الصفحات

الجمعة، 8 أبريل 2016

سلسلة حلقات من متشابهات آيات القرآن : ( الفرق بين الآيتين )



● مقدمة :


علوم القرآن متعددة ومتشعبة ، وثمة علم من بينها يسمى علم المتشابه ، و(المتشابه) من القرآن هو : ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ؛ إما من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى .

وهو في الجملة ثلاث أضرب :

١- متشابه من جهة اللفظ فقط

٢- متشابه من جهة المعنى فقط

٣- متشابه من جهة اللفظ والمعنى معاً .


 و" علم المتشابه " علم له أصوله وفروعه ، وله علماؤه ومؤلفاته ، وله فوائده ومزاياه .

والتشابه اللفظي في الآيات الكريمة من أكثر ما يعاني منه حافظ القرآن خصوصا مبتدئ الحفظ ، مما جعل جمعاً من العلماء في القديم والحديث يؤلفون كتبا تعين على حصر وضبط المتشابه ، وبيان القواعد التي تعين الحافظ على الضبط ، وقد اختلفت مناهج هؤلاء العلماء في كتبهم وطريقة معالجتهم لتيسير ضبط المتشابه ، وهو باب مفتوح ، فقد يخطر على بال كل حافظ طريقة يستعين بها على ضبط ما يشكل عليه .

ومن فوائد معرفة متشابه القرآن أنه يزيد القارئ لكتاب الله إيماناً ؛ لما يتبين له من فنون البلاغة ، التي عجز عنها البلغاء ، ووقف من دونها الفصحاء .

ومن المعلوم أن بعض الآيات قد تشكل على قارئ ولا تشكل على آخر لأسباب مختلفة .


وينبغي أن يستحضر بأن أفضل طريقة لذلك هي تدبر القرآن وكثرة مراجعته .

__________

الحلقة (١) :

 في قوله تعالى : {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (آل عمران/١٧)

وقوله : {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات/١٨)

١- كلا الآيتين مدح للاستغفار في هذا الوقت بعينه .
٢- التقديم والتأخير.
٣- التعبير بالاسم (المستغفرين) الذي يدل على الثبات والدوام ،
 وبالفعل (يستغفرون) الذي يدل على التجدد والحدوث.
٤- تناسق فواصل الآيات
__________
الحلقة (٢) :

في قوله تعالى : {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}

وفي قوله: {يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} 

والفرق بين الأسلوبين :
١- أنه حيثما كان الخطاب في الآية من المؤمنين أو للمؤمنين ؛ فإن التعبير يكون بلفظ {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} لأن المؤمن إذا استغفر الله غفرت له جميع ذنوبه .
٢- وحيثما كان الخطاب في الآية للكافرين ؛ فإن التعبير يكون بلفظ :{يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} ، وذلك لأن الكافر لا تغفر جميع ذنوبه وهو متلبس بكفره .

•الخلاصة :
إذا كان سياق الخطاب للمؤمنين : {ذُنُوبَكُمْ}
أما إذا كان السياق للكافرين : {مِّن ذُنُوبِكُمْ}.

(كتاب : بدائع الفوائد - ابن القيم )
__________

الحلقة (٣) :

قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (الأنعام/١٥١)
{مِّنْ إمْلاَقٍ } فكأن الفقر موجود .
والآية تخاطب الفقراء فعلاً .
{نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } أي: اطمئن أيها الفقير بأن الله - سبحانه - يرزقك أولاً ويرزق أولادك أيضاً .

وقال -سبحانه- : {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} (الإسراء/٣١)

{خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } ، فكأن الفقر غير موجود ، والآية تخاطب غير الفقراء الذين يخشوْنَ مجيء الفقر إن رُزِقوا بأولاد .
{نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} أي: أن رزقهم يأتي من عند الله قبل رزقكم أنتم .
_________
الحلقة (٤) :

يقول الله تعالى فى موضعين من سورة البقرة:
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (١٨٧)

{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (٢٢٩)

وحدودُ الله تعالى إما أن تَرِدَ بعد المناهي ، وإما أن ترد بعد الأوامر . 

{فَلَا تَقْرَبُوهَا} :
وردت فى سياق ذكر المناهي أثناء الصيام والاعتكاف (من الأكل والشرب والوطء) ، كما في بداية الآية {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ ....} الآية ؛ فناسب التحذير من مجرد الاقتراب .

{فَلَا تَعْتَدُوهَا} :
فقد وردت فى سياق ذكر الأوامر (النكاح والطلاق والعدة والإيلاء والرجعة) ، كما في بداية الآية {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ....} الآية ؛ فناسب عدم الاعتداء .

•الخلاصة :
- ما كان من الحدود نهيًا ؛ أمر بترك المقاربة {فَلَا تَقْرَبُوهَا} .

- وما كان أمرًا ؛ أمر بترك المجاوزة وهو الاعتداء {فَلَا تَعْتَدُوهَا} .
__________

الحلقة (٥) :

قول الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (الأعراف/٧٨)

وقول الله تعالى : {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (هود/٩٤)

{الرَّجْفَةُ} تأتي مع {دَارِهِمْ}
{الصَّيْحَةُ} تأتي مع {ديَارِهِمْ}

فأخبر سبحانه عن إهلاكهم مرة بالرجفة ، ومرة أخرى بالصيحة ، ووحَّد الدار مع الرجفة ، وجمعها مع الصيحة . 

" الصيحة " هي أشمل وأعم وتُصيب عدداً أكبر وتبلغ أكثر من " الرجفة " ، والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة ، لذا جاء استخدام كلمة (ديارهم) مع الصيحة.

• {دَارِهِمْ } : الدار لفظ عامٌّ جامعٌ يطلق على البلد ، والأرض ، والمحلة ، كقولك : دار الحرب ، ودار الإسلام .

• {دِيَارِهِمْ } : لفظ خاصٌّ يطلق على المساكن المبنية فقط ، والديار هي التي لكل واحد من منزله ومسكنه الخاص .
وخصَّ الذين ظلموا منهم بقوله :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ، فعبر عن ذلك بلفظ ( الديار ) ؛ لأنه أخصُّ من لفظ ( الدار ) .
_________
الحلقة (٦) :

قال الله تعالى : 
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } (البقرة/٥٨)

وقال تعالى :
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف/١٦١)
 
يلاحظ التشابه الكبير في الآيتين مع وجود بعض الاختلافات في التعبير ، مثل :

• في البقرة: { قُلْنَا }
وفي الأعراف: { وإذ قيل لهم } بالبناء للمجهول .

• في البقرة: { ادْخُلُواْ }
وفي الأعراف: {اسْكُنُواْ }

• الفاء - الواو :
في البقرة: { فَكُلُواْ }
وفي الأعراف: { وَكُلُواْ }
الفاء تفيد الترتيب والتعقيب.

• زيادة لفظ: { رَغَدًا }
في البقرة
وفي الأعراف لم يذكرها لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم.

• التقديم والتأخير :
في البقرة: {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ } ، تقديم السجود لأنه مقام التكريم وهو من أشرف العبادات وأقرب ما يكون العبد لربه . 
وفي الأعراف: { وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا } ، فهم في السياق مبعدين عن ربهم لمعاصيهم. 

• (الخطايا - الخطيئات) :
في البقرة: { خَطَايَاكُمْ }
الخطايا هي جمع كثرة وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً وهذا يتناسب مع مقام التكريم .
وفي الأعراف: { خَطِيئَاتِكُمْ }
خطيئات جمع قلّة وجاء هنا في مقام التأنيب وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم .

• إضافة الواو:
في البقرة: { وَسَنَزِيدُ }
وفي الأعراف: { سَنَزِيدُ }
تدل على الاهتمام والتنويع ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم.
_________

الحلقة (٧) :

قال الله تعالى في سورة البقرة : 
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } (الآية/٥٩)

وقال تعالى في سورة الأعراف :
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } (الآية /١٦٢)

يلاحظ التشابه الكبير في الآيات مع وجود بعض الاختلافات في التعبير ، مثل :

• زيادة لفظ { مِنْهُمْ } :
في الأعراف وذلك لما سبق تبعيض الهادين بقوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} ، ناسب تبعيض الظالمين منهم بقوله تعالى: {الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ}.

• ( فأَنزَلْنَا - فَأَرْسَلْنَا) :
في البقرة : {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} 
وفي الأعراف {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ}
وقول{أَرْسَلْنَا} في العقوبة أشدّ من {أَنزَلْنَا} .

• ( يَفْسُقُونَ - يَظْلِمُونَ ) :
في البقرة : {يَفْسُقُونَ} 
وفي الأعراف: {يَظْلِمُونَ}،
{يَفْسُقُونَ} لا يلزم منه الظلم ، والظلم يلزم منه الفسق ، والظلم أشدّ  ، فناسب كل لفظ منهما سياقه.

آيات جديرة بالتأمل والتدبر والرجوع إلى كتب التفسير الموثوقة.
__________

الحلقة (٨) :

تأمل قول الله تعالى في سورة الأنعام  : {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}  (من الآية/٩٩)

وقوله تعالى في نفس السورة : {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ } (من الآية/١٤١)


• {مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِه }
مشتبهاً من الاشتباه وهو شدة التشابه وكثرته بحيث يؤدي ذلك إلى الإشكال ، ويقال اشتبه عليه الأمر إذا أشكل عليه والتبس ويقال اشتبهت عليه القِبلة.
واشتبه أكثر من تشابه وقد يؤدي إلى الاختلاط بين الشيئين بحيث لا يمكن أن يميّز بينهما .
( مشتبهاً ) تشير إلى تسلسل عملية النمو والإنبات ، والنبات في هذه المرحلة يحتاج إلى دقة تأمل ونظر واعتبار ، فهو في مرحلة ( اشتباه ) أي يلتبس نوعه وشكله .


• {مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } 
التشابه بين شيئين سواءً أدى ذلك إلى الالتباس أم لم يؤد .
والتشابه قد يكون في وجه من الأوجه أو في أمر بسيط لكن لا يصل لدرجة الإشكال والاشتباه.
( متشابهاً ) فقبلها (مختلفاً أكله) ،  فكلمة ( أكله ) تعني أن الثمار قد اكتملت ونضجت وأصبحت صالحة للأكل ، ولذا فالثمار هنا متشابهة وليست مشتبهة ، أي متشابهاً في منظره وغير متشابه في طعمه .


• قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله - فى أضواء البيان :
" أثبت في هاتين الآيتين التشابه للزيتون والرمان ونفاه عنهما .
والجواب: ما قاله قتادة - رحمه الله - 
من أن المعنى متشابها ورقها ، مختلفا طعمها " .
_____________
الحلقة (٩) :

قال الله تعالى في سورة القصص عن قصة موسى - عليه السلام  :
{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى } (الآية/٢٠)

وقال سبحانه في " سورة يس " عن قصة " مؤمن آل فرعون "  :
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} (الآية/٢٠)

• أن الآيتين لهما نفس رقم الآية (٢٠)

- الترتيب في قواعد اللغة :
•  آية القصص ( وجاء رجل ) جاءت على الترتيب الموافق والمعروف في اللغة ، حيث تقدم الفاعل وهو هنا (رجل) .

• وأما في سورة يس فقد تأخر الفاعل وتقدم الجار والمجرور عليه ، وفي ذلك إشارة إلى معنى جليل وهو أن بُعد المكان لا يعوق من أراد الإستجابة واتباع المرسلين ، كما أن القرب قد لا يكون من دواعي الإجابة .

- المجيء :
• في القصص:
جاء ليُسّر في أذن موسى - عليه السلام - كلاماً { إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ ...} وهذا إسرار وتحذير .

• وفي يس :
{رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}
، والمجيء هنا أهم حيث جاء لتبليغ وإشهار الدعوة ، وأن يعلن أمام الملأ . 

- معنى أقصى المدينة :
• في القصص : {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} ، ليس بالضرورة من أبعد مكان وإنما تحتمل أنه فعلاً جاء من أقصى المدينة وتحتمل أنه من سكان تلك الأماكن البعيدة .
• وفي يس : {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} ، هو فعلاً جاء من أقصى المدينة أي من أبعد مكان فيها.

كما تقول : (جاءني من القرية رجال) تعني أن المجيء من القرية .
وتقول : (جاءني رجال من القرية ) ، احتمالين أن المجيء من القرية ، وتحتمل أنهم رجال قرويون ولكن ليس بالضرورة أن يكون المجيء من القرية .
______________

الحلقة (١٠) :

قال الله تعالى في سورة التوبة :
- الآية الأولى :
{  فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } (الآية/٥٥)

- والآية الثانية :
{ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [الآية/٨٥)

قال القرطبي في تفسيره أن الآيتين تكرار للتأكيد .
وقال غيره لا تكرار ، ومن ذلك : 

• الفاء - والواو :
الآية الأولى: { فَلاَ تُعْجِبْك }
الآية الثانية: { وَلاَ تُعْجِبْكَ }.
ففي الآية الأولى بالفاء ، والفاء تقتضي الترتيب على ما قبلها، وهي قوله تعالى: { ..... وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (الآية/٥٤)

الثانية : جيء بالواو لمناسبة عطف نهي على نهي قبله ، وهو قوله تعالى {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم ...} (الآية/٨٤)

• زيادة (لا ) :
في الأولى : {أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ }
وفى الثانية : {أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ}
دون ( لا ) لأنه الأولى سبقت بالحديث عن الإنفاق ، والإنفاق يختص بالمال ، والأولاد غير مشمولين به .
أما الآية الثانية سبقت بالحديث عن الجهاد ، والجهاد قد يكون بالأموال والأولاد ، ولهذا فصل بينهما بـ ( لا ) .

• {لِيُعَذِّبَهُمْ} و {أَن يُعَذِّبَهُمْ} :
يبدو أن العذاب في {لِيُعَذِّبَهُمْ } أشد وأطول من {أَن يُعَذِّبَهُمْ} حيث يشمل الحاضر والمستقبل ، لأنهم طولبوا بالإنفاق فلم ينفقوا ، فجاء الجزاء من جنس العمل ،أما في {أَن يُعَذِّبَهُمْ} فلم يطالبوا بالإنفاق ، ويظهر هذا المعنى من ذكر " أن " في دلالتها المستقبلية  .

• زيادة (الحياة) :
في الأولى :{ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } 
والثانية : {فِي ٱلدُّنْيَا}
المال هو عصب الحياة ، ولما كان في سياق الأموال أضيفت ( الحياة ) أما في الثانية ففي سياق الجهاد ، والجهاد مظنة الموت .

• بقي أن يشار إلى لطيفة وردت في الآيتين ، تتعلق بتقديم الأموال على الأولاد، مع أن الأولاد أعز من الأموال ؛ وذلك - كما ذكر الآلوسي- لعموم مساس الحاجة إليها دون الأولاد. 
وقيل لأنها أقدم فى الوجود منهم .

فكل تعبير في مكانه وكل آية تؤخذ في سياقها .
____________

الحلقة (١١) :

- قال الله تعالى :
﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ (البقرة/٥١)

- وقال تعالى :
﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ (الأعراف/١٤٢)

• قال علماء التفسير هناك إجمال ، وهناك تفصيل :
ففي الآية الأولى (في البقرة)  :
هذه آية طابعها الإجمال ،

وفي الآية الثانية (في الأعراف) :
فيها تفصيل ،

• قال ابن كثير في تفسيره :
﴿أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ : " قيل : إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة ، وكان ذلك بعد خلاصهم من قوم فرعون وإنجائهم من البحر " .

• وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله - :
وعده الله تعالى لميقاته ثلاثين ليلة، ثم أتمها بعشر ، فصارت أربعين ليلة ؛ وفي قوله تعالى: ﴿ واعدنا ﴾ قراءتان سبعيتان: بألف بعد الواو ؛ وبدونها ﴿ وعدنا ﴾ .

• وقال الحسن البصري - رحمه الله :
" ليس المراد أن وعده كان ثلاثين ليلة ثم بعد ذلك وعده بعشر لكنه وعده أربعين ليلة جميعًا، وهو كقوله: {ثلاثة أَيَّامٍ فِي الحج وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} " . (اهـ.)
____________
الحلقة (١٢) :

- قال الله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } (الأنعام/٤٢)

- وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } (الأعراف/٩٤)


• ( يَتَضَرَّعُونَ - يَضَّرَّعُونَ ) :
 في الأنعام : {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}
وفي الأعراف : {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}

إن بناء (يتفعّل) أطول من بناء (يفّعل) (خمسة مقاطع/ أربع مقاطع).
إذن يتضرعون بناء أطول.
في (يفّعّل يضّرّع) تضعيفان (تضعيف بالضاد وتضعيف بالراء) ،
وفي (يضّرعون) تضعيف واحد في الضاد هذا من حيث اللغة. 
في (يتفعّل) تفعّل هي للتدرج والحدوث شيئاً فشيئاً مثل تخطّى تمشّى تدرّج تجسّس فرق بين مشى وتمشى .

• ( إلى - في ) :
في الأنعام : {أَرْسَلنَآ إِلَى } 
وفي الأعراف : {أَرْسَلْنَا فِي }

الإرسال (إلى) يقتضي التبليغ ولكن لا يقتضي المكث ، أرسلته إليه إرسالاً ، فإنك قد ترسل إلى شخص رسالة فيبلغها ويعود .
{أَرْسَلْنَا فِي} ظرفية وصار فيها تبليغ ومكث ، أيُّ أن الماكث أدعى لكثرة التضرع .

• ( أُمَمٍ - قَرْيَةٍ ) :
في الأنعام : {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ}
وفي الأعراف : {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ}
(أمم) أكثر من (قرية) فجاء بالبناء الأطول (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) ، ولما قال (قرية) قال (يَضَّرَّعُونَ) فناسب البناء (الأمم) .

(د.فاضل السامرائى)
__________

الحلقة (١٣) :
 
في قوله تعالى :
{ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }،

{ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

وكذلك في قوله :
 {بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}


• { يَفْعَلُونَ } :
الفرق بين الفعل والعمل هو العموم والخصوص ؛ فالفعل عام ، وينسب للعاقل وغيره ، وربما ينسب إلى الحيوان والجماد ، وقد يكون بغير قصد .

• { يَعْمَلُونَ } :
العمل خاص وقلما ينسب لغير العاقل ، وفي الأكثر فيه قصد وهذا مختص بالإنسان . 

• {يَصْنَعُونَ } :
الصنع هو أخص ويحتاج إلى دقة ، كما في قول الله عز وجل : { صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } .

- قال الراغب الأصفهاني في " مفردات القرآن "  :
( الفعل: التأثير من جهة مؤثر وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة ولما كان بعلم أو غير علم وقصد أو غير قصد ولما كان من الإنسان والحيوان والجمادات والعمل مثله والصنع أخص منهما.
والفرق بين الفعل والعمل : أن العمل إيجاد الأثر في الشيء . يقال: فلان يعمل الطين خزفاً ويعمل الخوص زنبيلاً والأديم سقاء . ولا يقال: يفعل ذلك لأن فعل الشيء عبارة عما وجد في حال كان قبلها مقدوراً سواء كان عن سبب أو لا ؛ الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد وقد ينسب إلى الجمادات والعمل قلما ينسب إليهما ). (ا.هـ ).

- الصنع من الإنسان دون سائر الحيوانات ، ولا يقال إلا لما كان بإجادة ودقة .
والصنع أخص المعاني الثلاثة ، والفعل أعمها ، والعمل أوسطها ، فكل صنع عمل ، وليس كل عمل صنعاً ، وكل عمل فعل ، وليس كل فعل عملاً .

- كل كلمة في القرآن لها مكانها المناسب الذي وضعت فيه ولا يجوز تبديلها حتى بكلمة تقاربها في الدلالة .
_________

الحلقة (١٤) :

- قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} (البقرة/٢٥)

- وقال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ } (الكهف/٣١)

فما الفرق بين (تحتها الأنهار) و (تحتهم الأنهار) ؟

• {مِن تَحْتِهَا} : عندما يكون الحديث عن الجنة

• {مِن تَحْتِهِمُ} : عندما يكون الحديث عن ساكني الجنة : المؤمنين .
 
ومن الأمثلة - أيضاً - قوله تعالى :

• تحتها :
{جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } (البينة/ ٨)

{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (الزمر/٢٠)

{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} (الرعد/٣٥)

• تحتهم :
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} (الأعراف/٤٣)

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (يونس/٩)

• الخلاصة :
- إذا كان الكلام عن الجنة ؛ تأتي : (من تحتها). 

- وإذا كان الكلام عن المؤمنين ؛ تأتي : (من تحتهم) 
___________

الحلقة (١٥) :

{رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا}
{رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا}


قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة البقرة حكاية عن إبراهيم - عليه السلام - :  {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا } (البقرة/١٢٦)

وقوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا } (إبراهيم/٣٥)
 
• ففي سورة البقرة جاء ( بلداً ) منكراً، وفي سورة إبراهيم جاء معرفاً ( البلد ) ،

• قال الكرماني في " البرهان في توجيه متشابه القرآن " :

قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا }
وفي سورة إبراهيم {هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا} ؛
لأن (هذا) هنا إشارة إلى المذكور في قوله سورة إبراهيم : {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ }(الآية/٣٧) ، أي قبل بناء الكعبة

وفي سورة إبراهيم إشارة إلى البلد بعد الكعبة . (ا.هـ)
____________

الحلقة (١٦) :

قال الله تعالى :

• {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}

• {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}

• {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}

ظاهرة الشروق والغروب جاءت في كتاب الله بصور وصيغ ثلاث ( الإفراد - التثنية - الجمع ) .

ذكر الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " قال - رحمه الله - :

• إن قوله هنا: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} ، المراد به جنس المشرق والمغرب - وما أُريد به الجنس فإنه لا يُنافي التعدد -
 ، فهو صادق بكل مشرق من مشارق الشمس التي هي ثلاثمائة وستّون، وكل مغرب من مغاربها التي هي كذلك ، كما روي عن ابن عباس وغيره.
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية الكريمة، ما نصّه: " وإنما معنى ذلك: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ} الذي تشرق منه الشمس كل يوم، {وَالْمَغْرِبُ} الذي تغرب فيه كل يوم " .

• وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} ، يعني مشرق الشتاء، ومشرق الصيف ومغربهما، كما عليه الجمهور.
وقيل: مشرق الشمس والقمر ومغربهما.

• وقوله: {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} ، 
أي: مشارق الشمس ومغاربها .
وقيل : مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها ، والعلم عند اللَّه تعالى . (ا.هـ)
_____________

الحلقة (١٧) :

قال الله عز وجل :

- {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } (البقرة/٢٠٣) ،

- {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } (الحج/٢٨) ؛

فما الفرق بين الأيام المعدودات والأيام المعلومات ؟

قال سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - :

" الله جل وعلا بيَّن المعدودات وهي أيام التشريق {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ.. } (البقرة/٢٠٣) ،
هذه ثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر والثالث عشر، هذه المعدودات،
والمعلومات أيام العشر مع أيام التشريق، 

وقال جماعة: إنها أيام العشر فقط ،
وقال آخرون: إنها أيام العشر مع أيام التشريق ، كلها معلومات ، يكبر فيها ، يكبر المسلمون فيها من أول العشر إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ..} (الحج/٢٨)
فيذكروا الله في الأيام المعلومات من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر عند غروب الشمس ، يكبروا الله ويذكروه سبحانه، فهي أيام عظيمة فاضلة، والثلاثة منها معدودات وهي الأخيرة : الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهي أيام منى وأيام رمي الجمار " (ا.هـ)

• الخلاصة :
الأيام المعلومات : هي أيام عشر ذي الحجة .
والأيام المعدودات : هي أيام التشريق .
_____________

الحلقة (١٨) :

قال الله تعالى :
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} (البقرة/١٧٠)

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} (لقمان/٢١)

• {أَلْفَيْنَا } و {وَجَدْنَا} :
في آية البقرة جاء الفعل {ألفينا} ، بينما في آيتي المائدة ولقمان جاء الفعل {وجدنا}. 
قال تعالى في سورة المائدة : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ } (الآية/١٠٤) .

• الفعل (ألفى) بمعنى (وجد) ، ولا يقال (ألفى) بمعنى (وجد) التي بمعنى (عَلِمَ) متعدياً إلى مفعولين ، تقول: ألفيت زيداً عالماً ، فـ (وجد) لفظ مشترك ، يقال بمعنى (العلم) ، وبمعنى (العثور على الشيء) ، تقول: وجدت الضالة ، أي: عثرت عليها. 

• في القرآن الكريم لم يرد الفعل (ألفى) إلا فيما هو مشاهد محسوس ، ولذلك قال بعض النحاة أنه ليس من أفعال القلوب ، وإنما من الأفعال المحسوسة المشاهدة ، وقسم يدخلونه في أفعال القلوب ، وأفعال القلوب قلبية يستشعر بها.
و(ألفى) جاءت في القرآن ثلاث مرات ، ولم ترد إلا مشاهدة ، كما في الآيات :
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ} (الصافات/٦٩)
{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (يوسف/٢٥) .
وكذلك الآية : {أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} .

أما (وجدنا) ففي القرآن وفي غير القرآن وردت قلبية وغير قلبية ، ومشاهدة وغير مشاهدة ، فهي أشمل ، كما في الآيات :
{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً } آل عمران/٣٧)
{وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا} (الكهف/٨٦)
{وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ} (النور/٣٩)
{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ } (الأعراف/١٠٢) يعني وجدهم يخلفون الميعاد .

• (ألفى) إذا جاءت في اللغة تأتي في مقام وفي سياق الذم ، وقد جاءت في كتاب الله - عز وجل - ثلاث مرات كما تقدم .
قوله (ألفينا عليها آباءنا) في الذم أكثر من (وجدنا) ، لذلك جاءت ختام الآيات بألفاظ مختلفة ، ففي آية البقرة: {أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} ؛ نفى عنهم العقل ، وفي آية المائدة: {أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون} ؛ نفى عنهم العلم .
فأيّهما الأشد أن تنفي العقل أو تنفي العلم ؟!
لا شك أن نفي العقل أشد من نفي العلم ، والعاقل يمكن أن يعلم لكن غير العاقل لا يعلم .
_____________

الحلقة (١٩) :


قال الله تعالى في سورة البقرة : { وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } (الآية/٦٠)


وقال تعالى في سورة الإعراف : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } االآية/١٦٠)


• انفجرت - انبجست :

في آية البقرة {فَانفَجَرَتْ مِنْهُ}،

وفي آية الأعراف {فَانبَجَسَتْ مِنْهُ}، 


• تفيد معاجم العربية أن مادة (فجر) تدل على التفتح في الشيء، ومن ذلك سمي الفجر ؛ لانفجار الظلمة عن الصبح ، ومنه كذلك انفجار الماء: وهو تفتحه وخروجه من محبسه ، ويعبّر عن تدفق الماء من الحجر بشدة .


• أما مادة (بجس) فتدل على الانشقاق ، قال الخليل : " البجس: انشقاق في قُربة ، أو حجر ، أو أرض ينبع منه الماء، فإن لم ينبع فليس بانبجاس " .

ويعبر اللفظ " انبجس " عن تدفق الماء وسيلانه بشكل هادىء


• (فانفجرت) جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل وهي دلالة على أن الماء بدأ بالإنفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم .

(فانبجست) جاءت في مقام التقريع ، حيث قلّ الماء بمعاصيهم فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم .


•  {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ) :

والشرب يحتاج إلى ماء أكثر لذا انفجرت الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير .

(كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) :

لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (انبجست) .


• الخلاصة :


١- نلحظ الدقة القرآنية في استخدام اللفظ ؛ فالانبجاس أول خروج الماء ، والانفجار اتساعه وكثرته .

فآية الأعراف - الانبجاس - تعبير عن المرحلة الأولى من ظهور الماء ،

بينما تشير آية البقرة إلى المرحلة النهائية عندما اشتد جريان الماء


٢- الانبجاس يكون في شيء قاس ٍ ، كالحجر والصخر ؛ والانفجار يكون في شيء لين ، كالأرض الرخوة

_____________


الحلقة (٢٠) :


🔅 قال الله تعالى في سورة الأعراف : ﴿قالَ المَلَأُ مِن قَومِ فِرعَونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَليمٌ يُريدُ أَن يُخرِجَكُم مِن أَرضِكُم فَماذا تَأمُرونَ قالوا أَرجِه وَأَخاهُ وَأَرسِل فِي المَدائِنِ حاشِرينَ يَأتوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَليمٍ﴾ [الآيات : ١٠٩-١١٢]


🔅 وقال تعالى في سورة الشعراء : ﴿قالَ لِلمَلَإِ حَولَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَليمٌ يُريدُ أَن يُخرِجَكُم مِن أَرضِكُم بِسِحرِهِ فَماذا تَأمُرونَ قالوا أَرجِه وَأَخاهُ وَابعَث فِي المَدائِنِ حاشِرينَ يَأتوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَليمٍ﴾ [الآيات : ٣٤-٣٧]


🔸 {قالَ المَلَأُ مِن قَومِ فِرعَونَ} - {قالَ لِلمَلَإِ} :

القائلون في آية الأعراف هم ملأ فرعون ، في حين أن الذي قال في آية الشعراء هو فرعون نفسه ، وذلك أن المحاجّة كانت معه .

ففي الآية الأولى كان فرعون في مقام غطرسة الملك والترفع عن الكلام .

وأما في آية الشعراء فإن انقطاعه أمام موسى - عليه السلام - أنساه غطرسة الملك وكبرياءه ودفعه إلى أن يقول هو وأن يتكلم هو وأن يستعين بِمَلَئِه .


🔸زاد كلمة {بِسِحرِهِ} لمناسبة مقام التفصيل في الشعراء وللتأكيد على السحر فيها.


🔸 {وَأَرسِل} ، {وَابعَث} :


في سورة الاعراف قالوا ( أرسل) في طلب كل ساحر ، ويلاحظ الرفق في كلمة (ارسل)

بينما في سورة الشعراء قالوا (ابعث) في طلب السحار فقط ، وسحار من صيغ المبالغة ، وتدل على احتراف كبير ، وبراعه وتخصص في مهنه السحر ، ولصعوبه الحصول على من هو بهذه المواصفات قالوا (ابعث) ، و (البعث) يستعمل فيما هو أشد .


🔸 {ساحِرٍ} ، {سَحّارٍ} :


نقل الألوسيُّ توصيفات في التَّفريق بين سحار و ساحر فسحَّار بصيغة المبالغة يكون لمن يريد السِّحر، وساحر بصيغة اسم الفاعل يكون لمن سحر في وقت دون وقت، وقيل: إنَّ السَّاحر للمبتدئ في صناعة السِّحر، والسَّحَّار هو: المتمرِّس في السِّحر والمنتهى الذي يُتعلَّم منه ذلك .

وقال ابن عاشور في تفسيره : " سحَّار جاءت هنا للنَّسب دلالة على الصِّناعة، وذلك مثل: النَّجَّار، والقصَّار، وممَّا يدلُّ على ذلك مجيء عليم بالسِّحر الفائق في علمه " . انتهى 



🔻الخلاصة :

باختصار لابد من معرفة لأمر مهم ، وهو أن من خصائص القصص القرآني أنه ينطبق عليه قوله تعالى : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} ، فلكل موضع من مواضع القصة مساهمة في بيان سماتها وما فيها من أخبار ومواعظ وعبر .

___________


الحلقة (٢١) :


🔅 قال الله تعالى في سورة إبراهيم : ﴿وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّهِ لا تُحصوها إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ﴾ [الآية : ٣٤]


🔅 وقال تعالى في سورة النحل : ﴿وَإِن تَعُدّوا نِعمَةَ اللَّهِ لا تُحصوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ﴾ [الآية : ١٨]


🔸كلمة : {نِعمَتَ اللَّهِ} و {نِعمَةَ اللَّهِ} :

 {نِعمَتَ اللَّهِ} : فتحت التاء المرتبطة بالاسم فهذا يجعلها بمعنى الفعل فتفتح التاء ، لأنها نعمت حصلت فكأنها مضت فلم تشكر فكانت كأنها فعل ماض ففتحت تاؤها ويدل على ذلك أن التذييل جاء بأن الإنسان ظلوم كفار.


{نِعمَةَ اللَّهِ} : نعمة متجددة مستمرة فهي بمعنى الاسم لأن الاسم لايرتبط بزمن ولهذا ربطت تاؤها ويؤيده أن التذييل جاء بقوله عز وجل ( إن الله لغفور رحيم ) .


وكذلك من الأقوال أنها جاءت برسمين مختلفين وسبق الحديث عن موضوع الرسم العثماني .


🔸ختام كل آية :

﴿إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ﴾

﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ﴾


﴿إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ﴾ :

ففي سورة إبراهيم جاءت الآيات في سياق وعيد وتهديد عقب قوله تعالى : ﴿أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلوا نِعمَتَ اللَّهِ كُفرًا وَأَحَلّوا قَومَهُم دارَ البَوارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨

فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله .


﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ﴾ :

دل على تقصير بني آدم في شكر تلك النعم ، وأنهم ما زالوا في تلك النعمة ، وأن الله يغفر لمن تاب منهم .


وفي الآيتين إشارة إلى أن تلك النّعم كانت سبباً لظلم الإنسان وكفره وهي سبب لغفران الله ورحمته ، والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان .


🔻الخلاصة :


أن هذا يتعلق بسياق كل آية ؛ فسياق آية سورة إبراهيم في وصف الإنسان وذكر صفاته ، فختم الآية بصفة الإنسان (ظلوم كفار) .

أما آية سورة النحل في سياق صفات الله - سبحانه - فذكر ما يتعلق بصفات الله عز وجل ( غفور رحيم ) .

_____________


الحلقة (٢٢) :


🔅 قال الله تعالى في سورة البقرة : ﴿وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَيَكونَ الدّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمينَ﴾ [الآية : ١٩٣]


🔅 وقال تعالى في سورة الأنفال : ﴿وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَيَكونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ﴾ [الآية : ٣٩] .


 ولو تأملنا هاتين الآيتين فسنجد الآتي : 


🔸قوله : { الدّينُ لِلَّهِ } و {الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}


 قال الألوسي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ) : " ولم يجئ في آية البقرة - كلمة {كله} كما في آية الأنفال ؛ لأن ما هنا - آية البقرة - في مشركي العرب ، وما هناك - آية الأنفال - في الكفار عموماً، فناسب العموم هناك وتركه هنا " . (أ.هـ)


وذكر ابن عاشور في تفسيره ( التحرير والتنوير ) وجهاً آخر لهذا الاختلاف ، فقال  " زِيدَ في آية الأنفال اسم التأكيد وهو {كله} ؛ لأن هذه الآية أسبق نزولاً من آية البقرة ، فاحتيج فيها إلى تأكيد مفاد صيغة اختصاص جنس {الدين} بأنه لله تعالى ؛ لئلا يتوهم الاقتناع بإسلام غالب المشركين ، فلما تقرر معنى العموم ، وصار نصّاً من هذه الآية ، عدل عن إعادته في آية البقرة ؛ تطلباً للإيجاز " . ( أ. هـ )  


🔸لما اختلف المقصد في الآيتين ، أعقبت كل واحدة منهما بما يناسب مقصودها على ما يقتضيه السياق والموضوع ، لذلك جاء تعقيب آية البقرة بقوله سبحانه : {فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمينَ}، 

وهو خطاب لأهل مكة ، أي : إن انتهوا عن كفرهم .

بينما جاء تعقيب آية الأنفال بقوله تعالى : {فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعمَلونَ بَصيرٌ} ، والخطاب هنا يشمل الكل .


🔻الخلاصة :


أن آية البقرة جاءت في قتال أهل مكة (كفار قريش) ، ولا حاجة لكلمة ( كله ) لأنه دين واحد في مكة ، وهو دين عبادة الأصنام .

أما آية الأنفال فالأمر ورد عامًّا في قتال كل الكافرين ، وجاءت السورة تُفصّل أحكام الجهاد والقتال ضد عموم الكفار ، وليس كفار قريش خصوصا .

_____________


الحلقة (٢٣) :


قال الله تعالى في سورة النمل :﴿إِذ قالَ موسى لِأَهلِهِ إِنّي آنَستُ نارًا سَآتيكُم مِنها بِخَبَرٍ أَو آتيكُم بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُم تَصطَلونَ﴾ [الآية: ٧]


وقال تعالى في سورة القصص : ﴿فَلَمّا قَضى موسَى الأَجَلَ وَسارَ بِأَهلِهِ آنَسَ مِن جانِبِ الطّورِ نارًا قالَ لِأَهلِهِ امكُثوا إِنّي آنَستُ نارًا لَعَلّي آتيكُم مِنها بِخَبَرٍ أَو جَذوَةٍ مِنَ النّارِ لَعَلَّكُم تَصطَلونَ﴾ [الآية: ٢٩]


جاء في كتاب " لمسات بيانية " للدكتور / فاضل السامرائي :


🔸 زيادة  {مِنْ جَانِبِ الطُّورِ} :


ففي النمل: {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً}

وفي القصص: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً}



🔸 زيادة {امْكُثُوا} :


في النمل: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً}

وفي القصص : {قَالَ لِأَهْلِهِ امكُثوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً}


👈🏻 القصة في سورة النمل موجزة مجملة ، وفي سورة القصص مفصلة مطولة ، وهذا الأمر ظاهر في صياغة القصتين ، واختيار التعبير لكل منهما.


👈🏻 أن المقام في سورة النمل ، مقامُ تكريم لموسى - عليه السلام - أوضح مما هو في القصص .

ذلك أنه في سورة القصص ، كان جو القصة مطبوعا بطابع الخوف الذي يسيطر على موسى - عليه السلام  - ، بل إن جو الخوف كان مقترنا بولادة موسى - عليه السلام - ، من ذلك قوله تعالى : {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي

وقوله : {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} .

وقوله : {فَأَصبَحَ فِي المَدينَةِ خائِفًا}

وقوله : فَخَرَجَ مِنها خائِفًا يَتَرَقَّبُ} .


👈🏻 قال في النمل : {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}

وقال في القصص : {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}

فبنى الكلام في النمل على القطع {سَآتيكُم}

وفي القصص على الترجي {لعَلّي آتيكُمْ}

وذلك أن مقام الخوف في القصص لم يدعه يقطع بالأمر فإن الخائف لا يستطيع القطع بما سيفعل بخلاف الآمن .

( انتهى كلام د. السامرائي) .


👈🏻 وكذلك يلاحظ التشابه مع الآيتين السابقتين ؛ قوله تعالى في سورة طه :

﴿وَهَل أَتاكَ حَديثُ موسى إِذ رَأى نارًا فَقالَ لِأَهلِهِ امكُثوا إِنّي آنَستُ نارًا لَعَلّي آتيكُم مِنها بِقَبَسٍ أَو أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدًى﴾ [٩-١٠]


في النمل : {بِشِهابٍ قَبَسٍ}

في القصص : {جَذوَةٍ مِنَ النّارِ}

في طه : {أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدًى}


قال الشيخ الشنقيطي في " أضواء البيان " :

" وقوله {بقبس} أي شهاب ، بدليل قوله في النمل : {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} ، وذلك هو المراد بالجذوة في قوله : {أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار}

وقوله : {أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} أي من يهديني إلى الطريق ويدلني عليها ، لأنهم كانوا ضلوا الطريق ، والزمن زمن برد ، وقوله : {آنَسْتُ نَاراً} اي ابصرتها .

انتهى كلامه رحمه الله .


(تصطلون) أي : تتدفئون بها من البرد .



🔻 الخلاصة :

▪️المتشابه اللفظي يُظهر إعجاز القرآن الكريم ببلاغته النافذة ، وأسلوبه البديع .


▪️التكرار فيه تثبيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال عز وجل: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ﴾ [هود: ١٢٠] .


▪️قال شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه اللهفي التعليق على تكرار قصة موسى مع قومه - :

" وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن ، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر " .

_______________


الحلقة (٢٤) :


👈🏻 " تَستَطِع " و " تَسطِع " :


قال الله تعالى في الآيتين :


🔅﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأويلِ ما لَم تَستَطِع عَلَيهِ صَبرًا﴾ [الكهف: ٧٨]


🔅﴿ذلِكَ تَأويلُ ما لَم تَسطِع عَلَيهِ صَبرًا﴾ [الكهف: ٨٢]


👈🏻 " اسطاعوا " و " استَطاعوا " :


قال عز وجل :


🔅﴿فَمَا اسطاعوا أَن يَظهَروهُ وَمَا استَطاعوا لَهُ نَقبًا﴾ [الكهف: ٩٧]


🔸 جاء في تفسير ابن كثير - رحمه الله :

" لما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال {تسطع} وقبل ذلك كان الإشكال قويا ثقيلا فقال {تَستَطِع فقابل الأثقل بالأثقل والأخف بالأخف ، كما قال {فَمَا اسطاعوا أَن يَظهَروهُ} وهو الصعود إلى أعلاه ، {وَمَا استَطاعوا لَهُ نَقبًا} وهو أشق من ذلك فقابل كلاً بما يناسبه لفظاً ومعنى " . انتهى كلامه


🔸 وقال الإمام الشوكاني - رحمه الله - في " فتح القدير " : " (فما اسطاعوا) أصله : استطاعوا، فلما اجتمع المتقاربان و هما التاء و الطاء خففوا بالحذف ، قال ابن السّكّيت : يقال : ما أستطيع ، وما أسطيع ، وما أستيع " . انتهى 


🔸 وقال الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله :

(مَا لَمْ تَسْطِعْ) وفي الأول قال: (مَا لَمْ تَستْطِعْ) لأن " استطاع واسطاع ويستطيع ويسطيع " كل منها لغة عربية صحيحة

{وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} لم تأتِ التاء في الفعل الأول {اسطاعوا} وأتت فيه ثانيًا ، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، أيهما أشق أن يصعدوا الجبل أو أن يَنقبوا هذا الحديد ؟

الجواب : الثاني أصعب ، ولهذا قال : {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} لأنه حديد ممسوك بالنحاس . انتهى



🔻 الخلاصة :

ذكر بعض المفسرين أن الفائدة من هذا التغاير هي فائدة لفظية ، وأن هذا هو مقتضى الفصاحة .

زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، فزيادة حرف (التاء) في إحدى الكلمتين تدل على أن الاستطاعة فيها أشد من الكلمة التي حذفت منها التاء .

______________


الحلقة (٢٥) :


🔅 قال تعالى : ﴿وَاصبِر عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِن عَزمِ الأُمورِ﴾ [لقمان: ١٧]


🔅 وقال تعالى : ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِن عَزمِ الأُمورِ﴾ [الشورى: ٤٣].


🔸 ذكر د. فاضل السامرائي في كتاب (لمسات بيانية) :

" في سورة (الشورى) ورد ذكر أمرين الصبر والغفران وهما أشدّ من الصبر وحده التي وردت في سورة (لقمان) ، فكانت الحاجة لتوكيد الأمر باستخدام لام التوكيد ، والقسم في كلمة (لمن) ؛ لأنه أشقّ على النفس . فالصبر قد يقدر عليه كثير من الناس ، أما أن يصبر ويغفر هذا بالطبع لا يقدر عليه الكثيرون ، ويحتاج إلى مشقة أكبر ؛ لذا اقتضى توكيد الأمر بأنه من عزم الأمور مؤكداً بخلاف الصبر وحده الذي ورد في سورة لقمان " . انتهى 


🔸 زيادة اللام في سورة الشورى : {إِنَّ ذلِكَ لَمِن عَزمِ الأُمورِ}

قال الطاهر بن عاشور في تفسيره لآية الشورى :

" وقد اشتمل هذا الخبر على أربعة مؤكدات هي : اللام - إن - لام الابتداء - والوصف بالمصدر في قوله : {عزم الأمور} تنويها بمضمونه ، وزيد تنويها باسم الإشارة في قوله : ( إن ذلك ) فصار فيه خمسة اهتمامات . وهذا ترغيب في العفو والصبر على الأذى ...

والعزم : عقد النية على العمل والثبات على ذلك ، والوصف بالعزم مشعر بمدح الموصوف لأن شأن الفضائل أن يكون عملها عسيرا على النفوس لأنها تعاكس الشهوات ، ومن ثم وصف أفضل الرسل بأولي العزم " .انتهى

_____________


الحلقة (٢٦) :


🔅 قال تبارك وتعالى : ﴿حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا﴾ [يوسف: ١١٠]


🔅 وقال سبحانه : ﴿وَلَقَد كُذِّبَت رُسُلٌ مِن قَبلِكَ فَصَبَروا عَلى ما كُذِّبوا وَأوذوا حَتّى أَتاهُم نَصرُنا﴾ [الأنعام: ٣٤]


👈🏻 ﴿جاءَهُم نَصرُنا﴾ و ﴿أَتاهُم نَصرُنا﴾ :


🔸 من العلماء من لا يرى فرقاً بين لفظتي " جاء - أتى " ، ويرى أنهما من المترادفات ، فتراه يفسر الإتيان بالمجيء والمجيءَ بالإتيان ، كما جاء في الصحاح للجواهري .


🔸 من الناحية اللغوية : (جاء ) تستعمل لما فيه مشقة ، أما (أتى) فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر .


🔸 وتكذيب الرسل شيء معهود لكن الاستيئاس هذا شيء عظيم أن يصل الرسول إلى هذه الدرجة فهذا أمر شاق ، لذا وردت كلمة (جاءهم) في الآية الأولى ، أما في الثانية فالتكذيب هو أمر طبيعي أن يُكذّب الرسل لذا وردت (أتاهم) .


🔸 وجاء في كتاب " البرهان " :

" أن لفظة ( جاء ) لم تأتِ في القرآن إلاَّ بهذه الصيغة ، بخلاف لفظة ( أتى ) فقد جاء الماضي منها والمضارع والأمر ، فقد جاء في القرآن ( أتى، يأتي، أئتِ، يأتون، فأتنا، فأتوا ) بخلاف اللفظة الأخرى التي لم تأتِ في القرآن إلاّ بصيغة الماضي ، ولا مراء في أن لفظة ( يأتي ) أخف من لفظة ( يجيء ) .

ولفظة ( جاء ) تأتي - غالباً - مع الأعيان والأمور المشاهدة المحسوسة، بخلاف لفظة ( أتى ) فإنها تأتي مع المعاني المعنوية التي لا تُشاهد .

ويدل على هذا أمثلة كثيرة من كتاب الله ، ومن ذلك قوله ﴿وَلِمَن جاءَ بِهِ حِملُ بَعيرٍ﴾ يعني صواع الملك ؛ وهو عين ،

وقوله : ﴿وَجاءوا عَلى قَميصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ ولهذا فرَّق بينهما - سبحانه - في قوله : ﴿قالوا بَل جِئناكَ بِما كانوا فيهِ يَمتَرونَ وَأَتَيناكَ بِالحَقِّ وَإِنّا لَصادِقونَ﴾ [الحجر: ٦٣-٦٤]

فقد جاءت لفظة { جئناك } ؛ لأنها للعذاب وهو مشاهد، بخلاف { الحق } فليس مرئياً فجاءت معه لفظة { أتيناك } " . انتهى



🔻 الخلاصة :

" أن هناك فروقاً بين هاتين اللفظتين ؛ إذ تختص كل واحدة منهما بدلالة عن الأخرى ، وبإيحاء ليس في أختها ، فقد وردت هاتان اللفظتان في كتاب الله كثيراً، و لكل واحدة منهما موضعها المناسب ، وسياقها الملائم ، مما يستحيل معه أن تأخذ كل واحدة منهما موضع الأخرى ، وقد تنبه كثير من العلماء إلى ما بين اللفظتين من فروق ، فأشاروا إليها ، وذكروها في مواضعها ، ومن ذلك ما يفرده بعض العلماء في مصنفاتهم فصولاً تحت عنوان ( ألفاظ يُظن بها الترادف وليست منه ) ويذكرون من هذه الألفاظ لفظتي : جاء وأتى ، ثم يذكرون ما بينهما من فروق " .


_____________


الحلقة (٢٧) :


🔅 قال تعالى : ﴿وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلّا خَطَأً﴾ [النساء: ٩٢]

خَطَأً : بفتح الخاء والطاء .


🔅 وقوله : ﴿إِنَّ قَتلَهُم كانَ خِطئًا كَبيرًا﴾ [الإسراء: ٣١

خِطئًا : بكسر الخاء من الخطإ وسكون الطاء .


فماالفرق بين (الخاطئ) و (المخطئ)

و(خاطئين) و (مخطئين) ؟


🔻 المادة واحدة هي : ( الخاء - الطاء - الهمزة ) والمعنى مختلف ..


👈🏻 الخاطئ :

فعله خطِئ : وهو الذي يتعمد الخطأ ، أو يواقع الذنب وهو يعلمه .

قال تعالى : ﴿إِنَّ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما كانوا خاطِئينَ﴾ [القصص: ٨]

قال : (خاطئين) ولم يقل (مخطئين) !


وقال عز وجل : ﴿لا يَأكُلُهُ إِلَّا الخاطِئونَ﴾ [الحاقة: ٣٧]

جاء في تفسير الطبري : " الخاطئون ، وهم المذنبون الذين ذنوبهم كفر بالله " . انتهى


وقال تعالى: ﴿إِنَّ قَتلَهُم كانَ خِطئًا كَبيرًا﴾ [الإسراء: ٣١]

جاء في تفسير الطبري : " ( إن قتلهم كان خطئا كبيرا ) بكسر الخاء من الخطإ وسكون الطاء ، وإذا قرئ ذلك كذلك ، كان له وجهان من التأويل : أحدهما أن يكون اسما من قول القائل : خطئت فأنا أخطأ ، بمعنى : أذنبت وأثمت . ويحكى عن العرب : خَطِئْت : إذا أذنبت عمدا ، وَأَخْطَأْت : إذا وقع  منك الذنب خطأ على غير عمد منك له . والثاني : أن يكون بمعنى خطأ بفتح الخاء والطاء ، ثم كسرت الخاء وسكنت الطاء ، كما قيل : قِتْب وَقَتَب وَحَذَر وَحِذْر ، وَنَجِس وَنَجَس " . انتهى 



👈🏻 المخطئ :

اسم الفاعل من أخطأ مخطئ ، وهو الذي لا يتعمد الخطأ ، ولا يقع في الذنبَ إلا جهلا ، أو سهوا بلا قصد منه .


ومنه قوله تعالى : ﴿وَلَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ فيما أَخطَأتُم بِهِ وَلكِن ما تَعَمَّدَت قُلوبُكُم﴾ [الأحزاب: ٥]

وقوله : ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذنا إِن نَسينا أَو أَخطَأنا﴾ [البقرة: ٢٨٦]

جاء في تفسير الجلالين : " (أَخطَأنا) أي تركنا الصواب لا عن عمد ، كما آخذت به من قبلنا ، وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة ، كما ورد في الحديث ، فسؤاله اعتراف بنعمة الله " .


ومنه الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه " .



🔻 الخلاصة :

كما يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :

( الصوابُ : موافقة الحق ، والخطأ مخالفته ، ثم إن كان عن عمد فالمخالف خاطئ ، وإن كان عن غير عمد فالمخالف مخطئ ) .


_____________


الحلقة (٢٨) :


🔅 قال الله تعالى في سورة المعارج :

﴿يُبَصَّرونَهُم يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدي مِن عَذابِ يَومِئِذٍ بِبَنيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخيهِ وَفَصيلَتِهِ الَّتي تُؤويهِ وَمَن فِي الأَرضِ جَميعًا ثُمَّ يُنجيهِ﴾ [١١-١٤]


🔅 وقال تعالى في سورة عبس :

﴿يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أَخيهِ وَأُمِّهِ وَأَبيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنيهِ﴾ [٣٤-٣٦]


👈🏻 فما الحكمة من اختلاف ترتيب أفراد الأسرة في السورتين ؟


🔻 في آية المعارج :

قال الطبري - رحمه الله - : " بدأ جلّ ثناؤه بِذِكر البنين ، ثم الصاحبة ، ثم الأخ ، إعلاما منه عباده أن الكافر من عظيم ما ينزل به يومئذ من البلاء يفتدي نفسه لو وَجَد إلى ذلك سبيلاً بأحبّ الناس إليه كان في الدنيا ، وأقربهم إليه نسبا " .


🔻 وفي آية عبس :
قال الطبري : ويعني بقوله : ( يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ) يفرّ عن أخيه وأمه وأبيه ، ( وَصَاحِبَتِهِ ) يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا ، ( وَبَنِيهِ ) حذرا من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التبعات والمظالم " . انتهى


وجاء في " لمسات بيانية " للدكتور فاضل السامرائى :

أولاً في (سورة عبس) قال : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ) إذن هو مشهد الفرار وليس مشهد العذاب مشهد الفرار يخلو بنفسه والفرار عادة يكون من الأباعد ثم ينتهي بالأقربين ... الأبعد هو الأخ قد نكون في مدينة واحدة ولا يرى أحدنا أخاه لسنة بينما يأوي الإنسان كل يوم إلى بيته وزوجه وأولاده


في آية المعارج مشهد آخر ، هذا مشهد عذاب ، مجرم أدركه الجزع والأمر ليس فيه مساومة فأراد أن يفتدي بأثمن ما لديه. أولاً ربنا قال مجرم والمجرم يود النجاة بكل سبيل ويضحي ببنيه لأنه يصنع أيّ شيء ، فبدأ بأقرب القرابة .

لكن الملاحظ أنه ذكر الأخ والأبناء والصاحبة ولم يذكر الأب والأم في الفداء ؛ لعظيم منزلتهما عند الله لا يجرؤ أن يفتدي بهما .

فهل هذا هو الإحسان إليهما أن تضعهما مكانك في جهنم ؟ قد يفرّ منهما لكن لا يفتدي بهما أبداً " . انتهى كلام السامرائي


🔻 الخلاصة :

بدأ في سورة (عبس) بذكر الأخ فالأم فالأب فالصاحبة ثم الأبناء في الأخير ، لأنه مشهد الفرار .

وفي سورة (المعارج) على عكس ذلك ، فقد بدأ بالأبناء فالصاحبة فالأخ فالفصيلة ثم انتهى بأهل الأرض أجمعين ، لأنه مشهد العذاب .

_______________


الحلقة (٢٩) :


🔅 قال الله تعالى : ﴿لكِنِ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ جاهَدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم﴾ [التوبة: ٨٨]


🔅 وقال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم﴾ [التوبة: ١١١]


يلاحظ تقديم المال على النفس في الآية الأولى ﴿ بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم﴾ ، وتقديم النفس على المال في الآية الثانية ﴿أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم﴾ ؛ فماالحكمة من ذلك ؟


🔸اقترن جهاد المال بجهاد النفس في القرآن في عشرة مواضع ، ستاً منها في سورة التوبة ، وتقدَّم فيها جهاد المال على الجهاد بالنفس في تسعة منها ، وتقدَّم جهاد النفس على جهاد المال في موضع واحد ، ولذلك حِكَمٌ وأسرارٌ، وقف عليها المفسرون - رحمهم الله.


🔸قال ابن القيمرحمه اللهفي حكمة تقديم المال على النفس

« أولاً : هذا دليل على وجوب الجهاد بالمال كما يجب بالنفس، فإذا دهم العدو وجب على القادر الخروج بنفسه، فإن كان عاجزاً وجب عليه أن يكتري بماله.

وفائدة ثانية: على تقدير عدم الوجوب؛ وهي أن المال محبوب النفس ومعشوقها التي تبذل ذاتَها في تحصيله وترتكب الأخطار وتتعرض للموت في طلبه، وهذا يدل على أنه هو محبوبها ومعشوقها، فندب الله - تعالى - محبِّيه المجاهدين في سبيله إلى بذل معشوقهم ومحبوبهم في مرضاته ...

ولهذا يدافع الرجل عن ماله وأهله وولده فإذا أحس بالمغلوبية والوصول إلى مهجته ونفسه فرَّ وتركهم، فلم يرضَ الله من محبيه بهذا، بل أمرهم أن يبذلوا له نفوسهم بعد أن بذلوا له محبوباتهم

وأيضاً فبذل النفس آخر المراتب؛ فإن العبد يبذل ماله أولاً يقي به نفسه، فإذا لم يبقَ له ماله بذل نفسه؛ فكان تقديم المال على النفس في الجهاد مطابقاً للواقع.


وأما قوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١] ، فكان تقديم الأنفس هو الأَوْلَى ؛ لأنها هي المشتراة في الحقيقة، وهي مورد العقد، وهي السلعة التي استلمها ربها وطلب شراءها لنفسه، وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنَّته، فكانت هي المقصودة بعقد الشراء. والأموال تَبَع لها فإذا مَلَكها مشتريها ملك مالها؛ فإن العبد وما يملكه لسيده، ليس له فيه شيء؛ فالمالك الحق إذا ملك النفس ملك أموالها ومتعلقاتها». كتاب [بدائع الفوائد]


🔸وقال الشنقيطي - رحمه الله - في [ أضواء البيان] :

«وحقيقة الجهاد بَذْلُ الجهد والطاقة، والمال هو عصب الحرب، وهو مدد الجيش، وهو أهم من الجهاد بالسلاح؛ فبالمال يُشتَرَى السلاح، وقد تُستَأجَر الرجال؛ كما في الجيوش الحديثة من الفِرَق الأجنبية، وبالمال يجهَّز الجيش؛ ولذا لما جاء الإذن بالجهاد أعذر الله المرضى والضعفاء، وأعذر معهم الفقراء الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم .

أما الآية الثانية: فهي في مَعْرِض الاستبدال والعرض والطلب أو ما يسمى بالمساومة؛ فقدَّم النفس؛ لأنها أعزُّ ما يملك الحي، وجعل في مقابلها الجنة؛ وهي أعزُّ ما يوهَب، وأحسن ما قيل في ذلك » . انتهى 


🔸وفي سؤال لفضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - قال فيه السائل: نجد أن الله - عزَّ وجل - في كثير من آيات الجهاد يقدِّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس؛ فما الحكمة من ذلك؟

فأجاب فضيلته بقوله: يظهر - والله أعلم - لأن الجيش الإسلامي قد يحتاج إلى المال أكثر من حاجته إلى الرجال؛ ولأن الجهاد بالمال أيسر من الجهاد بالنفس . [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين]  .

__________



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق