم النحر، قال : هذا يوم الحج الأكبر " . أخرجه البخاري 
قال بعض أهل العلم : وإنما قيل الأكبر - يعني يوم الحج الأكبر- في مقابل الحج الأصغر وهو العمرة .


ومن المواقف في الحج :

معنى قول الله - عز وجل - : {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } (البقرة/٢٠٣) .

عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي - رضي الله عنه - قال : " شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة وأتاه ناس من نجد ، فأمروا رجلًا ، فسأله عن الحج ، فقال : الحج عرفة ، من جاء ليلة جمع قبل صلاة الصبح فقد أدرك حجة ، أيام منى ثلاثة أيام ، من تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا عليه ، ثم أردف رجلًا ، فجعل ينادي بها في الناس " . صححه الألباني .

- وليلة جمع : هي ليلة مزدلفة ، ومنه قوله تعالى في سورة العاديات : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً}.

- روى الطبري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - :
: { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } ، أي غُفِرَ له ، { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : غُفِرَ له . 
وفي رواية أي بَرِئَ من الإثم .
وهو قول جماعة من المفسرين من السلف.
وقيل : أي خارج من ذنوبه ، محطوطة عنه آثامه ، مغفورة له أجرامه . 

- قال الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - : 
" أود أن أنبه إخواننا الحجاج على هذا الخطأ ، فإن كثيراً من الحجاج يفهمون أن معنى قوله تعالى : ( فمن تعجّل في يومين ) أي خرج في اليوم الحادي عشر فيعتبرون اليومين : يوم العيد واليوم الحادي عشر ، والأمر ليس كذلك ، بل هذا خطأ في الفهم ، لأن الله تعالى قال : ( واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق ، وأيام التشريق أولها الحادي عشر ، وعلى هذا يكون قوله : ( فمن تعجّل في يومين ) أي من أيام التشريق ، وهو اليوم الثاني عشر فينبغي للإنسان أن يصحح مفهومه حول هذه المسألة حتى لا يخطئ " . (ا.هـ).

______________

🕋 [ أبيات شعرية مختارة ]



يقول أحد الشعراء :
هنا بمكّة آي الله قد نزلت
هنا تربّى رسول الله خير نبي

هنا الصحابة عاشوا يصنعون لنا
مجدًا فريدًا على الأيام لم يهمي

كم هزني الشوق يا خير الديار وكم
عانيت بعدك وجدًا دائم السبب


ويقول شاعر آخر :
أخي إن زرت بيت الله تبغي
رضا أو تشتكي همّا وحزنا

ففي تلك الرحاب عظيم أنس
لناءٍ  إن دعـــاه الشـوق حنا


ويقول الشاعر :
إلى البيت العتيق حملت قلبي 
فلبــــى الله مبتهــــــــلاً إليـــه 

وطــاف بركنه والدمع يجــري 
على الخدين في صمتٍ لديه 

له - سبحانه - ندعــو ونرجو
هــداية أُمَّـــةٍ  وفـــدَتْ عليــه

 
ويقول آخر :
خذوني خذوني إلى المسجدِ
خذوني إلى الحجر الأسودِ

خذوني إلى زمزم علّها
تُبّرد من جوفيَ الموقد

خذوني لأستار بيت الإله
أشد به في ابتهال يدي

دعوني أحط على بابه
ثقال الدموع وأستنفد


ويقول الشاعر :

أنا الصّبُ المتيّم في بقاع 
بها المختارُ قد صلّى وصاما

عَلِقتُ بحُبها مُذ كنتُ طفلا 
وكم غَرَزَتْ بخفّاقي سهاما!

أما وطئ الحبيب على ثراها؟ 
لذلك حُبها في القلب داما



ويقول أحدهم :

رأيت بمكة الأنوار فجرا
تحوط الحِجْر والبيت الحراما

أمكة أنت ياقوت ودر
وللإسلام تبقين السناما

شعوب الأرض قد جمعت بشوق
وحول البيت تزدحم ازدحاما

أتوا من كل فج كي تراهم
قعودا- ياإلهي - أو قياما

أعدني نحو مكة في سُرُور
أحُجُ البيت عامًا ثم عامـــا

وَفَرِّجْ كَرْبَ أُمَّتنَا إلهي
وجنبها التشتت والخصاما

وصلِّ على حبيبك مَا أُناسٌ
أناخوا العيس أو نصبوا الخياما

اللهم صلِ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 
والحمد لله رب العالمين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق