مِنَى .. والمُنَى :

الاثنين ١٤ ذو الحجة ١٤٣٦ هـ

وهكذا ودعت مِنى ضيوفها ، وأسدلت المدينة البيضاء عن خيامها، وتوقفت الحركة في شوارعها ..

كنتِ يا مِنى حديث الناس وعاشوا معكِ ولم يفقدوا الإحساس ..

جاءوا إليك من كل فج ، ودخلوا إليك بنية الحج ..

هناك من نام في الغُرف المكيفة ، ومن نام بين العوادم والأدخنة ..

لا فرق الآن .. فالكل يطلب الغفران ..

آهْ يا منى...

كم رُفِعتْ فيكِ من دعوى ؟

وكم بُثَّتْ فيكِ من شكوى ؟

كم فاضت فيكِ العبرات ؟

وكم سكبوا من الدمعات؟

والحجاج يحدوهم الأمل بمغفرة الذنوب ومحو الزلات ..

عاشوا فيكِ أجمل الذكريات؟

وعمروا أوقاتهم بالطاعات ؟

 

الآن ... 

يودّعك المثقلون بأعباء السنين ، آملين الفرج من رب العالمين  ...

يودّعك المقبلون على الحياة بعزم وجد  ، وقد تزودوا لبناء الغد ..

يودّعك الشاب الجزوم ..

تودّعك ِ العذراء النعوم ..

تودّعك ِ الأم الرؤوم ..

يودّعك ِ المحروم..

يودّعك ِالمظلوم ..

يودّعك المسقوم ..

يودّعك ِ المهموم ..

يودّعك ِ المغموم ..

يودّعك ِ المكلوم ..

يودّعك ِ صاحب الجاهِ والغنى..

يودّعك ِ الفقير بلا مأوى ..

يودّعك ِ من طلب الرزق وسعى ..

استقبلتيهم ضُحى يوم التروية ..

وتودّعينهم بالدموع بلا خفاء ولا تورية ..

يا مِنى ...

هل سيأتي على هؤلاء يوم التروية من جديد وهم فيكِ وقت الإشراق ؟

وهل أحاديث السمّار وجلجلة الأصوات ستعود بعد الفراق ؟

عزيزٌ عليهم أن يغادروك ؛ لكن الأمل يحدوهم والأشواق ..

وصعب عليهم وهم يركبون الحافلات ويودعون بعضهم البعض مصافحة بالأيدي والأعناق ..

مشهد لا يمكن وصفه وكتابته بالأوراق !!

يا مِنى...

إن كان في العمر بقية سيرتوون فيك من جديد كأجمل لقاء ..

وتكتحل أعينهم برؤيتك ِ بكل حُسْن ٍ وبهاء ..

  

وتعود جلجلة الأصوات بقوة وصفاء ..

ويعمر بالطاعات من سريرتهم كلها نقاء ..

ويرون - مرة أخرى - خيامكِ البيضاء ..

آثار المشقة قد ذهبت .. وآثار الطاعة هي التي بقيت ..

نودعك يا مِنى .. والأمل بتحقيق المُنَى (*).

* المُنَى : 

مُنية : الجمع مُنُيات و مُنْيات و مُنى 

المُنْيَةُ : أمنيَّة ، رغبة مرجوَّة ، مطلب يُراد تحقيقه 

الجمع : مُنَى 

يَوْمُ المُنى : يوم تحقُّق ما يُرجى تحقُّقه

الاثنين ١٤ ذو الحجة ١٤٣٦ هـ